كان صوت اصطدام أوراق الشجر بالريح يحمل في طيّاته قشعريرةً غريبة.
مسحت ليتيا عينيها بظاهر كفّها غير مصدّقة ما ترى، ثمّ نظرت مجددًا نحو سيدريك.
لحسن الحظ، لم يكن في عينيه الباهرتين بريقٌ ذهبيّ يشير إلى ما خافت.
رغم مظهره البارد، احمرّت أذناه خجلًا قليلًا، فعرفت ليتيا أنّ هذا هو سيدريك الذي تعرفه جيّدًا.
‘الحمد لله… يبدو أنّي توهّمت.’
ابتسمت ليتيا بخفّة، فمدّ سيدريك يده إلى طرف كمّها وقال بصوتٍ خافتٍ يختلط بالشجاعة:
“أمتلك بعض الموهبة في فنّ السيف. أظنّ أنّني قادر على تعليمك المبادئ الأساسيّة يا ليتيا.”
“إذن، سيدريك… أيمكنني أن أطلب منك هذا الجميل؟”
“سيشرّفني ذلك.”
ابتسم سيدريك حتى انحنى طرفا عينيه، وأمسك بخفةٍ يد ليتيا.
كانت تعرف أنّه يبالغ في تواضعه. لم يكن “يملك موهبة” فحسب، بل كان موهوبًا حقًّا.
بل أكثر من ذلك، كان من أولئك الذين جمعوا بين النبوغ والجهد حتى صار النجاح حليفهم في كلّ أمرٍ يباشرونه.
“فريتز… أعتذر منك. كنتُ أنا من طلب هذا التدريب.”
“بالعكس. كدتُ أحترق منذ قليل، لكن تلميذتي أنقذتني ببسالة.”
ابتسمت ليتيا بخفّة وهي تعتذر له، رغم أنّها لم تطلب التدريب أصلاً، لكنها حاولت مسايرة الموقف.
أجاب فريتز بمرحٍ وهو يهزّ كتفيه ويلقي نظرةً جانبيّة نحو سيدريك:
“أبدتي تحترقين بالفعل؟ هل تشعرين بالحرارة بسهولة؟”
“لا، لكن الشمس اليوم حارقة قليلًا.”
حاول كتم ضحكته فيما أزاحه سيدريك جانبًا واقترب من ليتيا ممسكًا بمعصمها الذي يمسك بالسيف الخشبي.
“هكذا. أمسكيه بهذه الطريقة.”
في تلك اللحظة، أدركت ليتيا فورًا سبب ضرورة تدريب الجسد قبل تعلّم فنّ السيف.
فما إن ساعدها سيدريك على اتخاذ الوضعية الصحيحة حتى بدأت فخذاها بالارتجاف.
“آه… الثبات على هذه الوضعية صعبٌ جدًا!”
“حين تكتسبين القوة، ستجدينها أكثر استقرارًا وتوازنًا.”
كان صوته ناعمًا كنسمة ربيعية، يجعل الألم يُحتمل… إلى حدٍّ ما.
لكنها كانت تعلم أنّ عضلاتها ستصرخ الليلة بلا شك.
“والآن، هكذا. السيف يعتمد على ثلاث حركات رئيسة: الصدّ، والقطع، والطعن. والصدّ ليس مواجهةً مباشرةً للقوّة، بل تحويلها جانبًا.”
“أوه…”
مرّت ساعتان من التدريب، والعرق يتصبّب منها كالمطر، لكن شعور التقدّم كان عظيمًا.
نظرت إلى رأس سيفها الخشبي المرتجف ثم ضحكت بخفّة:
“أظنّ أنّ قوّتي البدنية ضعيفة جدًّا، أليس كذلك؟”
“صحيح، لكنك تملكين مرونة ممتازة، وإن أحسنتِ استغلالها فستتقدّمين بسرعة.”
ناولها سيدريك منشفةً بعد أن لاحظ إنهاكها، وفي اللحظة نفسها ظهر إشعار أمامها:
تمّ إكمال المهمّة “تدريب فنّ السيف”.
المكافأة: قطعة ذهب واحدة ومفتاح واحد.
نصيحة: يمكن استخدام الذهب في متجر الورود بشارع فيرنا.
نصيحة: يُستعمل المفتاح للحصول على تلميحات عند اختيار الخيارات.
‘قطعة ذهبٍ واحدة؟ فقط قطعة واحدة؟’
بدت الخيبة في عيني ليتيا.
هل كان لزامًا على اللعبة أن تكون واقعية إلى هذا الحدّ؟
في ذاكرتها، كان زيّ سيدريك وحده يكلّف ستمائة قطعة ذهبية، وفستانها أربعمائة، أما الهدايا التي ترفع المودّة فحوالي خمسين.
انحنت برأسها في استسلام مرير.
“سيدريك، أيمكنني أن أسألك شيئًا؟”
“طبعًا، اسألي ما تشائين.”
“بقطعة ذهبٍ واحدة، ماذا يمكنني أن أشتري؟”
“ذلك يعادل تقريبًا أجر خادمٍ أسبوعيًا.”
“هاهاها… ها.”
ضحكة مكسورة خرجت منها، لا تدري أهي سخرية أم يأس.
لو كانت شخصيةً تعيش لتكسب قوت يومها فحسب، لفرحت بالأمر، لكنها لم تستطع.
فكل الألعاب تتطلّب الدفع، وهذه أيضًا لا تختلف.
والأسوأ أنّ فتح زيّ سيدريك و”قصّته الخفيّة” يحتاج إلى سبعمائة قطعة!
“ليتيا، هل أنتِ بخير؟”
“نعم، فقط… رؤيتي لوجهك جعلتني… آه!”
شهقت فجأةً حين رأت انعكاسها في عينيه:
شعرٌ مبعثر، وجهٌ ملطّخ بالتراب والعرق.
أمام شخصيتها المفضّلة! يا للكارثة!
“ربما كان عليَّ التدرّب مع فريتز بدلًا منك.”
“ألأن تدريبي لم يُرضِك؟”
“كلا! فقط… لا أحبّ أن يراني سيدريك بهذا الشكل، متعرقة وشعثاء الشعر.”
رفعت يديها بتبريرٍ مرتبكٍ وهي لا تستطيع مواجهة عينيه الدافئتين.
ضحك سيدريك حين فهم قصدها، ثم قال بابتسامة مشرقة:
“بل أنا سعيد لأنك سمحتِ لي برؤية هذا الوجه الحقيقي منك.”
ثم رفع المنشفة بلطف ومسح العرق المتدلّي على جبينها.
احمرّ وجهها، لكنها لم تتحرك.
ظل ينظر إليها صامتًا، متسائلًا: ما هذا الإحساس الغريب؟
“مقارنةً بليلة الحفل، لا أبدو جميلة الآن، أليس كذلك؟”
“لم أشعر يومًا أنّ وجودك معي كان أقلَّ جمالًا، يا ليتيا.”
مسح الغبار عن خدّها بحنان، بينما كان قلبه يخوض صراعًا داخليًا:
لم يكن هذا ما يُفترض أن يشعر به، لكنه شعور لا يستطيع إنكاره.
“يا لكَ من لطيف حقًا، واللطف ذنب، ذنب عظيم.”
“أنا لست لطيفًا يا ليتيا. أنتِ من ترينني كذلك.”
“أوه…”
لكن نظراتها لم تكن نحوه، بل نحو شاشة صغيرة مضيئة خلفه.
[ازداد تعاطف الهدف الرومانسي!
المودّة: 28/100]
‘ماذا فعلتُ لأستحقّ هذا؟’
ارتفع المؤشّر مجددًا!
لعبة لا تُعطي النقاط بسهولة، فهل اقتربت من النهاية السعيدة؟
“ليتيا؟ هل ترين شيئًا؟”
“نعم، هناك…”
التفت سيدريك خلفه فلم يجد شيئًا.
ثم عادت نظراتها إليه وأسندت رأسها إلى صدره.
أغمضت عينيها تنتظر، لكن يده الدافئة وضعت بلطف على كتفها.
“يبدو أنّ تدريب اليوم أتعبك كثيرًا.”
“ألستَ غاضبًا لأنّي اتكأت عليك بلا إذن؟”
“كنت على وشك اقتراف تجاوزٍ بنفسي، فلنعتبرهما متكافئين.”
ثم جذبها بذراع قوية فارتبكت ولفّت ذراعيها حول عنقه.
“أنت ثقيلة!”
“بل خفيفة.”
“لكـ… لكن!”
تسارعت أنفاسها وهي تشعر بدفء جسده وقرب نبضه حتى خُيّل إليها أنّ عقلها يدور.
‘يا إلهي… هذا جنون. أراه، ألمسه، أسمع دقّات قلبه! يفوق حدود الوعي! أأنا أُغمى عليّ؟’
“اسمحي لي بشرف مرافقتك إلى العربة.”
“…أأُتعب ذراعَي سيدريك هكذا؟ لا أستحقّ هذا.”
كانت كلماتها تذوب بين جفنيها المتهدلين، وهي تغالب النوم – أو الغيبوبة بالأحرى.
‘آه… بهذا الشكل، لن أقدر إلا على الزواج بك. وسنرزق بالأحفاد، حتمًا.’
ارتسمت على شفتيها النائمة ابتسامة خبيثة.
“سيّدي، ألا تبدو ابتسامة الآنسة غريبة بعض الشيء؟”
اقترب فريتز وهو يحدق بها.
“يبدو أنّ بصركَ خانك يا فريتز.”
“هَهُم.”
ابتسم سيدريك بصفاء، لكن فريتز لمح خلف تلك الابتسامة بريقًا خافتًا من الغضب فابتعد فورًا.
“لو كان ثَمَّة مكر، فهو مني، لا منها.”
تمتم سيدريك وهو يزيح خصلة شعر عن وجه ليتيا بحذر.
كانت هذه ثاني مرّة يراها فيها، ومع ذلك، حين تطالعه عيناها، يراوده إحساس غامض بالحنين.
“يا ليتيا… ما أغربك.”
كلما نظر إليها، خُيّل إليه أنّ قلبه لم يعد له.
مزيج مربك من الشوق والارتباك، إحساس لم يعرف له اسمًا بعد، لكنه حقيقي وعميق.
التعليقات لهذا الفصل " 8"