وقفت بجانب النافذة، محاولةً تنظيم أنفاسي التي لم تهدأ بسهولة، ثم ألقيت البطانية إلى الخلف.
عندما فتحت النافذة الثقيلة بقوة، اندفع الهواء الليلي البارد إلى الداخل.
الدفء الذي كان قد تصاعد في وجنتيَّ بدأ يبرد، وزفرةٌ مرتاحة أفلتت مني.
من نافذة غرفتي، كان بإمكاني رؤية الحديقة الشاسعة لقصر إيمبليم، التي كانت تتباهى باتساعها المهيب.
باستثناء ضوء القمر الخافت، كانت الحديقة مغمورةً بظلامٍ هادئ.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا غريبًا لأوراق تتمايل معًا، لم يكن من المعتاد سماعه في الحديقة.
“هاه؟”
احنيت نصف جسدي خارج النافذة، وضيقت عينيَّ، محاولةً التركيز على مصدر الصوت.
بينما كنت أحدق بتمعن، لمع شيءٌ ما، عاكسًا ضوء القمر.
كما لو كان شعر شخصٍ ما الفضي يتلألأ.
‘هل يمكن أن يكون…؟’
تساءلت بينما كنت أحدق في الشعر الفضي، الذي تألق مرةً أخرى ثم اختفى.
ربما دخل فأرٌ إلى المنزل، لكن بدا أنه فأرٌ مألوفٌ لديّ.
* * *
كان الطفل جاثمًا بين الكروم، في المكان الذي كنت أختبئ فيه من قبل، وهو ينتزع الأعشاب الضارة التي نمت على الأرض.
‘لماذا يقوم هذا الطفل بانتزاع الأعشاب في حديقة شخصٍ آخر؟’
اقتربت من خلفه، قبضت يدي، وحدقت فيه لفترة، لكنه كان شديد التركيز لدرجة أنه لم يلاحظ وجودي.
لقد كان فتى في السابعة من عمره، كان مخفضًا لحذره إلى حد أنني تمكنت من التسلل بسهولة.
لو كُشف هذا الأمر، لكانت سُمعة قصر إيمبليم قد تضرر.
‘لمن يجب أن أبلغ عن هذا…؟’
بينما كنت أفكر في الشخص الأكثر كفاءة لنقل هذه المعلومة إليه، فتحت فمي.
“إينوك.”
قفز إينوك متفاجئًا والتفت إليّ.
عيناه، اللتان اتسعتا كالفوانيس، وكتفاه المشدودان المرتجفان، وشفاهه التي بدت وكأنها تكتم أنفاسه.
للمرة الأولى، رأيت إينوك في حالةٍ من الذهول كهذه.
“ماذا هناك، سيل؟”
بمجرد أن تأكد من وجهي، انخفضت كتفاه المتوترة بعمق.
أطلق زفرةً طويلة، متخذًا موقفًا وكأن وقوعه في قبضتي لم يكن بالأمر المهم.
وبعدما استعاد طبيعته المفعمة بالوقاحة واللامبالاة، سأل بصوته الطفولي المزعج،
“ما الذي تفعلينه هنا في هذه الساعة؟”
لم يكن هذا سؤالًا يطرحه شخصٌ يقتلع الأعشاب الضارة من حديقةٍ ليست له في وقتٍ متأخرٍ من الليل.
بغض النظر عن سلوك إينوك اللامبالي، راودتني للحظة فكرة أن هذا المكان هو قصر غراي، وليس قصر إيمبليم.
“هذا منزلي، كما تعلم. لماذا تتحدث إليَّ بهذه الطريقة؟”
ضغط إينوك شفتيه قليلًا عند سماع كلامي، لكنه سرعان ما قرر أن يلزم الصمت.
فحصت وجهه بعناية. كان لديه الكثير ليقوله لكنه كان يكتمه.
“همم.”
تنهد بضيقٍ واضحٍ من وجودي، وأدار عينيه بملل، محافظًا على يديه المغطاتين بالتراب خلف ظهره.
بما أنه كان المتسلل إلى القصر دون إذن، فهو من كان عليه أن يكون حذرًا.
“هل لديك ما تود قوله لي؟”
“…!”
عند سؤالي، اتسعت عينا إينوك وابتلع ريقه بصعوبة.
لقد عرفنا بعضنا منذ سبع سنوات كاملة، لكن هذه كانت أول مرة أراه في هذه الحالة من الارتباك.
العجوز الصغير، الذي كان يتصرف بنضجٍ غير مبررٍ في العادة، بدا فجأةً وكأنه شخصٌ في مثل عمري. في هذه اللحظة، بدأت أشعر ببعض القلق.
“إذا كان لديك ما تقوله، فقله بسرعة، وإلا فعد أدراجك. خبر هروبك قد بدأ ينتشر بالفعل.”
“بالفعل؟”
بدت نبرته المستفسرة غريبة، كأنها تفتقر إلى الدهشة.
هل كان ذلك بسبب أنه لم يرد كما يفعل عادة؟ شعرت بالحرج، فوبخته بلا سببٍ واضح.
“أنت تكرر نفس الكلام. أليس هذا واضحًا؟ لماذا لا تجيب؟ هل أصبحت أبلهًا فجأة؟ هل أنت مريض؟”
اقتربت من إينوك، ثم وضعت كفي برفقِ على رأسه الصغير.
“لا يبدو أنك تعاني من الحمى. لماذا تبدو تصرفاتكَ معطلةً هكذا؟”
“اذهبِ وحسب.”
رمش إينوك للحظة، ثم احمرّ وجهه بشدة وأبعد يدي بعنف. كان الصوت الناتج عن الضربة مرضيًا إلى حدٍ ما.
عندما أمسكت بيده الباردة، نظر إليّ بحيرة.
يبدو أنه لم يكن ينوي ضربي بهذه القوة.
“عندما تقلق، تحدث فوضى.”
“لا، أنا فقط…”
عندما تحدثت بنبرةٍ حازمة، عضّ إينوك شفتيه.
رغم أنه بدا عازمًا على قول شيءٍ ما، وهو يقبض يده بإصرار، إلا أنني استسلمت وزفرت قائلة:
“انسَ الأمر. ربما تعتبره انتقامًا لضربي لكَ في وقتٍ سابق، أليس كذلك؟”
نظرًا لأنني كنت قد تشاجرت مع إينوك بالأمس، لم يكن من المنطقي أن نتواجه مجددًا الليلة.
لقد فكرت كثيرًا أثناء توبيخ أمي لي سابقًا. لم أكن أعرف لماذا هرب إينوك إلى قصر إمبليم في منتصف الليل، لكنني قررت التغاضي عن هذه الحادثة.
شعرت بالشفقة على وجنتيه، اللتين لا تزالان متورمتين، وأردت إخفاء حقيقة أنني السبب وراء ذلك.
“لقد ضربتكَ بقوة في وقتٍ سابق، فلنعتبره تعادلًا.”
بفخر بسعة صدري التي بدت وكأنها نابعةٌ من شخصٍ بالغ، استدرت للمغادرة، لكن إينوك اقترب فجأةً وأمسك بمعصمي.
“مهلًا!”
“ماذا الآن؟”
“لقد ضربتكِ بقوة أكبر سابقًا لأنني كنت مرتبكًا. آسف. وأيضًا على ما حدث اليوم.”
كلمات إينوك جعلت عيناي تتسعان دهشة.
“آسف؟ هل قال إينوك غراي لتوه آسف؟ هل تعتذر مني؟؟”
كان من المستحيل تقريبًا أن أميّز إن كان ما سمعته للتو حقيقة أم مجرد وهم. لو أخبرت جدي بذلك، لكان بالتأكيد سيقول إنني رأيتُ حلمًا غريبًا.
وفي اللحظة التي كنت أحاول فيها التأكد مما سمعت، واصل إينوك اعتذاره بشكلٍ لا يُصدق.
“نعم. كان خطئي أنني أهنّت إيمبليم. لو كنت مكانكِ، كنت لأغضب أيضًا. … ماذا تفعلين؟”
إينوك، الذي كان يعتذر بينما كان ينظر فقط إلى معصمي، لاحظ أخيرًا تعابير وجهي وسأل.
توقفت عن قرص خدي باليد التي لم يمسك بها إينوك وفتحت فمي.
“لا شيء، لا أعلم إن كنت أحلم أو أتوهم حاليًا.”
“ما هذا الهراء؟”
“من كان ليتوقع أن تخرج كلمة اعتذارٍ من فمكَ؟ إن كان هناك شخصٌ في تاريخ عائلة إيمبليم قد سمع اعتذارًا من فردٍ من عائلة غراي، فليتفضل ويخبرني.”
هذا ما كان يقوله جدي دائمًا. عائلة غراي لا تخلق مواقف تستوجب الاعتذار.
“انظر إلى هذا! انظر إلى هذا! أفراد عائلة غراي دائمًا ما يقولون هذا، وأنت لست مختلفًا، أليس كذلك؟”
كانت دوقية غراي أبرز عائلةٍ سياسية في الإمبراطورية. في الساحة السياسية القاسية، وصلوا إلى القمة من خلال التعامل فقط مع الأمور النزيهة والمفيدة.
إذا كان هناك أمرٌ يستدعي الاعتذار، فهذا يعني التخلص من الطرف الآخر.
أفراد عائلة غراي مخيفون ….. حتى هذا الطفل الصغير الذي أمامي تم تربيته بما يناسب معايير الغراي.
“هل نحن بصدد بدء شجارٍ الآن؟”
“هذا غريب.”
“أشعر كأنني أحمقٌ لأنني اعتذرت لكِ بهذه السهولة.”
بدا إينوك مرتبكًا للحظة، ثم استدار مبتعدًا مع تعبير جعله يبدو كــ عجوزٍ استسلم عن الحياة، وأطلق تنهيدةً ثقيلة.
بما أنه أخيرًا تخلى عن توتره، قررت أن أسأله السؤال الذي كان يدور في ذهني طوال الوقت.
“لماذا هربت؟ ولماذا انتهى بك الأمر هنا؟”
“…..”
تردد إينوك للحظة. كان يعلم أنه رغم أننا كنا سنصبح مخطوبين في المستقبل، لن أترك الأمر إذا لم يخبرني بكلّ شيء.
رغم خطبتنا، لا تزال عائلتا إيمبليم وغراي عدوّتين.
والآن، بعد أن حُرمت خالتي ديانا من حق الخلافة، تم التأكيد أن إينوك، الذي من المفترض أن يكون دوق غراي المستقبلي، قد تسلل إلى قصر إيمبليم. لم يكن هذا بالأمر العادي.
في هذا المجتمع الراقي، يمكن تبرير أيِّ شيء، نظرًا للعداوة بين إيمبليم وغراي.
“لن يخطر ببالهم أبدًا أنني سأهرب إلى قصر إيمبليم، مستحيل.”
“آه.”
فهمت الأمر بسرعة. شخصٌ هارب تلقى توبيخًا من خالتي ديانا سيتم البحث عنه بدقةٍ من قبل فرسان غراي.
لكن الاختباء في ظل إيمبليم؟ لم يكن هذا شيئًا قد يخطر ببال فرسان غراي أبدًا.
“أنتَ… أنتَ ذكيٌ حقًا.”
أبديت إعجابي بصدق.
فكرت في الأمر، وتذكرت أن الدوق غراي كان قد ذكر أن إينوك تلقى تعليمًا صارمًا للغاية.
لم يكن إينوك فقط قادرًا على مجاراة هذا المستوى القاسي من التعليم، بل كان يسعى للمزيد، مما جعله يُسمى بالعبقري.
اليوم، رأيت كيف فقد الدوق غراي، الذي كان عادةً صارمًا وفخورًا، هيبته بسبب حفيده، لدرجة أنه كاد ينفجر بسبب الفخر.
أدركت أن سُمعته لم تكن بلا أساس.
“على أيِّ حال، دعيني أبقى هنا حتى صباح الغد. سأتصرف بناءً على ذلك.”
“صباح الغد؟ لكن بحلول صباح الغد، ستكون خالتي ديانا قد عادت إلى غابة كرايتون الشيطانية.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"