بهذه الكلمات، وبينما كانت ماري تُلقي بتذمرها، رمش ليام مور بعينيه بدهشة.
عيد الميلاد؟ ذلك الذي لا يزال يفصله عنهما أكثر من أسبوعين؟ لم يدرِ كيف بدت تعابير وجهه، لكن الآنسة ماري سرعان ما عبست ورفعت سبابتها نحوه بغضب.
“يا سيد مور، إن عشتَ بهذا الجمود والكآبة، فلن تجرؤ يومًا على ملامسة يد امرأة طوال حياتك!”
“حقًا، يا آنسة ماري؟”
ردّ ليام بنبرة خاضعة، فازداد حماس ماري وتوهّجت نبرتها. في الشهر الأول، كانت بالكاد تستطيع النظر إليه مباشرة، أما الآن فقد بدت وكأنها اكتشفت فنّ الجرأة والمطالبة بحقوقها بنفسها.
“نظّف هذا المكان قليلاً! وأفرغ محتويات تلك الأواني أيضًا! حتى الساحرات لم تفعلن هكذا! ألم تبنِ الساحرة بيتًا جميلاً من الحلوى لهانسل وغريتل؟ إنك تغلق النوافذ دائمًا وتُعدّ خلطات مشبوهة، فلا عجب أن يزداد صداع الآنسة! أنت محقق حقًا؟ أم أنك تمزح؟”
فقرتي المفضلة!! تعالو نعرف حكاية هانسل و غريتل~
تروى القصة أحداث حياة طفلين هانسل (الصبي) وغريتل (الفتاة) يتيمي الأم، والدهما حطّاب فقير طيب، وزوجة أبيهما شريرة تريد التخلص منهما بحجة أنهم فقراء وغير قادرين على رعاية طفلين.
تذهب بهما زوجة والدهما إلى غابة بعيدة وتتركهما هناك ضائعين، حتى يجد الطفلان منزلاً على شكل طعام وحلويات، فيندفعان إليه، يجدان فيه عجوزاً شمطاء طاعنة في السن، تطعمهما ما لذ وطاب من الطعام حتى يناما.
في اليوم التالي يكتشف الطفلان أن هذه العجوز الطيبة ما هي إلا ساحرة شريرة تستدرج الأطفال إلى منزلها، فتحتجزهم وتطعمهم جيداً حتى يصبحوا ممتئلي الحجم، حتى يصبحوا جاهزين لأن تأكلهم.
تحتجز العجوز الصبي هانسل حتى يصبح طفلاً سميناً، في حين تجبر اخته غريتل على تحضير الطعام الذي تُطعمه لفريستها هانسل، إلا أنهما يتفقان على الإيقاع بها وينجحان في استدراجها إلى الفرن الذي كانت تحضره لشيّ هانسل ويتخلصان منها.
يتمكن من هانسل وغريتل من أخذ الكثير من مجوهرات العجوز ويعودا بها إلى منزل والدهم، وقد أصبحوا أغنياء.
كان يريد أن يعترض قائلاً إنها أدوية، لكنه كبح جماح نفسه وأومأ برأسه موافقًا.
“…سأتوب عن ذلك.”
يا للعجب! رجلٌ في مقتبل الثلاثين يتلقى مثل هذا العتاب! حتى في أيام دراسته في إيتون، لم يُوبَّخ قط بضرورة تنظيف غرفته وجعلها مشرقة. كان المكان مليئًا بالفتيان المراهقين الذين يعيشون في جوّ من الكآبة، حتى استسلم المعلمون لهم.
وضعت ماري يديها على خصرها ورفعت ذقنها بتحدٍّ.
“سنبدأ الآن بتزيين المكان لعيد الميلاد. سنعلّق الجوارب، ونضع أغصان شجرة التنوب أيضًا.”
شجرة التنوب هي الشجرة اللي بيتعمل منها شجرة الكريسماس
أغصان التنوب. هذه الكلمة أثارت ذكرياته في قاعة نيفويس. رائحة القرفة الحلوة، وصوت احتراق الحطب، وزيارات أولئك القلائل من أصدقاء والده في عيد الميلاد. كانوا يقطعون شجرة تنوب من الغابة القريبة ويزينونها. لا يعرف كيف فعلوا ذلك، لكن الشجرة ظلت خضراء نضرة حتى ذاب الثلج، وكأنها أصلت جذورها داخل البيت ونمت هناك.
كانت هناك أيامٌ كان فيها يفكر متى سيفتح صناديق الهدايا المتراكمة تحت الشجرة.
“هل ينبغي أن أقطع شجرة تنوب؟”
سأل ليام مور بنبرة عفوية، ثم ابتسم قليلاً. كان ذلك لأن الآنسة الشابة بدت مفتونة بسؤاله.
“هل تعتقد أن الآنسة جين ستحب ذلك؟”
في الحقيقة، لم يكن ليام مور يعرف شيئًا عما تحبه جين أوزموند. بل ربما لم يخطر له أن يسألها يومًا. لذا، لم يجد جوابًا لسؤال ماري، وشعر فجأة بالخجل.
كانت جين دائمًا تتجول في مسارح الجرائم، تفحص الجثث المروعة دون تردد، وتطارد المجرمين ببراعة. كانت مهاراتها تفوق بكثير مهارات المحققين العاديين. عندما استنتجت أن بقعة الدم خلف أذنه لم تكن للضحية، شعر ليام نفسه بالقشعريرة من براعتها.
لم يكن عدد المجرمين الذين ألقوا القبض عليهم بفضل جين قليلاً. كانت هذه الفتاة الذكية تملك بصيرة نافذة في التحقيقات. ومع ذلك، كانت دائمًا تنسب الفضل لغيرها، وتقف كأنها لم تفعل شيئًا، حتى كاد ليام يشعر بالإحباط من تواضعها.
هذا كل ما رآه ليام من جين أوزموند خلال عامين.
لكن الآن، وهو يرى جين بألوان أكثر حيوية، شعر لأول مرة بالجرأة ليسألها.
أعني… ما الذي تحبينه؟
الألوان التي تفضلينها، الطعام، الأغاني، الكتب… والأشخاص. أراد أن يسأل عن كل ذلك، وأن يعرف.
لأول مرة، شعر أن جين بدأت تتضح معالمها أمامه.
كانت جين أوزموند دائمًا كلوحة مائية باهتة في عينيه. ليس في شجاعتها أو روحها، بل في ملامحها. كانت ملامحها الباهتة كالماء تصبح واضحة فقط عندما تواجه الجرائم، وعيناها الخضراوان المتلألئتان كالسيف. لكن، باستثناء ذلك، بدت وكأنها لا تملك أي تفضيلات أو كراهيات.
هل اقتربنا الآن قليلاً؟ هذا التوقع الطفولي رفع رأسه في نفسه.
***
كان ليام يتسكع بلا داعٍ قرب الفتاة، يسترق النظر إلى الكتاب الذي تقرؤه. كتاب تشريح هاريسون بو، الطبعة الثالثة، من نوعية الكتب التي يقرؤها طلاب كليات الطب. عندما جلس ليام على الأريكة، تحول انتباه الفتاة نحوه. كان هذا تقدمًا كبيرًا مقارنة بالماضي حيث كانت تتركه يفعل ما يشاء دون اكتراث. سألها ليام:
“هل هو ممتع؟”
أجابت بنبرة كسولة:
“أقرؤه فحسب. لا أعرف الكثير عن هذه الأمور.”
كلا، أنتِ تعرفين جيدًا. كأنك درستِ هذا وحدك.
“لم أكن أعرف أن تسمية العظام بهذه الصعوبة. أدرس شيئًا لم يكن في حسباني.”
“أوه، من يناسب كلمة ‘جامعة’ أكثر منك؟”
ضحكت الفتاة، وانتشرت ضحكتها كناقوس يتردد في الغرفة ثم خفت. أضافت:
“أشعر وكأنني أدرس تخصصًا مزدوجًا، وهذا مزعج. لو عرفتَ كم كان أستاذي فظيعًا، لاتفقتَ معي.”
“كيف كان؟”
لمست كتفه وهمست:
“تقارير مكتوبة بخط اليد، عشر صفحات، كل أسبوع.”
“كنتُ أظن أن جين أوزموند رمز البرود والمنطق، لكن يبدو أنك أقرب إلى الاجتهاد.”
تلقى صفعة خفيفة على فخذه. بالطبع، لم تكن مؤلمة. كانت تعرف، كما يعرف هو، أن مثل هذه الضربة لن تؤذيه. لكن ليام بالغ في ردة فعله، وهزّ قدميه بطريقة دراماتيكية مبالغ فيها. لو رأى والده آرثر مور هذا المشهد، لشكّ في أن هذا الشاب المتهور هو ابنه حقًا. لكن، بما أن عبوس الفتاة كان يزول عندما يتصرف هكذا، لم يكن أمام ليام خيار سوى ذلك.
انفجرت الفتاة ضاحكة، ومدت يدها بلطف لتمسح على فخذه قائلة: “لم أضربك بقوة لهذه الدرجة.” لكن ليام أراد أن يشرح لها أن هذا التمسيد هو الأكثر خطورة، لكنه كبح نفسه، خشية أن يُعتبر سفيهًا. فالرجل المهذب لا ينبغي أن يُحرج الآنسة.
“جين، لدي سؤال.”
بدأ ليام الحديث، فنظرت إليه عيناها الخضراوان. وبينما يعدّل خصلة شعر زائغة، سأل:
“ما الذي تحبينه؟”
توقفت ابتسامتها للحظة، ربما كانت مرتبكة. أو ربما لم يكن يعرف. بدت الفتاة فجأة أقل حديثًا، وكأنها غريبة. سألته:
“ما أحب؟”
“أي شيء، الحيوانات، الطعام، الألوان، هكذا.”
“أنا…”
ترددت طويلاً قبل أن تبدأ بالحديث.
قالت إنها تحب القطط السوداء، والأحمر والأزرق، ولا تعرف بالضبط أي طعام تفضل، لكنها تحاول أن تحب طقس لندن الضبابي. كانت نبرتها موضوعية بشكل مفرط، وكأنها تتحدث عن شخص آخر.
في النهاية، غيّر ليام الموضوع.
“قطط سوداء؟”
وأضاف وهو يرمش بعينيه: “عادةً يعتبرونها نذير شؤم.”
ضحكت الفتاة قليلاً، ثم ربتت على رأسه كما لو كانت تتعامل مع طفل.
“هل قلتُ لك من قبل أن هذا بسبب إدغار آلان بو؟”
إيدجار آلان بو: هو كاتب قصص رعب و من أشهر قصصه القصة القصيرة Black Cat القصة عن : بطل القصة يروي كيف تحولت محبته للحيوانات – خصوصًا قطة سوداء تُدعى “بلوتو” – إلى كراهية وجنون بسبب إدمانه على الخمر. في لحظة غضب، يشوه القطة ثم يقتلها. لاحقًا، يظهر له طيف قطة أخرى شبيهة بالأولى وكأنها عادت لتنتقم. النهاية مأساوية: البطل يقتل زوجته ويحاول إخفاء الجثة، لكن وجود القطة يكشف جريمته للشرطة. هنا تتحول القطة السوداء إلى رمز للذنب، العقاب، وضمير البطل المعذب.
“أوه، بالطبع، تأثير قصصه المرعبة لابد أن يكون موجودًا.”
“كلها تحيزات. إذا عرفتَ القطط السوداء، ستجدها لطيفة جدًا.”
“إن قلتِ هذا، فلا بد أنكِ محقة.”
هزّ ليام كتفيه. هل كان تخيّلاً أن يديها وهي تربت على رأسه تشبهان من يداعب حيوانًا أليفًا؟ لكنه لم يكن ليتخيل أنها تراه “كقط أسود”، فاكتفى بخفض عينيه والاستمتاع بالمداعبة.
كانت ماري غالبًا تنهره قائلة: “لا تبتسم كالأحمق أمام الآنسة جين.” لكن في هذا العالم، هناك أشياء لا تسير وفق إرادته. مثل رؤية عينيها الخضراوين تنحنيان. في تلك اللحظات، كان يفقد السيطرة على نفسه. حتى عندما واجه كائنات ملعونة في الماضي، لم يتزعزع قلبه، لكنه أمام هاتين العينين كان يضعف بشكل غريب.
منذ لحظة ما، أصبحت هي أولويته الأولى.
كلماته القديمة التي قالها في أيام صباه عادت لتسخر منه: “ألستَ تكره الناس؟ ألم تقل إن هذا حماقة؟”
احمرّ وجهه، ربما بسبب كثرة الحطب في المدفأة، أو ربما لأن هذه الفتاة عرفت شيئًا من ماضيه كان يفترض أن يظل مدفونًا إلى الأبد. الأبد ليس بعيدًا.
“مور الصغير،” نادته الفتاة. كانت أحيانًا تستخدم لقبه القديم لتستفزه، لكنه لم يمانع.
“همم.”
“وجهك محمر.”
لماذا؟
“حقًا…”
ربما لأنه أراد أن يذهب معها إلى مسقط رأسه بجوار البحر.
أغمض ليام عينيه، متقبلاً الحرارة التي أشعلت وجهه.
نعم، أعترف. إعطاء الأولوية لشخص ما ليس شعورًا سيئًا على الإطلاق.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات