4
كانت عمة فرانسيس شخصيةٌ متشددة لا تسمح بسهولة للآخرين بدخول حياتها،
حتى عائلتها لم يكونوا استثناءً.
لم يتمكن حتى والد فرانسيس، الذي كان دوقًا نبيلًا،
من السيطرة عليها، بل ربما كانت لها الهيمنةُ عليه.
كان قصرها كأنَّهُ مملكةٌ خاصة، يدخلها من اختارتهم فقط.
لكنها كانت تتسم بسخاء ووفاء نادرين لمن كسب ثقتها،
وكانت تتحمل مسؤولية هؤلاء الأشخاص حتى بعد أبتعادهم عنها.
“ربما تكون تلك الآنسةُ ساحرةً هي الأخرى، فمن المستحيل خداعُ عمتي.”
هزّ راندولف رأسه،
“ليست ساحرة، فالمُخبر الذي أوصل الخبر أكد أن لوناريا ليس لديها أيُّ موهبةٍ خاصة.”
“يجب أن يُعاد تدريب ذلك المُخبر، إذ إنها تملكُ موهبةً رائعة.”
سأل راندولف بدهشة:”وما تلك الموهبة؟”
“الصمود في قصر عمتي لستة أشهر.”
“آه، حقًا! هذا إنجازٌ لا يُستهان به! فبالكاد نجد شخصًا في الدوقية
استطاع كسب ودِّ عمتكَ.”
وأضاف راندولف،”كانت عمتكَ تحتقرُ الجميع، حتى نحن.”
ثم أردف قائلاً بأسف،”للأسف، الأموال التي جمعتها الآنسة لوناريا بشق الأنفس
تُنفقُ على عائلتها في تبذيرٍ ورفاهية، و قيل أن خطيبها بدأ بخيانتها مع شقيقتها في الآونة الأخيرة و هي الوحيدةُ التي لا تدركُ هذا.”
استفسر فرانسيس بملل،”أتراني مطالبًا بإقامة جمعية خيرية من أجل تلك الآنسة المسكينة؟ ألم تخبرني أنك ستدُلّني على وسيلة لأسترجع إرث العائلة من عمتي؟”
“أجل، وأقول لكَ إن الوسيلة هي تلك الآنسة، لوناريا. ألم تذكر للتو أنها صمدت في قصر عمتك لستة أشهر؟ هذا يعني أنها كسبت ثقة عمتك. يمكنك أن تحاول إقناعها لمساعدتنا في استعادة الإرث.”
“وهل تدّعي أنني أُجيد استمالة النساء وكأنها مهارة أؤديها دون جهد؟”
“أنتَ تتحدثُ مجددًا بتلك النظرة المتعجرفة، مما يرفع من ضغط دمي.”
تثاءب فرانسيس بصوتٍ خافت. تعب الأيام التي لم ينعم فيها بالراحة بدأ يظهر عليه.
لم يكن لديه خيار سوى الإسراع للهروب من أعين ولي العهد.
لم يكن يعرف تمامًا طبيعة خادمة عمته لكن من الواضح أنها ستقع بسهولة إذا ما تحدث معها قليلًا.
‘قصص كهذه ليست نادرة…’
من المؤكد أنها قصة الابنة الكبرى التي عانت طوال حياتها بعد رحيل أمها وظهور زوجة أبيها وأختها غير الشقيقة.
وبحسب حديث راندولف، فإنها لا تملك موهبة مميزة تميزها عن أختها المثالية، مما قد يولد مشاعر النقص.
فثط بعض الكلمات اللطيفة و الحلوة التي تعزز ثقتها بنفسها وستقع بسهولة في شباكه.
إذا كانت فتاةً قروية غير متمرسة بأمور الدنيا، سيكون الأمر أسهل بكثير. و جرحها الناتج عن خيانة خطيبها سيجعلها أكثر تقبلًا له.
‘لكن، لا، لن أفعل ذلك…على أيِّ حالٍ، هذا الأسلوبُ غير مقبول.’
أرخى فرانسيس قبضته عن لجام الحصان، وتمدد على ظهره أثناء الركوب،
بينما نظر إليه راندولف بقلق.
‘و عدنا الآن، قد يكون ريغان قد أعدَ قائمةً بعرائس محتملات لي.
إذا فعلتُ ما يترك انطباعًا سيئًا على إحداهن، قد يحاول قتلي….’
**جنس ريغان مش معروف للحين
‘من السهل أن أؤدي دور الوريث المطيع وأحافظ على إرث العائلة، لكن الزواج من أجل ولي العهد؟ هذا شيء مختلف.’
لم يؤمن فرانسيس بالحب،بالنسبة له، كانت علاقاته خفيفة ومسلية، والزواج مسألة ثانوية لا تستحق الاهتمام.
كان يرى أن لقب الدوق الأكبر مجرد عبء يود التخلص منه سريعًا. ففي النهاية، سيرثه أحد الأقارب بعد وفاته، وهذا كان يُرضيه.
تنهد راندولف قائلًا،”لكنني حقاً أريد أن أحصل على الإرث من عمتكَ هذه المرة،
إذ سيكون من الصعب العودة إلى هنا وترك محبوبتي كاثرين.”
تنهّد راندولف بحسرة، فقد كان مستاءً من قطع شهر عسله ليعود ويقوم بمهمة استعطاف عمة فرانسيس.
وأضاف قائلاً بحذر: “ثم هناك إميليا… إنني حقًا أخشى من مواجهتها.”
وافَقَه فرانسيس بجدية، فقد كان هو الآخر يشعر بشيء من الخوف تجاه إميليا،
التي لم تكن شخصًا عاديًا.
وصلا إلى مدخل قرية، حيث كانت هناك لافتةٌ خشبية تحمل كلمة “تيلبيري”.
-هوووه
كان هناك شخصٌ قادمٌ من الجهة المقابلة. فشدّ فرانسيس اللجام لتهدئة الحصان.
تلاقت عينا فرانسيس بعيني المرأة المارة،
وارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، لقد كانت عادةً متأصلةً به منذ طفولته.
امتزج لون عينيها الأخضر، كأوراق شجرة تتلألأ تحت ضوء الشمس، في مخيلته.
شعرها الأشقر المتدفق حتى خصرها، وشفتاها النصف مفتوحتان، أضفيا عليها هالة من الغموض والجاذبية، كأنها جنية ضلت طريقها إلى عالم البشر.
تجانست مع المشهد الأخضر من حولها، حتى خُيل إليه أنه يشم عبير الأزهار ينبعث من وجودها.
مرّت اللحظة كالحلم، تاركةً أثرًا عميقًا في نفسه.
كاد أن يستدير لينظر إليها مرة أخرى، لكنه تردد.
‘يا ترى، هل أنا أول فارسٍ على صهوة حصان تراه في حياتها؟’
لقد كانت أشبه بمشهدٍ ساحر وسط الريف الأخضر، وكان عبق الزهور كأنما ينبعث من ضحكتها.
“لا تستهن بأهل القرى يا فرانسيس.”
عاتبه راندولف.
“أعتقد أن تلك الآنسة هي أخت الآنسة لوبيليا التي ذكرتها.”
“التي أسرت قلب عمتكَ؟”
“نعم، السيدة المحظوظة التي اختارتها عمتي، والتي عاشت دومًا تحت ظل شقيقتها.”
تخيّل فرانسيس أن الآنسة لوناريا كانت شخصًا عاجزًا وحزين،
بوجهٍ منكسر وكتفين منحنِيتين بلا أيِّ حيويةٍ تذكر.
لكن تلك التي رآها قبل قليل كانت مختلفة تمامًا عن خياله.
تمتم فرانسيس في النهاية دون أن يدرك.
“تبدو الأخت الكبرى أجمل من الصغرى…”
لم يسمع راندولف ما قاله فرانسيس، فاستمر في التفكير متحسرًا،
دون أن يدرك أن لوناريا في سنه تقريبًا،
‘يا لهذه الفتاة المسكينة، كيف تورطت في هذا الأمر… هؤلاء الناس الأشرار!’
***
كان الموعد المحدد للقاء عمة فرانسيس في المساء.
خطط فرانسيس وراندولف أن يمرّا بالنزل لتناول وجبة خفيفة،
وتنظيف نفسيهما من الغبار، والراحة قليلاً قبل زيارة القصر ليلًا.
حسنًا،كان هذا هو المخطط بالفعل….
“فلنسترح قليلًا ثم نذهب إلى قصر عمتي.”
حتى أعلن فرانسيس هذا فجأة، مما جعل راندولف يسقط الملعقة التي كان يحملها.
“لكن الموعد في المساء!”
“ما الفرق بين الظهرِ و المساء؟”
“الفرق كبير! لماذا تريد الذهاب فجأةً في الظهيرة؟”
أجاب فرانسيس بهدوء، “لدي شيءٌ أود التأكد منه بسرعة.”
رد راندولف متنهدًا وهو يحملق في الملعقة التي كانت ترتجف بيده.
“حتى وإن عارضتكَ، فهذا لا فائدة منه…آه، إميليا لن تتركنا بسلام.”
وبينما كان يلوّح بالملعقة نحو فرانسيس بجدّية، قال،
“أنتَ مَن سيتحمل ضربها هذه المرة. لطالما أخبرتكَ أن لدي خططًا للحصول على ثلاث فتيات يشهنَّ زوجتي، ولا أريد العودة ميتًا من هذا الريف النائي.”
ابتسم فرانسيس بزاوية شفتيه،”حسنًا، توقف عن التلويح بالملعقة وأكمل طعامك.”
لم يستطع فرانسيس محوَ المرأة التي بدت كجنيةٍ هاربةٍ من الغابة من عقله.
أراد أن يعرف المزيد عنها،
كيف هو صوتها؟ وكيف ستكون تعابير وجهها عندما يمازحها؟
كان لديه شعور بأن الحياة في هذه القرية ستكون ممتعة.
***
كان قصر السيدة العجوز في أطراف القرية الصغيرة تيلبيري.
ظهرت السيدة فجأة في أحد الأيام برفقة ممرضة، وانتشرت أخبارٌ في القرية أنها تقيم في فيلا خاصة بها بغرض النقاهة، وأنها تُعرف بلقب “السيدة ميغين”.
حاول أفراد القرية كلها بشتى الطرق اكتشاف هويتها، بعضهم ذهب فجأة إلى القصر،
وآخرون دعوها إلى حفلاتهم بذرائع مختلفة.
لكن جميع محاولاتهم قوبلت برفض مهذّب وكلمات رسمية تفيض باللباقة.
ومع الوقت، قلّ اهتمام الناس بها.
‘اتضح في النهاية أنها فعلاً ذاتُ مكانةٍ كبيرة..’
كانت عمة الدوق الأكبر فرانسيس،لذا بالتأكيد هي ليست إنسانةً عادية.
لم تكن لوناريا تعلم بالضبط، لكن ربما تكون لها مكانةٌ رفيعةٌ جدًا.
قفزت لوناريا فوق سور منخفض ودخلت حديقة قصر السيدة.
شعرت بانتعاشٍ اثناء سيرها، رغم الطريق الطويل، بفضل شبابها وحيويتها.
فاحت من الحديقة رائحة الزهور التي عاشت معها لحظاتٍ عزيزة. زهور النرجس البيضاء والزنبق الزرقاء كانت تحيطها من كل جهات الحديقة.
ابتسمت لوناريا بمرارة وهي تحدق في الزنبق
‘سأزرع زهورًا جديدةً هنا غير الزنبق الأزرق..’
كانت تعشق هذه الزهرة ذات مرة، لكنها تغيرت مع خيانة خطيبها و أصبح قلبها باردًا تجاهها.
رفعت لوناريا رأسها نحو المنزل الأنيق. بدا القصر
، بتلك الألوان الدافئة وزخارف اللبلاب، بسيطًا وهادئًا.
ورغم أن مدة عملها هنا لم تتجاوز ستة أشهر،
إلا أنها شعرت أن هذا المكان أكثر راحةً من منزلها.
حين وصلت إلى هنا، كان القصر في حالةٍ يرثى لها. لأن السيدة ميغين و الممرضة إميليا كانتا تهملان الطعام، والأثاث، و لم يوجد في القصر لا خدمٌ ولا طبيبٌ واحد.
حين كانت تبحث عن عمل، كان قصرُ السيدو بمثابة الأمل الأخير لها.
وذات يوم، انتظرت عند البوابة ليومين كاملين حتى فتحتها لها الممرضة.
دخلت لوناريا القصر بلا تردد، وأخذت تعدّ الطعام، تنظف المكان، وتهتم بالحديقة.
لقد أعادت الحياة للقصر الكئيب.
عندما رأت السيدة ميغين العمل الذي قامت به لوناريا، تحدثت معها لأول مرة.
“عملكِ متقنٌ.”
“لقد اعتدتُ على هذه الأعمال في المنزل.”
“هممم.”
قالت لوناريا بشجاعة،”هل تحتاجين خادمة؟ كما ترين، أجيد الطهي، وأتقن التنظيف.”
“نعم، يبدو كذلك لكن…”
ابتسمت السيدة ميغين بشكل خفي، وسألتها.
“هل هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"