نظر دوق إلّيستون بعينيه الفضّيّتَين الحذرتَين نحو الفتاة التي تقف أمامه.
‘يبدو عمرها… في الخامسة عشرة تقريبًا.’
كانت الفتاة تحدّق به من دون أيّ انفعال، بعينين صافيتين لامعتين.
ثمّ قالت بتعبٍ ظاهرٍ على وجهها:
“يا سيّدي الدوق، أعلم أنّ ما أفعلُه يُعدّ وقاحةً، لكن… إلى متى سأظلّ أُنتظر دون أن ألقى جوابًا؟”
نبرة حديثها كانت جريئةً جدًّا، وكأنّها لا تشعر بذرة خوفٍ، رغم وقوفها وجهًا لوجه أمام من يُلقَّب في الشائعات بـ “الدوق الملعون”.
تشنّج وجه كبير الخدم من الغضب.
“انتظري بصمت حتى يتكرّم السيّد بالكلام أولًا.”
“آه… نعم.”
خرج من شفتي الفتاة تنهيدةٌ صغيرة.
لكنّ الدوق ظلّ صامتًا لوقتٍ طويل بعدها.
في الحقيقة، لم يكن يعلم كيف يجيب.
قصر دوق إلّيستون الملعون…
قبل عشر دقائق فقط، دخلت فتاةٌ من عامّة الناس لم يرَها من قبل إلى هذا المكان الذي يتجنّبه جميع سكّان إمبراطوريّة لوان.
بل إنّها دخلته بعد أن اجتازت اللعنة الأولى التي تحرسه دون أن تُصاب بخدشٍ واحد.
[الشجرة الحمراء التي تلتهم البشر وتنمو].
‘لا يهمّ كم أفكّر، فهذا أمرٌ لا يُصدَّق.’
عند المدخل الرئيسي للقصر، حيث تتدلّى أغصان الشجرة الدامية، وُضِعت القيود الصارمة على الدخول منذ ثلاثمئة عام، حين ظهرت الشجرة فجأةً.
إنّها لعنةٌ غريبةٌ وخطيرةٌ للغاية.
ومع ذلك، فقد اجتازتها هذه الفتاة، ولم تُصب إلا بتمزّقٍ بسيطٍ في ملابسها.
ثمّ قالت فور اقتراب الدوق منها بدهشة: “سأُحرِّر القصر من لعنته.”
“…ماذا قلتِ؟”
في البداية، ظنّ أنّه أساء السمع.
في العادة، كان سيأمر بطردها فورًا، لما في ذلك من خطرٍ عليها.
لكنّ أمورًا كثيرة أقلقته، كمرورها عبر الشجرة من دون أذى، وكلماتها المفاجئة، لذلك سمح لها بالدخول.
هذا تصرّفٌ لم يكن من عادته.
ظلّ الدوق يراقبها طويلاً، ثمّ سأل: “ما اسمُكِ؟”
“سيمون.”
“ون لقبكِ؟”
“لا أملك لقبًا. لستُ من النبلاء.”
“…”
‘حتى لو لم تكن نبيلة، فلا بدّ أن يكون لها اسمُ عائلةٍ ما.’
لكنه قرّر تجاوز هذه النقطة الآن، فهي ليست الأهمّ في اللحظة.
ركّز دوق إلّيستون نظره على مظهر سيمون.
جسدٌ نحيل، وملابسُ بالية حتّى بمعايير العوام.
حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار ما أصابها من فوضى عند عبور الشجرة، فإنّ حالها يُرثى له.
بل إنّ رائحتها كانت لا تُطاق ايضًا.
عاد الدوق يسألها، “إن كذبتِ عليّ، فستموتين هنا.”
كانت نبرته باردةً كحدِّ السيف لكنّه في الواقع كان ينوي تخويفها فقط.
“ألا زلتِ تزعمين أنّك قادرةٌ على فكّ لعنة هذه العائلة؟”
كان يريد إخافتها حتى تُظهر نيّتها الحقيقيّة.
فكلماتُها لم تكن مقنِعة.
كيف يمكن لفتاةٍ صغيرةٍ من العوام أن تحلّ لعنةً استعصى فكّها حتّى على أمهر السحَرة في الإمبراطوريّة؟
بل إنّ ظاهرها يوحي بأنّها عبرت الشجرة بالحظّ، وجاءت تطلب طعامًا في المقابل.
ولو كان هذا قصدُها، فذلك خطأٌ قاتل بحقّها.
‘لكن… هل من الممكن حقًّا أن يعبرها المرء بالحظّ؟’
وبينما كانت أجواء التوتّر تتصاعد، تدخّل كبير الخدم بلُطفٍ محاولًا التهدئة.
“يا فتاة، إن كنتِ جائعة، فسنعطيكِ طعامًا ومالًا أيضًا. لكن قولي الحقيقة فقط، أرجوكِ.”
تغيّرت ملامح سيمون للحظة.
فقد أطبقت شفتيها، ونظرت بثباتٍ إلى الدوق، ثمّ نهضت واقفة.
“حسنًا، إن لم تكن تثق بي، فلا بأس. كنتُ أودّ فقط عقد صفقةٍ عادلة، لا أن أطلب صدقة.”
“…مـ-ما هذه الوقاحة!”
لكن سيمون لوّحت بيدها، فوقف كبير الخدم مكانه دون حراك، ثمّ استدارت نحو الباب.
وفي اللحظة التي كانت ستغادر فيها، توقّفت.
استدارت مشيرةً إلى الدوق بإصبعها.
أسرع كبير الخدم في الإمساك بيدها فزعًا: “أيّها الحمقاء، أما تعلمين أنّ من المعيب على فتاةٍ من العوام أن تُشير بإصبعها نحو السيّد؟!”
لكن سيمون قالت بهدوء: “الدوق مصابٌ باللعنة، بلا شك.”
“…ماذا؟”
“ثمة شيءٌ يتدلّى من كتفه، يبتسم ابتسامةً مشقوقة. لا أستطيع تحديد جنسه، لأنّ فروة رأسه ممزّقة… لكنّ الدماء تنزف منه بغزارة وتُغرق كتفَ الدوق.”
“يبدو أنّه كان ملتصقًا به منذ وقتٍ طويل، لكنّه لا ينوي الانفصال.”
“…ما هذا الهراء…”
“عفوًا، سأغادر الآن.”
لم تُجب سيمون عن سؤاله، واكتفت بابتسامةٍ خفيفةٍ وهي تستدير وتبتعد.
“بما أنّ الصفقة لم تُعقَد، فلا داعي لكلامٍ إضافي.”
لكن تعابير وجه الدوق تجمّدت فجأة.
ففي اللحظة الأخيرة، وقعت عينا سيمون على كتفه الأيسر تحديدًا.
“انتظري…”
كيف عرفت ذلك؟
كتفه الأيسر ظلّ عاجزًا عن الحركة منذ قرابة عشرين عامًا، لسببٍ مجهول.
“توقّفي.”
لكن سيمون واصلت سيرها دون اكتراث.
عندها نادى الدوق بصوتٍ صاخب: “كيلر!”
ارتدّ صوته في أرجاء القاعة الواسعة.
“نعم، سيّدي.”
أسرع كبير الخدم كيلر في اعتراض طريق سيمون.
وقد بدا حازمًا أكثر هذه المرّة، بعدما سمع ما قالته.
سيمون، التي كادت تبتسم، كتمت ضحكتها، وعبست قليلًا.
“ماذا هناك؟”
حين التقت مجدّدًا بعيني دوق إلّيستون، كان وجهه مليئًا بالذهول.
ولم يُدرك هو نفسه أنّ سيمون باتت تقف أمامه هذه المرّة بثقةٍ متغطرسة.
قال بصوتٍ خافت: “أودّ أن… أسمع منكِ المزيد.”
ابتسمت سيمون.
ثمّ نظرت إليه مباشرة، كما فعلت في البداية،
“سأُحرِّر القصر من لعنته. أُقسِمُ أنّ كلماتي لا تحوي ذرة كذب.”
تشنّج وجه الدوق مرّةً أخرى عند كلماتها، وظلّ يحدّق بها طويلاً.
رغم أنّها لم تكن سوى فتاةٍ صغيرة، إلا أنّ سيمون كانت تتصرّف كما لو كانت تاجرةً محترفة.
“…وما هو الشرط؟”
سألها دوق إلّيستون، فازدادت ابتسامتها عمقًا.
كما هو متوقّعٌ من سيّد عائلة إلّيستون، الذي ما يزال يحتفظ بلقبه كدوقٍ رغم لعنةٍ استمرّت ثلاثمئة عام، فقد كان سريع البديهة.
فتحت سيمون فمها ببطء، “قوم برعايتي.”
“…ماذا؟”
قالها الدوق بدهشة، ولمّا لم يفهم، أعادت سيمون حديثها بوضوح.
“هذا هو الشرط. في مقابل أن أرفع لعنة القصر، يجب أن تتكفّل برعايتي حتى أبلغ سنّ الرشد. وبالطبع، قد تحاول التهرّب بعد ذلك، لذا—”
“…التهرّب؟”
“سأُزيل اللعنة تدريجيًّا، بما يتناسب مع تقدّمي في العمر. هذا ليس أمرًا هيّنًا، لكنّك ستشعر بتحسّنٍ واضح. وإن لم يعجبك الأمر في المنتصف، يمكننا إنهاؤه باتّفاق، أو نكتب عقدًا إن رغبت.”
“…”
لم يفهم الدوق معنى “التهرّب”، لكن هذه الطفلة تمتلك حسًّا تجاريًّا لافتًا بالنسبة لسنّها.
“وبما أنّني الطرف الأضعف، فسأتولّى مراجعة العقد. وكما تعلم، لا أقصد بالرعاية أن تتركني أعيش كيفما اتّفق. أريد غرفةً واسعة، وطعامًا مثل الذي يتناوله الدوق تمامًا.”
أصغى دوق إلّيستون إلى كلمات سيمون، رغم شعوره بانقباضٍ خفيف. كانت الفتاة متحمّسة قليلًا.
هي فقط تنوي أن تحيا حياةً مريحة، تأكل جيدًا وتعيش في نعيمٍ حتى سنّ الرشد، ثمّ تفرّ إلى أحد الأركان لتعيش بسلامٍ ومعها بعض المال وصبغة شعر.
وما إن تتمكّن من صبغ شعرها، ستتمكّن من إخفاء شعرها الأسود والعمل كما تشاء.
طبعًا، إن استطاعت العودة إلى عالمها الأصلي قبل ذلك، فسيكون الأمر أفضل من كلّ شيء.
“…”
في المقابل، ظلّ دوق إلّيستون صامتًا.
‘هل هذه الفتاة…؟’
الفتاة التي تبتسم بتلك الابتسامة الغبيّة… هل هي مسكينةٌ فقدت عقلها بعد حياةٍ من الفقر والبؤس؟
صحيحٌ أنّ العائلة تعيش خارج العاصمة وتحت ظلّ النبذ الإمبراطوري، لكنّها تبقى من كبار النبلاء وتحمل لقب دوق.
لا يمكن أن تكون تجهل هذا، ومع ذلك فهي تطلق شروطًا وقحةً بهذا الشكل الجريء.
ما هذه الجرأة؟ لا يمكن لإنسانٍ عاقل أن يتصرّف هكذا.
لكنّ دوق إلّيستون كبح شكوكه مرّةً أخرى.
ففي هذه المرحلة، لا بأس من الاستماع إليها.
سألها بهدوء: “قلتِ إنّه يمكنني التوقّف إن لم يعجبني الوضع في المنتصف؟”
“طبعًا. أنت لا تثق بي، أليس كذلك؟ لذا، إن لم يعجب أحد الطرفين تصرّف الآخر، يمكننا ببساطة إنهاء الاتفاق.”
صحيحٌ أنّها دخيلة، لكن لا حاجة للمبالغة في الحذر.
كانت تشبه المحتالين الصغار، أولئك الذين يخدعون الناس ببراءتهم، لكنّ اقتراحها لم يكن يضرّ أحدًا.
والأهمّ من ذلك… أنّ دوق إلّيستون لم يعُد يملك وقتًا كافيًا.
حتّى الكذب أصبح يُستحقّ أن يتمسّك به.
نظر إلى سيمون بنظرةٍ حادّة.
“حسنًا، فلنجرّب الأمر كما قلتِ. لكن، إن تبيّن أنّ كلّ ما قلتهِ مجرّد كذب…”
لم تسمح له بإكمال تهديده، بل قاطعته بهدوء: “نعم. أنا أُراهن بحياتي على هذه الصفقة.”
اللعنة التي استمرّت ثلاثمئة عام، وأودت بعائلة إلّيستون إلى حافّة الانهيار.
تلك اللعنة التي جعلت حتّى الإمبراطور نفسه يتجنّب التعامل معهم.
وبما أنّها تدّعي قدرتها على التصدّي لها، فعليها أن تتحمّل عاقبة ذلك ولو كانت الموت.
“…ألبسوها ملابس نظيفة وأحضروها إليّ.”
“نعم، سيّدي.”
وهكذا، تمّت الصفقة.
وما إن ابتعد الدوق بكلماته القصيرة، حتّى ابتهجت سيمون… لا، بل الروح التي تسكن جسدها.
“جونغ سو هيون”، فتاةٌ في الخامسة والعشرين من عمرها.
‘تمّ الأمر!’
هي فتاةٌ تجسّدت في شخصيةٍ من رواية فانتازيا تجارية تُدعى [استيقظتُ فوجدتُ أنّني كنتُ أخفي قوّتي!]
سيمون… تلك الفتاة التي قُدّر لها أن تصبح أقوى مستحضِرة أرواح في العالم.
لكنّها، بسبب نظرة العالم السلبية نحو فنّ استحضار الأرواح، هُجرت من قِبَل والديها، ولم تعرف النور يومًا.
في الأصل، كانت تعيش في دارٍ للأيتام، تتعرّض للتمييز، حتّى يأتي البطل، الذي يدرك قوّتها الكامنة، وينقذها.
ثمّ، تُضحّي بحياتها لأجل رفاقها.
ذلك… قبل أن تتمكّن حتّى من إيقاظ قوّتها بالكامل.
لكن…
‘نهاية مأساوية؟ لا، شكرًا!’
جونغ سو هيون تعرف جيّدًا ما ينتظر سيمون في المستقبل.
فهل ستُقامر بحياتها وهي تعرف مصيرها؟
بالطبع لا.
ولهذا السبب، جاءت إلى هنا.
إلى قصر رايتانس أور إلّيستون، الشرير في فصول إمبراطوريّة لوان، والمسرح الذي ستبدأ فيه أولى حلقات سيمون إلى جانب أبطال الرواية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 1"