كأنما سُكب ماءٌ بارد على أجواء الدفء والانسجام. ثم، في لحظة، تناثر شيءٌ أحمر على زجاج النافذة.
دماء. أدركتُ ذلك فورًا. ما سقط كان…
هرع جيمس ستراندن إلى الخارج صائحًا:
“كريستين، لا تنظري أبدًا!”
لكنني أعلم. عروس جيمس المستقبلية كانت قد أصبحت شاحبة كالورق، تضع يدها على فمها، محدقةً خارج النافذة بذهول.
“أنا… رأيتُ. رأيتُ… لقد رأيته.”
وجه المرأة، وهي تهمهم ببلاهة، غمرته ظلال اليأس.
نهضتُ أنا وليام في اللحظة ذاتها، اندفعنا لنرى ما حدث خارج النافذة. نظرتُ إلى الأسفل بينما رفع ليام عينيه إلى الأعلى. وعندما رأينا ما يبرز من بين أحواض الزهور، تلك المزروعة مباشرة خارج المطعم، أدركتُ سبب تمسك ليام برفضه حضور هذا الزفاف.
كان رجلًا. رجلًا لم يزل يتنفس بعد، يتلوى بضعف، يلوح بيده ويتمتم بشيء غامض:
“أوه… ني.”
ماذا؟ ماذا قال؟
كدتُ أن أمدّ نصف جسدي خارج النافذة، لكن ليام أمسكني وهزّ رأسه. لقد توقف التنفس الآن.
تسلل إليّ شعورٌ بأن هذا الزفاف سيكون مشؤومًا.
لم يدم المجلس الذي كنا نأكل فيه طويلًا.
فمن ذا الذي يستطيع مواصلة تناول الطعام بهدوء بعد أن سقط إنسانٌ ميتًا أمام عينيه؟ صدمة المشهد التي أصابت كل من شاهدوه لا تُوصف، فبدأ الجميع ينهضون من مقاعدهم واحدًا تلو الآخر.
كانت العروس تكاد تفقد وعيها، تترنح، فأُسندت بأيدي الحاضرين وغادرت. ظل جيمس ستراندن يحدق في ظهرها المبتعد بعجز، حرّك شفتيه مرتين كأنه يودّ قول شيء، ثم اتكأ على إطار النافذة. وجهه الودود تشوه بالحزن، وأطلق تنهيدة عميقة.
كان موقف ليام مور جافًا بشكلٍ مدهش. أنا، بمعرفتي أن هذا مجرد لعبة، أراه مجرد بيانات من أصفار وواحدات، لكن ليام مختلف. هو إنسان يعيش هذا العالم. ألا تجعل تلك الحوادث الكثيرة التي مرّ بها إنسانيته تتلاشى شيئًا فشيئًا؟
كنتُ أراقب جانب وجهه وهو يحدق خارج النافذة المفتوحة. ضربه بأطراف أظافره على الإطار مرتين، غارقًا في التفكير، ثم فتح فمه ببطء. ربما كان قد رتب في ذهنه ما يجب فعله تاليًا.
رغم أنه يُطلق عليّ لقب “مساعدته”، فإن معظم القضايا تُحل بفضل عقله الذي لا أعرف حتى ما يحتويه. اعتدتُ أن أترك له تلك الحسابات التي يعجز عقل بشري عادي عن استيعابها، فأصبحتُ أقرب إلى مراقبة. أستمع إلى كلماته، وأتعجب من استنتاجاته الطويلة المعقدة.
“ستراندن.”
لم يبقَ في المطعم سوى نحن الثلاثة. كانت وجوهنا مرهقة كأنما سُحبت أرواحنا، لكننا بالتأكيد أفضل حالًا من ذلك الجثمان المسكين الملقى بالخارج. رمشتُ بعينيّ، وأصغيتُ إلى ليام.
“أنت تعرف هذا الرجل، أليس كذلك؟”
كان حدسه صائبًا. فرك جيمس جبهته، مغطيًا خصلات شعره الأمامية، ثم تكلم:
“…كان سيكون صهري. إنه أخو كريستين.”
“اسمه؟”
“جاستن بيسون.”
أن يموت أخو العروس في ليلة ما قبل الزفاف! هل هناك ما هو أفظع من ذلك؟ لا يمكن أن يكون هذا موتًا طوعيًا، هكذا فكرتُ.
بالطبع، أعرف جيدًا من خبرتي كيف يمكن لشخص محاصر نفسيًا أن يتخذ قرارًا متطرفًا، لكن جاستن بيسون لم تظهر عليه أي علامات لذلك. كان مظهره المرتب يشبه شخصًا يتطلع إلى الزفاف بفارغ الصبر.
ملابسه المكوية بعناية، أظافره المقلمة بدقة، وزهرة الكورساج المثبتة على صدره، كلها تشير إلى أنه ربما كان يجرب بدلته استعدادًا للغد. كان لباس الحاضرين هنا خفيفًا جدًا، مما عزز ظني.
“لماذا تأخر عن مائدة الطعام؟” سأل ليام.
كنا آخر من وصل، لذا من المؤكد أن الآخرين سبقونا. خصوصًا عائلة العروس، كان يفترض أن يكونوا قد وصلوا قبلنا لتحضير الزفاف.
أدار جيمس عينيه كمن يحاول استرجاع ذكرى. رفع بصره إلى أعلى اليسار، مسندًا ذقنه بيده اليسرى، غارقًا في التفكير:
“قال إنه سيبحث عن شيء ما. شيء يريد منحه لكريستين… ظننتُ أن الأمر كذلك، لكن أن يحدث هذا…”
فهمتُ. كنتُ أتنقل بنظري بين وجهي ليام وجيمس طوال الحديث. كان حدسي يصرخ بذلك.
هذا جريمة قتل بلا شك!
تذكرتُ عيني الرجل المفتوحتين على وسعهما من الصدمة، وشفتيه اللتين حاولتا قول شيء.
من يقفز طوعًا يرمي جسده للأمام عادةً. حتى لو انقلبت وضعيته بفعل الجاذبية، فهذا القصر لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة طوابق على الأكثر. وغرف الضيوف لا تُخصص عادةً في الطابق الرابع، لذا الثاني أو الثالث هو الحد الأقصى. هذا الارتفاع لا يكفي لتغيير وضعية الجسم.
بينما كان ليام وجيمس يواصلان الحديث، مددتُ يدي لأفحص الجثة. أخرجتُ منديلًا من جيبي لأتجنب ترك بصمات، وبدأتُ أتفقد هنا وهناك. قد أفسد يدي أدلة محتملة. لا أعلم إن كان هناك تحقيق بصمات هنا، لعله موجود؟ ليس بتقنية القرن الحادي والعشرين بالطبع… أرجو المعذرة، فأنا لستُ من القرن التاسع عشر، وما زلتُ أجهل الكثير عن هذا العالم.
شعرتُ أنني إن لم أفحص الآن، فلن أجد فرصة أخرى. بدا جيمس ستراندن مرتبكًا من تصرفي الجريء، لكنني لم أبالِ.
لنرى، لم تظهر على جاستن آثار ضرب أو جروح واضحة. الإصابات الخارجية كانت من أغصان الأشجار فقط. لكن أظافره، تحت أظافره، كانت هناك دماء جافة تحولت إلى اللون البني، وهي غالبًا علامة دفاع. لابد أن ليام مور يفكر بالمثل.
إن صحت هذه الفرضية، فهذا قتل بلا ريب. وعلى جسد القاتل سيكون هناك خدوش من أظافر الضحية.
كان يريد العيش، وحاول بكل قوته أن ينقل لي شيئًا في لحظاته الأخيرة.
وهكذا، تذكرتُ بشكل غريب المفتش هنري بريكسون من الحلقة الأولى. كيف تحرك رغم إصابته البالغة ليحميني. شعرتُ بقشعريرة في ظهري. لماذا تبدو هذه الأمور… واقعية جدًا؟ هززتُ رأسي بسرعة لأطرد الفكرة.
ما يجب معرفته الآن…
كأنما قرأ النظام أفكاري، جدّد المهمة:
> التحقيق في القضية
> زيارة غرفة جاستن بيسون
> البحث عن المشتبه بهم (التقدم: 0%)
المشتبه بهم.
شعرتُ بجفاف شفتيّ من التوتر. حاولتُ التغلب على ذلك فتحدثتُ:
“هل كان هناك أحدٌ آخر في الطوابق العلوية غير جاستن بيسون؟”
“…لا أحد. من بين المدعوين كضيوف شرف، لم يصل أحد هذا الصباح. أرسل البعض برقيات تفيد بوصولهم في المساء. باستثناء الخدم، نحن وحدنا هنا.”
إذن، ربما أحد الخدم الغائبين؟
في تلك اللحظة، بدأتُ أخمن أن هذه الجريمة من فعل شخص داخلي. شخص يمكن لجاستن أن يسمح له بدخول غرفته بسهولة، شخص لم يكن يحسب له حسابًا، ثم قاومه في النهاية، مما يعني وجود خدوش على جسد الجاني.
كان ليام مور يستمع بهدوء، فرك ذقنه ورفع رأسه. بدا أنه فهم ما أرمي إليه.
“أولًا، سنعتني بالجثة. هل تنوي إقامة الزفاف كما هو مخطط؟”
“هذا نيتي. بعدها، سأتولى ترتيب جنازة صهري بنفسي.”
“إن كان هذا رأيك.”
تركتُهما يتحدثان وعدتُ إلى غرفتي. البقاء لن يضيف شيئًا جديدًا، وكان عليّ تنظيم ما توصلتُ إليه بسرعة.
ربما بسبب موت شخص، شعرتُ أن الممر أصبح أكثر برودة مما كان عليه. عدتُ إلى غرفتي مسرعة، وأغلقتُ الباب بإحكام. إن كان ليام مور موجودًا، سيعطيني إشارة أعرفها، لذا لا داعي للقلق. بمفردي الآن، بدأ التوتر يتلاشى.
حتى تلك اللحظة، كنتُ أركز كل حواسي على ما حولي. هل هناك دليل آخر؟ هل فاتني شيء؟ (أنا، في النهاية، مجرد شخص عادي بقليل من الملاحظة، لذا من الطبيعي أن يفوتني الكثير. يجب أن أكون أكثر يقظة). حاولتُ التقاط تعبيرات من أتحدث إليهم، ونواياهم المخفية في كلماتهم، والجمل التي تبدو غير متسقة.
في حالة الرسائل أو الإفادات، أجد الأمر أسهل. يمكنني تحليل ما يريد الشخص قوله من خلال الكلمات المكررة أو الجمل الأطول. لكن الكلام كالريح الجارية، يصعب الإمساك بها. بمجرد أن يُقال، يتعين عليّ استرجاعه من الذاكرة. والذاكرة عرضة للتشويه، ولا يوجد هنا مسجل صوتي. عليّ التشكيك في ذاكرتي مرات ومرات لأتأكد من صحتها.
فتحتُ دفتري وبدأتُ أسجل ما توصلتُ إليه واحدًا تلو الآخر:
جاستن بيسون بدا متحمسًا للزفاف، لكنه مات. هل دُفع من شخص ما؟ إن كان كذلك، فمن؟
كان شابًا نحيفًا. أي قوة يحتاجها المرء ليدفعه دفعة واحدة؟
الوفاة. سبب الموت: الصدمة من السقوط؟ نزيف حاد؟
في تلك اللحظة، عاد ذلك الشعور البارد الذي شعرتُ به من قبل.
– ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 20"