“إذن، انتهت الإجازة.” 

تمتمتُ بهدوء، فأجاب الرجل بابتسامةٍ آسفة. 

شعرتُ بقليلٍ من الإحباط، لكنني لم أكن متضايقة. لستُ من الجهل بحيث أشكو من أمرٍ لا مفر منه. هكذا هي طبيعة عملنا. 

“أن نغادر قبل عيد الميلاد بيوم يجعلني أشعر بالأسف تجاه والديك، لكن يبدو أن لندن وسكوتلاند يارد بحاجةٍ ماسة إلينا.” 

وصل خبر عودتنا إلى آل مور بسرعة، وبدا أنهم شعروا بالأسى لأننا سنغادر بعد يومٍ واحد. كرر ليام وعوده بالعودة قريبًا والتواصل الدائم. حتى ثيودور مور توسل لنا أن نعود. 

أمسكت السيدة مور يد ليام وقالت بنبرةٍ حنونة: 

“أرسل برقيةً عند وصولك إلى لندن، أتفقنا؟” 

“…حسنًا.” 

“واحترس على نفسك.” 

رد ليام مترددًا: “سأفعل، أمي.” 

ابتسمتُ بحرارةٍ لهذا المشهد. ضحكت السيدة مور بمرح وهي تربت على ظهر ابنها العاق. أجاب ليام بابتسامةٍ خجولة. 

“قاعة نيفويس تنتظركما دائمًا…” 

يا إلهي، أنا أيضًا؟ 

احمرَّت أذنا ليام. تحركت شفتاه وهو ينظر إليَّ. يبدو أن قصة الشاطئ قد انتشرت. بالطبع، من الصعب ألا يُرى رجلٌ وامرأة في تلك الوضعية: ليام مستلقٍ وأنا فوقه. 

فتح ليام فمه ببطء: “أمي، جين هي…” 

طال الصمت، فاتسعت عينا السيدة مور وهي تسأل: “ألستما ستتزوجان؟”

يا للهول، سوء فهمٍ تام! أصبح الزواج وشيكًا. صحيح أنني كنتُ جين مور للحظات في القطار، لكن ذلك كان تمويهًا… 

“…أم، حسنًا…” 

“أليس كذلك؟ هل أنتَ…” 

كأنني سمعتُ كلماتٍ غير معلنة: “هل كنتَ تلعب بها؟” بدا ليام عاجزًا عن الرد. تدخلتُ أخيرًا: 

“نحن لا نزال في مرحلة التعارف.” 

“يا إلهي!” 

بابتسامةٍ راضية عن شباب اليوم، صعدنا إلى العربة. 

بينما كنتُ أغلق باب العربة، ظهرت يدٌ فجأة. كان ثيودور مور. أدخل نصف جسده وقال: 

“السيدة الزوجة.” 

“جين أوزموند.” صححتُ بنبرةٍ مترددة. 

نطق اسمي بتثاقل، لكنه بدا مصرًا على مناداتي بالسيدة الزوجة. 

“آنسة أوزموند، أرجوكِ اعتني بأخي.” 

كنتُ سأفعل دون قول. أومأتُ برأسي بهدوء. أغلق باب العربة. 

“لننطلق!” صرخ ليام وهو يطرق جدار العربة. 

تركنا قاعة نيفويس وآل مور خلفنا، وعدنا إلى محطة لانكرد. انتهت الإجازة القصيرة. حان وقت العودة إلى شارع بايلاندز كمحققٍ ومساعدته. 

شعرتُ أنني لن أنسى أبدًا الجو القاحل والشاعري لهيثفورد. التفتُ لألقي نظرةً أخيرة على المكان. 

فجأة، رأيتُ شخصًا يلوح لي من الشاطئ. كان بعيدًا، فلم أتبينه، لكن شعرتُ بأنه يكن لي الود. 

كانت ملابسه البيضاء ترفرف مع الريح، وشعره يتطاير. لوحتُ له دون سبب. 

نظر ليام إليَّ وهو يسلم الأمتعة: “من هناك؟” 

“هناك من يلوح لي.” 

“يلوح؟” 

تتبع نظره البحر، ونظرتُ معه. لكن لم يكن هناك أحد. اختفى الشخص الأبيض، ولم يبقَ سوى البحر. 

هل أخطأت؟

“ربما أخطأت…”

وضع ليام يده على كتفي وقادني إلى القطار: “أنتِ متعبة، هيا نرتاح.” 

“حسنًا.” 

بعد قليل، انطلق القطار بصوتٍ مدوٍ. اتكأتُ على كتف ليام وأغمضتُ عينيَّ. 

عندما وصلنا إلى 13 شارع بايلاندز في لندن، كان هناك شخصان في انتظارنا. 

الأول كان المفتش توبياس جيفرسون، مرتديًا قبعةً مسطحة ومعطفًا شتويًا ثقيلًا. رحب بنا بحرارة: “أوه!” 

“كيف عرفتَ موعد وصولنا؟”

سأل ليام بنبرةٍ حادة وهو يخلع معطفه. 

دفعتني ماري للداخل وهي تقول: “سأحضر الشاي الدافئ.” 

قال جيفرسون: “أعرف طباعك، كنتُ أعلم أنك ستعود بسرعة. من هيثفورد ست ساعات بالقطار، فانتظرتكما.” 

“حاد الملاحظة في مثل هذه الأمور فقط.” 

ضحكتُ. جيفرسون يعرف ليام جيدًا بفضل الوقت الطويل الذي قضياه معًا. ربما أطول من وقتي معه! 

ناولتني ماري الشاي. تجمعنا أمام المدفأة، نحتسي الشاي وندفئ أجسادنا. 

“إذن، ما الذي جاء بك؟ آمل أن يكون الأمر يستحق استدعاءنا، وإلا سأعود إلى هيثفورد فورًا.” 

“يا لقسوة الشباب اليوم! مستقبل إنجلترا مظلم.” 

“ليبي، خذ هذا الرجل بعيدًا!” 

“كفى! اجلسا وتحدثا. ما الذي حدث، أيها المفتش؟” 

“يقولون إن ميتًا يتجول.” 

قفز ليام من مقعده، شاحبًا وغاضبًا: “هذا مستحيل.” 

“لكن هناك من رأى وجهه.” 

“من؟” 

لم أفهم سياق الحديث، فشرح ليام بهدوء: “أول قضيةٍ حللتها تتعلق بمجرم كان يُخرج السجناء متظاهرًا بالموت.” 

“أُلقي القبض عليه؟” 

“أُعدم قبل خمس سنوات.” 

ناول جيفرسون بعض الوثائق، كتب عليها “سري للغاية”. عبستُ: كيف سُربت؟ 

“نسختها بنفسي. إذا اكتُشف الأمر، سأُطرد.” 

“سنحرقها بعد القراءة.” 

ضحك جيفرسون، عرقٌ يتصبب تحت شاربه، وهو ينتظر ليام بقلق. 

قرأ ليام الوثائق، ضاغطًا على جبينه: “هذا الرجل قضى في كولدباث، ثم أُعدم.” 

“لكن الوثائق تشير إلى نشاطه من جديد.”

قرأتُ عن سجينٍ مات وقبره نُبش. عندما أرسلت سكوتلاند يارد أحدهم، كان كل شيء قد انتهى. 

“اختفى الجثمان.” 

“تمامًا كأسلوبه.” 

تمتمتُ بدهشة: “لا يمكن لميت أن يرتكب جريمة.” 

“هذه هي المشكلة، جين.” 

نظر ليام إليَّ بعينيه الرماديتين: “هو الوحيد الذي يعرف كيف يُخرج السجناء.” 

فهمتُ الآن سبب استدعائنا. قضيةٌ غريبة كهذه تخصصنا. ميتٌ يتجول في لندن ويُخرج المجرمين؟ يا لها من قضيةٍ خارقة! 

“كيف تأكدتم من أنه حي؟ يمكن تقليد الأسلوب. ما الدليل؟” 

أغلق عينيه واعترف: “أنا… أخرجتُ نعشه.”