في تلك الأثناء، وفي اللحظة ذاتها، كان هناك موكبٌ فاخرٌ يتجه نحو القصر الإمبراطوري، وفي وسطه، برزت عربةٌ متواضعة بشكلٍ لافت بين العربات المتألقة.
“يا إلهي، لم أدرك هذا عندما رأيته في اللوحات، لكن القصر حقًا هائل الضخامة!”
هكذا همست ليليانا بإعجابٍ خافت وهي تتأمل المشهد من نافذة العربة، فأطلق الرجل الجالس قبالتها ضحكةً خفيفة. كان رجلاً عادي المظهر، بشعرٍ بني وعينين خضراوين، يتسم بملامح ودودة ومألوفة.
“هل أعجبكِ القصر؟” سأل الرجل بلهجةٍ هادئة.
فأجابت ليليانا، وهي ترمش ببطء:
“ولمَ يجب أن يعجبني؟ ليس وكأنني سأعيش فيه يومًا ما.”
ثم أردفت بابتسامةٍ ساحرة ونبرةٍ هادئة:
“لكن، لا يمكنني إنكار أنه مثيرٌ للاعجاب. في قريتي التي وُلدت فيها، لا توجد مبانٍ فاخرة كهذه.”
كانت قرية ليليانا تقع على أطراف الإمبراطورية، حيث نادرًا ما تجد مبنىً لائقًا، فما بالك بمعمارٍ يزهو بهذا الترف.
“هاها، حقًا؟ حسنًا، يبدو أن دعوتكِ كانت تستحق العناء إذن.”
أومأ الرجل برأسه وابتسم بودٍ ظاهري، لكن ابتسامته، رغم بساطتها، بدت كأنها تخفي قناعًا غريبًا، يحمل شعورًا بالغرابة. لكن ليليانا، التي كانت منهمكةً بمشاهدة المناظر الخارجية، لم تلحظ ذلك البتة.
“بالمناسبة، ألم يُقل إن حفل عيد ميلاد جلالة الإمبراطور يجمع كل نبلاء المملكة؟” سألت ليليانا.
“نعم، هذا صحيح.” أجاب الرجل.
“إذن، ربما أتمكن من لقاء الكونتيسة بلانشيت.”
همست ليليانا كمن يتحدث إلى نفسه، لكن الرجل لم يفوّت كلماتها، فاحتفظ بها في ذهنه بعناية.
“الكونتيسة بلانشيت؟ أتقصدين خطيبة الدوق أبيرون؟ هل تربطكما معرفةٌ وثيقة؟”
“نعم، لم أرها منذ فترة، وأتمنى أن تتيح هذه المناسبة فرصةً للقائها.”
كانت ملامح ليليانا تفيض بالحماس، فقد كانت تشتاق لإيفيت، ولم تسنح لها فرصةٌ للقائها منذ زمن. كانت تأمل أن تفرغ في هذا اللقاء كل ما راكمته من أحاديث مؤجلة.
راقب الرجل ليليانا، التي كانت غارقةً في حماسها، ورفع زاوية فمه في ابتسامةٍ ماكرة.
“أتمنى من كل قلبي أن يتحقق أملكِ وتلتقين بها.”
“شكرًا لك، سيدي أوين، أنت حقًا لطيف.”
أومأت ليليانا مبتسمةً، دون أن يخامرها أدنى شكٍ في الرجل الجالس أمامها.
وهل كان بإمكانها أن تشك؟ فقد اقترب منها الرجل منذ البداية مختبئًا وراء قناع هويته الحقيقية.
“هاها، أن يمدحني شخصٌ جميل مثلكِ، ليليانا، يجعلني في حيرةٍ من أمري.”
ضحك الرجل بصوتٍ مسموع وهو يمرر يده في شعره.
“أتمنى أن تستمتعي بهذا الحفل، ليليانا.”
“بالطبع، فرصةٌ كهذه لا تأتي كل يوم، سأستمتع بها بكل تأكيد.”
أجابت ليليانا بنبرةٍ منعشة، ثم عادت لتتأمل المناظر من النافذة.
نظر إليها الرجل، وهمس لنفسه:
“…نعم، فرصةٌ كهذه لا يمكن أن تُضيَّع سدى.”
وفجأة، تحولت عيناه الخضراوان إلى لونٍ ذهبيٍ متوهج، بطيءٍ ومخيف.
* * *
“قال كيربيل إنه رآه بالقرب من هنا.”
تجولت إيفيت بنظرها في المكان بحذر. بعد أن غادرت غرفة الاستقبال، توجهت مباشرةً إلى المكان الذي أخبرها كيربيل أنه رأى فيه ليون.
كانت تواجه بين الحين والآخر جنود الحراسة الذين يسألون عن هويتها، لكنها كانت تُظهر لهم شارة الضيف الموقر، فيتراجعون دون كلام.
“هل كان هنا بالقرب؟”
سألت إيفيت بعض المارة حتى وصلت أخيرًا إلى مستودع المواد الغذائية. هناك، رأت الخدم ينقلون المواد بفوضى منظمة، لكن للأسف، لم يكن بينهم فتى ذو شعرٍ أحمر.
“هل اختفى بالفعل؟”
عبست إيفيت وهي توقف أحد الخدم المارين، ثم سألته وهي تقلد نبرة كيربيل:
“هل رأيتَ فتىً يعمل هنا، ذا شعرٍ أحمر؟”
“أمم… لا، لا أعرف أحدًا بهذا الوصف.”
أجاب الخادم بحيرة، فأومأت إيفيت وتركته يذهب، ثم واصلت سيرها.
كانت تنوي التوجه إلى المكان الذي ذُكر في القصة الأصلية.
“لا أعلم إن كان هناك شيءٌ بالفعل، لكن…”
إذا تحرك ليون وفقًا للقصة الأصلية، فإن أعلى احتمالٍ للقائه سيكون في ذلك المكان.
“أتمنى هذه المرة أن يحالفني الحظ.”
عضت إيفيت شفتيها قليلاً ثم أفلتها، واتجهت نحو حديقةٍ قريبة من قاعة الحفل.
ما إن دخلت الحديقة حتى دخلت أنفها رائحة الزهور الخفيفة. كانت هذه الحديقة، التي كانت يومًا مليئةً بالزهور المتألقة، المكان المفضل للإمبراطورة الراحلة. لكن بعد رحيلها، أصبحت مهجورةً، لا تطأها أقدام الزوار.
تقدمت إيفيت بحذرٍ داخل الحديقة، حتى لمحت أخيرًا شرفةً قديمة مغطاة بأغصان الورد المتسلقة. كانت هذه الشرفة مكانًا اعتادت الإمبراطورة الراحلة عقد حفلات الشاي فيه.
“إذا كنت أتذكر جيدًا، فالمكان الأول كان هنا.”
صعدت إيفيت بحذر إلى الشرفة، وجالت بنظرها حولها.
فجأة، لمحت شيئًا.
“…ما هذا؟”
في زاوية الشرفة، كان هناك جسمٌ دائري لامع. اقتربت إيفيت بحذر، فتكشفت هوية الجسم الغامض.
“أليس هذا حجر طاقة؟”
رمشت إيفيت ببطء. لم تكن مخطئة، كان حجر طاقة بالفعل، لكنه كان مختلفًا عن العادة. كان مصقولًا على شكل كرة كريستالية، وكان الضوء المنبعث منه يحمل لونًا غامضًا، كأنه مغطى بضبابٍ أسود.
“يبدو خطيرًا للغاية.”
لم تجرؤ إيفيت على الاقتراب منه. لمسُه قد يكلفها حياتها قبل أن تجد ليون.
“لكن، على الأقل، يبدو أن الأمور تسير وفق القصة الأصلية.”
تنهدت إيفيت وأخرجت خاتمًا من جيب معطفها. كان خاتمًا مزودًا بحجر اتصال، هدية من الإمبراطور سابقًا. كان من المفترض أن تتقاسمه مع نويل، لكنهما كانا يملكان أساور اتصال بالفعل، فاحتفظت إيفيت بالخاتم وأعطت الآخر لكيربيل.
“…كيربيل، هل تسمعني؟”
نقرت إيفيت على الحجر المرصع في الخاتم، فجاءها صوتٌ عابس:
[ماذا؟]
“وجدتُ حجر طاقة مشبوه في حديقة القصر.”
[حجر طاقة؟]
“نعم، يشبه حجر الطاقة، لكنه دائري ولونه غامض، كأن ضبابًا أسود يغطيه.”
[لا تلمسيه. اللون الغامض يعني أن سحرًا خبيثًا يتخلله.]
تنهدت إيفيت بخفة.
“حسنًا، سأحذر. الحفل لم يبدأ بعد، أليس كذلك؟”
[يبدو أنه على وشك البدء. هل وجدتِ ذلك الخادم؟]
“ليس بعد. سأخبركِ فورًا إذا وجدته.”
أنهت إيفيت المحادثة وأعادت الخاتم إلى جيبها.
“ماذا الآن؟”
من المحتمل أن يكون ليون قد خبأ أحجارًا مشابهة في أماكن أخرى.
“لو أعرف فقط نوع السحر المستخدم فيها…”
في القصة الأصلية، كان الهدف حرق القصر بأكمله، لذا لا بد أن السحر المستخدم قويٌ للغاية.
بينما كانت إيفيت تتأمل الاحتمالات، سمعت فجأة صوت حفيفٍ يقترب من بعيد.
“…!”
ما إن شعرت بالحركة حتى اختبأت خلف أحد أعمدة الشرفة. شعرت بكل أعصابها تتوتر.
“هل…؟”
ابتلعت ريقها بتوتر، وتوقفت خطواتٍ كانت تقترب تدريجيًا عند الشرفة.
في تلك اللحظة، ساد صمتٌ خانق.
“…ماذا؟”
صعد فتى إلى الشرفة دون انتباه، لكنه توقف مصدومًا عندما رأى إيفيت.
عندما اتسعت عيناه الذهبيتان، رسمت إيفيت ابتسامة نصرٍ داخلية.
يبدو أن القدر، هذه المرة على الأقل، كانفي صفها.
* * *
في تلك الأثناء، وفي اللحظة ذاتها، بدأت قاعة الحفل، التي كانت هادئة، تمتلئ بالنبلاء. كان الحفل حدثًا سنويًا نادرًا، لذا جاء النبلاء مزينين بأفخر الثياب، حتى إن تكلفة زينتهم مجتمعة كانت كافية لبناء مملكةٍ صغيرة.
“لا يعلمون أن ثيابهم هذه قد تكون أكفانهم.”
اتكأ الفيكونت ماغنوس على شرفة غرفة استراحة في الطابق الثاني، مبتسمًا بمكر. كان متنكرًا باسم “أوين”، شابٍ نبيل عادي، لأنه لو ظهر بهويته الحقيقية، لاعتقلته الحرس الإمبراطوري فورًا.
لحسن الحظ، لم يتعرف عليه فرسان البوابة، وبلمسةٍ سحرية خفيفة على ذاكرتهم، سمحوا له بالدخول بسهولة.
“أمن القصر بهذا السوء؟”
ضحك ماغنوس بصوتٍ مسموع وهو يرفع كأس النبيذ إلى فمه، حيث تلألأ السائل الأحمر الداكن داخل الكأس الشفافة.
“سيدي أوين، ألا يجب أن ننزل الآن؟”
جاء صوت امرأة من خلفه، فاستدار ماغنوس مبتسمًا.
“حسنًا، لدي أمرٌ صغير يجب أن أنهيه، فلمَ لا تسبقينني، ليليانا؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 49"