الفصل الثاني: ” اجتياح الظلال “

توقف الضجيج فجأة. ساد القاعة الكبرى صمت غريب، وتحولت الأضواء الساطعة التي كانت تملأ المكان إلى ظلام دامس. كان الحفل قبل لحظات فقط يعجّ بالضحكات والموسيقى، لكن الآن، خيّم صمت ثقيل، وكأن الجميع توقفوا عن الحركة.

تردد صوت خشخشة خافت في الهواء، كأنما الظلال تتحرك ببطء. شعرت إلاريانا بشيء غريب يضغط على صدرها، كأنها وسط عاصفة غير مرئية. لم تستطع تحديد مصدر هذا الشعور، لكنها كانت متأكدة من شيء واحد: شيئًا ما تغير بشكل جذري.

“ما الذي يحدث؟” همست لنفسها، لكنها فوجئت بصوت آخر بجانبها.

“هل شعرتِ بذلك أيضًا؟” قال أليستر بلاكمور بصوت منخفض. كان يقف بجانبها، ملامحه هادئة، لكن عينيه اللامعتين عكستا توترًا واضحًا.

“نعم… لكن لا أفهم، ما هذا؟” ردت بصوت خافت وهي تحاول فهم ما يجري.

ابتسم أليستر تلك الابتسامة الغامضة التي لم تعجبها أبدًا، وأجاب: “مجرد بداية، سيدتي. لا داعي للقلق.”

لكن كلماته لم تبعث الطمأنينة في قلبها. كانت تحمل خلفها شيئًا مبهمًا، كأنها تخفي حقيقة مرعبة. حاولت أن تنظر حولها. كان الضيوف يتهامسون، بعضهم يحدق في الظلام، وآخرون يندفعون نحو الأبواب المغلقة دون جدوى.

اقترب أليستر خطوة أخرى، ونظر إليها بعينيه الزرقاوين الباردتين. “دعيني أريكِ الطريق.”

ترددت للحظة. كانت غريزتها تصرخ بأنها لا تستطيع الوثوق به، لكن في نفس الوقت، كان هناك شيء ما في طريقته يجبرها على اتباعه.

“إلى أين سنذهب؟” سألت بحذر.

“إلى الخارج، بعيدًا عن هذا.” قال وهو يشير بيده نحو الظلال التي بدأت تزحف ببطء من زوايا القاعة.

أمسك يدها برفق، لكن قبضته كانت قوية بشكل غريب. شعرت برعشة تسري في جسدها، ولم تكن متأكدة ما إذا كان السبب هو برودة يده أم التوتر الذي يسيطر على المكان.

بينما كانا يسيران نحو الشرفة، مرّا بجوار نافذة زجاجية ضخمة تطل على الحديقة الخلفية. التفتت إلاريانا بفضول نحو الخارج. بدا المشهد غير طبيعي، الأشجار تتحرك كأنها تتنفس، وظلالها تبدو وكأنها تراقب القصر.

“ما هذا…؟” تمتمت.

أليستر نظر عبر النافذة بدوره، وجهه أصبح جادًا بشكل مفاجئ. “إنها ليست أشجارًا عادية. هذا المكان…” توقف للحظة، ثم أكمل بصوت أكثر انخفاضًا: “لا يجب أن نكون هنا.”

كان في صوته شيء جعل قلبها ينبض بقوة. لم تستطع مقاومة السؤال: “لماذا الآن؟ لماذا يحدث هذا الآن؟”

“لأن هذه الليلة هي البداية. كل شيء يبدأ هنا.”

في تلك اللحظة، تذكرت إلاريانا فجأة كلمات المرأة ذات الشعر الفضي في المرآة. تحذيرها لها من الظلال عاد ليتردد في ذهنها بوضوح. كان الأمر يبدو سخيفًا في البداية، لكن الآن…

شعرت برعشة باردة تجتاح جسدها عندما ظهرت أول حركة واضحة في الظلال. كائن غامض بدأ يتشكل من بين الظلال، كأنه ينسحب من أعماق الظلام 

“ما هذا؟!” صرخت إلاريانا وهي تتراجع خطوة للوراء.

أمسك أليستر بيدها بقوة أكبر، وقال بصوت هادئ لكنه يحمل صرامة: “لا تنظري إليه طويلاً. الظلال تزداد قوة عندما تخافين.”

لكنها لم تستطع التوقف عن النظر. كان الكائن يتحرك ببطء، كأنه يبحث عن شيء أو… عن شخص.

“نحتاج إلى الخروج الآن!” قال أليستر وهو يسحبها نحو الباب.

كان الضيوف في القاعة يحاولون الهروب، لكن الظلال كانت تغلق عليهم الطرق. أصوات الصراخ بدأت ترتفع، والظلام كان يبتلع كل شيء.

“تعالي،” قال أليستر بينما يقودها عبر ممر ضيق بدا وكأنه يشع بنور خافت، النور الوحيد الذي اخترق الظلام.

عندما وصلا إلى الحديقة، شعرت إلاريانا أن الهواء تغير. كان الجو أكثر برودة، والظلال هنا كانت أكثر كثافة. بدت الأشجار وكأنها تهمس لهم، أوراقها تتساقط ببطء كأنها تحمل تحذيرات.

“إياكِ أن تدعي الظلال تفوز،” قال أليستر بنبرة غامضة.

“ماذا تعني؟” سألت وهي تشعر بأن جسدها يرتجف.

“الظلال تأخذ ما تريده دائمًا. وإذا أخذتكِ…” توقف عن الكلام ونظر إليها نظرة مليئة بالجدية. “لن تخرجي أبدًا.”

كانت كلماته تحمل وزنًا ثقيلًا على قلبها. شعرت أن هذه الليلة ليست عادية، وأنها قد دخلت في لعبة أكبر مما كانت تتوقع.

بينما كانا يسيران نحو عمق الحديقة، بدأت الأرض تهتز قليلًا، وكأن شيئًا ينبثق من أعماقها. نظرت إلاريانا إلى السماء، فرأت أضواء غريبة تتراقص هناك، أضواء لم تكن من صنع البشر.

أمسك أليستر بيدها من جديد، وقال بصوت هادئ لكنه حازم: “هذه البداية فقط، سيدتي. عليكِ أن تكوني مستعدة لما سيأتي.”

رغم الخوف الذي كان يسيطر عليها، شعرت إلاريانا بشيء غريب يدفعها للاستمرار. كأنها كانت تبحث عن هذا المجهول طوال حياتها.

“نهاية الفصل الثاني “

 “eiri___435380 ”  حساب الانستا 

“ℐ𝓇𝒾” المترجمة