ما إن أُغلق الباب بصوت خافت حتى التفتت إيفيت نحو فيليا.
“فيليا، هل يمكنكِ إحضار الهدية التي اشتريناها من وسط المدينة المرة الماضية؟”
“بالطبع! انتظريني لحظة.”
ركضت فيليا بسرعة نحو غرفة الملابس، ثم عادت حاملةً صندوقًا مزينًا بشريط أخضر أنيق، اختارته إيفيت بعناية ليتناسب مع لون عيني ليليانا.
خشية أن يسقط، احتضنت إيفيت الصندوق بحنان ونزلت إلى غرفة المعيشة.
وفجأة، وقعت عيناها على شخصية مألوفة.
“حتى بعد هذا الغياب الطويل، لا تزالين يا سيدتي الكونتيسة تجسدين الجمال بكل معنى.”
ما إن ظهرت إيفيت حتى نهضت ليليانا من مقعدها كمن كان ينتظرها بشوق، ثم أتبعت ذلك بمديح جعل إيفيت تبتسم بخجل.
“شكرًا لكِ، لكن الجمال الحقيقي هو ما تتمتعين به أنتِ يا ليليانا.”
كانت إيفيت نفسها فاتنة بلا شك، لكن ليليانا كانت بطلة هذا العالم، تُحيطها هالة لا يمكن مقاومتها، حتى إن مجرد ابتسامتها كانت كافية لتوهم المرء بأن ضوءًا سماويًا يشع من حولها.
“مديحكِ يسعدني يا سيدتي الكونتيسة، وإن كنتُ لا أستطيع الموافقة على كلامكِ.”
وهذا يعني بالضرورة الكشف عن أن كيربيل هو من لعن عائلتها.
“كيربيل بالتأكيد يتظاهر كالملاك أمام ليليانا. هل يمكنني قول ذلك حقًا؟”
إذا تحدثت بتهور، قد تفقد حياتها قبل أن تكسر اللعنة.
“…لماذا كل شيء معقد هكذا؟”
تنهدت إيفيت بعمق وكأن الأرض ستنهار تحتها.
كانت تتوقع أن يكون طريقها شاقًا، لكنها لم تتخيل أن يصل الأمر إلى هذا الحد.
“ماذا لو حاولت إغواء نويل مباشرة؟”
في الحقيقة، كان ذلك أبسط حل.
لكنه في الوقت ذاته الأكثر مخاطرة.
حتى لو نجحت، لم يكن هناك ضمان بأنها ستبقى معه مدى الحياة.
ولم تكن إيفيت مستعدة للمخاطرة بحياتها في ظل هذا الغموض.
“…لا شيء يبدو سهلاً.”
دفنت إيفيت وجهها في الوسادة وهي تهمهم بضعف.
—
“سيدي، كما أمرتم، أحضرت الشاي.”
في وقت متأخر من الليل،
طرق ليون باب مكتب الفيكونت ماغنوس وهو متوتر للغاية.
منذ أن عاد من خروجه قبل أيام، بدا الفيكونت ماغنوس في مزاج جيد بشكل غير معتاد.
في الأحوال العادية، كان يثور لأتفه الأخطاء، لكن مؤخرًا اكتفى بالتذمر فقط.
كان ليون يرحب بهذا التغيير، لكنه في الوقت ذاته كان يخشاه.
اذ لم يكن بوسعه أن يتوقع متى قد يتقلب مزاج سيده مرة أخرى.
“ادخل.”
ولم يخب ظنه، فقد انسابت من خلف الباب نبرة هادئة رقيقة كما توقع. ابتلع ليون ريقه الجاف وهو يمسك المقبض ويجذبه نحو نفسه.
ما إن خطا إلى داخل الغرفة المكتبية حتى استقبله أولاً دخان التبغ الكثيف الذي يملأ الجو. كبت ليون سعالاً كاد يفلت منه بجهد، ووضع فنجان الشاي والإبريق أمام الفيكونت ماغنوس. كانت يداه ترتعشان باستمرار من شدة التوتر.
“ضعهما هناك واخرج.”
تحدث الفيكونت ماغنوس دون أن يمنحه نظرة واحدة. تحرك ليون بسرعة كي لا يستثير غضبه، لكن هل كان ذلك بسبب تسرعه المفرط؟ إذ تعثرت قدمه فجأة وهو يتراجع إلى الوراء.
طنين!
مع انزلاق السجادة، تهاوت الأشياء التي كانت فوق الطاولة إلى الأرض في ضجيج مدوٍّ. نهض ليون مذعوراً وهو ينظر إلى الأرض في ذهول، تلوّنت عيناه الذهبيتان بالخوف في لحظة.
“آسف، أنا آسف جدًا! سأنظفها فورًا.”
ركع ليون أمام الفيكونت ماغنوس في هلع، وبدأ يجمع الشظايا المتناثرة على الأرض بيأس.
جرحت يده الحواف الحادة، لكنه لم يبالِ بالألم الخفيف، فقد كان الخوف من العقاب الآتي أشد وطأة.
“توقف عن هذا العبث وانهض.”
لكن، ولأمر غريب، لم يغضب الفيكونت ماغنوس منه. بل بدت نبرته ألطف مما كانت عليه. رفع ليون رأسه بحذر وهو مطأطئ الجبين، فلمح الفيكونت ينظر إليه بتعبير غامض لا يُدرك معناه.
مدّ الفيكونت ماغنوس يده نحو ليون دون كلام. توقع ليون ضربة قاسية فانكمش كتفاه غريزيًا، لكن بدلاً من ذلك، أمسك الفيكونت بذقنه برفق.
“…بهذا القدر، يمكنك أن تحلّ محلي، أليس كذلك؟”
تفحّص وجه ليون بعناية كمن يراقب شيئًا بعين الفاحص. لم يفهم ليون شيئًا، فاكتفى بالارتجاف في صمت.
“كفى، اخرج الآن.”
أطلق الفيكونت ذقن ليون بعد أن انتهى من تأمله، ثم أصدر أمر الخروج. هرول ليون خارجًا دون أن يلتفت وراءه.
“من أين أتى هذا الجبان الذي يشبه أحدهم؟”
تمتم الفيكونت ماغنوس وهو يصفر بلسانه، ثم فرقع أصابعه، فطارت الشظايا المتناثرة على الأرض إلى سلة المهملات من تلقاء نفسها.
“على الأقل، سيكون قد أدى ثمن ما أنفقته على تربيته حتى الآن.”
اتكأ الفيكونت ماغنوس على كرسيه بهدوء، وارتسمت على شفتيه ابتسامة راضية. ثم استذكر محادثته مع كيربيل قبل أيام قليلة.
—
“هنا لن يعترضنا أحد. إن كان لديك ما تقوله، فقلْه هنا.”
أزاح كيربيل الظل الأسود الذي يحيط به، وأشار بذقنه إلى المكان حوله. كان قد اصطحب الفيكونت ماغنوس إلى كوخ منعزل في أعماق الغابة. تجوّل الفيكونت بعينين متلهفتين يستكشفان المحيط. قد لا يدرك العامة ذلك، لكن كساحر، شعر بما يحيط بالمكان.
“لقد نصبوا حول المكان كل أنواع الحواجز السحرية.”
من الحماية السحرية الأساسية إلى تعاويذ عزل الصوت لمنع تسرب الأصوات، وصولاً إلى سحر الإخفاء. كان الكوخ الصغير محاطًا بكم هائل من التعاويذ المذهلة.
“…يبدو أن هذا المكان ملجأ سري أُعدّ بعناية فائقة. هل يجوز لك أن تأتي بي إلى هنا؟”
“لا بأس. على أي حال، لن تستطيع العثور عليه بدوني.”
أجاب كيربيل بإيجاز وهو يسترخي على كرسي في زاوية الكوخ. جلس الفيكونت ماغنوس بالقرب منه وراح يعبث بساقيه بارتياح.
“إذن، ما الذي تريد قوله لي؟”
نظر كيربيل إلى الفيكونت ماغنوس متفحصًا إياه من أعلى إلى أسفل. ضحك الفيكونت بخفة تحت نظراته المتابعة.
“يبدو أن من لديه ما يقوله ليس أنا، بل أنتَ، أيها المعلم.”
هزّ كيربيل كتفيه قليلاً كردّ على تعليقه.
“حسنًا، ليس خطأً.”
“أتريد معرفة كيف أتذكرك، أليس كذلك؟”
سأل الفيكونت ماغنوس بنبرة استكشافية.
“إن كنت تعرف، فتحدث.”
ردّ كيربيل بجفاء وهو يمرر يده في شعره الأحمر القاني الذي يشبه عينيه. ابتسم الفيكونت وهو يواجه نظراته.
“قبل ذلك، أرجو أن تجيب على سؤالي أنتَ أيضًا، أيها المعلم.”
“ما هو؟”
“إيفيت بلانشيت، تلك الفتاة التي عليها اللعنة. هل هي من صنعك؟”
ما إن ذُكر اسم إيفيت حتى تبدّل تعبير كيربيل بشكل غامض.
“ولمَ يهمك ذلك؟”
“لأن نجاح خطتي يعتمد على معرفة هذا بالذات. أرجوك، أجبني.”
مالتْ جثة الفيكونت ماغنوس قليلاً إلى الأمام. على الرغم من هدوء صوته، كانت عيناه الذهبيتان تتقدان بحماس. شعر كيربيل بشيء غريب فعقد حاجبيه.
“…خطة؟ أي خطة تقصد؟”
“بالطبع، الخطة التي ستغير حياتي.”
ابتسم الفيكونت ماغنوس وهو يطرق قناعه الذي يغطي نصف وجهه بخفة.
“لقد جمعتُ تقريبًا كل الأضاحي، والآن لا ينقصني سوى إجابتك.”
“…أضاحي؟”
ضيّق كيربيل عينيه وهو يحدق في الفيكونت ماغنوس. ثم، كأنما أدرك شيئًا، تصلب تعبيره.
“أنت، هل وجدتَ ذلك حقًا؟”
“آه، كما توقعتُ، أنتَ سريع البديهة، أيها المعلم.”
تنهد الفيكونت ماغنوس بمبالغة ونهض من مقعده. وفي لمح البصر، اختفى من أمام كيربيل، تاركًا وراءه صدى صوته يتردد.
“لقد سُرقتْ مني الفرصة السابقة بسببك، لكن هذه المرة لن أدع ذلك يحدث.”
“لذا، يا معلمي، تابعني من بعيد.”
“سأصبح أعظم منك.”
“وأعظم من أي شخص في هذا العالم.”
—
“تبدين في مزاج جيد اليوم، أستاذة.”
“أوه، هل لاحظت ذلك؟”
“نعم، يبدو أن ابتسامتكِ أكثر من المعتاد.”
“يا للأسف، يبدو أنني فشلتُ في التحكم بتعابيري.”
ضحكت ليليانا بخجل وهي تمسح شفتيها. لم يفوّت كيربيل أيًا من حركاتها، محتفظًا بها في عينيه. كان اليوم يتخذ هيئة صبي، كما في أول لقاء له مع إيفيت، لأنه بالنسبة لليليانا لم يكن سوى طالب عادي بين طلاب الأكاديمية الكثيرين.
“قلتِ إنكِ وجدتِ نموذجًا يعجبكِ أكثر مني، يبدو أنه أرضى توقعاتكِ حقًا.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"