عاد السؤال الذي كنت قد نسيته يطفو على السطح. تماماً مثل إيروس وبسيخي ، ما زلت لا أستطيع أن أفهم لماذا يختبئ إل في الظلام ولا يريني وجهه.
[ملاحظة : بسيخي (Psyche) كانت أميرة بشرية جميلة جدًا لدرجة أن الناس بدأوا يعبدون جمالها بدلاً من الإلهة أفروديت (Venus)، فغارت أفروديت منها. لذلك أمرت أفروديت ابنها إيروس (Eros) — إله الحب (نفسه “كيوبيد” في الأساطير الرومانية) — أن يجعل بسيخي تقع في حب رجل قبيح.
لكن عندما رآها إيروس، وقع هو في حبها
أخذها إلى قصر سحري وأصبح يزورها كل ليلة، لكنه أوصاها ألا تحاول رؤية وجهه أبدًا. كانت تعيش معه في سعادة لكنها لم ترَ ملامحه قط.]
‘هل هو عدوي أيضاً؟’
مثل الملك الأسود؟
إذا فكرت في الطريقة التي تصرف بها معي حتى الآن، فمن الواضح أنه يحمل لي النوايا الحسنة. لكن من الصحيح أيضاً أن توقيت ظهوره كان دائماً مشبوهاً.
ظهر إيل بعد أن بدأت وظائف النظام تختفي واحدة تلو الأخرى. وكلما تقدمت في الحلقات، كلما سمعت صوت إيل.
ربما… هل هو من سلب مني وظائف النظام؟
تذكرت صوت إيل وهو يحذرني. لقد أنقذني من خطر الموت وحافظ على عقلي. من الواضح أنه لا يريد موتي. على الأقل، ليس مثل الملك الأسود أو كلارا بارنوم.
سألت في الفراغ ببارقة أمل ضعيفة:
“إيل؟”
لم يُسمع أي رد. شعرت بخيبة أمل، لكن لا بأس لأنني كنت أسمع طنيناً في أذني باستمرار منذ فترة. كان هذا هو الصوت الذي سمعته في العربة وفي منزل كلارا. يحاول إل الوصول إليّ. لذا، كل ما علي فعله هو الاستجابة لجهوده.
***
عندما استعاد ليام مور وعيه، كانت أشعة الشمس الساطعة في الصباح تخترق عينيه. بمجرد أن فتح عينيه، انحنى بسبب الغثيان الذي اجتاحه. كانت حنجرته ساخنة.
“أُف…”
استمر الغثيان لبعض الوقت. كان ليام مور يلهث وهو منكمش على الأرض. اتسعت عيناه لا إرادياً عندما تدفق الدم الأحمر الداكن دون أن يتمكن من فعل أي شيء.
‘لماذا؟’
لطخ المزيد من الدم المتقيأ الأرض ويديه. لكن عقله كان مليئاً بسؤال واحد فقط:
‘كيف؟’
إنه إحساس قاسٍ.
التعويذة التي وضعها على جين أوزموند لم تتحطم فحسب، بل تمزقت إرباً. لقد حطم أحدهم حمايته بالقوة وأخذ جين. كان بإمكانه الشعور بذلك.
لابد أنه فقد وعيه بسبب تداعيات ذلك. كان الألم الذي لا يزال يخدر أطرافه يضغط عليه. وكأن شيئاً ما يضربه باستمرار لكسر إرادته. لقد حطموا التعويذة، وصبوا عليه لعنة في المقابل، لذا ربما كان هذا الألم متوقعاً.
كم سنة من عمره قد قُدمت ثمناً لهذا الحادث؟
“…….سنتان تقريباً.”
خرج صوته خشناً وكأنه يتشقق.
بمجرد أن استجمع ليام قواه ونهض، دارت رؤيته في حلقة كاملة. عبست عيناه الرماديتان وهو يحدق في أصابعه المرتعشة.
لقد ارتكب خطأ. تأخر مرة أخرى. لم يدرك أن شيئاً فظيعاً قد حدث لجين إلا بعد أن استعاد وعيه.
يجب أن تكون جين الآن مع شخص يتمتع على الأقل بنفس مستوى الكفاءة السحرية التي يمتلكها ليام. هذا ما يعنيه أنهم تمكنوا من كسر تعويذته.
لماذا لم يكن مستعداً!
حتى في خضم كل هذا، كانت اللعنة التي وضعها هذا الكائن تُضعفه. إضافة لعنة واحدة أخرى لم تكن مشكلة بحد ذاتها، لكن جسده كان بالفعل ضعيفاً للغاية. لم يكن قد تعافى تماماً من آثار الاستغلال والإرهاق الذي تعرض له كأداة لأتباع الكائنات الخارجية، تلك الكائنات المظلمة والمشؤومة. كانت القوة التي استخدمها بالقوة في تلك الحالة تلتهم حياته.
“يجب أن أسرع…”
تمتم كالمجنون وارتدى معطفه. لم تعد بقع الدم الأحمر الداكن على كميه وسرواله مهمة.
لم يكن يعلم كم مرة أخرى يمكنه استخدام قوته. لقد انتهك التحذير بعدم استخدام الزجاج. بعد فترة وجيزة من الهدوء، استخدمها مراراً وتكراراً. كان من الغريب أن الوعاء لم ينكسر بعد. ولكن إذا كان الثمن هو فقدان جين أوزموند إلى الأبد، أليس هذا سعراً رخيصاً نسبياً؟
“بالتأكيد. إنه رخيص.”
تمتم وخطى خطوة، وعبس في ضوء الشمس الذي كان يترنح مثل السراب.
لقد بدأوا في التحرك. نقيض غرينتش، الأعداء المبتذلون، الأوغاد الذين يعبدون الآلهة المحتضرة. (مالآخر آلهة مش موجودة في الوجود زي الآلهة الإغريقية)
“جين.”
بدأ يشعر بالقلق. لم يتمكن من اصطحاب جين. لحسن الحظ، كان يتذكر موقع المكان الذي قالت إنها ستلتقي فيه بصديقتها. ربما حدث شيء في طريق عودتها. أو ربما تكون صديقتها تلك ليست إنساناً. كان عليه أن يسرع.
مسح فمه بخشونة بكمه وصاح بصوت عال:
“أيها السائق!”
***
وعندما وصل إلى المكان، واجه ليام مور شراً قديماً جداً.
شبكة عنكبوت ماكرة وخبيثة تستهدف جين أوزموند وحدها كانت منتشرة في جميع أنحاء المنزل. فخ لا يعرف متى نُصب. كان يشوه الواقع ويضعف القدرة المعرفية. كانت جين قد بدأت للتو في عبور الحدود، لذا لم تكن لتتمكن من الاستجابة بحدة.
كان منزل كلارا بارنوم فارغاً. المكان الوحيد الذي يمكن العثور فيه على أثر هو غرفة الطعام، ولم يتبق فيها سوى طعام متعفن وزجاجة نبيذ مكسورة.
لا. يسمع صوت تنفس. كان رجل ضخم ملقى على الأرض وعيناه مغمضتان. كان رجلاً بحرياً من ملامح بشرته التي كانت سمراء قليلاً وملابسه.
كانت رائحة كريهة ونفاذة لا تزال عائمة في الهواء. على الرغم من إخفائها بذكاء وراء النبيذ، أدرك ليام ما تعنيه هذه الرائحة الفريدة التي تشبه عرق السوس. لا يوجد سوى شيء واحد له هذه الرائحة في لندن.
“أفيون.”
نهض وهو يقلب قطع الزجاج بطرف عصاه.
لابد أن كلارا بارنوم هي من أعطت جين هذا الدواء اللعين. هذه الكمية كانت كافية لتخدير بحار ضخم على الفور.
دون أن يحاول إيقاظ الرجل النائم عمداً، خرج ليام بهدوء من القصر. الفوضى التي ستحدث عند استيقاظه هي مشكلة ذلك الرجل. لم يكن لديه رفاهية إظهار هذا النوع من اللطف.
غير اتجاهه على الفور وطرق باب المنزل المجاور. بعد لحظة، فُتح الباب ببطء. كان خلف الباب شاب خادم بوجه حائر.
“هل تعرف أي شيء عن المنزل المجاور؟”
سأل ليام مور فجأة متجاوزاً المقدمات الطويلة. رمش الشاب الخادم بعينيه ونظر إلى المنزل المجاور بمد رقبته.
“هل تقصد هذا؟ بيت بارنوم؟”
“نعم، بيت بارنوم.”
“أعتقد أنه كان فارغاً لفترة طويلة. بدأت صاحبته لا تعود إلى المنزل منذ حوالي نوفمبر الماضي. ربما يمكنك معرفة مكان انتقالها إذا ذهبت إلى الوكيل.”
تبًا. تمتم ليام مور في داخله وهز رأسه. سيكون من الأفضل له أن يتبع أدلة مباشرة بدلاً من تضييع الوقت في ذلك.
“هل تعرف وظيفة المالك؟”
“أعتقد أنها كانت صاحبة شركة تسمى بارنوم آند جاكسون أو شيء من هذا القبيل. سمعت أنها تعمل في مجال الشحن.”
“عنوانها،”
“هل لديك قلم؟”
بما أن ليام مور بدا متوتراً، كتب الشاب عنواناً في دفتره.
“لا داعي للمكافأة.”
“…شكراً لك.”
لحسن الحظ، لم تكن الشركة بعيدة جداً عن هنا، لذا سار ليام دون توقف نحو شركة الشحن.
لكن المشهد هناك كان هو نفسه. كل شيء كان فارغاً ومهجوراً. لم يكن هناك سوى أوراق مهملة ومنظف المبنى. أمسك بمنظف على عجل وسأله عن أخبار الشركة، لكن كل ما عاد إليه كان كلمات لا معنى لها.
“أُفلسوا وطردوا الموظفين. هل أنت دائن؟”
“لا، لست كذلك. أنا أبحث عن الرئيسة…”
“الآنسة بارنوم؟ لم أر وجهها منذ بضعة أشهر. يبدو أن الشركة قررت الإغلاق لأنها لا تعمل بدون رئيسة.”
عبث ليام مور في شعره بانزعاج. تجعد شعره القصير المصفف بعناية تحت كفه.
هل يجب أن أذهب وأجد أوين كاسبير؟ لكن من المؤكد أنه لم يتعاف جسدياً أيضاً. إذا طلب شيئاً يتطلب جهداً كبيراً في وقت قصير، فسينتهي الأمر بـ أوين في تابوته.
“إنه طريق مسدود……”
كان وضعاً لا يستطيع فيه التراجع ولا التقدم.
السحر ليس حلاً سحرياً لكل شيء. على عكس الكائنات في الأساطير والخرافات، هناك دائماً حدود لما يمكن أن يفعله الإنسان. في مثل هذه الأوقات، كان ليام دائمًا ما يلوم نفسه على ضعف قوته.
‘تسمون شيئاً لا يستطيع حتى إنقاذ شخص واحد معجزة؟’
كلام فارغ. لا يوجد قانون يقول إن الإنسان لا يستطيع فعل ذلك. إذا كان هناك، فيمكن تجاهله. كانت هناك طرق لا حصر لها للدفع، سواء بتقديم بقية حياته، أو التضحية بجزء من جسده، وكان ليام مور مستعداً تماماً لذلك.
كانت الأشياء التي رآها بمرارة منذ صغره تهمس.
كانت هذه هي لعنته. ماذا أخذوا منه مقابل رؤية ما لا ينبغي أن يراه! حياته بأكملها! كان على ليام مور أن يعيش حياته كلها ملعوناً، وهو يرى هذه الأشياء!
قالت الأصوات التي تهمس في أذنه: هذا هو مصيرك. فقدان جين أوزموند هو مصيرك الوحيد.
“…من قال إنني سأسمح لك بأخذها بسهولة.”
تدفقت سخرية خفيفة من بين شفتيه. ما يعتقدون أنه مصير يُمكن دائمًا أن يتم تغييره. ألم يكن هناك الكثيرون في الأساطير القديمة يكافحون من أجل تغيير مجرى حياتهم؟ إذا حاول عدة مرات، فلن يكون هناك شيء لا يمكنه حمايته.
حرك ليام مور يده. كانت لا تزال خدرة، لكن حواسه عادت بالتأكيد. هذا يكفي ليقاتل. لحسن الحظ، كان لديه ما يكفي من القوة للقيام بذلك.
كانت تلك الكائنات التي لا تزال تحوم حوله تضحك عليه.
“اذهبي بعيداً…”
مرة أخرى، ارتفع ألم دافئ من الداخل. كان ذلك عندما تنهد ليام واستند بظهره على الحائط. شعر بارتعاش صغير في ساعة جيبه. كانت عقارب الساعة والدقائق التي فتحها تتحرك بسرعة كبيرة.
التعليقات لهذا الفصل " 100"