أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
تغيّر تعبير المديرة. اختفى مظهر الخوف والارتباك الذي كان يكسوها، ولم يبقَ في عينيها سوى الغضب، كما لو كانت تنظر إلى تابعٍ متكبّرٍ عليها.
“ما أنتِ؟ أأنتِ من فعل هذا؟”
“…”
“أأنتِ من أحضرني إلى هنا؟ لماذا أنا هنا؟”
رغم الألم الذي لا بد أنها تشعر به، ظلّ صوتها حادًّا موجَّهًا نحو سيمون وحدها.
حتى وهي تصغي إلى ذلك الصوت المليء بالحقد، اكتفت سيمون بابتسامةٍ باردة وكأن الأمر لا يعنيها.
“كيف تجرؤين على معاملتي هكذا—”
“آه. الرائحة كريهة.”
توقفت المديرة عن الصراخ فجأة، مدهوشة.
ماذا قالت للتو؟
رائحة؟
هل تجرؤ سيمون على القول بأنني أُصدر رائحة كريهة؟
“أنتِ..! يا حقيرة! لقد عانيتُ الأمرّين بسببكِ، والآن ماذا؟ وقعتِ في ورطة—”
“آه، نعم، أنا من فعل هذا.”
أطبقت المديرة فمها مرة أخرى أمام جواب سيمون غير المتوقع.
“أنا من جلبتكِ إلى هنا.”
“…”
“إن كانت لديك أسئلة أخرى، فاسألي ما شئت. سأجيب عن جميعها.”
قالت سيمون ببرود، ملامحها لم تتغيّر قط، وعلى وجهها ابتسامة وادعة.
كأنها تستمتع كثيرًا بالموقف.
لم تعد كساحرةٍ عائدةٍ في هيئة الانتقام، بل بدت وكأنها أسرت المديرة فقط من باب التسلية.
(ما هذا؟)
هل هذه فعلًا سيمون التي أعرفها؟
ورغم أن سيمون تنتظرها وتفرش لها المجال لتسأل ما تشاء، لم تستطع المديرة أن تفتح فمها بسهولة.
لقد شعرت بارتباك شديد.
هذه ليست سيمون التي عرفتها. سيمون التي عرفتها كانت خجولة، سهلة الانقياد، ترتجف حين تلتقي عيناها بعيني المديرة، وتتفاداها حتى لو كُلّفت بمهمة بسيطة.
أما سيمون التي أمامها الآن؟
عيناها المغمضتان قليلًا، أسلوبها المتعجرف وكأنها نبيلة، ملابسها الأنيقة، وشعرها الناعم المنسدل… لم تكن تتأثر بكلمات المديرة ولا بأفعالها.
إنها تبدو شخصًا آخر بوجهٍ مألوف.
ظلت سيمون تبتسم للمديرة.
وجهٌ هزيل ذابل.
مشهد بائس، بلا من يمسح الدماء المتدفقة من عينيها وأنفها وفمها وأذنيها.
ساقان مكسورتان ملتويتان، وبطنٌ يبدو مصابًا بشدّة جعلها تنكمش وهي تتنفس بصعوبة محاولةً تحمّل الألم.
وفوق كل ذلك، تلك الرائحة النتنة.
من كان يتوقع أن تنتهي المديرة المتعجرفة إلى هذا الحال؟
“آه… آه…”
شهقت المديرة وهي تمسك بأضلاعها المؤلمة أكثر بسبب انفعالها.
ثم فكرت قليلًا وسألت بتعبير أهدأ قليلًا:
“أين نحن…؟”
“في قصر دوق إلستون الأكبر.”
“…أيتها الحقيرة، ولماذا تكلّمينني بلهجة غير محترمة؟”
حدّقت المديرة في سيمون بحدة، لكن سيمون ردّت على نظرتها باستهزاء قصير.
“لأنكِ أنتِ أيضًا تكلّمينني هكذا.”
“…هاه.”
تنفّست المديرة بعمق وكأنها تبتلع غضبها.
حسنًا، لا داعي لأن أنفعل الآن.
إن غادرت سيمون وتركتني سجينةً بلا إجابات، فسأفقد السبيل الوحيد لفهم الموقف، وفرصة الهرب الوحيدة.
فسألت:
“لماذا أنتِ هنا؟”
“لأنني عقدتُ اتفاقًا مع دوق إلستون الأكبر.”
“أي اتفاق؟”
“ألستِ مهتمة أكثر بمعرفة سبب وجودي هنا من وضعكِ أنتِ؟”
“اخرسي وأجيبي على أسئلتي، أيتها الحقيرة! …هاه!”
لكن قبل أن تكمل، تقدّم الرجلان الواقفان خلف سيمون، لويس وآبيل.
لويس وضع يده على سيفه مهددًا، وآبيل أمسك برقبة المديرة.
“كُفّي!”
“رجاءً اكتفي بأسئلة تخص وضع سيمون الحالي. لا تسألي عن غير ذلك.”
ماذا يجري؟ هذا لا يُعقل. كيف تعيش سيمون، مستحضرة الأرواح، حياةً طبيعية وتحظى بمعاملةٍ مهيبة كهذه؟
ارتبكت المديرة وشعرت بالظلم، والدموع تنساب على وجهها، لكنها أومأت لتفلت من يد الرجل الخشنة.
“هيه، أعيدي السؤال.”
أفلتها آبيل، لكنه وضع قدمه فوق ساقها المكسورة وهو يحدّق بها بتحذير.
قالت المديرة مرتجفة:
“لماذا جلبتِني إلى هنا؟ أطلِقيني.”
“كنتِ تُعذَّبين على يد أشباح الميتم، فأنقذتُكِ. والسبب في إحضاركِ إلى هنا، بالطبع، هو لتلقي عقابكِ على يد الدوق الأكبر.”
“…عقاب؟”
“الأموال المخصّصة لدعم الميتم. تلك التي اختلستِها.”
ارتجفت عينا المديرة. هل كُشف اختلاسها للمنح؟ ألهذا السبب أُغلق الميتم فجأة؟
(لا، ولكن… الدوق الأكبر نفسه يتولّى عقابي؟)
رمقتها سيمون ببرود، وقد بدا الرعب على وجهها. ثم تنهدت وقامت واقفة.
“في الحقيقة، لم أكن أرغب بالمجيء.”
رغم أن “سيو هيون-جونغ” تعيش الآن في جسد سيمون، إلا أن ذكريات سيمون ما تزال باقية.
وقد عرفت من خلال الكتاب أي إهانات تلقتها سيمون بسبب المديرة.
حتى هيون-جونغ نفسها تعرّضت للاعتداء من المديرة، وأُجبرت على أعمال سخيفة ومهينة.
على أي حال، بالنسبة لها، سواء الانتقام أو الأشباح، كانت أشياءً تثير الاشمئزاز لمجرد التفكير بها.
ومع ذلك، السبب في مواجهة سيمون للمديرة والرد على أسئلتها، كان أوامر دوق إلستون: أن تجعل المديرة تدرك وضعها قبل أن يأتي بنفسه.
“الدوق الأكبر سيأتي قريبًا. هذا ما أعلمه على الأقل.”
(هل يكفي هذا؟)
نظرت سيمون إلى الخدم الذين يسدّون الباب بعينيها، فأومأوا بصمت وتركوا ممرًا ضيقًا لها لتخرج.
غادرت سيمون الغرفة، لكن المديرة المرتجفة صاحت مجددًا:
“انتظري! انتظري! هناك! أيها الناس!”
نادَت الخدم، لا سيمون. وأمسكت بآبيل ولويس.
“أتتركونني هكذا؟ أريد مُعالجًا! استدعوا مُعالجًا! أيها الأوغاد! لمَ تستمعون لمستحضِرة الأرواح هذه! أهي سيدتكم؟ لماذا أعاقَب أنا؟ من يجب أن يُعاقَب ويُعدم هي سيمون الساحرة! لو لم تربّوا طفلة مثلها—”
بووم!
أُغلِق الباب بقسوة، كأنهم لا يريدون سماع كلمة أخرى منها.
وبعد قليل…
كليك—
انفتح الباب مجددًا.
دخل دوق إلستون الأكبر بوجهٍ بارد، وبرفقته معلّمتان من الميتم شاحبتا الوجه ترتجفان خوفًا.
ممرّ مشرق في القصر، تغمره أشعة الشمس الدافئة.
فتى بشعر فضي وبشرة بيضاء كالثلج كان يمشي بهدوء في ثياب بيضاء.
“يا سمو الأمير، لدينا ضيوف الآن—”
“أعلم.”
أشار الصبي بإصبعه إلى شفتيه طالبًا من الخدم الصمت، بينما كانوا يتردّدون وكأنهم سيسقطون عند كل خطوة يخطوها.
حتى تلك الإيماءات البسيطة وصوته الرقيق كانا هشّين كالريش.
“السيد جيس…”
ناداه الخدم بقلق، لكنهم عادوا إلى غرفهم حين لوّح لهم بأنه سيعود سريعًا.
جيس.
كان يراقب بصمت الفتاة ذات الشعر الأسود التي كانت تتحدث مع الآخرين غير بعيد عنه.
(تلك هي سيمون.)
“منقذتي.”
قبض على حجرٍ سحري في يده بلا وعي، حجر رغبة قديس.
لقد عاش كل يوم وكأنه كابوس طويل لا ينتهي.
ثم في يوم ما، أنقذه شعاع نور، هو ومن معه، والدته فلورييه.
وعندما استعاد وعيه، أدرك أن ذلك الشعاع الجميل في كابوسه لم يكن سوى الفتاة مستحضرة الأرواح، سيمون.
ومنذ عرف جيس بشأنها، لم يستطع الصبر لرؤيتها وجهًا لوجه.
أراد أن يشكرها، لكنه في الوقت نفسه كان فضوليًا حول من تكون حقًا.
لذلك، وما إن تعافى قليلًا وصار قادرًا على المشي، بدأ يتجوّل في القصر باحثًا عنها.
وها هي سيمون التي عثر عليها أخيرًا، تُقدّم الآن تقريرًا عن نتائج التحقيق إلى مركيز بارينغتون مع آبيل والبقية.
“نجحنا في المسح. القضاء عليهم لم يكن صعبًا، لكن عددهم كان كبيرًا.”
“أه حقًا؟ نعم، هذا ما قاله أهل البلدة أيضًا. وبما أن روايات الشهود كانت مختلفة، فلا بد أن هناك أكثر من واحد.”
“بالضبط. حتى لو كان سهلاً، فإن صناعة ثلاثين تعويذة مزعج، أليس كذلك؟ لو رفعتُم الأجر قليلًا فقط…”
شعر أسود وعينان حمراوان تحت جفنين نصف مغمضين.
رغم أنه سمع دومًا أن مستحضري الأرواح رمز للنجاسة، بدت له سيمون جميلة ومقدّسة.
(أريد أن أتحدث إليكِ.)
لكن كيف أقترب منها؟ منقذتي محاطة بالناس ومشغولة بإنقاذ عائلتها.
وبينما كان جيس يراقبها خلسة…
“هيه، ذلك الفتى هناك يحدّق بي منذ فترة.”
ضرب آبيل كتف سيمون مشيرًا برأسه بصمت إلى الوراء.
عقدت سيمون حاجبيها وهزّت رأسها.
“شش، تظاهر بأنك لا تعرف. إنه أمير هذا القصر. لا أعلم لماذا يتصرف هكذا.”
الجميع هنا، بما فيهم المركيز بارينغتون، كانوا يدركون وجود جيس، لكنهم تظاهروا بعدم ملاحظته وواصلوا الحديث.
“منقذتي.”
شعرت سيمون وكأنها سمعت الكلمة قادمة من جهة جيس، مما جعل قشعريرة تسري في جسدها.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات