في اليوم الثاني من التجسّد، اجتمع تسعةُ محكومين بالإعدام في ساحة الجزيرة المركزيّة بأتلانتس، أربع نساءٍ وخمسة رجال.

ما جمع بينهم لم يكن القدر وحده، بل قرارهم الطوعي بالمشاركة في ما يُعرف بـ”لعبة أتلانتس”، وجميعهم مشتركون في سمةٍ واحدة: العزلة.

جاؤوا إلى هذه الجزيرة الملعونة وهم يحملون أملًا واهيًا في النجاة، كأنهم يتمسّكون بخيطٍ من دخانٍ بحثًا عن الخلاص.

—

تجمّد الجميع في أماكنهم، يحدّق بعضهم في بعض بصمتٍ ثقيل، وكأنّ الهواء نفسه تكلّس من حولهم.

وفجأةً اخترق السكون صوتُ امرأةٍ في منتصف العمر، تشقّ الصفوف بخطواتٍ هادئةٍ وثقةٍ لا تتزعزع.

“يسرّني لقاؤكم، أيها المشاركون. أنا أبِيلا، المشرفة العامة على لعبة أتلانتس.”

انحنت بتحيةٍ خفيفة، غير أنّ تلك التحية لم تكن مجرّد إجراءٍ بروتوكولي، بل إعلانًا رسميًّا عن بداية مغامرةٍ قد تُغيّر مصائرهم جميعًا.

كنتُ إحدى المشاركات، أغمضتُ عينيّ بإحكامٍ وأنا أستعيد المشهد الأوّل الذي رأيتُه مرارًا حين كنتُ ألعب هذه اللعبة قبل أن أتجسّد داخلها.

‘ها قد بدأت اللعبة أخيرًا…’

تلك اللعبة البائسة، لعبة مطابقة الأزواج التي لا تحمل في طيّاتها سوى الألم والخسارة، بدأت الآن تتجلّى أمامي في العالم الحقيقي.

سأُؤجّل الحديث عن تفاصيلها إلى وقتٍ لاحق، فكلّ ما يهمّني الآن هو متابعة شرح أبِيلا بدقّة، لأرى إن كانت القواعد قد تبدّلت عمّا أعرفه من قبل.

“ما رأيكم؟ أتشعرون بأنّ أحد هؤلاء يمكن أن يكون شريك حياتكم المنتظر؟”

تكلّمت أبِيلا بصوتٍ مفعمٍ بالحماسة والمرح، وقد لمعت عيناها بتوقٍ غريب، لكنّ المشاركين ظلّوا صامتين كتماثيل من حجر.

بدت ملامح الاستياء على وجهها وهي تراقب برودهم.

“رغم أنكم جميعًا محكومون بالإعدام، فقد منحكم الإمبراطور هذه الفرصة بدافع رحمته.

إن كنتم تطمحون إلى الحصانة، فعليكم أن تُقاتلوا من أجلها بكلّ ما تملكون من يأس.”

مرت ثلاثُ سنواتٍ منذ أن أحكم طاغية إمبراطورية ميلوف قبضته على القارة، فأصبح سيدها المطلق الذي تخضع له كلّ الأمم بلا استثناء.

كلُّ الشخصيات المهمة في الدول التي قاومت حكمه حُكم عليها بالموت،

لكن العُزّاب منهم مُنحوا خيارًا واحدًا… المشاركة في “لعبة أتلانتس” لنيل الحصانة.

“أنتم هنا جميعًا للغرض ذاته: أن تقضوا الوقت معًا، وتجدوا شريك حياتكم، ثمّ تُؤدّوا طقس ‘قسَم العهد’.”

طقس العهد هذا ليس سوى زفافٍ أسطوريٍّ ورد ذكره في المخطوطات القديمة، ويُقال إن نجاحه يجلب البركة للأرض.

[إذا تمّ الطقس ونال اعتراف الحكماء، ستحلّ بركته على القارة.]

نجاح الطقس يعني النجاة والشرف، أمّا الفشل فمصيره المقصلة.

كان إرسال الشخصيات المهمة إلى أتلانتس وسيلةً محكمةً لإخماد بذور التمرّد،

فإن نجحوا، نالت الإمبراطورية البركة، وإن فشلوا، زال خطرهم إلى الأبد.

تلك هي “لعبة أتلانتس”… مزيجٌ غريب بين ألعاب المواعدة المزيّفة ومعارك البقاء الدموية.

‘اللعنة…’

وأنا أستوعب حقيقة التجسّد في هذا العالم، اقتربت منّي أبِيلا، وقالت بصوتٍ رصينٍ يحمل نبرة سلطةٍ لا تقبل الجدل:

“بالطبع، الأميرة الحاضرة بيننا ليست محكومًا عليها بالإعدام.”

وضعت كفّيها على كتفيّ برفقٍ وقالت:

“لكنّكِ ستخضعين للقواعد ذاتها، فلا معنى لأيّ مكانةٍ اجتماعيةٍ هنا.”

تحوّلت الأنظار نحوي دفعةً واحدة، تحمل في طيّاتها خليطًا من الضيق والازدراء، بل والرغبة في التخلّص منّي منذ اللحظة الأولى.

‘رائع… وجهي صار هدفًا لكلّ الأعداء.’

ولِمَ لا؟ فأنا قد تجسّدت في شخصية “إليزابيث”.

إليزابيث، ابنة الطاغية، والعدوّة الأولى لصانعة اللعبة.

فقد استولى والدها على أراضيهم وسفك دماء عائلاتهم.

والآن، يُطلب منّي أن أجد شريك حياتي وسط من يكرهونني؟

هاها… يا لسخرية القدر.

يبدو أن حياتي الثانية وُلدت محكومةً بالفشل.

—

كانت البداية مألوفة على نحوٍ غريب.

بعد حادث سيرٍ مفاجئ، استيقظتُ لأجد نفسي في عالم اللعبة ذاتها.

في ساعة الفجر الأولى، كنت أنتظر الحافلة إلى عملي،

حين لمحْتُ دفترًا منسيًّا على المقعد، عنوانه بدا مألوفًا جدًا.

أمسكتُ به، وفجأةً ظهر هولوغرام شفّاف في الهواء، ثم اختفى.

[تمّ الحصول على عنصرٍ استهلاكيّ: “تذكرة الإحياء”.

إذا لم تُرفض، سيُضاف العنصر تلقائيًّا.]

“ما هذا بحقّ السماء؟ هل رأيتُ ذلك فعلًا؟”

ارتجف بدني، لكنّي تجاهلت الشعور وواصلت تصفّح الدفتر.

في منتصف صفحاته، كان العنوان واضحًا: 『لعبة أتلانتس』، وأسفله اسم “إليزابيث ماير ميلوف”.

“لعبة أتلانتس؟!”

كنت ألعبها مؤخرًا، فلم أستطع صرف نظري عنها.

إنها لعبة مواعدة تجمع المحكومين بالموت،

وفيها تُجبر الأميرة على البحث عن شريكٍ في عالمٍ يغمره الجنون.

في القصة، إليزابيث ابنة الطاغية، لكنّها تصبح واحدةً من المشاركين في اللعبة.

ورغم فشل اللعبة عند إصدارها، إلا أنها احتفظت بشعبيةٍ عجيبة بين المعجبين بهذا النوع من القصص.

‘الدفتر يبدو قديمًا للغاية…’

وبينما كنت أضعه مكانه، ظهرت رسالة نظام جديدة:

[تمّ استلام “تذكرة الإحياء”.]

[※ ملاحظة: يمكن استخدام التذكرة فقط عند الوفاة. لا تُسبّب أيّ ضررٍ بعد تفعيلها.

مثال: الانتقال بين العوالم، التجسّد، إلخ.]

كانت النافذة مألوفة جدًا، مطابقة لتصميم لعبة أتلانتس.

‘إذًا، لم أتوهّم الأمر.’

وفجأةً، أضاء المكان بضوءٍ مبهرٍ، تلاه صراخٌ قصير، ثمّ اصطدامٌ عنيف.

رفعتُ رأسي، فرأيت أضواء شاحنةٍ تقترب، ثمّ شعرتُ بجسدي يُقذف في الهواء.

“……!”

هل شعرت بالألم؟ لا أذكر.

كلّ شيءٍ حدث في ومضةٍ واحدة، ثم ظهرت رسالةٌ أخرى:

[الوقت المتبقّي لوفاة اللاعب: 00:55]

[سبب الوفاة: حادث مرور]

‘هل أموت حقًّا؟’

وقبل أن يتلاشى وعيي، قرأتُ السطر الأخير:

[توفي اللاعب.]

[استخدام “تذكرة الإحياء”.]

[محاولة التجسّد في شخصية “إليزابيث” داخل 『لعبة أتلانتس』.]

—

حين فتحتُ عينيّ من جديد، كان صوتُ الإشعارات يملأ الأجواء:

[نجح التجسّد في شخصية الأميرة “إليزابيث” من إمبراطورية ميلوف. استمتعي بحياتك الثانية!]

[الوقت المتبقي لمشاركتك في لعبة أتلانتس: 22:59:00]

[توافق الجسد والروح: 7%]

[التوافق دون 70%، الحالة غير مستقرة، يُنصح بالحذر من المخاطر.]

نظرتُ حولي، مبهورةً بجمال المكان وتفاصيله المتقنة.

تجسّد؟ لعبة أتلانتس؟

في لحظةِ ذهولٍ خاطفة، عادت إلى ذهني كلّ الأحداث الماضية: الدفتر، التذكرة، الحادث، النافذة…

“……هذا مستحيل.”

نظرتُ إلى المرآة أمامي، فانعكست صورة فتاةٍ ذات شعرٍ ذهبيٍّ طويلٍ ينسدل حتى الخصر، وعينين حمراوين، ووجهٍ مهيبٍ غريب الملامح.

تمامًا كما في الروايات.

“يا للعجب… هذا مثير فعلًا.”

ابتسمتُ بخوفٍ ممزوجٍ بالإثارة، وقلبي يضطرب، حتى وقع بصري على دبٍّ محشوٍّ فوق السرير.

تجمّدتُ في مكاني… ثمّ حرّك رأسه.

“ماذا؟! لِمَ يتحرّك؟!”

تراجعتُ للخلف في ذعرٍ، فظهرت أمامي نافذةُ نظامٍ جديدة، أو بالأحرى… فقاعاتُ حوارٍ مرِحة:

<مرحبًا!

سأكون مساعدكِ في التجسّد من الآن فصاعدًا!

> <(ʃƪ ˘ ³˘)♥

لقد اطّلعتُ على مئات ألعاب المحاكاة والروايات الرومانسية كي أكون أفضل مساعدٍ لكِ!

هل ستمنحينني اسمًا؟>