كأن شيئًا باردًا ومنعشًا يتسلل عبر الممر، يقترب شيئًا فشيئًا.
ليس وهمًا! فقد سمعتُ بالفعل وقع أقدام! صوت السجاد وهو يُضغط، صوت خافت بعض الشيء، مكتوم، يتردد بانتظام.
جلستُ على الكرسي، وقد ألقيتُ القلم من يدي، متسمّرة في مكاني كأنني تجمدت.
وصل ذلك الشعور إلى باب الغرفة، وها هو صوت مقبض الباب يدور الآن. الحمد لله أنني أغلقته، وإلا لكان قد فُتح ودخل منه أحدهم. كتمتُ أنفاسي، محدقة في المقبض الذي يتحرك، وأنا أصلي بلهفة أن يعود ليام مور بسرعة.
طقطقة.
طقطقة. طقطقة. طقطقة. طقطقة.
تكرر ذلك عدة مرات، ثم بدأ صوت طرق متواصل لا ينقطع.
طرق طرق طرق طرق طرق.
ثم سكون.
هل رحل؟ بينما كنت أفكر في ذلك، بدأ مقبض الباب المجاور فجأة —الباب المتصل بغرفة ليام مور— يدور بعنف كالمجنون.
“مجنون مجنون مجنون، ما هذا؟”
لعبة رعب، أليس كذلك؟ كنت قد نسيت، لكنها بالفعل لعبة رعب. بدأت موسيقى خلفية قاتمة تتردد. دون. دون. دون. شعرت حينها برعب خفيف.
ليام!
كادت أنفاسي تتوقف. هواء لزج، رطب، وثقيل بدأ يتسلل إلى الغرفة. كيف يمكن هذا؟ المفتاح معي، ومع ذلك فُتح الباب.
كيف؟ كيف؟ كيف انتقل الشخص الذي كان أمام بابي إلى غرفة ليام مور؟
شعرت ببرد قارس!
ومع فتح الباب ببطء، واجهتُها.
امرأة بشعر منسدل، ترتدي ثوب نوم.
انفتح الباب.
وكانت المرأة تبتسم.
“كيف؟”
حتى الباب المتصل بغرفة ليام مور كان مؤكدًا أنه مغلق، ففتحه أمر غريب، ووجود هذه المرأة غريب، وكل لحظة في هذا المشهد غريبة. لكن لم يكن هناك من يفسر لي هذا الغرابة.
ما إن دخلت المرأة الغرفة، مبتسمة بامتداد شفتيها، حتى شعرت بشيء خانق يعتصرني. خوف مجهول انتابني. مع كل خطوة كانت تخطوها، كان الهواء يثقل أكثر.
“يا إلهي، يوجد شخص هنا…”
سمعت صوتها كأنه يأتي من حلم. اتكأت على ظهر الكرسي، أتنفس بهدوء، خائفًا أن أي حركة قد تجعلها تلتقطني. وفي تلك اللحظة، تذكرت كلمات ليام مور مجددًا:
— لا تدعي أحدًا يدخل الغرفة أبدًا، وإن دخل أحد، فلا تنهضي من مكانك.
لكن ليام مور لم يكن يعلم شيئًا واحدًا: أن هناك من يستطيع فتح الأبواب المغلقة في هذا القصر.
كانت المرأة تسحب قدميها ببطء وهي تمشي. ثوب نومها الطويل متسخ بالسواد، شاحب المظهر. شعرها المبعثر متشابك عند مؤخرة رأسها. شعرت ببرد يخترق عظامي ينفذ إلى جلدي، وفي لحظة سخرية، راودني هذا السؤال:
هل هي بشر حقًا؟ أي إنسان يحمل مثل هذا البرد؟
ألجمتُ تلك اليقظة اللحظية، وكان صوتي هو أول من خرج، ربما في محاولة للتخلص من ذلك البرد القارس.
“…من أنتِ؟”
سألتها. نظرت إليّ المرأة بنظرة فضولية، كأنها لم تتوقع أن أبادرها بالحديث. لكنها لم تجب على سؤالي.
“يبدو أنك ضيف، أليس كذلك؟”
كان نبرتها كمن يؤكد ما يعرفه مسبقًا. أدركتُ حينها، ولو بشكل ضبابي، أن سكوتي لن يفيد. مهما قلت، ستنكشف أكاذيبي، وتلك العينان الداكنتان ستريان الحقيقة…
كان شعورًا مشابهًا لأول لقاء بليام مور. صوته الهادئ المتزن كان كفيلًا بأن يجعل أي شخص يشعر بذلك.
موقفها، كأنها تراقبنا منذ لحظة وصولنا، زاد من خوفي. من أين كانت تشاهد؟ شعور مقزز بدأ يتسلل إليّ، ولم أستطع كبح رعشة خفيفة، ربما لأنني لست من النوع الذي يعتاد مثل هذه الأمور.
مدت المرأة يدها فجأة. انتفضتُ وألصقتُ ظهري أكثر بالكرسي، كأنني أعتقد أن ذلك سيبعد يدها عني.
توقفت يدها أمام وجهي، كأن شيئًا ما أعاقها، ثم أظهرت ابتسامة غريبة.
“شخص ذكي.”
لكن ليس بقدري…
تمتمت بذلك وهي تقترب بيدها أكثر. بدا أنها تبذل جهدًا. في تلك اللحظة، رأيت شيئًا شفافًا يتشوه عند أطراف أصابعها، غشاء رقيق كفقاعة صابون.
كانت نافذة الغرفة كبيرة، وأشعة الشمس الساطعة تتسلل منها، لكن درجة حرارة الغرفة لم ترتفع قط. الغشاء المحيط بي لمع بألوان قوس قزح للحظة، ثم تمزق مبتدئًا باللون الأرجواني، وسرعان ما لمست يدٌ عظمية باردة كالجليد كتفي. اخترقتني قشعريرة حتى مع ارتدائي سترة صوفية.
كان تعبير المرأة لطيفًا، كأنها تسألني إن كنت أريد سكرًا في الشاي، بطبيعية تامة.
“آسفة إن أفزعتكِ، أيتها الضيفة. لكنني أردتُ لقاءك. أليس من حق سيدة المنزل أن تفعل ذلك؟”
“سيدة، المنزل؟”
بالطبع، ما تبع ذلك أذهلني أكثر.
سيدة المنزل!
هنا، علينا أن نستعيد الغرض من وجودنا في هذا القصر. لقد جئنا من أجل حفل زفاف. زفاف كريستين بيسون وجيمس ستراندن، الصلح بين العائلتين، تلك المهمة العظيمة! لكن أن تكون هناك سيدة منزل بالفعل يعني…
‘جيمس، ستراندن، هل تزوج بالفعل؟’
هذا الوغد، أهو مرتكب جريمة الزواج الثنائي؟
ضحكت المرأة بصوت عالٍ، كأنها قرأت تعبير وجهي. فتحتُ عينيّ بدهشة، أستمع إلى صوت ضحكاتها.
استمرت في الضحك لفترة، ثم مررت يدها على رأسي. رغم أنها تبدو في مثل عمري، تصرفت كأنني أصغر منها بكثير.
رفعت رأسها كأنها تتحقق من ساعة غير مرئية، ثم نظرت إليّ مجددًا وتحدثت بسرعة:
“أنا أميليا جوكينز. تذكري اسمي جيدًا. أود قول المزيد، لكن للأسف، الوقت المسموح بيننا ليس طويلًا. سأزورك لاحقًا في الليل، وسنتحدث حينها أكثر.”
بهذه الكلمات، خرجت المرأة من الباب الذي دخلت منه. كانت حركتها سلسة كأنها تعيد تشغيل شريط بالعكس. ثم أغلقت الباب. طقطقة، لقد كان صوت المقبض وهو يدور.
اختفى كل البرد المحيط مع خروجها، كأنها جمعته معها وغادرت…
رفعتُ صوتي كأنني أستطيع إيقافها:
“انتظري، لا ترحلي! اشرحي لي…!”
مددتُ ذراعي وفتحتُ عينيّ في الوقت ذاته.
رأيتُ سطحًا خشبيًا أمامي أولاً، فظننتُ للحظة أنني ربما سقطتُ على الأرض، فكرة سخيفة بالطبع.
نظرتُ مجددًا بذهول، وشعرتُ أنني جالس إنه مكتب. يبدو أنني كنت أضع خدي عليه. هل كنت أحلم؟ شعرتُ فعلاً ببعض الخمول.
لا وجود للمرأة. لم يعد هناك غشاء كفقاعات الصابون يحيط بي. الغرفة دافئة كأن شيئًا لم يكن. امتلأت بضوء قرمزي.
في تلك اللحظة، شعرتُ بالغرابة مجددًا. تتبعتُ مصدر الضوء بعيني، داخل الغرفة وظلال النوافذ.
…الشمس تغرب. أتذكر بوضوح أنه كان وقت الظهيرة. قبل الغداء حدث ذلك، فإن كنت قد قابلت تلك المرأة، كان يجب أن يكون النهار. لكن…
تذكرتُ حوار ليام وجيمس عن تكليف أحد الخدم بترتيب أمر جثة جاستن بيسون. لم يكن هناك المزيد لأفعله، فعدتُ وجلستُ لأكتب.
وكدليل على ذلك، كان أمامي حبر وقلم نصفه مغروس في الورقة. كانت الأوراق مكتوبة بتفاصيل حوارات جيمس ستراندن، موثقة بدقة، لكن الحروف بدأت تتلاشى تدريجيًا نحو الأسفل حتى انزلقت.
…هل غفوتُ وأنا أكتب؟
نهضتُ وفتحتُ الباب المتصل بالغرفة المجاورة، وأنا أعلم أن أميليا جوكينز لن تكون هناك.
ظهر أمامي شعر أسود لامع قليلاً تحت ضوء الغروب. خصلات متدلية بطبيعية تضفي جوًا رقيقًا. رجل طويل مسترخٍ على كرسي مريح، يسند ذقنه.
ليام مور.
حاجباه الكثيفان ممتدان، وتحت جفنيه العميقين تبرز جفن مزدوج وأهداب كثيفة. كان يرتدي رداءً فضفاضًا بأزرار مفتوحة. صدره القوي يرتفع وينخفض ببطء مع كل نفس. عيناه الرماديتان تعكسان الضوء بشفافية مذهلة.
كان المشهد خلابًا لدرجة أنني تسمرتُ للحظة، أحدق في وجه ليام مور وهو يقرأ، متناغمًا مع الغروب.
“آه، جين، استيقظتِ؟”
ما إن أزلتُ يدي من المقبض حتى سألني دون أن يرفع عينيه عن الكتاب. أصبحنا الآن قادرين على تمييز وجود بعضنا دون حاجة لأي إشارة.
…لحظة، استيقظتِ؟ هل زار غرفتي؟
سألته ببعض الارتباك:
“هل كنتُ نائمة؟”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 21"