الفصل السادس
لكن عندما فشلت إيزابيلا في الاستمرار مع الدوق، وانتهى زواجهما بالطلاق بعد أقل من ثلاث سنوات، تحوّل قرار آل روزويل بالتخلي عن وريث بيلسماير إلى خطأ فادح لا يمكن إصلاحه.
ومن حسن حظ شارلوت، أنها كانت قد تلقت عرض زواج جديدًا أثناء غياب رايموند في مهمة خارج البلاد، وهذه المرة من دوق آخر: نيكولاس فريزر.
فرصة نادرة كأن السماء أهدتها لها، ولم تكن شارلوت لتتردد في اقتناصها.
وما إن أرسلت إليه الخبر، حتى وصلها من رايموند رد مكتوب.
هل سيثنيها عن الزواج؟
لو أنكرت أنها انتظرت منه شيئًا، لكانت كاذبة. منذ البداية، كانت شارلوت واقعة في حب رايموند. لكن كلمات الرسالة لم تخرج عن المتوقع:
“أتمنى لكِ المجد والسعادة التي لا تُحصى في مستقبلكِ.”
رسالة وداع راقية، كتبها رجلٌ كان يمكن أن يكون زوجها، لشريكة ستصبح زوجة رجل آخر. وحده رايموند كان قادرًا على منح مثل هذا الوداع النبيل.
شارلوت كانت تعلم أنه لم يشعر أبدًا بانجذاب نحوها. ومع ذلك، لو أنها رفضت عرض الزواج حينها، لكان رايموند، تحت ضغط المجتمع، ولتزوجها ببساطة.
ولو أن امرأةً أخرى كانت مكانها، لكان لها المصير ذاته.
لأن قلب رايموند… كان دومًا خاليًا.
فاللامبالاة المتجذّرة هي جوهر ذلك الرجل.
ابتلعت شارلوت مرارة الذكرى، وارتسمت ابتسامة متكلفة على شفتيها.
“كنا صديقين جيدين، أليس كذلك؟”
“أول مرة أسمع بهذا.”
“حين كنت تتألم بسبب إيزابيلا، أنا وشقيقتي كوردليا من بقين إلى جانبك. بالمناسبة، هل سمعت أنها التحقت بالأكاديمية الملكية للفنون؟ لقد سألت عنك.”
“وهل أصبحت خطة الماركيز الآن أن يجعل من كوردليا دوقة بيلسماير الجديدة؟”
أجابت شارلوت دون أن تهتز:
“وهل في ذلك ما يعيب؟”
“ينبغي أن أذهب للعمل الآن. اختصري الحديث وادخلي في الموضوع.”
عندها فقط أخرجت شارلوت دعوةً من حقيبتها.
تقدم رايموند بخطوات واثقة وتناولها. كانت دعوة أنيقة، مزينة برمز صغير على شكل جرسين وريشتين متداخلتين.
رفع حاجبيه باستغراب:
“سيلفربيل؟ هل تكبدتِ عناء المجيء بنفسك لتسلّيمي دعوة حفل راقص؟”
“أنت رجل لا يفتح المظاريف أصلًا. ترسل رسالة بحجة واهية ترفض فيها الحضور دائمًا قبل حتى أن تقرأ المحتوى. لذا كنت بحاجة لسماع وعدك شخصيًا.”
“هل من ضيف خاص هذه المرة؟”
“انت ذكي كالعادة. قريبًا ستصل أصغر أميرات مملكة باسا إلى العاصمة. الملكة هناك تربطها قرابة بعيدة مع ولي عهدنا.”
آه… أبناء التاج…
كتم رايموند ضيقه بصمت، وبدأ يقرأ الصياغة الرسمية المملة للدعوة.
لم يكن بحاجة إلى تخمين طويل ليدرك أن العائلة المالكة —عبر شارلوت— تحاول إقحامه في مشهد اجتماعي مرهق.
أن يُرافق أميرة صغيرة مدللة… كم سيكون ذلك متعبًا.
لكن هناك تفصيل صغير في خلفية الأميرة من باسا أثار فضوله:
ربما، فقط ربما، لو استخدم تلك الأميرة الرفيعة الشأن كحاجز مؤقت، سيتوقف الضغط المستمر من كل من يطالبه بالزواج.
“الحفلات هنا أكثر إثارة من مثيلاتها في باسا، أليس كذلك؟ الأميرة الصغيرة أرادت قضاء بعض الوقت هنا قبل الزواج. ومن يعلم، ربما تجد عريسًا مناسبًا أيضًا. الأمر يعود بالفائدة على علاقات البلدين.”
“ولذلك، تحتاجون إلى مهرّج بمرتبة دوق.”
“لا يمكننا تكليف نبيل مغمور بمرافقة أميرة. وإن لم نجد أميرًا وسيمًا، فلا بأس بدوق حسن الطلعة. ولي العهد يعوّل عليك كثيرًا.”
“وإذا لم ألبِ الدعوة، سأسقط من عينه، أليس كذلك؟”
“يمكنك التخفيف عن نفسك بالتفكير في مدى جمال الأميرة.”
راقبت شارلوت وجهه بدقة، لكنها لم تجد أي أثر للانبهار في عينيه.
ورغم تردده، إلا أن رايموند لم يُمزّق الدعوة، بل وضعها على طرف مكتبه، في مكان ظاهر.
قبول صامت.
“قرار جيد.”
قالتها شارلوت بابتسامة انتصار.
“بالمناسبة، بدأت مشاريع طاقة جديدة في باسا، والأمراء يشرفون على كل قطاع.”
“وماذا في ذلك؟”
أمالت رأسها وكأن الأمر بديهي وقالت:
“عليك أن تأمل أن تكون على علاقة طيبة بإخوتها.”
آه… إذًا لم تكن الأميرة ما ستثير اهتمامه، بل تلك الآبار النفطية العميقة.
رايموند، كما هو دائمًا، لا يتحرك إلا لحفظ مجد عائلته. حتى الزواج، مجرد وسيلة لذلك.
وكان هذا الثبات في شخصيته، في مكانٍ ما، يمنح شارلوت شعورًا بالطمأنينة.
قالت مبتسمة:
“سأصلي لأجلك.”
لقد حققت مبتغاها.
رايموند بيلسماير سيكون من ضمن الحضور في الحفل الملكي.
***
في صباح اليوم المنتظر للكشف عن واجهة العرض الجديدة في المتجر،
استيقظت أليكسيا منذ الفجر، شعرها مشعث وعيناها نصف مغمضتين.
كان من المهم الاستعداد لدخول سوق الزواج، لكن العمل في المتجر لا يمكن أن يُهمَل.
بعد أن ارتدت ملابسها بعناية، خططت أن تخرج بهدوء على دراجتها الهوائية.
لكنها وجدت دومينيك، دائم النشاط، واقفًا أمام الباب.
قال لها : “سأوصلك. لنذهب سويًا.”
فسألت باستغراب : “هل ستقود بنفسك؟”
“إذا كنت تنوين إلقاء محاضرة على طراز عمّتي عن كيف أن النبلاء لا يقودون سياراتهم بأنفسهم، فلن أسمح لك بالركوب.”
“أبدًا لا. إن كنت ستأخذني معك، فسأكون ممتنة”
قاد دومينيك السيارة بمهارة لا تشوبها شائبة، وأنزل أليكسيا في شارع رئيسي لا يبعد كثيرًا عن المتجر.
“حتى زوجات مساعديّ يعرفن أن اليوم هو موعد الكشف عن واجهات عرض إيفرهارت. يقولون إن الترقب كبير.”
“بلغت الشائعات هذا الحد إذًا؟”
“ألم تكن أليكسيا وينتربورن هي من وضعت الإعلان المميز في مجلات العاصمة النسائية؟ أو كان هناك أليكسيا أخرى لا نعرفها؟”
أليكسيا اكتفت برفع كتفيها كما لو أنها لا تعلم شيئًا، لكنها لم تنبس ببنت شفة.
أما دومينيك، فابتسم خفية وهو يتذكر كيف رآها ذات ليلة تتصارع مع قاموس سميك في مكتبة المنزل، تحاول جاهدة التفوق على شعارات متجر بوتري المنافس.
“بالتوفيق.”
قالها ببساطة، ثم غادر، وأليكسيا لوّحت له حتى اختفى تمامًا عن ناظريها.
في وسط مدينة لا تزال تتثاءب، بدت خطوات أليكسيا خفيفة، رشيقة، تعانق الأرض بثقة.
كان الهواء لا يزال يحمل برودة الليل، ومعها امتزجت رائحة زيت المركبات، وعبق الورق الطازج وكأن الصحف قد خرجت لتوّها من المطبعة.
مرّ من جانبها فتى توزيع الصحف، يحمل وجهًا مألوفًا، ومال برأسه مؤديًا تحية بأدب.
أجابت أليكسيا بإيماءة ودودة.
ثم التقت برجل يسوق عربة مملوءة بالزهور، وما إن رآها حتى لوّح بيده، قبل أن يمدّ نحوها باقة متواضعة.
“يقولون إن تقديم الزهرة الأولى لامرأة جميلة يجلب الحظ طوال اليوم. هل تتكرّمين بقبولها؟”
ابتسمت أليكسيا ابتسامة طبيعية، وأخذت الباقة برقة.
“شكرًا جزيلاً. أتمنى لك يومًا سعيدًا.”
كانت الزهور ملفوفة في جريدة رطبة قليلاً، ورغم بساطتها، إلا أن رائحتها كانت ناعمة ومنعشة، تثير في النفس بهجة خفية.
كانت البراعم على وشك التفتح، وكأنها تجسّد توق العملاء إلى رؤية واجهات العرض الجديدة.
ابتسمت أليكسيا لنفسها ابتسامة غير مبررة.
وسرعان ما بدت أمامها قبة إيفرهارت الزرقاء، بواجهتها المهيبة.
دارت حول المبنى تفقدًا، تتأكد من خلوّ الجدران الخارجية من أي شائبة.
ولحسن الحظ، بدا كل شيء نظيفًا ومنظمًا.
الأقمشة الزرقاء التي غطت الواجهات امتدت مثل أحزمة حريرية تلف خصر فستان سهرة لنجمة سينمائية.
أما البوابة المقوسة في المنتصف، فبدت كأنها حجر كريم في عقد فاخر.
جدران الواجهة بلون الرمل الخفيف احتضنت كل هذه التفاصيل بذكاء، كلوحة رُسمت بفرشاة خبيرة.
كما هي دومًا، إيفرهارت… واجهة خالية من العيوب
.. مثالية حد الجمال .
دخلت أليكسيا من مدخل الموظفين، رتبت الزهور في مزهرية المكتب، وارتدت مريولها العملي.
وبينما كانت تضيء الطوابق واحدًا تلو الآخر، وصلت إلى الطابق الأول، حيث صادفت أوسكار غلادني، في خضم التحضير الأخير.
ما إن رآها حتى رفع ذراعيه وصاح بتوتر:
“ماذا لو لم يعجبهم أي شيء؟ تبا! كان بإمكاني ابتكار شيء أفضل بكثير!”
شعره الكستنائي المتعرج بدا كذيل حصان أهمل لأسابيع، وكأنه أمضى الليلة وهو يمزقه غيظًا.
“أنا كارثة حقيقية، آنسة وينتربورن. اطرديني، الآن. هناك جيلٌ كامل من المصممين الرائعين يتخرجون من المدارس كل عام… ستجدين من يستحق الدعم غيري.”
هكذا كان أوسكار دومًا.
قبل كل اصدار جديد، تتهاوى ثقته بنفسه فجأة، كما تتهاوى أسعار الأسهم في سوق متقلب.
وكان دور أليكسيا أن تدفعه للوقوف مجددًا، أن تنقذه من هذا الانهيار المؤقت.
فهي تعرف أن ثقته ستعود تلقائيًا ما إن يرى وجوه العملاء تضيء بالإعجاب.
“أوسكار، ليس مجددًا… نحن واثقان من عملنا، أليس كذلك؟
إن كنت قلقًا، فقط فكّر في هذا: كلما ازداد توترك، ازدادت مبيعاتنا.”
قطب شفتيه وقال بجزع مصطنع:
“كم أنتِ قاسية. هل تقولين إن أرباح المتجر أهم من سعادة الموظفين؟”
صوت آخر قادم من الخلف قاطع الحديث.
كان بن ويتمور، المدير العام، يقترب بخطوات واثقة.
“أتيتِ مبكرًا، أليكسيا. ألم تكوني آخر من غادر البارحة؟”
“كنت متوترة، و… كنت أخشى أن يقرر أوسكار فجأة إزالة كل شيء بحجة أنه غير راضٍ عن النتيجة.”
التفت بن إلى أوسكار، يحدّق فيه بصرامة.
“هل هددتِ بذلك مجددًا يا غلادني؟”
تظاهر أوسكار بأنه لا يرى المدير، ثم تنهد تنهيدة استسلام، وأدرك أن لا وقت للتراجع.
رفع صندوقًا مليئًا بالدعائم، وبدأ يسير نحو نافذة العرض بصوت كئيب، لكنه ما لبث أن صرخ، كما لو أنه يشحن نفسه بالطاقة:
“سأتولى النوافذ رقم 3 و4 بنفسي. امنعوا أي شخص من الاقتراب، إلا إذا أردتم أن يشاهد العملاء انهياري العصبي من خلف الزجاج!”
“اطمئن، سأمنعهم حتى لو اضطررت لاستخدام عارضة الأزياء كسلاح!”
قالتها أليكسيا بخفة، ولوّح أوسكار مودعًا.
ثم تبادلت مع بن نظرة تفهم عميقة، وتنهد الاثنان معًا.
لقد تجاوزا طقوس الجنون المعتادة بنجاح.
قال بن:
“سأذهب لأتفقد تنسيق المنتجات الجديدة. المشترون الكبار سيصلون قريبًا للمساعدة في الفحص.”
“أعتمد عليك كعادتي، بن.”
وما إن غادر، حتى حملت أليكسيا صندوقًا آخر بيديها، وتوجهت إلى نافذة العرض التي أوكلت إليها.
كانت واجهتها تطل مباشرة على زاوية الشارع… أي أنها ستكون أول ما تقع عليه أعين المارة.
وكانت تعلم أن مهمتها في لفت انتباههم.. ليست سهلة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"