كانت ليتيا تشعر بظلمٍ شديدٍ حقًّا.
‘ما الذي يحدث بحقّ السماء؟ هل خضعت اللعبة لتحديثٍ من دون علمي؟ إنني أؤدّي دوري بدقة متناهية، وملامحي وتعبيراتي مطابقة تمامًا للأصل!’
لم تكن تدري لماذا انحرف مجرى القصة عن خطّها الأساسي.
لقد رأى سيدريك مظهرها المتعب والمُتسخ بعد مهمة شاقة، فزادها ذلك ضيقًا، ولم تُظهر القصة الرئيسية أيّ نية لمواساتها.
في هذا الفصل، كان من المفترض أن يهاجمها مجهول، ثم يظهر خيار لتختار من تُنقذ على يديه.
لكنّ الاختيار لم يظهر أبدًا، وها هي على وشك أن تُقتل على يد أحد مرشّحيها الرومانسيّين!
“همم… تبدين حقًّا متشوّقة لمعرفة النتيجة.”
اقترب منها الرجل بابتسامة باهتة، حتى كاد وجهه يلامس وجهها.
شمّت ليتيا منه رائحة دمٍ معدنيّة نفّاذة، فعبست بانزعاج.
“ابتعد قليلًا، يوڤيل.”
“… ماذا؟”
تجمّد وجه الرجل للحظة.
لكن ليتيا لم تلحظ ذلك، ودفعته بساعديها.
“قلتُ لك ابتعد. رائحة الدم تُزعجني، أجب من هناك.”
“قبل ذلك فقط…”
تراجع يوڤيل قليلًا، غير أنّه سرعان ما أمسك بمعصمها بقوّة مفاجئة.
آلمها قبضه فأنّت، محاولةً تخليص يدها منه عبثًا.
“قلتُ إنني…”
“……”
أدركت ليتيا خطأها في لحظة، واتسعت عيناها دهشة.
لم تُجرِ معه حتى تعارفًا رسميًا، وها هي تُناديه باسمه!
وفوق ذلك، نادت أكثر شخصيات اللعبة قسوةً، سيّد نقابة الظلال!
“في الواقع… هذا ليس كما تظنّ.”
“هل بلغت قوّة استخبارات إتوار حدّ التفوّق على الملكية؟”
أشرق في عيني يوڤيل لمعة قاتمة، وابتسم بخبث يبعث القشعريرة.
‘لقد انتهيت هنا.’
استسلمت ليتيا لتلك الحقيقة، وابتسمت ابتسامة أشبه بالجنون. ما الجدوى من المقاومة؟ في اللعبة، حين يبتسم يوڤيل هكذا، فهذا نذير موت وشيك.
“عائلتنا تُجيد معرفة الأشياء، هذا كلّ ما في الأمر.”
“لا. ليس كذلك يا ليتيا. ذلك اسمٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يعرفه.”
“كيف لا؟ إنّه مكتوب بوضوح في ملفّ الشخصية!”
لكنّه قالها ببرود مرعب:
“ذاك الاسم لا يعرفه أحد من عائلتي الميتة، ولا من أتباعي. أنا وحدي أعلمه.”
ارتجفت نظرات ليتيا بالذهول.
‘لكن… في اللعبة الأصلية، كان يخبرني باسمه بابتسامة وديعة، بل ويقبّل يدي برقة حينها!’
أخرج يوڤيل مسدسًا من سترته، وسمعت ليتيا صوت التلقيم المعدني البارد.
ثمّ لامس فوهة السلاح جبينها. أغمضت عينيها مستسلمة.
‘لا بأس. لديّ عشر أرواح. سأعود.’
لكن فجأة—
“آه!”
اختفى ضغط الفوهة، وارتفع صوت ارتطام معدني.
رأت يوڤيل يقبض على معصمه المتألم، بينما سلاحه يتدحرج بعيدًا.
وفي الجهة المقابلة، وقف سيدريك بملامح جامدة لا أثر فيها لأي انفعال، رافعًا سيفه نحو خصمه.
“كيف تجرؤ.”
وفي اللحظة التي همّ فيها سيدريك بضرب يوڤيل، انطلقت ليتيا بكل قواها نحو الرجل.
“سيدريك!”
أحاطها بين ذراعيه في عناق حامٍ، وارتجفت يداها كطير مذعور.
“ليتيا. أغمضي عينيك قليلًا.”
كان صوته دافئًا مألوفًا، لكن حين رفعت رأسها نحوه، رأت في عينيه الذهبيتين برودًا مرعبًا خاليًا من أي شعور.
في تلك اللحظة، بدا يوڤيل — القاتل المبتسم — أكثر إنسانيّة منه.
“سيدريك… أرجوك، دعني. حسنًا؟”
“لقد وجّه سلاحه نحوك.”
“أنا بخير، حقًّا.”
“ما فعله لا يُغتفر.”
“سيدريك…”
توسّلت بنظراتها إليه، مشيرة بمهارة إلى يوڤيل كي يفرّ.
وبالفعل، قفز فوق الجدار واختفى.
حينها فقط استسلمت ليتيا للإرهاق، وأسندت جسدها إلى صدر سيدريك.
“ليتيا، لماذا عفوت عنه؟”
“لم أعفُ عنه… فعلت ما يصب في مصلحتي فقط.”
كانت تعلم أنّ أي خطأ قاتل هنا قد يدمّر توازن اللعبة بأكمله.
إذا مات يوڤيل الآن، فستختل البنية الأساسية للقصة.
إنها لا تزال في بداية الأحداث، ولم يحن وقت موت أي من المرشّحين بعد.
“فلنعد الآن. هل لك عربة تقلكِ؟”
“لا أظن. لا أتذكّر أنني جئت بعربة.”
ابتسم سيدريك ابتسامة هادئة وقال:
“جيد. ستعودين معي إذن.”
ثم حملها برفق وسار نحو عربته الفخمة، وجلس مقابلها بعد أن أجلسها بلطف على المقعد المخملي.
“كيف التقيت بذلك الرجل؟”
“كنت أتجوّل في الساحة، وفجأة خرج من زقاق ضيّق وجرّني معه.”
“كان يجب أن أقتله.”
“ماذا قلت؟”
“لا شيء.”
خلع سترته ووضعها على كتفيها، وقال بابتسامته المشرقة المعتادة:
“ها، لقد أفلت من العقاب هذه المرّة على الأقل.”
تشمّمت ليتيا رائحة دافئة منعشة من سترته، فاستسلمت لها، وغرقت في دفئها.
مع ذلك الدفء، أخذت جفونها تثقل رويدًا.
“كنت أعلم أنّ طلبي سيبدو تعسفيًا، لكنك لبّيته رغم ذلك يا سيدريك.”
“ولمَ تركتِه يهرب؟ أليس خطرًا أن يعود للانتقام؟”
“أنا أعرف من يكون. أو بالأحرى، أعرف ما أراد أن يخفيه.”
“أتعرفينه شخصيًا؟”
تصلّب وجه سيدريك لوهلة، لكنها لم تلحظ.
“لا، فقط من خلال معلومات عائلتنا. لا تسيء فهمي، أنا لست سوى مواطنة صالحة، حقًّا.”
“أعرف. ليتيا طيبة القلب.”
“في جميع الأحوال، ما دام يعلم أنّني أعرف هويته، فلن يقدِم على إيذائي. إن حاول، فسأفضح كل شيء.”
“لو كان هو، لتحرّك مجدّدًا ليمنع ذلك.”
نظرت إليه بريبة وقالت:
“تتكلّم وكأنك تعرفه.”
“… لا أعرفه.”
ابتسم سيدريك ابتسامة ناعمة، ثم انتقل إلى جوارها وطبطب على كتفها بخفّة منتظمة حتى غفت بين ذراعيه.
—
لم تكد تغمض عينيها حتى وجدت نفسها في قصر إتوار.
تحسّست كتفيها فورًا، فوجدت سترة سيدريك لا تزال تغلّفها.
“الحمد لله…”
ابتسمت بوداعة، تضمّ السترة إلى صدرها، لكن ذراعًا قوية جذبتها فجأة.
“ليتيا!”
كان إيثان، وعلى وجهه اضطراب غير مألوف. أخذ يتفقّدها بعينين قلقَتين.
“إيثان؟ ما بك؟”
حين تأكّد أنّها لم تُصب بأذًى، استعاد بروده المعتاد وقال:
“بل قولي أنتِ ما الذي حدث. لماذا تصرّف يوڤيل بتلك الطريقة المفاجئة؟”
“لا أدري. أنا فقط اتبعت السيناريو كما هو. التصرف الغريب جاء منه هو!”
تنفّس إيثان بعمق ووضع يده على جبينه.
“يبدو أنّ في النظام خللًا ما. عليّ تفحّصه. ربما لن أستطيع المجيء إذا ناديتني لبعض الوقت.”
“اذهب. سأحاول مواصلة القصة دون مشكلات.”
قالت ذلك بحماس غير مألوف، كأنها نسيت كل ما مرّت به للتو.
رمقها إيثان طويلًا، ثم نظر إلى الشاشة المضيئة بجانبها.
ظهر عليها إشعار جديد:
[ ارتفعت درجة الود مع أحد الأبطال!
الود الحالي: 47 / 100.]
انعكس ضوء الشاشة على عينيه الرماديتين الباردتين، ثم قال بنبرة حازمة:
“لا. سنوقف التقدّم مؤقتًا.”
“ماذا؟ لماذا؟!”
التعليقات لهذا الفصل " 10"