✿ 𝓕𝓵𝓸𝓻𝓪 .:
الفصل الخامس
رأت أليكسيا حلمًا مزعجًا في الليلة الماضية.
حلمًا غُزل من خيوط الطفولة. ولهذا، كانت تتقلب في فراشها منذ الفجر، لتستيقظ قبل أن تشرق الشمس.
لماذا راودني هذا الحلم؟
تساؤل تبخر في ذهنها الضبابي، قبل أن تعترف في النهاية أن رحيلها الوشيك عن منزل “وينتربورن” الذي بدأت لتوها بالتأقلم معه هو ما أثار اضطرابها.
كان هذا اليوم من الأيام النادرة التي لا تذهب فيها إلى المتجر. جلست على السرير، تنصت لصخب المنزل المتصاعد تدريجيًا، ثم أبعدت الغطاء ونهضت. فتحت خزانتها، وأخرجت منها صناديق كبيرة. منذ أن طلب منها هاريسون أن تفكر بالزواج، بدأت أليكسيا، ببطء وحذر، ترتب أغراضها.
إن لم تبدأ الآن، فإنها حتمًا ستنسى شيئًا مهمًا في اللحظة الأخيرة.
وضعت بعناية داخل الصناديق ديوان الشعر القديم الذي أهدته لها جدتها، نظارات والدتها التي كانت تستخدمها بين الحين والآخر، ورسائل أصدقائها في “أرين”.
ثم وقعت يدها على دفتر مذكراتها الذي كانت تكتب فيه أثناء إقامتها في قصر بلينفيلد.
ترددت، ثم فتحته. وما إن بدأت تقلب صفحاته الرقيقة، حتى عادت الأحاسيس التي ظنتها منسية. القلق، التوتر، الشعور بعدم الانتماء… كل ما اختبرته حين اضطرت للعيش في منزل لا يحبها.
تلك النظرة الحالمة إلى عالم لامع. ذلك الانبهار بالصبي المثالي. لكنها سرعان ما اكتشفت أن هذا العالم لم يكن يرحّب بها ولا بأمها.
بلينفيلد لفظتهما.
ذلك الرفض لم يكن عابرًا، بل غرز أنيابه في ذاكرتها، وبقي حيًا بين سطور اليوميات.
رايموند… رايموند… ثم رايموند من جديد.
بدا أن كل جملة تبدأ باسمه. لقد أخذ حيّزًا كبيرًا في تلك الصفحات، كما أخذ حيزًا مؤلمًا من قلبها.
بعد الصدام في الدفيئة، لم يعد يخفي ازدراءه لها. أما هي، فلم تكن تعرف كيف تتعامل مع الكراهية، فتردت في ردود طفولية، وعبارات هجومية. وهكذا… انتهى الأمر بهما غريبين، أسوأ من الغرباء.
كم كنتُ حمقاء…
أغلقت أليكسيا الدفتر بهدوء، متنهدة بعمق.
لم يعد يخصني. ذلك الشخص لم يعد جزءًا من حياتي.
صحيح أن لقاؤهما في المتجر أربكها، لكن ما حدث كان محض صدفة.
صدفة سيئة، لا أكثر.
الفتاة التي كانت بجانبه في ذلك اليوم بدت من الطبقة الرفيعة. ربما خطيبته. الآن، بعد أن صار دوقًا كما كان يحلم، من الطبيعي أن يختار امرأة من مستواه، تقاسمه أعباء المقاطعة.
وسيحبه سكان بلينفيلد ويوقّرونه.
هذا هو العالم الذي يليق به.
كما أن حياتها هي هنا، بين جدران وينتربورن، حيث تشعر بالهدوء والانتماء.
مهما تغير العالم، فالفجوة بين الطبقات لا تزال قائمة.
بعد أن انتهت من ترتيب حاجياتها، حملت مجموعة من المجلات التي وصلت مؤخرًا، ونزلت إلى المكتبة الهادئة المشرقة. أحضر لها كبير الخدم كوبًا من الشاي وبعض الحلويات. وسط هذا الجو الهادئ، شعرت أليكسيا براحة لا تضاهى.
—
دخل دومينيك إلى المكتبة بعد الظهر، فرأى أليكسيا تجلس في مكانها المعتاد، تقلب المجلات بهدوء.
ابتسم دون أن تصدر عنه خطوات، واقترب خلفها وهمس:
“ما الذي يشغل بالك إلى هذا الحد؟”
كما توقع، قفزت أليكسيا بفزع، وأغلقت المجلة بسرعة وهي تشتكي:
“دومينيك! كدت تُسقط قلبي من مكانه!”
“وإن سقط، فسأعيده إليك. إنها مسؤولية الأخ الوحيد، بعد كل شيء.”
“أنت لا تُطاق… عدت مبكرًا، أليس كذلك؟”
كان يحمل بيده مجموعة أوراق مربوطة بشريط أحمر.
“أنهيت كل ما عليّ هذا الأسبوع. الآن لم يتبقّ إلا مراجعة تقارير الباحثين من المنزل.”
دار دومينيك حول الطاولة، وجلس إلى جوارها كما يفعل دائمًا. أزاحت أليكسيا جانبًا المجلات المكدسة لتفسح له مكانًا. وبعد أن التقط مجلة بنفسه وبدأ بتقليبها، توقف عند إعلان لمتجر “إيفرهارت”، وقال بسخرية خفيفة:
“أوه، إذاً لا زلتِ في دوام العمل؟”
هزّت كتفيها وكأنها تقول: هذا طبيعي.
“دائمًا أراجع الإعلانات التي ننشرها، بعض المجلات لا تنشرها أو تطبعها بشكل خاطئ.”
“لا حاجة لرؤية الإعلان أصلًا كي أعرف كم أنتِ دقيقة في مراجعتك. لكن قولي لي، ألا تبالغين في العمل؟ سمعت أنك تعملين أكثر من هاريسون في عزّ مجده.”
تناول فنجان الشاي الموضوع على الطاولة، متجاهلًا نظرة أليكسيا التي تقول: هذا ليس لك.
“رائحته رائعة.”
“اطلب فنجانك الخاص، من فضلك.”
“لكن هذا يبدو ألذّ في يديك.”
“كم أنت عنيد…”
“أخبريني فقط، لماذا تجهدين نفسك بهذا الشكل؟”
“نحن على مشارف الموسم الأهم من العام. من الطبيعي أن أضاعف جهدي. بالإضافة إلى أنه سيكون لدي أمور أخرى قريبًا تشغلني أكثر.”
تغيّر تعبير دومينيك تدريجيًا. اختفت ابتسامته، وحلّ مكانها شيء أقرب إلى الحذر. صمت لحظة، ثم قال:
“هل تقصدين… الزواج؟”
توقفت أليكسيا قليلًا، ثم التفتت إليه مبتسمة.
“أخبرك أبي، أليس كذلك؟ أليس مثيرًا للحماسة؟ من سيكون ذلك الرجل الذي سأتزوجه؟”
“هل تحاولين الآن تمثيل دور الفتاة التي تحترق شوقًا للزواج؟ لو كانت هذه تجربة أداء، فسأقول إنك رُفضت.”
“تمثيل؟ ولماذا أفعل ذلك؟”
“من أجل السلام الأسري، ربما؟ فقط لا تحملي كل هذا على عاتقك. والدي لن يرغمك على شيء لا تريدينه. إن كنتِ غير مستعدة، اذهبي إليه وقوليها بصدق.”
كان صادقًا، صوته يحمل قلق الأخ لا أكثر.
أليكسيا، التي فهمت نواياه الطيبة، نظرت إليه بعينين يملؤهما الامتنان.
لكن القرار… كانت قد اتخذته منذ زمن.
“في يومٍ ما، كان يجب أن يحدث ذلك على أي حال.”
قالت أليكسيا وهي تخفض نبرتها بشيء من الحسم.
“في البداية، كان الناس يتفهمون أنني ما زلت أعيش حدادًا على والدتي، لذا لم يتحدث أحد كثيرًا عن زواجي. لكن الآن… مرت سنوات.”
“لا تهتمي لما يقوله الآخرون.”
قالها دومينيك بسرعة، بنبرة لا تخلو من قلق. وأليكسيا لم تكن تجهل السبب. كانت تعلم أن رحلة البحث عن شريك ستغدو أكثر صعوبة مما يبدو. والدتها، دوقة مطلقة، كانت قد أثارت سخط المجتمع الأرستقراطي، ومن ثم فإن ابنتها—هي—لن تُقابل بنظرة منصفة. العثور على رجل لا يحمل أحكامًا مسبقة، يشبه البحث عن إبرة في كومة قش.
“لكن تعلم أن ذلك مستحيل يا دومينيك. هناك من يتساءل لماذا لم تتزوج ابنة هاريسون وينتربورن بعد، ومن بينهم شركاء مؤثرون في أعمال عائلتنا مع شركة إلفورد.”
بعد حديثها مع هاريسون، لم تعد أليكسيا تنظر إلى المسألة من زاوية الرغبة أو الحرية. أدركت أن الحياة لا تُمنح بالكامل بشروطنا الخاصة. إذا أرادت “إيفرهارت”، فعليها أن تمنح في المقابل ما يطلبه والدها—الزواج.
“أعلم أن العثور على رجل يرضي والدي ليس أمرًا سهلًا. لكن لا يمكنني البقاء إلى الأبد في منزل وينتربورن، متطفلة تعرقل زواج أخي.”
“أنا لا أمانع بذلك.”
قال دومينيك بهدوء. لكنها، دون أن تلتفت إليه، هزّت رأسها بقوة:
“توقف. لا تقل كلامًا سخيفًا. لن أكون عائقًا لك.”
عادت لتنظر إلى المجلة بين يديها، متظاهرة بالتركيز. دومينيك بقي جالسًا، لا يُخفي انزعاجه، لكنه شعر أخيرًا أن موقفها حاسم بما فيه الكفاية. فآثر التراجع.
حلّ الصمت في الغرفة، لا يقطعه إلا صوت تقليب الصفحات.
شيئًا فشيئًا، بدأ ضوء الشمس يتسلل من النافذة ليغمر شعر أليكسيا الأسود بنور دافئ، كأن خيوط الذهب تغزل حول رأسها هالة من الصفاء.
كان دومينيك يتظاهر بمراجعة الملفات، لكنه بين الحين والآخر كان يرفع عينيه إليها.
تلك الطفلة، التي دخلت هذا المنزل خائفة، منحنية الظهر، لكنها مع ذلك… كانت تملك شيئًا من الهيبة في وقفتها.
لم يحتج وقتًا طويلًا ليعلم أن قصر الدوق لم يكن لطيفًا معها. فهم أن أليكسيا تعرّضت للأذى—من الأعلى ومن الأسفل.
ومنذ أن أدرك ذلك، كرّس دومينيك نفسه ليجعل من هذا المكان بيتًا حقيقيًا لها. كما أن والدتها أعادت البسمة إلى وجه والده، أراد هو أن يكون الأخ الذي يمنح أليكسيا دفء العائلة.
“أليس من المفترض أن نتناول العشاء مع أبي الليلة؟”
قالها أخيرًا وهو يرفع رأسه.
“ربما من الأفضل أن تنهي عملك الآن وتستعد.”
دون أن تنظر إليه، قالتها أليكسيا بنبرة ناعمة.
تنهّد دومينيك، وقال متذمرًا:
“لو علمت، لما عدت للمنزل من الأساس.”
ضحكت أليكسيا بخفة، وهمست كأنها تكلم نفسها:
“أنت أحمق، دومينيك.”
وكانت تلك… الابتسامة التي لطالما أراد أن يعيدها إلى وجهها.
ابتسامة رقيقة، صافية، ترفع وجنتيها الورديتين، وتمنح شفتيها تقوّسًا دافئًا كنسمة صيف.
تأملها، مأخوذًا بها، ثم تظاهر بالسعال فجأة.
ربما السبب… أن الخادم أعدّ الشاي اليوم أقوى من المعتاد.
—
في مكان آخر…
كان رايموند يقف عند النافذة في غرفة الضيوف، يراقب تلك السيدة التي لا تتعب أبدًا من مطاردته مع كل موسم اجتماعي.
كانت تجلس بكل ثقة على الأريكة، كأنها في بيتها. اسمها: شارلوت فريزر.
لم تُظهر أي انزعاج من تعابير وجه رايموند الباردة، بل استمرت في مدحه، ومدح البيت، والخدم، كما لو كانت في نزهة دبلوماسية.
ثم، بعد سلسلة مجاملات طويلة، قالت بنبرة فيها شيء من العتب:
“ألن تجلس يا دوق بيلسماير؟ من الممكن أن تطول هذه المحادثة. وقوفك هكذا يجعلني أشعر أنك لا ترحب بي.”
“سيدتي فريزر. أنا مرتاح هنا. ومن هذا الموضع، أسمعك جيدًا.”
“ما زلت كما كنت في طفولتك… متعجرفًا بلا مبرر.”
“في هذه الحالة، أليس من الأفضل أن تكرّسي وقتكِ لشؤون عائلتك؟ لم تعودي بحاجة إلى تحقيق حلمك الكبير بأن تصبحي سيدة بلينفيلد. لقد أصبحتِ بالفعل سيدة واحدة من أعظم الأسر الأخرى.”
تغير لون وجهها قليلًا، لكن سرعان ما رفعت ذقنها، واستعادت كبرياءها.
“من المؤسف أن تصف زيارتي بأنها غير ضرورية.”
كانت شارلوت، في طفولتها، مرشحة لأن تكون خطيبة رايموند.
لكن بعد زواج والده من إيزابيلا، قرر والدها—الماركيز روزويل—أن يتوقف عن السعي لتلك العلاقة، مشيرًا إلى أن مكانة رايموند أصبحت غير مستقرة.
وفي ذلك الحين، كان يُنظر إلى ذلك القرار كتصرف حكيم.
***
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"