أكتُبُ والاعتلالُ يطوقني، كـ ضَبابٍ كَثيفٍ يلفُّ الروح. بدأت حكايتي في لحظة اِنبِثاقٍ غير مهيئة؛ لم أستقبل الدنيا فوق سريرٍ مُعقّم، بل وُلدتُ في جَوْفِ مَركبةٍ تنهب الأرض نهباً. كنتُ خَديجاً تَلَقّفه هواءُ الطريق قبل أن تلمسه أيدي الأطباء، ومنذ تيك اللحظة، صار جسدي مَسرحاً لـ مَناعةٍ مُتَرددة وجهازٍ تَنفسيٍّ يَضيقُ بـ أقَلِّ الأنْسام.
أنا فريسةٌ لـ حساسياتٍ جائرة؛ يكفي أن تلامس ذراتُ “الفول السوداني” كِياني حتى يَثورَ جَسدي، وتَضطربَ أحشائي في تَمَرُّدٍ قد يُفضي بي إلى حافة الفَناء.
ومع حُلولِ زَمهريرِ الشتاء وتبدُّلِ الأنواء، قررت مَناعتي أن تخلدَ إلى سُباتٍ شَتويٍّ في غير مَوْعده. غَزَتني الحمّى، واجتاح الرشحُ مَعاقِلي، والتهبَ الحلقُ حتى بَاتَ الصمتُ أرحم. تغيبتُ عن مَقاعدِ الدراسة لثلاثة أيامٍ سَرمدية، لكنني لم أستسلم تماماً؛ كنتُ أحضر كـ طَيْفٍ مُنهك، أُؤدي اختباراتي بـ بَصيرةٍ مُتّقدة وجسدٍ ذابل، ثم أُغادر.
واليوم، بينما كنتُ أُصارعُ الورقةَ والقلم(كان لدي امتحان )، أتت “الإدارية” بـ نبرةٍ حازمة لتُخبرني بضرورة حُضور “المَلاذ” (أمي)؛ فالغِياباتُ المُتكررة، والخروجُ في وَضحِ الدوام، والتأخرُ الصباحيُّ بَاتت سِجلاً لا يرحم في نظرهم.
اعتراني حُزنٌ مَحضٌ؛ فأنا لستُ مِمَّن يلهون. أنا مُتفوّقةٌ غارقةٌ في حُبِّ العِلم، لكنَّ قَدري أن أُحاربَ على جَبهتين: جبهةُ الكتُب، وجبهةُ الجسدِ الوَاهن الذي يَخونني في ذُروةِ حاجتي إليه.
لا أحبُّ هذا الضعف، لكنني أوقنُ أن خلف هذا النُّحول قوةً صَامدة لا تكسرها لَوائحُ الحُضورِ ولا بَرْدُ الشتاء.
التعليقات لهذا الفصل " 8"