“الدّوق جايد غراي، تقدّم إليّ.” 

في تلك اللحظة، نادى الإمبراطور على الدّوق غراي علنًا. 

بدت الأمور وكأنّهما اتّفقا مسبقًا، إذ تقدّم جايد غراي نحو الإمبراطور بسلاسة دون أيّ ارتباك. 

“يقال إنّ حفيدك يظهر موهبةً استثنائيّة، أليس كذلك؟” 

“هذا إطراءٌ كبير، جلالتك.” 

“المواهب الرّائعة هي نعمةٌ للإمبراطوريّة، وفرحتي الشّخصيّة.” 

ضحك الإمبراطور بسعادة كبيرة ردًا على تواضع جايد غراي. 

ربّت مرّتين على كتف وليّ العهد الجالس بجانبه، ثمّ نظر إلى جايد غراي وقال: 

“أفكّر في العلاقة التي يجب أن يواصلها حفيدك مع وليّ العهد في المستقبل، لذا أطلب منك رعايته جيدًا منذ الآن.” 

عند كلام الإمبراطور، تبادل النّبلاء النّظرات وهم يتهامسون. 

كان هذا الكلام بمثابة إقرارٍ علنيّ أمام الجميع بأنّ موهبة إينوك قد تجعله يومًا سيف الإمبراطور القادم. 

بالنّسبة لجايد غراي، كان هذا بمثابة هديّةٍ سقطت فجأة من السّماء. 

“شكرًا، جلالتك. سيعمل هذا الفتى جاهدًا ليكون عند حسن ظنّك.” 

“ههه، سأتابعه باهتمام.” 

دعا الإمبراطور إينوك إلى الأمام ليتسنّى له التحيّة مع وليّ العهد. 

كانت أعين النّبلاء مملوءة بصورة إينوك وهو يصافح وليّ العهد. 

“همم.” 

كان الأمر نفسه بالنّسبة لوالدي. 

بخلاف والدتي التي كانت تنظر إلى المشهد بابتسامةٍ راضية، تصلّب وجه والدي وهو يحرّك أصابعه بعصبيّة. 

كانت هذه عادته عندما يفكّر بعمق. 

“ما الأمر، أبي؟” 

كان وجهه يبتسم، لكنّ عينيّ لم تخدعاني. كان والدي منزعجًا جدًا من هذا المشهد. 

عندما التقطتُ ذلك بحدّة وسألته، أمسك والدي أصابعه التي كانت تتحرّك وابتسم بصعوبة: 

“يبدو أنّ جلالته مدينٌ بشيءٍ للدّوق غراي.” 

“ماذا؟” 

“ليس من عادة هذا الرّجل الماكر أن يفعل ذلك بحضور إيمبليم.” 

“هل لأنّه يقال ‘لا تذكر غراي أمام إيمبليم’؟” 

“ههه، ليست مشكلةً بهذه البساطة.” 

ربّت والدي على رأسي ونظر إلى الأمام مجدّدًا. 

كان جايد غراي وإينوك، اللذان أنهيا تحيّة الإمبراطور، يقتربان منّا. 

“لماذا يأتون إلى هنا؟” 

طوال الحفل، كان جايد غراي يعاملنا كأنّنا غير مرئيّين، فلمَ يتّجه إلينا مباشرة الآن؟ كلّ الأنظار تحوّلت نحونا. 

بل إنّ وليّ العهد كان يمسك بيد إينوك، ووجهه يحمر خجلًا بينما يحدق بي، وهو يتبعه. 

“أحيّي سموّ وليّ العهد.” 

تقدّمت والدتي أوّلًا لتحيّة وليّ العهد. 

هل يجب أن أحيّي أنا أيضًا؟ بينما كنتُ متردّدة، دفعني والدي بلطف إلى الخلف وتحدّث: 

“لقد مرّ وقتٌ منذ لقائنا الأخير، سموّ وليّ العهد. والدّوق غراي.” 

ردًا على تحيّة والدي، وقبل أن يردّ وليّ العهد، نظر جايد غراي إلى والدتي بتعجرف وسأل: 

“أين والدكِ؟” 

كان موقفه الواضح في تجاهل والدي يجعل وجه والدتي يتصلّب قليلًا. 

شعرتُ بنفس الشّيء. كما قال جدّي، كان جايد غراي حقًا وقحًا. 

بعد أن أثنى الإمبراطور على إينوك ودعم وليّ العهد، كان جايد متعجرفًا للغاية. لو رأى جدّي هذا، لكان قد ثار غضبًا. 

لكن والدي ابتسم لوالدتي وكأنّ الأمر لا يهمّه، فتنهّدت والدتي وقالت: 

“لقد ذهب لتنفيذ أمرٍ من جلالته.” 

“همم.” 

توقّف جايد غراي عن الكلام للحظة، وكأنّه يفكّر في شيءٍ ما ردًا على إجابة والدتي. 

“هل هذا كلّ شيء؟” 

“بالطّبع لا.” 

دفع جايد غراي ظهر إينوك، الذي كان يقف بهدوء ممسكًا بيد وليّ العهد، وقال: 

“إينوك الخاصّ بنا زار قصر وليّ العهد بدعوةٍ منه مؤخرًا، لذا ليسا غرباء. لكن ابنتكِ لم ترَ سموّه من قبل، أليس كذلك؟ عادةً ينبغي أن يقدّمها والدكِ، لكن بما أنّه غائب، تحمّلتُ عناء إحضاره بنفسي.” 

“حسنًا، هذا لطفٌ كبير منك.” 

ردّت والدتي بصوتٍ متردّد بكلمات الشّكر. 

كان يقول إنّه جاء ليقدّمني إلى وليّ العهد، لكن في الحقيقة، كان يتباهى بأنّ إينوك صديقٌ لوليّ العهد بينما ابنتهما غريبة عنه تمامًا. 

بل إنّه أفصح عن معلوماتٍ لم يُسأل عنها، مثل أنّ إينوك تلقّى دعوةً إلى قصر وليّ العهد. 

كان هذا موقفًا لتثبيت هذه الحقيقة أمام الجميع. 

‘أتمنّى لو كان جدّي هنا.’ 

لو كان جدّي هنا، لما استطاعوا فعل ذلك! 

تساءلتُ من أين أتى إينوك بهذا السلوك الوقح، لكنّه كان نسخةً طبق الأصل من جدّه. 

لا ينبغي استخدام هذا الوصف للكبار، لكن في هذه اللحظة، كنتُ أشعر بالضّيق حقًا. 

أردتُ قول شيء، لكنّني في السابعة من عمري فقط. لا يمكنني التدخّل بوقاحة في محادثة الكبار. 

بينما كنتُ ألوي جسدي بحنق، وضع والدي يده على كتفي وتقدّم وقال: 

“كما قال الدّوق غراي، هذه المرّة الأولى لسيل مع سموّ وليّ العهد.” 

“أجل، نعم! إنّها المرّة الأولى.” 

ردّ وليّ العهد، الذي كان يقف مرتبكًا، بحماس على كلام والدي. 

جثا والدي على ركبةٍ واحدة ليصبح في مستوى عيني وليّ العهد، وجعلني أقف أمامه، ثمّ واصل: 

“سيل، هذا هو النّور الثّانية لإمبراطوريّة روتيناس، سموّ وليّ العهد. حيّيه.” 

من نظرة والدي وهو يغمز بعينيه، أدركتُ على الفور أنّه يُعدّ لهجومٍ مضادّ. 

ابتسمتُ لوالدي بذكاء وحيّيت وليّ العهد: 

“مرحبًا، أنا سيليسيا إيمبليم.” 

“تشرّفتُ بلقائكِ لأوّل مرّة، الأميرة الصّغيرة إيمبليم. أنا آوريليان ليوبورد روتيناس، أؤدّي واجب وليّ العهد لهذا البلد رغم قصوري.” 

عند تحيّة وليّ العهد، أُعجبتُ داخليًا. على عكس مظهره الضّعيف، كان صوته نقيًا وشفّافًا، وله نبرةٌ قويّة. 

‘لهذا يقولون إنّه لا ينبغي الحكم على النّاس من مظهرهم.’ 

من مسافةٍ قريبة، كانت عينا وليّ العهد الذّهبيّتان تلمعان بنورٍ ذكيّ، وإن كان خافتًا، لكنّه كان كافيًا. 

“كيف هي صحّة سموك مؤخرًا؟ سمعتُ أنك ركّزت على التّعافي منذ زيارتي لك وأنت صغير.” 

وقف والدي وسأل عن حال وليّ العهد، فردّ الآخر بنبرةٍ ودودة: 

“بفضلك، تحسّنت كثيرًا. الكتب التي جلبتها كانت مصدر عزاءٍ كبير.” 

“حقًا؟ يسرّني أنّ سموّك أحبّها.” 

بدت وكأنّ وليّ العهد يكنّ إعجابًا كبيرًا لوالدي. 

فجأة، بدأت الحيويّة تعود إلى وجهه الشّاحب، واقترب من والدي أكثر ورفع صوته: 

“بالطّبع! كانت كتبًا نادرة يصعب العثور عليها في القصر. لقد أحببتُ بشكلٍ خاصّ قسم ‘سيف الإمبراطور’ من ملحق أسطورة تأسيس روتيناس.” 

عند ذكر ‘سيف الإمبراطور’، فتحتُ عينيّ بدهشة. كنتُ أعرف هذا الكتاب. 

كان كتابًا كالقصص الخياليّة كان والدي يقرؤه لي وأنا جالسة على حجره عندما كنتُ صغيرة. كان يتضمّن إنجازات إيمبليم، أحد مؤسّسي إمبراطوريّة روتيناس. 

“آه، أن يكون مقطع ‘سيف الإمبراطور’ المفضّل لدى سموك، كعضوٍ من إيمبليم، هذا يسعدني بلا حدود.” 

بدأ والدي ووليّ العهد يتحدّثان بحميميّة وكأنّهما الوحيدان هنا. 

كان وليّ العهد متحمّسًا للمحادثة لدرجة أنّه نسي وجود الدّوق غراي وإينوك بجانبه. 

“من بين قصص ‘سيف الإمبراطور’، هناك حكاية تقول إنّ الإمبراطور الأوّل رمى سيفًا لاختبار سيف إيمبليم، فصدّه الدّوق الأوّل وألقاه ليعلق في الحائط. هل صحيح أنّ ذلك السّيف لا يزال عالقًا في قصر الدّوق في إقليم إيمبليم؟” 

“نعم، هذا صحيح. لقد رأيته بنفسي عندما زرتُ قصر الدّوق في إقليم إيمبليم بإذنٍ من سيّد العائلة.” 

“حقًا، هذا مثيرٌ للحسد! أتمنّى زيارته يومًا ما لرؤيته بنفسي.” 

من سيصدّق أنّ هذا الشّخص مريضٌ ضعيف الآن؟ 

كان حماسه لزيارة إقليم إيمبليم مليئًا بالشّغف، بل كاد يبدو كالجنون. 

في تلك اللحظة، كان الجميع في قاعة الحفل يفكّرون في نفس الشّيء الذي فكّرتُ فيه: 

‘وليّ العهد… معجبٌ كبير بإيمبليم؟’ 

أدركتُ الآن ما كان والدي يُعدّه لهجومه المضادّ.