1
إن كان لك نصيب في شيء، سيقلب الله كل الموازين لكي تحصل عليه 🦋.
~استمتعوا ~
كان ضباب لندن، في تلك الأمسية من أكتوبر عام 1888، سميكًا وباردًا كصفائح الرصاص المبلل، يلتف حول عربات الخيول المسرعة وكأنه محاولة أخيرة من المدينة لحجب أسرارها.
لكن ليانا مورغان لم تكن لديها نية للاختباء.
في الغرفة الصغيرة المستأجرة خلف محلات الخياطة في حي كوينز واي، كانت ليانا ترتدي فستانها الوحيد الصالح لحفلة من الدرجة الأولى قماش من حرير التافتا بلون أخضر زمردي داكن، كان قد كلفها كل مدخراتها التي جمعتها من دروس البيانو المتواضعة.
ليانا، في الثالثة والعشرين من عمرها، لم تكن تنتمي إلى هذا العالم الذي تنوي اختراقه.
لم تكن ابنة نبيل متقاعد، ولا وريثة تاجر ثري؛ كانت مجرد امرأة ذكية وجميلة، لكنها عانت من عبء الطبقة المتوسطة المتدنية، حيث كان الطموح يعتبر عيبًا، وكان العيش بكرامة يتطلب معجزة.
وفي حقيبتها المخملية العتيقة، لم تحمل ليانا سوى قفازاتها الطويلة ورسالة دعوة مزورة ببراعة لحضور حفلة كارينغتون السنوية، وهي واحدة من أبهج وأرقى المناسبات الاجتماعية في موسم الخريف.
كان هدفها واضحًا، وحاسمًا، ومخيفًا الدوق إدوارد هيمز، دوق غلينوود.
شاب في الثلاثين، يمتلك عقارات لا تحصى في المقاطعات الشمالية، ووجهًا وسيمًا يعكس ثقة طبقته، والأهم من ذلك، كان يبحث عن زوجة بصفات معينة، على حد تعبير عمود الشائعات في المجلة الاجتماعية.
كانت تلك الصفات المعينة هي الثغرة التي تنوي ليانا استغلالها.
نظرت ليانا إلى انعكاسها في المرآة.
كانت عيناها الرماديتان تلمعان بتصميم قاسٍ يخالف مظهرها الرقيق.
” الليلة، لن أعود ليانا مورغان المعلمة المسكينة”
همست لنفسها، وهي تضع لمسة أخيرة من عطر الياسمين الرخيص.
“الليلة، أنا الآنسة إليانور دي فريس، قادمة من باريس.”
عند وصولها إلى القصر، كان صخب الموسيقى الكلاسيكية الراقية، ورائحة الكحول المعتق، وتوهج الثريات الكريستالية يخلق عالمًا منقطعًا عن الضباب والبؤس في الخارج.
كانت قاعة كارينغتون بهجة للعيون، حيث تزينت الجدران بالديباج الأحمر الغامق، وعُلّقت اللوحات الزيتية الضخمة التي تصور مشاهد الصيد والمعارك.
تمكنت ليانا من الدخول بأناقة وهدوء، مستخدمة لهجتها الفرنسية المصطنعة.
كانت مهمتها الأولى هي تحديد الهدف (الدوق) والمنافسة، ومهمتها الثانية والأخطر هي تحديد (العقد).
كانت إيزابيلا فالكونر، دوقة شيفيلد، وهي الهدف الحقيقي لليانا، تتألق في قلب القاعة.
كانت إيزابيلا مشهورة بثروتها القديمة، وغرورها الهادئ، وشيء واحد محدد
“عقد اليشم الأخضر الساحر”،
أو كما سمته الشائعات، دموع إلهة الحظ
اقتربت ليانا ببطء، وتظاهرت بالاهتمام بلوحة جدارية قديمة، لكن عيناها كانتا مثبتتين على رقبة الدوقة إيزابيلا.
كان العقد بالفعل قطعة فنية تجسد الأناقة والغموض, خيط رفيع من الذهب الأبيض يحمل في مركزه قطعة يشم ضخمة منحوتة على شكل عين، محاطة ببلورات ألماس صغيرة.
كان اليشم ينبض ببريق داخلي غريب، وكأنه يمتص ضوء القاعة ويعكسه بطريقة لا طبيعية.
كانت الأساطير تحوم حول هذا العقد، مثل كل شيء قديم وغني في بريطانيا يُقال إن اليشم ليس مجرد حجر كريم، بل هو تجسيد لروح حارسة نبيلة عاشت في العصر الجورجي، حارسة غيورة على ثروة عائلتها وسلطتها.
يُقال إنها تبارك من يرتديها بالحظ المطلق، وتلعن من يسرقها بالهزيمة المخزية.
وقفت ليانا تراقب الدوقة وهي تتحدث بغطرسة واضحة مع مجموعة من المعجبين. تذكرت كلمات الدوق إدوارد في الصحيفة
“…أنا لا أبحث عن الثروة أو الجمال فقط، بل عن شيء مختلف، شيئًا نادرًا وجالبًا للحظ…”
إذًا، الخطة لم تكن فقط الحصول على الدوق، بل الحصول على التميمة التي تمنح القوة والحظ، لإيهامه بأنها هي الشيء النادر.
في تلك اللحظة، تحركت الدوقة إيزابيلا نحو شرفة القاعة لتستنشق هواء الضباب البارد. رأت ليانا فرصتها تلوح في الأفق.
تسللت ليانا إلى طاولة الدوقة إيزابيلا التي كانت تقف بالقرب من صندوق موسيقي ثمين. كانت الطاولة مزدحمة بكؤوس النبيذ الفارغة وحقيبة يد صغيرة.
بدأت يد ليانا ترتعش من الخوف .
هذه ليست مجرد سرقة؛ هذه مقامرة بحياتها ومستقبلها كله.
إن كُشفت، فلن تُنفى اجتماعيًا وحسب، بل قد تواجه السجن.
أخذت نفسًا عميقًا، وتظاهرت بأنها تبحث عن منديل، وبينما كانت تمرر يدها برشاقة فوق الطاولة، سحبت دبوس زينة فضي صغير من شعرها.
كانت إيزابيلا لا تزال على الشرفة، غارقة في حديثها مع أحد الساسة.
أدخلت ليانا الدبوس بعناية في قفل حقيبة اليد. كليك خافت.
فتح القفل.
لم تكن ليانا تبحث عن المال أو المجوهرات الأخرى.
كانت تبحث عن المفتاح. وفي ركن الحقيبة، وجدته مفتاح فضي صغير الحجم، لامع، يخص الصندوق الموسيقي.
بسرعة فائقة، استخدمت ليانا المفتاح لفتح الصندوق الموسيقي الذي كان يقف خلف مقعد إيزابيلا.
انبعثت نغمة هادئة من صندوق العزف، نغمة مألوفة، نغمة تُعرف بأنها رقصة إيزابيلا.
كان هذا هو الإلهاء المطلوب.
اندفعت إيزابيلا عائدةً إلى القاعة، وقد جذبها صوت صندوقها الموسيقي.
“من تجرأ على…”
بدأت تصرخ بغضب.
وفي تلك اللحظة تحديدًا، نفذت ليانا الجزء الأخير من خطتها.
لم تكن تنوي سرقة العقد مباشرة من رقبة إيزابيلا، هذا جنون.
بل كان هدفها أن تجعل العقد يسقط بنفسه، أو بالأحرى، تجعله يسقط بطريقة تبدو وكأنها خطأ الدوقة نفسها.
بينما كانت إيزابيلا تهرع إلى الصندوق الموسيقي، مدّت ليانا يدها بسرعة كبيرة، وبدلاً من أن تلمس العقد، قامت بـسحب الوشاح الحريري الطويل الذي كان يلف عنق الدوقة بأناقة شديدة.
لم يكن السحب قويًا، بل كان كافيًا لإحداث ارتباك وتوتر مفاجئ في العنق.
في خضم غضبها وهي ترى الصندوق مفتوحًا، وضغطها على الوشاح لترتيبه، لم تنتبه إيزابيلا لـلكسر الصغير الذي حدث في قفل العقد نفسه.
سقط عقد اليشم الساحر على الأرض الرخامية بـهمسة خافتة كصوت انكسار الزجاج.
تجمدت إيزابيلا في مكانها.
تجمدت ليانا. وتجمدت القاعة.
“العقد!”
صرخت إيزابيلا، وهي تركع بسرعة.
ولكن ليانا كانت أسرع.
بحركة لا تصدق، انحنت بسرعة فائلاً وكأنها تبحث عن شيء سقط منها، وفي نفس الثانية، قامت بـالتقاط قطعة اليشم الكبيرة ودسّها في كفها المضموم.
ثم ألقت بقطعة أخرى صغيرة من الكريستال كانت قد جهزتها مسبقًا في الحقيبة، بالقرب من يد إيزابيلا.
“سيدتي، هل هذا هو ما سقط؟”
قالت ليانا بصوت قلق مزيف وهي تشير إلى الكريستال المزيف.
نظرت إيزابيلا إلى الكريستال الصغير المزيف، ثم نظرت إلى قفل العقد المفتوح.
كانت في حالة من الهستيريا والارتباك. لم تلاحظ أن قطعة اليشم الأهم قد اختفت.
“أوه، يا إلهي! لا… هذا ليس هو! أين ذهبت…”
استغلت ليانا الفوضى، وتراجعت خطوتين، لتجد أمامها الدوق إدوارد هيمز، الذي كان يشاهد المشهد بأكمله بعينين باردتين، لكنه بدا مهتمًا أكثر بالصندوق الموسيقي المفتوح.
“آنسة…؟”
بدأ الدوق يسأل ليانا التي كانت على وشك الهروب.
شعرت ليانا بأن قلبها يكاد يقفز من صدرها. كان عقد اليشم الساحر يضغط على راحة يدها، وشعرت بوخز بارد وغريب، كأنها تمسك بقطعة من الثلج.
“أنا… إليانور دي فريس. آسفة على هذا المشهد المزعج، يا سيدي.”
قالت ليانا بهدوء مصطنع.
نظر الدوق إليها للحظة مطولة، ثم تجاهل الدوقة المذعورة والضيوف المتجمهرين حولها.
“يبدو أن هذه الليلة تحمل مفاجآت. هل تسمحين لي برقصة، آنسة دي فريس؟”
سأل الدوق بابتسامة خالية من العواطف.
شعرت ليانا وكأن القدر يشدها بيده.
هذه هي فرصتها الذهبية.
“أكيد، دوق هيمز.”
بمجرد أن وضعت ليانا يدها على ذراع الدوق، شعرت بارتفاع في درجة حرارة اليشم المخفي في راحة يدها.
بدأ اليشم يتوهج ببطء داخل قفازها الجلدي، وكأنه يستيقظ.
بدأت ليانا ترقص مع الدوق. ومع كل خطوة، كان اليشم يُشعّ إحساسًا خفيًا، همسة صامتة من الحظ الغريب والغطرسة.
كانت ليانا تعرف أن عليها أن تكون ساحرة ومختلفة.
بدأت تتحدث عن الفن الباريسي، وعن شغفها بالآلات الميكانيكية، وهي مواضيع لم يكن يتوقعها الدوق من أي سيدة في القاعة.
وفي منتصف الرقصة، عندما كاد الدوق أن يطرح عليها سؤالاً شخصيًا حاسمًا، فجأة… انزلق قدمه بشكل غير متوقع على بقعة ماء جافة، وكاد أن يسقط! لكنه تمسك بيد ليانا بقوة.
“اعذرني، يا دوق.
يبدو أن الأرض رطبة بشكل مريب اليوم.”
قالت ليانا، بينما كانت عيناها تلمعان بثقة جديدة اكتسبتها.
لكن ما لم تره ليانا، هو أن الدوقة إيزابيلا، وهي تحاول أن تقف لاتهامها، تعثرت في ذيل ثوب إحدى النبيلات وسقطت أرضًا بـصوت مدوٍّ، مما حول الانتباه إليها بالكامل.
في تلك اللحظة، شعرت ليانا بأن اليشم داخل يدها نبض بحرارة.
لم يكن النبض حظًا لها، بل كان سوء حظ انتقائي موجّه نحو منافستها.
لقد استيقظت الروح الغيورة، الروح التجسيدية للحارسة القديمة، وبدأت تعمل لصالح حاملها الجديد.
“آنسة دي فريس، أنتِ مثيرة للاهتمام للغاية،”
قال الدوق، وهو يبتسم ابتسامة حقيقية هذه المرة، بينما كانت إيزابيلا تُسحب من القاعة في حالة يرثى لها.
“اسمح لي أن آخذك إلى الحديقة. لدينا الكثير لنتحدث عنه.”
نجحت ليانا في المهمة الأولى السرقة، والتأثير على الدوق.
لكنها لم تدرك بعد الثمن الحقيقي لإيقاظ الروح التي تتجسد في ذلك اليشم الأخضر الساحر.
يتبع…
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم
أستغفر الله و أتوب إليه
حسابي على الواتباد luna_aj7
Chapters
Comments
- 1 - الفصل الاول منذ 17 ساعة
- 0 - ملاحظات منذ 17 ساعة
- 0 - مقدمة منذ 17 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 1"