وكانت الأجواء غارقة في رائحة الخمر والدخان والنتانة.
“أهذا إقليم الدوق الأكبر؟”
تمتمت سيمون بغير تصديق، فقال بام، الفارس المرافق الذي جاء ليفتح باب العربة، بمرارة:
“قبل ثلاثمائة عام كان يُسمّى مدينة. لا، بل حتى قبل مئتي عام فقط كان لا يزال يحتفظ بمظهر المدينة.”
طبعاً هو لم يشهد ذلك بنفسه، لكن الطوب المتناثر والهياكل المتبقية هنا وهناك تدلّ على أنّ هذه القرية كانت ذات يوم مدينة مزدهرة.
“أترين آثار الطوب المتكسر هنا وهناك؟ يقال إنّه كان يُستخدم في رصف الشوارع. أما الآن، فإما أن يُستعمل كوقود لإشعال النار أو يكون قد تفتت وانتهى أمره.”
جالت سيمون بنظرها.
لا بد أنّها كانت في الماضي شوارع أنيقة مرصوفة بأفخر المواد، لائقة بكونها أرض الدوق الأكبر. أما الآن، فتكاد الملامح الأصلية تضيع؛ لا الطوب باقٍ على حاله ولا مصابيح الشوارع الملونة.
كل شيء انهار، والبشر جالسون فوق أطلال المباني، يتجهمون تحت حرّ الشمس.
كان مشهداً مؤلماً لأيّ شخص يملك هذه الأرض.
“طبعاً، منذ أن صار السيد الحالي على رأس العائلة، وُضع بعض الحراس هنا وهناك وصارت تصل إمدادات دعم. أما في عهد السيد السابق فقد أُغلق باب القصر وأهمل كل دعم وإدارة للإقليم.”
هزّ بام كتفيه.
“هذا ما سمعته من والديّ. وحتى الآن لا فرق كبير، فالحراس وتجار أسطول هانا يحتكرون الإمدادات.”
“أأنت ملمّ بهذه القرية؟”
“نعم، فأنا أيضاً من هيرتين. بعد وفاة والديّ صرتُ تابعاً لقصر إيليستون بوساطة أحد الوسطاء.”
فتح الفارس باب العربة.
“أوه، وهل دخل الفارس القصر طوعاً؟”
سأله أوزيك، الفارس الآخر المرافق، فأجاب بام بهزة كتف.
“لم يكن ذلك إلا أشبه بالإكراه. لم يكن لي مأوى آخر.”
فمن لم يكن يتيماً تائهاً بلا وجهة، لن يختار الدخول إلى قصر إيليستون خادماً.
وكحال آنا وبقية الخدم، فقد تيتم بام وضلّ في الشوارع حتى انتهى به الأمر إلى القصر كآخر طوق نجاة.
“المهم أنني ولدت وعشت هنا طويلاً. ولهذا التقطتُ كثيراً من الأمور.”
“حسناً، هذا مفيد.”
نزلت سيمون من العربة، وما إن بدت للعيان حتى صارت كل الأنظار شاخصة إليها.
“إذن، يمكنني سؤال بام إن أردت معرفة شيء.”
لكن تلك النظرات لم تكن فضولية فقط، بل مشوبة بالتهديد.
كأنما شيئاً سيقع لا محالة لحظة تمرّ من بينهم.
ومع ذلك، لم يكن هذا خارج توقعاتها.
(حسناً، قيل لي إن المكان فقير للغاية.)
فامرأة أنيقة تظهر وسط قرية مقفرة لا بد أن تلفت الأنظار.
سارت سيمون بخطى واثقة.
“فلنبدأ جولتنا، إذاً.”
رآها الجميع أو لم يروها، معها حارسان قويان، فلا داعي للخوف.
لكنها ما كادت تخطو خطوة حتى شعرت بثقل يسحق كتفيها.
“أه!”
توقفت فجأة.
“سيمون؟ ما بكِ؟”
“لا، لا… لحظة فقط!”
“لماذا؟! أتشعرين بألم؟”
رفعت سيمون يدها لتمنع آنا من الاقتراب.
“لا بأس… لا بأس.”
لكن وجهها شحب فجأة.
ما هذا الثقل المألوف؟
“هاه…”
“موتي.”
إنها الشبح الذي اعتادت أن تراه في الميتم. اقتربت من كتفها وظهرها كما كانت تفعل دوماً، وهمست في أذنها:
“لنمتْ معاً.”
آه، لقد مر وقت منذ سمعت هذا الصوت المعدني. يوم كانت جائعة حتى الوهم، كانت تسمعها تهمس لها بالموت.
(لكن ذلك ولّى.)
“يا له من ثِقَل.”
“ماذا؟”
“لا، لا شيء.”
أجابت سيمون بسرعة ومضت تمشي.
كانت تتظاهر باللامبالاة قدر الإمكان.
كيف ما زال هذا الشبح موجوداً؟
فما إن خرجت من القصر حتى التصق بها، كأنه كان في انتظارها.
أكان حقاً في انتظارها؟
لم تستطع إخفاء اضطرابها لحظة شعرت به يثقل كاهلها من جديد.
كانت تظن أنه اختفى بمرور الوقت، لكنه لم يجرؤ على دخول قصر تعشّش فيه لعنة عمرها ثلاثمائة عام.
“لنواصل السير.”
(نعم، ابقي ملتصقة بي، ملتصقة.)
سارت سيمون بوجه مستسلم.
كان من الغريب أنها شعرت بالحنين لرؤيته من جديد. بعد حياتها الطويلة في الداخل، باتت تجد فيه ألفة شبه محببة.
تبعتها آنا والحراس، فيما كانت العيون تلاحقها بإصرار.
لكن لا سيمون ولا آنا ولا الحراس أظهروا أنهم يلحظون ذلك.
اقتربت آنا سريعاً وسألت:
“سيمون، إلى أين نذهب أولاً؟ سأدلّك!”
“لنشترِ صبغة الشعر، فهي الأهم.”
“آه، نعم! ينبغي أن نذهب إلى هناك!”
أشارت آنا إلى متجر بدا أنظف وأكثر ألواناً من بيوت القرية الخشبية القديمة.
“على ما أعلم، لا تُباع الصبغة السحرية إلا هناك!”
سارت سيمون نحو المتجر، فقال بام خلفها بصوت منخفض كي تسمعه وحدها:
“توخي الحذر. أسعارهم فاحشة، خاصة لمن تبدو ثرية مثل سيمون.”
بدا عليه الإرهاق كمن عانى ذلك بنفسه مراراً.
“تقصد أن إظهار المال علناً أمر يثير المتاعب؟”
توقفت سيمون فجأة، ثم التفتت إليه بنظرة جانبية.
“ما بالك فجأة تتحدث بلهجة ودّية؟”
“أه؟ هاها…”
تفادى بام نظراتها وحكّ صدغه بخجل.
“ربما اعتدتُ على وجودك إذ نلتقي كل يوم، فتكلمت هكذا من دون قصد. المعذرة.”
“لا. استمر كما تفعل الآن.”
كان هو الفارس الذي يحرس باب غرفتها دائماً. بدا في مثل عمرها، وكانت تلقي عليه التحية بين الحين والآخر، وهو نفسه من ساعد في نقلها هي وآنا أثناء حادثة الجرذ المتنكر.
ومع أنه من عامة الشعب، فلم يكن يحمل تلك القسوة الباردة.
“سأُعرّفني على أهل القرية أيضاً. فلتكن عفويّاً، مهذباً.”
“طبعاً!”
أجاب بام مبتسماً. لم تلحظ سيمون أنه خارج القصر بدا ذا شخصية مرحة تناسب سنّه، بعدما اعتادت رؤيته واقفاً جامداً عند الباب.
وحين وصلوا إلى متجر الصبغة، فتحوا الباب، فإذا بالمالك الجالس بكسل وقد بدت عيناه ناعستين، يحدّق بسيمون فجأة، فتغيرت ملامحه وقفز واقفاً.
“أهلاً! أهلاً وسهلاً آنستي!”
كانت عيناه بين جفنين نصف مغمضين تتحركان بسرعة، تفحصها ومن معها، والحارسين أيضاً.
قد يظن البعض أنهم بثياب بسيطة، لكن عينه التجارية لا تخطئ: على فستانها خُيط شعار جوليانا إندو. وتلك العلامة الحمراء لا توجد إلا على أثواب تأتي من المتجر الرئيسي في العاصمة.
وذاك المتجر لا يبيع إلا للنبلاء. ورغم أن الفستان جاهز الصنع، إلا أنه لا ريب من عائلة أرستقراطية.
“ما الذي جاء بسيدة نبيلة إلى هذا المكان البائس؟”
وجه بشوش، ويدان تفركان بعضهما بتزلّف. صورة نمطية للتاجر في أي رواية.
وفي كل مرة ترى سيمون هذا المشهد المبالغ فيه، تشعر وكأنها داخل رواية.
“جئتُ لشراء صبغة شعر.”
تجاهلت سوء الفهم وأخذت تتأمل المتجر.
كان يبيع الصبغات بالفعل، لكنه أيضاً يبيع أقمشة ملونة وحرائر وخرائط زاهية.
(من ذا الذي يشتري هذه الكماليات في قرية بالكاد يقتات أهلها؟)
ساورتها رغبة في سؤال بام، لكن التاجر اقترب منها أكثر مما ينبغي.
“أين صبغة الشعر السحرية؟”
“أوه! تلك الباهظة! ما أول مرة يأتي شخص غير الدوق الأكبر يطلبها!”
“… الدوق الأكبر؟”
لمَ يرد ذكر الدوق الأكبر فجأة؟ رفعت سيمون رأسها متعجبة، فأجاب التاجر بحماسة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات