لكن في هذه اللحظة أظنّ أنّني قد أتحمّل منظره المقزّز وآكله على مضض.
لقد مرّت ثلاثةُ أيّام منذ فرارها من المكان الذي كانت عالقةً فيه.
وسيمون، في الحقيقة، كانت تشعرُ الآن بجوعٍ شديدٍ جعلها على وشك البكاء.
“إنهاري وموتي.
موتي.”
“لن أموت…… لن أموت، أنا لا أريد الموت.”
فإن كان لا بدّ أن تموت، أرادت أن تعيش ما يكفي أوّلًا، ثمّ ترحلُ بسلام، لا أن تموتَ جوعًا.
لكن مهما همست سيمون بصدق، فإنّ المرأة المضرّجة بالدّماء، صاحبة الذراع الأطول و التي تملكُ تسع أذرع، ظلّت تستندُ بذقنها على كتف سيمون وتحرّك فمها بلا توقّف، وهي تعوي برأسٍ ملتويٍّ كأنّه ينكسر.
في النهاية يئست سيمون وتركتها تفعل ما تشاء.
“افعلِي ما يحلو لكِ.”
تنفّست سيمون بمرارةٍ وأطلقتْ آهةً من صدرها.
كانت تلك المرأةُ شبحًا ظلّ ملتصقًا بها منذ أن وطأت قدماها هذا العالم، و كلّما ملّت، كانت تُلقي عليها لعناتٍ بلا سبب.
وبعد أن اعتادت سيمون جزئيًّا على هذه اللعنات الطويلة من المرأة ذات التسع أذرع، أطلقت تنهيدةً عميقةً أخرى ثمّ رفعت بصرها إلى الأمام.
عقدت حاجبيها وقالت بانفعال: “آه، بالله عليكِ كفّي عن الضجيج! أهذا وقتُ ثرثرتكِ؟! أنظري إلى زميلكِ أمامي!”
ذلك الوحشُ الهائلُ الذي مضى على وجوده ثلاثمئة عام و لكنّه صامت!
‘لماذا أصلًا تبعتني هذه المرأة إلى هنا؟’
زمجرت سيمون بغضبٍ وهي ترفع بصرها إلى القصر الضخم أمامها، أو بالأحرى إلى الأغصان الداكنة القرمزيّة الملتفّة التي غطّت القصر بأكمله والتفّت حوله كأفعى عملاقة.
‘آه، ما هذه الحالُ التي أوصلتُ نفسي إليها.’
كأنّها تروّجُ لإعلانٍ يقول: لقد لُعنتِ حقًّا.
وقد كان المنظرُ مرعبًا لدرجة أنّ فمها انطبق من شدّة الهيبة.
فما اعتادت أن تقرأه في الروايات صار الآن ماثلًا أمام عينيها، وللأمانة كان الأمرُ مُرعِبًا.
قبضت سيمونُ يدها بإحكام.
‘أشعرُ بتوتّر…’
لكنّها أقنعت نفسها بأنّ هذا المصير أفضلُ بكثيرٍ من نهايةِ موتٍ على هيئة تضحية.
من الآن فصاعدًا، تنوي سيمون عبورَ هذه الكروم الملتفّة المخيفة لتدخل قصرَ إيليستون الغامض.
***
عندما خطتْ إلى هذا العالم أوّلَ مرّة، كان الوضعُ صادمًا بحقّ.
“……هاه!”
‘مـ… ما هذا؟!’
“لقد قفزت حقًّا! يا جماعة، إلى اليمين! لا! إلى اليسار!”
فتحت عينيها لتجد نفسها تسقطُ من سطحٍ بعلوّ ثلاثة طوابق، وأسفلها يقف أناسٌ مذهولون يمدّون أيديهم ممسكين ببطّانيةٍ مفتوحة.
“أنقذووووني! آهخ!”
سقطت جونغ سو هيون في البطّانية وهي تصرخ بيأس، وفي تلك اللحظة تدفّقت المعلومات في رأسها حول هذه الورطة اللعينة.
لم تفهم كلّ شيء، لكن على الأقل علمتْ أنّ الجسد الذي حلّت فيه يعود إلى فتاةٍ يتيمة تُدعى سيمون، وعرفت عمرها وظروفها البسيطة.
‘سيمون التي ترى الأشباح.’
ذلك كان لقبها في الميتم.
وبالفعل، كانت سيمون ترى الأشباح، بل بالأصح تراهم رغمًا عنها.
إنّها موهبةٌ وُلدت بها كـ”مستحضرة أرواح”، لكنّها لم تكن تعرف كيف تسيطر على قوّتها، فبقيت بلا ضبط.
ولحسن الحظّ، أو لعلّه لسوءه، أنّ بعضًا من ذكريات سيمون تسرّبت إلى جونغ سو هيون، فتمكّنت من التماسك بشكلٍ مدهشٍ حتّى وهي ترى الشبحَ الأوّل أمامها.
و ببعض الحقائق تأكّدت من الوضع الذي سقطت فيه.
‘من الجيد أنّني قرأتُ الرواية حتّى النهاية.’
لقد كان هذا هو عالم روايةٍ فانتازية تجاريّة قرأتها قبل مدّة، بعنوان [استيقظتُ فوجدتُ أنّني كنتُ أخفي قوّتي!]
وها هي الآن قد تقمّصت شخصية سيمون مستحضرة الأرواح، الرفيقة التي تظهر في بدايات القصّة إلى جانب البطل.
‘لكن لماذا بالذات سيمون…….’
وكأنّه لم يكن يكفي أنّها استيقظت في جسدِ غيرها، حائرةً بلا إجابة، حتّى وجدت نفسها في هذه الحال.
عضّت سيمون شفتَيها بغيظ، بينما استرجعت مشهدًا من الرواية.
***
『”سيمون!”
صرخ آبيل بأعلى صوته.
كانت سيمون تختفي ببطءٍ في الظلام الذي فجّرته بنفسها، ومعها أعدادٌ من الأعداء.
لكنّ سيمون ابتسمت بهدوء.
“شكرًا لكم جميعًا على كلِّ شيء”』
لم تكن قد تجاوزت السابعةَ عشرةَ من عمرها.
صغيرةٌ خجولة، ومع ذلك ابتسمتْ بهدوءٍ وهي تتحمّل ألمًا يحرق لحمَها.
كان آبيل ورفاقه أوّل دفءٍ من أشعّة الشمس يلامس حياتها، وأوّلَ خلاصٍ لها.
ولذلك تمنّت من قلبها أن يحقّقوا غايتهم، وإن لم تستطع أن تكون معهم حتّى النهاية.
‘تقدّموا إلى الأمام…’
لقد كانت سعيدة.
لأوّل مرّةٍ في حياتها، شعرتْ أنّ قوّتها نبيلة، لأنّها استطاعت أن تُفني نفسها بقوّة الموت وتضحّي من أجل رفاقها.
‘ليتَ حياتي كانت ذات قيمةٍ لهم إنّهم ضيائي و نوري.’
***
في ذهن جونغ سو هيون كان مشهدُ نهايتها في الرواية منقوشًا بوضوح.
سيمون، بشَعرها الأسود وعينيها القرمزيّتَين وهما السمتان المميّزتان لمستحضر الأرواح وُلِدت و نُبذت من والديها.
مديرة الميتم الذي استلمها على مضض كانت تصفها بأنّها كارثة تجلب الشؤم، وظلّت تُسيء معاملتها، حتّى انتهى بها الأمر إلى بيعها إلى ما يُسمّى بجمعيّة “الأوكولت” التي اعتبرها الناس جمعيّةَ هرطقة.
تلك الجمعيّة عُرفت باختطاف البشر وإجراء تجاربَ لا أخلاقيّةً وبالغة الوحشيّة عليهم.
“هذه هي الفتاةُ مستحضرة الأرواح.”
“أوه! أفي لوان أيضًا وُلدَ مستحضرٌ للأرواح؟”
“إنّها وجودٌ نادرٌ لا مثيل لها في الإمبراطوريّة. منذ القِدم عُدّ الشعرُ الأسودُ طالعًا مشؤومًا يدلّ على عقدٍ مع إله الموت. ألا يكون هذا مفيدًا لأبحاثنا؟”
صَدَف أن سمعت سيمون حوارَ مديرة الميتم مع رئيس الجمعيّة، ففضّلت أن ترمي بنفسها من السطح وتموتَ باختيارها على أن تُعذَّبَ حتّى الموت بين أيديهم.
وكان ذلك بالضبط هو اليوم الذي حلّت فيه جونغ سو هيون بجسدها.
لكنّها فشلت، و ها هي الآن تحزم أمتعتها لتُسلَّم إليهم.
وبحسب الرواية، ستصير لاحقًا مجرّد “عَيّنة بحث” في تجاربهم، تُعذَّب وتُشوَّه حتّى تفقد القدرة على الكلام، ثم لا يبقى لها إلّا انتظارُ الموت.
غير أنّها ستلتقي هناك بالبطل، وتهربُ بفضله لتسير معه في الرحلة حتّى تضحي بحياتها.
‘هذا حقًّا مثيرٌ للغضب…’
‘أيّ عقولٍ هذه التي تجد متعةً في العبث بفتاةٍ لم تبلغ بعدُ سوى السابعةَ عشرة!’
فكّرت سيمون بغضبٍ وهي تحشو أغراضها في الحقيبة، بوجهٍ متجهّمٍ كأنّها قد شاخت من قسوة الدنيا.
لقد مضى قرابة شهرٍ منذ أن بَسَطَت جونغ سو هيون وعيَها في جسد سيمون.
خلال تلك المدّة عانت من عذاب مديرة الميتم ومن مضايقات الأشباح، حتّى استسلمت لفكرة أنّها ستعود إلى عالمها الأصليّ.
لكنّها كانت على يقينٍ من أمرٍ واحد.
‘مهما كان الثمن، لن أُباعَ إلى تلك الجمعيّة.’
استرجعت جونغ سو هيون وصفَ لحظة ظهور سيمون في قصّة البطل آبيل خلال فصول جمعيّة الأوكولت.
فارتجفت من قشعريرةٍ اجتاحت جسدها.
‘أوه، هذا يقشعرُّ بدني…….’
『لقد كان مكانًا تُجرى فيه تجاربٌ أشبه بالتعذيب لسنواتٍ طويلة.
ولو لم يجدها آبيل، لظنّها الجميع مجرّد جثّةٍ بين جثثٍ لا حصر لها.』
لم تستطع أن تتخيّل نفسها تمرّ بتلك المحنة حتى لو كان الثمن حياتها.
“اللعنة، تبًّا، تباًاا، آه يا ابن……! كلّما فكّرتُ ازددتُ غيظًا. تلك المديرة الحقيرة—”
بدأت سيمون تفرغ شتائمها بلا توقّف، فيما عقلها يبحث بيأسٍ عن طريقةٍ للنجاة من هذا المصير التعس.
1. البقاء في الميتم: وما النتيجة؟ ستظلّ تُعذّب على يد المديرة حتّى تموت ضربًا أو جوعًا.
2. جمعيّة الأوكولت: مجرّد التفكير خيارٌ مرفوض.
3. البحث عن البطل: لكن في الرواية، إن لم تُضحِّ سيمون بنفسها، يموت الجميع معها.
4. الهرب: إلى أين؟ بشَعرها الأسود، قد تُرجم بالحجارة في أيّ وقت، أو تُسحب وتُقتل إن صادفها أحد. وفوق ذلك، ستجوع حتى الموت لعدم قدرتها على العمل.
5. التخلّص من الشعر الأسود؟ حلقه؟ قد تُخفي شعرها، لكنّ عينيها الحمراء لن تُخفى. ومع هذا الجسد النحيل و برأسٍ اصلع ستبدو كعبدةٍ هاربة فيوشي بها أحدهم. وفي النهاية ستُعاد إلى الميتم وتُباع للجمعيّة.
‘لا يوجد منفذٌ واحد للهروب؟’
إنّها ورطةٌ حقيقيّة، أيّ خطةٍ وضعتها انتهت بنهايةٍ مسدودة.
يبدو أنّ الكاتب اللعين صمّم شخصية سيمون لتُقتَل لا محالة.
“يا للجنون…….”
على الأقلّ في بعض الروايات، البطلة التي يُحكم عليها بالموت تجد دائمًا ثغرةً صغيرة لتنجو، خصوصًا إن كانت ابنةَ أحد النبلاء.
أمّا هي، فقد انتهى بها الحال في جسد سيمون البائسة، التي لا تجيد سوى رؤية الأشباح.
‘ماذا فعلتُ لأستحقّ هذا؟’
هل كان ذنبي أنّني سهرتُ، وضقتُ ذرعًا، فشربتُ علبةَ بيرةٍ وقرأتُ روايةً قبل النوم؟
“نعم، صحيح. لستُ بطلة الرواية. هذا هو الواقع…… الواقع؟ ما الذي أقول؟ هل جُننتُ؟ أنعتُ هذا بالواقع؟ تبًّا له.”
أخذت جونغ سو هيون تفكّر بحياتها السابقة بينما تتابع حزم أمتعتها.
“ليتني أنا أيضًا وُلِدتُ في جسدِ ابنةِ نبيلٍ مرموقة—”
حتّى لو كان مصيرُها الإعدام، فلا بأس!
وبنغمةٍ أقربَ إلى أغنيةٍ عفويّة، ككورِيٍّ يبحث عن جوربٍ ضائعٍ وقد بلغ حدّ التجلّي، كانت تُخفي أمتعتها خلسةً.
لم يكن ما تجمعه سوى بعض الثياب اللائقة للمديرة، التي تسرقها الآن من دون تأنيب ضمير.
فهل كانت لتستعدّ طوعًا للذهاب إلى جمعيّة الأوكولت؟ أبدًا.
إنّها الآن تتهيّأ للهرب.
“إيههيهي~ إلى أين يجب أن أذهب؟”
لكن فجأة، وسط ترنيمتها الساخرة، انقدحت في ذهنها فكرةٌ لامعة.
‘ابنةُ نبيلٍ مرموقة!’
“يا إلهي!”
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي سيمون.
‘ربّما أستطيع أن أنجو فعلاً.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"