⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
الفيكونت “رانغل” والكونت “تايل”، اللذان كانا يعملان ككاتبين للإمبراطور، حدّقا مطولًا في مستحضِرة الأرواح وكأنهما غير منزعجين من وجود النبلاء الآخرين.
شَعرٌ أسود، عينان حمراوان. كل شيء يشبه تمامًا ما كُتب عن مستحضري الأرواح في الكتب. لكن ما يرونه الآن مختلف كليًا عن تلك الكتب.
فقد صوّرت الكتب التي لا تُحصى مستحضري الأرواح على أنهم أشرار، مشوّهون، غريبو الأطوار، وقساة، ليتماشى ذلك مع الذوق العام. ونتيجة لذلك، كبر الكثير من الأطفال وهم يظنون أن مستحضري الأرواح وحوش ستخطفهم ليلًا إن لم يطيعوا.
لكن ما يرونه أمامهم الآن لم يكن سوى إنسانة عادية.
صحيح أنها لم تَبدُ وكأنها تعلمت آداب التعامل، لكنها مع ذلك حاولت أن تكون مهذبة وقدّمت تحيتها.
“ماذا؟ أليس مستحضرو الأرواح يذبحون الناس فور لقائهم؟ يلعنونهم؟ يعلّقونهم رأسًا على عقب ويستنزفون دماءهم حتى الموت؟”
منذ أن رآها، لم يفكّر الكونت “تايل” إلا بشيء واحد:
“…أنتِ صغيرة.”
كانت أصغر بكثير مما توقع. لم يكن يقصد أنها طفلة، بل بدت في أواخر مراهقتها.
هل يجوز فعلًا أن تُعامَل بهذا القدر من التحيز وهي ما زالت صغيرة إلى هذا الحد؟
تخيل الكونت “تايل” صور بناته الثلاث المرحات في ذهنه.
لا، لا يمكن. أن يَحكم على هذه الطفلة بهذا الضيق الذهني أمر مُخجل، خاصة أمام بناته.
قال الفيكونت “رانغل”:
“نعم، لقد تفاجأت أيضًا حين رأيتها… لكن كن حذرًا. هناك شائعات عن اختطاف الناس، واقتطاع لحمهم، واستعماله لعقد صفقات مع الأرواح”
لكن الكونت “تايل” قاطعه:
“كفى يا لورد رانغل.”
“ماذا؟”
“عندما يستسلم الناس للأحكام المسبقة، لا يرون الجواهر في الداخل. ألا تبدو لك عادية؟ يمكننا أن نظل متشككين، لكن يجب أن نتحدث معها نحن أولًا قبل أن نقرر إن كان علينا إعدامها أم لا.”
“…هذا صحيح بالفعل.”
‘ما به فجأة؟ قبل قليل كان يهمس لي أنه سيعدمها فور الانتهاء من هذه المهمة!’
الغريب أن الكونت “تايل” مع تقدمه في السن، صار يتأثر عاطفيًا أكثر بأقران بناته.
لم يرد على كلمات الفيكونت “رانغل”، بل خطا خطوات نحو “سيمون”.
“حسنًا، بما أن صاحب السمو قال ذلك، فسأتعاون الآن.”
وبدأ من الكونت “تايل”، تباعًا أبدى كلّ منهم استعداده للتعاون مع “سيمون”.
“اسأليني ما تشائين. إذا كان لا بد من التعاون مع مستحضرة الأرواح من أجل جلالته، فسأفعل.”
“ليس لدينا وقت طويل، فلتُسرعي.”
نظرت “سيمون” بدهشة نحو “لويس”. لم تتوقع من هؤلاء النبلاء المتعنتين أن يتعاونوا بهذا القدر مع مستحضِرة أرواح، وهي مُدانة في نظر الإمبراطورية.
‘ماذا قلت لهم بالضبط حتى صاروا بهذا اللطف والتعاون؟’
ابتسم “لويس” وهز كتفيه وكأنه لا يعرف.
‘هل السبب أنني أجيد إلقاء التحية؟’
في أي عالم، يبدو أن فن التحية مهم.
جلست “سيمون” بهدوء تحتسي شايها حتى أمام أعتى شخصيات الإمبراطورية.
لكن في الحقيقة، حتى “لويس” تفاجأ من تعاون النبلاء الأكثر مما كان يتوقع.
‘هذا… غريب.’
كان يظن أنهم، وإن اضطروا للتعاون بأمر ولي العهد، فلن يُفصحوا أبدًا عن حقيقة حال الإمبراطور لمستحضِرة أرواح.
لكنه قرر أن يُعقد الاجتماع وجهًا لوجه، لأن شعورهم عند لقاء “سيمون” لم يكن مشؤومًا، بل عاديًا.
يضاف إلى ذلك أن تحيتها المؤدبة نسبيًا ساهمت في تليين الموقف، ومع مظهرها الذي كسر الصور النمطية عن مستحضري الأرواح، سقطت الحواجز.
لم يتوقع “لويس” أن يكونوا متعاونين إلى هذا الحد، بقيادة الكونت “تايل”.
وقفت “سيمون” وقالت:
“لن آخذ الكثير من وقتكم الثمين.”
هي أيضًا لديها جدول مزدحم اليوم. لذا اختصرت الكلام:
“كل من شهد سلوكًا غريبًا لجلالته، فليخبرنا بما رأى.”
“وإن قلنا ما رأينا فقط، يمكننا العودة إلى مكاتبنا؟”
“بالطبع! هذا وحده سيكون عونًا كبيرًا لنا.”
كان الأمر مصيريًا.
هل الجالس على العرش الآن هو جسد الإمبراطور حقًا؟ أم أنه روح متجسدة؟
ذلك سيتحدد من خلال شهادات هؤلاء.
إذا كان قد أتى بأفعال يستحيل على جسد بشري أن يقوم بها كإدارة الرأس كاملًا للخلف، أو الوقوف مقلوبًا والارتطام برأسه، أو التواء أطرافه سقوطًا من مكان عالٍ فهذا يعني أنه ليس جسد الإمبراطور، بل روح متجسدة كحال الفيكونت “ديلانغ”.
أما إن كانت مجرد تصرفات غريبة، فهذا يعني أن الإمبراطور الحقيقي قد تلبّسته روح.
وفارق الحالتين سيحدد أسلوب المعالجة.
شرحت “سيمون”:
“لا وقت لدينا، من فضلكم أوجزوا فيما رأيتم.”
نظر النبلاء إلى بعضهم ثم بدأوا بالإدلاء بما شهدوا:
– “الطباخ الذي قدّم الطعام أخبرني مرتاعًا أن جلالته يأكل اللحم النيء في منتصف الليل.”
– “لم ينم قط. بقي مستيقظًا معي ليومين كاملين حتى كدت أنهار من الإرهاق، بينما جلالته بخير. ومنذ ذلك الحين لم ينم أبدًا.”
– “بينما كنت أمرّ في الردهة سمعت همهمة امرأة قادمة من غرفة جلالته. كان يتكلم بصوت امرأة.”
وكانت هناك أشياء أخرى: فجأة يركض أو يصرخ، يرقص رقصات غريبة، يحاول خلع ثيابه، يضحك بصوت عالٍ وهو يبتسم حتى الأذنين، يركض حافيًا في أروقة الخدم، أو يُخرج عينيه من شق الباب ليتلصص.
بلغت غرابة الأحاديث حدّ أن “لويس” لم يتحمل سماع المزيد وغادر للحظة.
“…”
“كيف يمكن أن يحدث هذا…”
جلس النبلاء مذهولين بعد أقوالهم.
ورغم ذلك، كسرت “سيمون” الصمت ببرود:
“إذن، الجسد هو جسد جلالته بالفعل. ليس روحًا متجسدة. أليس ذلك مُطمئنًا؟”
حدّقوا بها بدهشة: “ماذا في هذا اطمئنان؟”
ابتسمت بخفة:
“على الأقل يعني ذلك أن جلالته ليس في سبات أبدي. إنه ما زال حيًّا. وهذا أفضل بكثير من أن نبحث عن جثمانه.”
صحيح أن الطريق أمامها سيكون أكثر تعقيدًا، لكن أن يظل الإمبراطور حيًّا خير من أن يكون قد مات فعلًا.
“شكرًا لوقتكم. يمكنكم العودة.”
سأل أحدهم مذهولًا:
“أهذا كل شيء؟”
– “نعم. من الآن فصاعدًا سنتكفّل نحن بالأمر.”
خرج النبلاء مترددين، وبينما كان الكونت “تايل” آخرهم التفت إلى “سيمون”:
“أتمنى أن يكون جلالته بخير؟”
ابتسمت له وأجابت بثقة:
“لا تقلق. سأُنقذه حتمًا.”
اليوم لن يموت إمبراطور “لُوان”. هذا ما تقرّره الرواية الأصلية، وهذا ما سيمنح “آبيل” ورقته الأخيرة لهزيمة ملك الشياطين، وقبل كل شيء… هذا من أجل “لويس”.
ارتجف قلب “لويس” ورفع عينيه إليها بدهشة، كما فعل الكونت “تايل”. كلماتها كانت تحمل قوة غريبة، لدرجة أنه شعر أن والده سينجو فعلًا طالما وعدت “سيمون”.
خرج الكونت “تايل” مطمئنًا، ثم التفت “لويس” إلى “سيمون” وانحنى:
“شكرًا جزيلًا لك يا سيمون.”
لم يكن يعلم كم تعني له هذه الطمأنينة.
ترددت “سيمون” قليلًا ثم رفعت كتفيها وقالت للمجموعة:
“حسنًا، فلنبدأ. سموّك، أقفل باب غرفة النوم، ولا تدع أحدًا يدخل. سأقلب الغرفة رأسًا على عقب.”
“…رجاءً لا تُخرّبي كثيرًا.”
ابتسم “لويس” بمرارة وتوجّه إلى الباب، بينما كان “آبيل” و”بيانكي” متحمسين للعبث بالغرفة.
قال “أوركان”:
“سأجرب استخدام سحر الكشف. أظن أن هذين الاثنين كافيان لقلب المكان رأسًا على عقب.”
بدأ الجميع التفتيش. وفتحت “سيمون” الأدراج والخزائن، وهي تشعر وكأنها في مشهد مداهمة من نشرة الأخبار.
وبعد قليل
“هاه؟ هذا…”
عثرت “سيمون” على شيء مألوف في درج الطاولة الجانبية للسرير.
جوهرة شفافة ذهبية اللون، تشبه دمعة القديسة والجوهرة التي وُجدت في قصر الفيكونت “ديلانغ”، وإن اختلف اللون.
التعليقات لهذا الفصل " 103"