1
– يونسان: الحاكم.
الفصل الاول
“لا، أعني، لقد تلقيت الاتصال مسبقًا، لكن هذا، كما تعلم…” توقف جونغ غيو عن الكلام وهو يتلفت إلى الخلف مرارًا وتكرارًا، وكأنه يحاول فهم شيء يصعب تفسيره. كان الحديث مع نفسه يعكس ارتباكه الداخلي، وهو يحاول استيعاب الموقف الغريب.
كانت السماء ملبدة بالغيوم السوداء التي تجمعت كأنها جيش يستعد للهجوم، فبدت النهار وكأنه غسق، حيث غطت الظلمة الأفق من كل الجهات.
كان هذا أمرًا مألوفًا في الجزيرة. الرياح العاتية التي تهب بلا توقف حتى تُصم الآذان، والرائحة البحرية النفاذة التي تتسلل إلى الأنوف، والحجارة الوعرة التي تؤذي باطن القدمين عند المشي عليها – كل هذه كانت جزءًا من الحياة اليومية في الجزيرة النائية.
لكن وسط هذا المشهد المألوف، كانت هناك امرأة تكسر الصمت والروتين بهدوءٍ وثباتٍ لا يُفسران.
امرأة؟ ربما لم يكن هذا الوصف دقيقًا تمامًا.
في عيني جونغ غيو المتجعدتين بالزمن، بدت الفتاة أقرب إلى طالبة مدرسة ثانوية، ببشرتها الناعمة ووجهها الذي يحمل براءة الشباب.
لكنها، كما قالت، في الرابعة والعشرين من عمرها، وهو عمر قد يجعلها تبدو كطالبة جامعية في أعين البعض. لكن، حتى مع هذا العمر، لم يكن منطقيًا أن تأتي إلى هنا بمفردها.
جزيرة بيتشونغ-دو ليست وجهة سياحية، بل مكان قاسٍ وفقير، لا يضم سوى ثلاثمائة أسرة بالكاد، ومعظم المنازل مهجورة وخاوية. الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، أما الأغلبية فهم من تجاوزوا الخمسين، يعيشون في جزيرة منعزلة تتجه نحو نهاية محتومة، كأنها سفينة تغرق ببطء.
في هذا المكان القاحل، كيف يمكن لفتاة مثلها أن تختار القدوم؟.
نظر جونغ غيو إليها مرة أخرى. كانت تحمل حقيبة ظهر كبيرة وفي يدها حقيبة طويلة، تمشي بخطوات متعثرة قليلاً، لكن جسدها النحيل لم يبدُ ضعيفًا على الإطلاق.
كانت ملامحها البسيطة، التي ربطت شعرها فيها على عجل، تعكس تناقضًا غريبًا: وجه طفلة لا تعرف شيئًا عن قسوة العالم من جهة، ونظرة حكيمة كأنها عجوز تجاوزت تجارب الحياة من جهة أخرى. كانت ملامحها متناغمة، ليست بارزة بشكل مبهر، لكنها من النوع الذي يجذب العين كلما طال النظر إليها. بشرتها كانت بيضاء بشكل لافت، حتى في الظلام الذي يكتنف الجزيرة، كأنها مضاءة بنور القمر، مما يمنحها هالة زرقاء خافتة.
‘هل هي… مجرمة هاربة أو شيء من هذا القبيل؟’ فكر جونغ غيو وهو يتذكر الحديث الذي دار بينه وبين زوجته يانغ سوك ليلة أمس. كانت يانغ سوك مقتنعة تمامًا أن لا أحد في كامل قواه العقلية سيأتي للعيش في مثل هذه الجزيرة النائية دون سبب خطير. منذ شهرين، عندما تلقيا الاتصال الأول الذي يخبرهما بقدوم الفتاة، ظلت يانغ سوك تكرر: “لا بد أنها قتلت شخصًا! وإلا، لمَ ستأتي إلى هنا؟ جزيرة لا توفر حتى سبل العيش!”.
“لكنها قالت إنها ستفتح مدرسة لتعليم البيانو،” رد جونغ غيو محاولاً تهدئتها.
“مدرسة بيانو؟ هل هذا منطقي؟ لماذا لا تفتحها في المدينة؟ من سيتعلم البيانو في جزيرة مثل هذه؟” قالت يانغ سوك بنبرة حادة، وهي تكاد تنفجر من الغضب. “كان عليك أن تسألها عن السبب! أنت لا تفعل شيئًا بشكل صحيح أبدًا! فتاة شابة تأتي إلى هنا بلا عائلة ولا أي صلة، ألا يبدو ذلك مريبًا؟ بالتأكيد هناك قصة غريبة وراء هذا!”.
حاولت يانغ سوك إجبار جونغ غيو على استجواب الفتاة أثناء إرشادها إلى المنزل، لكنه وجد ذلك صعبًا للغاية.
لم يكن معتادًا على التحدث مع فتاة شابة، ولم يعرف كيف يبدأ الحديث. إضافة إلى ذلك، كانت الفتاة تحمل هالة غامضة تجعل التواصل معها أصعب. كانت تستمع بهدوء لكل ما يقال، لكنها نادرًا ما ترد، كأنها تمتص الكلمات دون أن تعطي شيئًا في المقابل.
‘سيكون الأمر صعبًا عليها هنا،’ فكر جونغ-غيو. لم يستطع أن يشرح لها الوضع بالكامل، لكن جزيرة بيتشونغ دو ليست مجرد مكان عادي.
صحيح أن صيد الأسماك وجمع الأعشاب البحرية وبيعها في البر الرئيسي كان مصدر الدخل الأساسي لسكان الجزيرة، لكن هناك أمورًا أخرى تدعم حياتهم، أمور لم يكن من السهل الحديث عنها مع شخص غريب.
:على أي حال، كم ستتحمل؟ أراهن أنها لن تصمد أسبوعًا قبل أن تهرب!’ قال جونغ-غيو لنفسه وهو يهز رأسه بيأس. توقف فجأة وهو يمشي، لاحظ منزلًا قديمًا مضاءً بمصباح أصفر خافت. كانت الطلاء الأزرق على الباب الحديدي قد تقشر تقريبًا بالكامل.
“ها هو المنزل،” قال جونغ غيو بنبرة حذرة، متوقعًا أن تظهر الفتاة صدمتها من حالة المنزل.
كان المنزل مهجورًا منذ سنوات، وعلى الرغم من تنظيفه، إلا أن مظهره المتداعي كان لا يزال واضحًا. الحمام في الخارج، والأخشاب القديمة تصدر أصوات طقطقة مع كل هبة ريح، والرائحة الرطبة العفنة تلتصق بالمكان كوشم لا يُمحى. لم يكن هذا مكانًا يمكن لشابة من المدينة، معتادة على النظافة والراحة، أن تتحمله.
لكن الفتاة لم تظهر أي رد فعل. بدلاً من ذلك، بدا أن شفتيها ارتخيا قليلاً، كأنها شعرت بالراحة لمجرد العثور على مكان لوضع حقيبتها.
“جميل،” قالت بإيجاز وهي تضع حقيبتها على الأرضية الخشبية. تنهد جونغ غيو بدهشة، لكنه لم يلبث أن سمع صوت خطوات متسارعة. كانت يانغ سوك تقترب من الفناء الخلفي.
“أوه، لقد وصلتِ! مرحبًا، مرحبًا! لقد نظفت المنزل بالكامل، لكن لا يزال هناك بعض الأغراض في المخزن تحتاج إلى ترتيب. وغرفة البيانو تحتاج إلى بعض التنظيف أيضًا، وتهوية جيدة. لكن، ألم يقولوا إنكِ في الرابعة والعشرين؟ تبدين وكأنكِ لا تزالين طالبة مدرسة!” قالت يانغ سوك بنبرة صاخبة وهي تتحدث بسرعة، كأنها مدفع رشاش. اقتربت من الفتاة دون تردد، وكأنها لا تعرف معنى الحذر.
ربما بسبب اندفاع يانغ-سوك، تراجعت الفتاة خطوة إلى الوراء، لكن يانغ-سوك أمسكت بذراعيها بقوة وبدأت تهزهما بحماس. “نحيفة جدًا، يا إلهي! كيف ستتحملين حياة الجزيرة بهذا الجسد؟ هل ستعيشين هنا بمفردك حقًا؟ أم أن عائلتكِ ستنضم إليك لاحقًا؟”.
ابتسمت الفتاة ببعض الإحراج وقالت: “سأعيش بمفردي. لا بأس.”
“وماذا عن عائلتكَ؟ ألا يعترضون على قدوم فتاة شابة مثلكِ للعيش بمفردها في مكان مثل هذا؟” كان سؤال يانغ سوك محاولة واضحة لاستكشاف خلفية الفتاة. لاحظت الفتاة ذلك، فابتسمت بلطف ودفعت ذراعي يانغ-سوك برفق لتتحرر، ثم تراجعت خطوة.
“شكرًا على اهتمامك. سأتولى ترتيب الباقي بنفسي،” قالت بهدوء.
نظر جونغ غيو إلى يانغ سوك، التي ألقت إليه نظرة خاطفة، وهز رأسه كأن يقول: “أخبرتك أنها لن تتحدث بسهولة.” ثم تقدم وقال: “أم، هناك شيء آخر.”
سعل بحرج قبل أن يتابع: “في جزيرتنا، لدينا قواعد. إذا كنتِ مجرد زائرة عابرة، فلا بأس، لكن إذا كنتِ ستقيمين هنا، يجب عليكِ تقديم التحية.”
رمشت الفتاة بعينيها بدهشة. “هل هناك شيخ أو عجوز يجب أن أزوره؟”.
“قبل عشر سنوات، لم يكن لدينا كهرباء أو ماء جارٍ بشكل جيد. كان هناك عائلة واحدة هي التي جعلت هذه الأمور ممكنة للقرية، لذا…” بدأ جونغ غيو يشرح، لكنه توقف.
“حسنًا، سأضع أغراضي داخل المنزل وأذهب معك،” قالت الفتاة بسهولة غير متوقعة، وهي تحمل حقيبتها. بينما كانت تتجه إلى الداخل، اقتربت يانغ سوك من جونغ غيو وهمست: “هل تعتقد أنها ستبقى هنا يومًا واحدًا؟”.
“لابد أن لديها خطة ما. لكنها تبدو جريئة. لم تظهر أي إزعاج أثناء رحلة القارب،” رد جونغ غيو.
عبست يانغ سوك وخفضت صوتها: “هل أخبرتها عن يونسان؟”.
“لم أفعل بعد. كيف أشرح ذلك؟”.
“لم تشرح؟ إذن ستواجهه مباشرة دون تحضير؟” قالت يانغ سوك بنبرة مستنكرة.
“ربما يكون ذلك أفضل. عندما تراه، ستفهم كيف تسير الأمور في هذه الجزيرة،” تمتم جونغ غيو.
تنهدت يانغ سوك بعمق. “أتمنى ألا يتسبب ذلك في مشاكل.”
“ما نوع المشاكل؟” سأل جونغ غيو.
“أنت تعلم… إنها تبدو… حسناء،” قالت يانغ سوك وهي تحاول كبح غضبها.
“لو كان ذلك سيسبب مشكلة، لكانت القرية قد انقلبت رأسًا على عقب منذ زمن. هناك سوندوك وهيونا، وهن في نفس العمر تقريبًا،” رد جونغ غيو.
“أوه، هؤلاء؟ لا أحد ينظر إليهن! يونسان لا يعتبرهن حتى بشرًا!” قالت يانغ سوك بنبرة حادة.
“حسنًا، من يهتم بالشباب هنا على أي حال؟” رد جونغ ديو بلامبالاة.
تنهدت يانغ سوك مرة أخرى، ثم سألت بهدوء: “ماذا يفعل يونسان اليوم؟”
“نفس الشيء، كالعادة،” أجاب جونغ غيو.
خرجت الفتاة من المنزل في تلك اللحظة، وبدا وجهها هادئًا على عكس تعابير جونغ غيو ويانغ سوك المضطربيين. هز جونغ-غيو رأسه وأشار إليها: “هيا بنا. أنتِ، عودي إلى المنزل،” قال ليانغ سوك.
“حسنًا، سأراك لاحقًا،” ردت يانغ سوك وهي تتراجع. تنهد جونغ غيو بعمق وهو ينظر إلى الفتاة التي تتبعه. بدأت السماء تصدر أصوات رعد، كأنها تستعد للمطر.
***
كان المنزل يبرز من بعيد. على عكس بقية البيوت في الجزيرة، التي أصبحت باهتة وسوداء بفعل الزمن والرياح، كان هذا المنزل أبيض ونظيفًا وكبيرًا. كونه المنزل الوحيد ذا الطابقين في الجزيرة، ويقع على قمة تل، جعله يبدو كقلعة صغيرة مهيبة.
مع اقترابهم، بدأت أصوات مقلقة تصل إلى أسماعهم. صرخات تعبر عن ألم عميق، ممزوجة أحيانًا بضحكات غريبة جعلت الأجواء أكثر رعبًا. لاحظ جونغ غيو أن الفتاة توقفت عن المشي ورفعت رأسها، فاقترب منها وقال: “حاولي ألا تنظري في عينيه. مهما سألك، فقط قولي ” نعم” وسينتهي الأمر بسرعة.”
لم يضف كلمة “ربما”، لكنه كان يفكر فيها. بدت الفتاة وكأنها ستتحدث، لكنه أدار رأسه بسرعة وحثها على المضي قدمًا. بعد لحظة صمت، دوت صرخة أخرى في الأفق، مما زاد من توتر المشهد.
~~~
ان شاءالله تعجبكم الرواية، من ايام 2024 وانا نفسي انزلها واخيرا قدرت اوفرها كوري، عندي 20 فصل متاح حاليا، والانجليزي توه فصل واحد اذا تبوني انزل فصل جديد حطوا كومنتات
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
Chapters
Comments
- 3 2025-06-16
- 2 - 2 - الحاكم 2025-06-12
- 1 - 1 - الحاكم 2025-06-12
التعليقات لهذا الفصل " 1"