4
[م.م : الرواية هي عبارة عن رواية خيالية لا صلة لها بالواقع، مليئه بأفكار شخصية وأعتقادات خاصة بالمؤلفة، لا ينبغي اعتناقها أو تصديقها فهي عبارة عن خيالات لا اكثر .]
لم تَدُمِ الحيرةُ طويلًا، ولأنّ الأمرَ لم يكن صعبًا، تجاوزتُه من دونِ شكٍّ يُذكَر.
في الصفحةِ الأخيرةِ كُتِبَتْ شروطُ العملِ والراتب، تمامًا كما سَمِعتُ قبلَ مجيئي إلى هنا.
في العقدِ الذي قدَّمَه لي بايَل كان الراتبُ الشهريّ يزدادُ ثلاثَ قطعِ ذهبيةٍ كلَّ شهرٍ!
“لقد سمعتُ من رآون شروطًا أقلَّ من هذا بكثير… هل هذا حقًّا مقبول؟”
“بالطبع، لقد حَصَلْنا على إذنِ الدوقِ نفسِه.”
هذا يعني أنّه خلالَ عامٍ واحدٍ فقط، يمكنُني أن أجنيَ ثروةً طائلة.
“أوه، ولكن… أليستْ مكافأةُ نهايةِ الخدمة مكتوبةً خطأ؟”
إذ كانت تبلُغُ عشرةَ أضعافِ مبلغِ العقد!
ثلاثةُ آلافِ قطعةِ ذهبٍ، مبلغٌ يكفي لشراءِ قصرٍ صغيرٍ في العاصمة.
هل يُعقَلُ أن يُوظِّفوا شخصًا بشروطٍ كهذه؟ يبدو أنّ عائلةَ وِينسفيِر لا تمتلكُ قوّةً خارقةً فحسب، بل ثروةً أيضًا تتجاوزُ حدودَ الخيال.
“كلا، لقد قرأتِها على نحوٍ صحيح.”
ابتسمَ بايَلُ وأومأ برأسِه كما لو أنّ الأمرَ طبيعيّ.
نظرتُ إليه وإلى المبلغِ بالتناوب، وفجأةً بدَتْ تلك الهالاتُ السوداءُ تحتَ عينَيه أشبهَ بهالةِ قُدسيّة.
“يا إلهي، بهذه الشروط؟ أرغبُ في أن أدفنَ عظامي هنا من الآن!”
كنتُ صادقةً في ذلك. فتاةُ نبيلةٌ بسيطةٌ مثلي، من أسرةِ ووكر، هل كانت ستحظى بوظيفةٍ تُدفَعُ فيها هذه الأموالُ يومًا؟
باستثناءِ بندٍ صغيرٍ يمنعُني من مغادرةِ أراضي وِينسفيِر خلالَ فترةِ العقد، بدا كلُّ شيءٍ ممتازًا… بل مثاليًّا.
تجاوزتُ السطورَ التاليةَ بسرعةٍ من غيرِ اهتمامٍ يُذكَر، لكنْ سرعانَ ما وقعتْ عيناي على بندٍ غريب.
“آه… ما هذا البند؟”
“أيُّ بندٍ تقصدين؟”
تلوْتُ بصوتٍ مرتفعٍ البندَ المتعلّقَ بالاستقالة.
“بما أنّ العقدَ قائمٌ على شرطِ العملِ لمدّةِ ثلاثِ سنواتٍ، فيمكنُ التفاوضُ على الاستقالةِ بعدَ ذلك. لكنْ، إن اطّلعتِ على أسرارِ الدوقيّة، فستُقيَّدين هنا إلى الأبد.”
ابتسمَ بايَلُ ابتسامةً مشرقةً وشرحَ قائلًا:
“في العادةِ، كلُّ أسرةٍ نبيلةٍ كبرى تمتلكُ أسرارًا لا يُسمَحُ بتسريبِها إلى الخارج، لذا أُدرِجَ هذا البندُ لحمايةِ تلك الأسرار.”
كانتْ كلماتهُ معقولةً، لكنّني لم أستطعْ التخلّصَ من شعورٍ غامضٍ بعدمِ الارتياح.
فسألتُه بحذر:
“هل يعني هذا أنّكَ أنتَ، يا بايَل، مقيَّدٌ هنا لأنّكَ عرفتَ سرَّ وِينسفيِر؟”
فضحكَ بصوتٍ عالٍ حتى دمعتْ عيناه.
“هاهاها، بالطبع لا. أنا هنا بمحضِ إرادتي.”
“أوه، صحيح، هه…”
“لا داعي للقلقِ من هذا البند، يا الآنسة ووكر. إلا إذا حدثَ أمرٌ استثنائي، فلن تعرفي شيئًا من أسرارِ هذا المكان.”
كان على حقّ، فطالما لم يُخبرْني أحدٌ عمدًا، فلن أعرفَ شيئًا عن أسرارِ عائلةٍ بهذا المستوى الرفيع.
ثمّ إنّ أقصى ما قد يحدثُ هو أن أُقيَّدَ هنا مدى الحياة، بدَلًا من أن أُقتَل كما تفعلُ عادةً الأسرُ الكبرى مع مَن يعرفُ أسرارَها. يبدو أنّ الأمرَ ليس سيّئًا إلى هذا الحدّ.
فأخرجتُ ختمي الشخصيَّ من جيبي وأنا أبتسم.
“ألن تُكمِلي قراءةَ العقد؟”
خلعَ بايَلُ نظّارتَه وابتسمَ لي بهدوءٍ وهو يقولُ ذلك.
في تلك اللحظةِ لمحتُ شيئًا غريبًا في عينيه.
‘هل كانت عيناه بهذا اللونِ الورديّ منذ البداية؟’
لكنّني لم أُطِلِ التفكير. تجاهلتُ شعورَ الخَدَرِ الذي بدأ يزحفُ في رأسي وأجبتُه:
“بالطبع لا حاجةَ لذلك. لقد قرّرتُ التوقيعَ منذُ البداية.”
“رائع. عقليةٌ ممتازة.”
أشارَ إليّ بعينيه كما لو كان يقولُ “هيا”، فرفعتُ الختمَ عاليًا وطبعْتُه بلا تردّد.
وفي اللحظةِ نفسها…
“آه؟”
عادتْ إليَّ ذِكرياتُ حياتي السابقة.
لم أشعرْ بصدمةٍ هائلةٍ أو ألمٍ نفسيٍّ عميق، فقط اندهاشٌ بارد. أدركتُ فجأةً أنّ هذا العالمَ هو نفسُه عالمُ الروايةِ التي قرأتُها ذاتَ مرّة: “الملاكَ والفارسَ”.
تذكّرتُ أنّ قصّتَها تدورُ حولَ ملاكٍ وفارسٍ مقدّسٍ يقعانِ في الحبّ، وأنّ الشياطينَ يقفونَ في طريقِهما.
لكنّ ما أدهشَني حقًّا هو أنّني لا أتذكّرُ شيئًا من حياتي السابقةِ سوى تفاصيلِ تلك الرواية.
على أيّ حال، التكيّفُ السريعُ مع الواقعِ من نقاطِ قوّتي. فلا فائدةَ من التشبّثِ بالماضي.
نظرتُ إلى العقدِ الذي وقّعتُه للتوّ وأنا أفكّرُ أنّ الأمرَ لا يستحقُّ القلق… إلى أنْ…
ارتجفَ جسدي من أسفلِ قدميّ إلى رأسي.
“أمـم… أين… أنا الآن؟”
سألتُ بتلعثُم، فأجابَ بايَلُ بهدوءٍ:
“أنتِ في قصرِ دوقِ وِينسفيِر.”
تجمّدتُ مكاني.
لقد انتهيتُ… حقًّا انتهيتُ.
كان السببُ واضحًا تمامًا.
لأنّ قصرَ وِينسفيِر في “الملاكِ والفارس” هو مقرُّ الأشرارِ والشياطين!
أمسكتُ العقدَ بيديّ المرتعشتين ونظرتُ إلى الختمِ الرسميّ.
‘يا إلهي، يا ليليانا، كيف لم تشكّي ولو قليلًا قبلَ أن تطبعي الختم؟!’
كان من الممكنِ أن أصرخَ وأنتفَ شعري من الغباء.
هربتُ من البيعِ للدائنين فقط لأجدَ نفسي في عرينِ الشياطين!
“الآنسةُ ليليانا ووكر، يُسعدُنا العملُ معكِ من اليوم. هل ترغبينَ في العودةِ إلى المنزلِ لإحضارِ أمتعتِك؟”
قالها بايَلُ بنبرةٍ لطيفةٍ كأنّ شيئًا لم يحدث.
شدَدْتُ قبضتي حتى انكمشَت الورقةُ بينَ يديّ.
نظرَ إلى ذلك بهدوءٍ وابتسمَ قائلًا:
“لا تقلقي، العقدُ لن يتمزّقَ حتى لو ضغطتِ عليه هكذا.”
ابتسامتُه تلك جعلتْني أجزُّ أسناني بحدّة.
لقد أدركتُ حينها أنّني لم أوقّعْ بإرادتي الحرّة.
ففي الروايةِ، كانتْ للشياطينِ وللملائكةِ قُدُراتٌ خاصّة، وإحدى قدراتِ بايَل كانت التأثيرَ في قلوبِ البشر.
أي إنّ السببَ الحقيقيَّ وراءَ تسرّعي في التوقيعِ هو سِحرُه اللعين.
ظلّ يبتسمُ ببراءةٍ مصطنعةٍ وهو ينظرُ إليّ، ثمّ صَفَقَ بيديه قائلًا:
“يبدو أنّكِ متأثّرةٌ جدًّا يا آنسةَ ووكر. هل هو الفرحُ بالعملِ هنا؟”
وراءَه كان المشهدُ داخلَ القاعةِ غارقًا في حُمرةٍ قاتمةٍ لا تُشبهُ الأماكنَ التي يعيشُ فيها البشر.
‘كم كنتُ غبيّة!’
لو عادَ بي الزمنُ إلى الوراء، لما تجاوزتُ هذه التفاصيلَ الغريبةَ بتلكِ البساطة.
تراخَتْ قبضتي ببطءٍ، فنظرَ إليّ بايَلُ وهو يميلُ رأسَه جانبًا.
“آه، لا تقولي إنّكِ تفكّرينَ في إلغاءِ العقد بعدَ دقيقةٍ واحدةٍ من توقيعِه؟”
“…”
“إن كان ذلك صحيحًا، فيُؤسِفني إخبارُكِ أنّ عليكِ دفعَ ثلاثةِ أضعافِ مبلغِ العقد.”
كلماتهُ كانت ودّيةً، لكنّ ابتسامتَه كانت مرعبة.
“وأيضًا، استخدمْتِ بوّابةَ الساحرِ أثناءَ مجيئكِ، وعليكِ دفعُ رسومِها.”
شعرتُ أنّه لا يطلبُ المالَ بقدرِ ما يلوّحُ بالتهديدِ نفسه.
عندها فقط بدأتُ أستوعبُ ما حدث.
لقد انتهى الأمرُ بالفعل، ولا طريقَ للعودة.
‘حسنًا يا ليليانا… فلنفكّرْ بإيجابيّة.’
ما يهمُّ الآن هو تسديدُ دَينِ والدي والتخلّصُ من اسمِ ووكر.
صحيحٌ أنّني سأعيشُ وسطَ شياطينَ لثلاثِ سنوات، لكنّ بدايةَ “الملاكِ والفارس ” ما زالتْ بعيدة.
يمكنني أن أجمعَ المالَ بهدوءٍ وأرحلَ قبلَ أن تبدأَ المأساة…
[لكنْ، إن اطّلعتِ على أسرارِ الدوقيّة، فستُقيَّدين هنا إلى الأبد.]
“آه…”
تجمّدتُ.
فأسرارُ الدوقيّة هي بالتأكيد أنّهم شياطين.
‘لكن… أنا أعرفُ هذا بالفعل!!’
غمرَني الذُّعرُ من رأسي إلى قدميّ.
‘هذا يعني أنّني… سأُقيَّدُ هنا للأبد؟! عند بدايةِ الروايةِ… سأكونُ ما زلتُ هنا؟’
‘لكنّ الشياطين… كلّهم يموتون في النهاية…’
تدفّقتِ الدموعُ في عينيّ.
‘لِمَ يحدثُ هذا لي؟!’
فجأةً، قال بايَلُ بلهجةٍ هادئةٍ لم تَعُدْ تحملُ أيَّ دفء:
“إذًا، لنذهبْ لمقابلةِ الدوق.”
صرّيتُ على أسناني بقوّةٍ وأنا أصرخُ في داخلي:
‘تبًا لكَ، بايَل…!’
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 4"