أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
اللعنة.
هل كان هناك حقًا شيء من هذا القبيل في هذا القصر؟
بينما كان الكونت تشايلور يُقاد نحو غرفة الاستقبال على يد الخادم العجوز كيل، لم يستطع إلا أن يُعبّر عن دهشته، إذ بدا القصر مختلفًا تمامًا عمّا تخيّله.
فمن الخارج، كان القصر كبيرًا لكنه مملّ ورتيب، أما الداخل فكان رائع الجمال، فخمًا بما يكفي ليجذب انتباه الكونت تشايلور.
مبانٍ وزخارف تاريخية لا يمكن العثور عليها في هذا العصر.
الأرضيات ناصعة البياض لتعويض قلّة ضوء الشمس الذي لا يكاد ينفذ، والجدران مُطعّمة بالذهب، تضيف لمسة من الرقي والنظافة، وعلى الطاولات مزهريات وردٍ كالموجودة في الحديقة.
ولم يكن هذا كل شيء؛ لقد أعجب الكونت تشايلور أيضًا بأجواء القصر.
كانت خطوات كيل والكونت تُحدث صدى خافتًا في الممر الطويل الصامت، يتخلله بين الحين والآخر صوت ضحكٍ قادم من إحدى النوافذ الكبيرة.
ضحكات خدمٍ يتبادلون الحديث بودّ. أجواء أكثر حرية ودفئًا حتى من قصر الكونت تشايلور نفسه، المعروف بجوّه المريح.
لم يكن هناك ما يوحي بوجود شيء شرير مثل “لعنة” في هذا المكان.
(كنت أظن أن الجميع يعيشون كالأموات في قصرٍ ملعون…)
حتى وإن كانت اللعنة قد زالت، كيف يمكن أن يبدو المكان عاديًا إلى هذا الحد؟
الشيء الوحيد المريب في هذا القصر كان تلك الفتاة ذات الشعر البني التي رآها سابقًا.
قطّب الكونت حاجبيه وهو يتذكر حديثه مع تلك الفتاة — سيمون.
(كيف تجرؤ على تجاهل كلماتي؟)
كانت تلك الفتاة ذات الشعر المنسدل بعشوائية تحدّق فيه بنظرة حادة غامضة.
لم يعلم إن كان ذلك هو تعبيرها الدائم أم أنها فقط لم تُعجَب به، لكنه شعر بالانزعاج الشديد.
لم يسبق لأحد أن نظر إليه بتلك الوقاحة، إلا حين واجه رؤساء العائلات في اجتماع الشرق.
بتلك النظرة المتعجرفة، تجاهلت كل ما قلته، بل حتى سخرت من مظهري؟ “من الأفضل ألا تنظر في المرايا داخل هذا القصر”…
ما الذي كان يُفترض أن يعنيه ذلك؟!
(هل أبدو لي وكأنني أحدّق في المرآة طوال اليوم؟)
من وجهة نظر الكونت، بدت كلماتها سخرية صريحة.
وبينما كان يحاول كبح غضبه، توقّف كيل أمام بابين كبيرين مزخرفين.
“يا صاحب السعادة، هذه غرفة الاجتماع.”
“وهل وصل الدوق الأعظم؟”
“لا، ما زال في مكتبته، لكنه علم بوصولك وسيأتي بعد قليل.”
فتح كيل البابين المزدوجين، وأرشد الكونت إلى مقعده، ثم انحنى وقال بأدب:
“سأحضّر الشاي فورًا.”
بعد أن غادر كيل، جلس الكونت تشايلور على الأريكة الفخمة وأطلق تنهيدة ثقيلة.
“أنا متعب إلى حد الموت…”
رغم أنهما من المنطقة الشرقية نفسها، كانت المسافة بين قصر إيليستون وقصره بعيدة جدًا.
استيقظ فجرًا وسار في طريق غير ممهد جيدًا، فشعر بالإرهاق حتى قبل أن يلتقي بالدوق الأعظم.
(كلما فكرت أكثر، أشعر أن منصب رئيس العائلة لا يناسبني أبدًا.)
منصب ورثه دون استعداد ولا حزم.
فالكونت الحالي لا مبادئ له ولا شغف.
صحيح أنه يؤدي واجباته كنبيل على أكمل وجه، لكنه عاشق للحفلات، عديم المهارة في القيادة.
ولذلك كانت عائلة تشايلور تعاني من ضعف إداري واضح.
وهذا ما جعله في مزاج سيّئ منذ بداية رحلته إلى هنا.
(أنا غارق أصلًا في مشاكل العائلة، فما الذي أفعله هنا؟)
الأمور في منزله فوضى كاملة.
لم يحضر أي حفلة منذ ثلاثة أيام، وهو أمر نادر عليه، بسبب اضطراره لمعالجة الفوضى التي تسببت بها سوء إدارته، والآن يُجبر على القيام بزيارة يعلم مسبقًا أنها ستُرفض.
“آه… أريد العودة.”
كان يتوق إلى كأس شمبانيا مع زوجته ليخفف تعب اليوم.
تمدّد قليلًا على الأريكة بلا رغبة، ثم جلس مجددًا وتنهد.
(لكن بما أنني هنا… عليّ أن أنهي ما جئت من أجله.)
حتى لا يسخر منه باقي النبلاء، كان عليه على الأقل أن يُثبت أنه حاول مقابلة الدوق، حتى لو قوبل بالرفض.
“هممم.”
غادر الكونت غرفة الاستقبال وبدأ يتفقد الممرات.
“أين المرآة؟”
كان دائمًا يؤمن أن الانطباع الأول يبدأ من المظهر.
وبما أنه تمدّد على الأريكة، فقد تجعّدت ملابسه قليلاً.
ولكي يظهر بأفضل هيئة أمام الدوق، وجب عليه أولًا تعديل مظهره.
وبينما كان يتجول في الممر الطويل، توقّف فجأة أمام شيء.
“ها هي… همم؟”
مرآة ضخمة بطول الجدار كانت موضوعة هناك. اقترب منها الكونت ثم تراجع قليلاً ليتفحصها وما حولها.
“غريب…”
كانت موضوعة في مكان غير منطقي على الإطلاق.
لا هي في منتصف الممر ولا في زاوية، بل تسدّ النوافذ وتقطع الطريق.
موضع غريب لن يضع أحد فيه مرآة بهذا الحجم عادة.
(… لا بأس، لا يهم.)
سرعان ما تجاهل ذلك وبدأ بتعديل ملابسه وربطة عنقه.
ابتسامة رضا ارتسمت على شفتيه وهو يرى انعكاسه المتقن.
“ممتاز.”
انطباع أول مثالي. فقط لحظة إعجاب بالنفس.
“…هاه؟”
بعد برهة، لاحظ شيئًا غريبًا في انعكاسه.
كان واقفًا باستقامة، يلمس ربطة عنقه بيده.
لكن عندما رفع نظره قليلًا نحو وجهه في المرآة…
رأى ذقنه وشفتيه تبتسمان ابتسامة غريبة، بأسنان ظاهرة بشكل غير طبيعي.
“…!”
تجمّد الكونت، حدّق للحظة، ثم قفز إلى الخلف بخوف.
رمش بعينيه ورفع رأسه ثانية ليتأكد من الصورة في المرآة.
والتقت عيناه بعيني “نفسه” في الانعكاس.
لكنها لم تكن عيناه.
كان الأمر أشبه بوجود شخص آخر يشبهه تمامًا، يحدّق فيه من داخل الزجاج.
(هذا… هذا غريب…)
أدار الكونت بصره بعيدًا بسرعة.
لابد أنه تخيّل الابتسامة السابقة، فحين نظر مجددًا بدا كل شيء طبيعيًا.
“يبدو أنك تهتم بمظهرك كثيرًا، لذا من الأفضل ألا تنظر في المرايا داخل هذا القصر.”
لماذا تذكّر كلمات الفتاة فجأة؟
هزّ رأسه ليطرد الفكرة.
لقد توتر بسبب فكرة “القصر الملعون”، لا أكثر. مجرد أوهام.
“هاه… عليّ أن أعود.”
يوم مملّ بكل المقاييس.
استدار عائدًا إلى غرفة الاستقبال لكنه توقّف فجأة، عيناه تتسعان رعبًا.
(الآن فقط… هل انعكاسي تحرّك؟)
هل مشى مثلي للتو؟ ألم يكن يقف ساكنًا قبل لحظة؟
وقف شعر جسده كله، وسرت قشعريرة باردة في عموده الفقري.
لماذا؟
لم يرَ أحدًا، لكنه أحسّ بنظرات تخترق ظهره.
يمكنه كسر هذا الشعور بسهولة… فقط أن يلتفت وينظر في المرآة.
لكنّه لم يستطع. شعر في أعماقه أنه لا يجب أن يفعل.
غريزة بدائية أخبرته أن ما سيحدث إن نظر الآن لن يمكن التراجع عنه.
(هراء… إنها مجرد مرآة…)
“من الأفضل ألا تنظر في المرايا داخل هذا القصر.”
ترددت كلمات سيمون في رأسه كهمسٍ بارد.
(ما الذي أفعله بحق الجحيم؟ ممّ أخاف؟ مجرد نظرة وسأنتهي من الأمر.)
لابد أن الدوق وصل الآن إلى قاعة الاجتماع.
سيفعلها سريعًا فقط وينتهي.
(نعم… نظرة واحدة وسينتهي كل شيء.)
استدار الكونت فجأة، يلهث، ونظر إلى المرآة
ثم تجمّد.
في داخل المرآة، كان “شخصٌ يشبهه تمامًا” يُخرج وجهه من الزجاج، يحدّق فيه، ثم حين التقت أعينهما… ابتسم.
ابتسامة عريضة، بأسنان بيضاء حادة.
ثم بدأ ببطء… يزحف خارج المرآة.
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 115"