خرجت مييلا من المنزل برفقةِ الصبي من دون أن تُدركَ ما يحدثُ، وسرعان ما بدأت تتساءل في داخلها:
‘هل جميع القادمين من العاصمة يجيدون التحدّثَ بهذا الشكلِ منذ الصغر؟
لا يبدو أن السبب كونه من النبلاء، فهو بنفسهِ قال إنّ مكانتهُ ليست مرموقةً كثيرًا.’
وبالنسبة لمييلا، التي لم تكن تعرفَ كثيرًا من الكلمات، وكانت تتلعثم عند أيّ موضوع معقّد قليلًا، فقد بدا ذلك غريبًا للغايةِ.
‘على سيرة ذلك، كم عمر هذا الصبي يا ترى؟ ست سنوات؟ أم سبع؟
وما اسمهُ؟’
ما إن بدأ الفضول يتسلّل إلى عقلهِا، حتى أصبحَ من الصعبِ كبحهُ.
وفي النهاية، سألت بخجلٍ:
“أمم… ربما يكون سؤالي فضوليًّا، لكن كم عمرك؟”
توقّف إيستين في منتصف الطريق عند سماع سؤالها،
ثمّ نظر إليها مباشرةً.
“الآن بعد أن فكّرتُ بالأمر، لم نتبادل أسَماءنا بعد، أليس كذلكَ؟”
“هاه؟ تبادل الأسماء؟ ما هذا؟”
كان الصبي يستخدم كلماتٍ غريبة كثيرًا.
أما الفتاة، فكانت تجهلُ أمورًا كثيرةً.
هذا التباين أشعل الفضول في قلبيهما معًا.
في العادة، كان إيستين سيُهين مَن لا يعرف شيئًا كهذا،
لكنّه اليوم قرّر أن يشرح لها المعَنى بلطفٍ:
“يعني أن نُعرّف بأنفِسنا لبعضِنا البعضِ،
أن نُخبر الآخر من نحن.”
“آه، فهمت! هذا هو المقصودُ!”
أشرق وجه مييلا فجأةً كما لو أنّ الشمسَ دخلتْ غرفةً مظلمةً.
ابتسم إيستين لا إراديًّا حين رآها هكذا.
“حسنًا، فلنُعرّف أنفسنا إذًا. سأبدأ أولًا. أنا…”
كاد أن يبوح باسمه الحقيقي وعمره،
لكنّه تذكّر أوامر والدهُ، فتردّد.
‘لحظةٌ، ماذا سأقولُ؟’
بما أنّه يجب عليه إخفاءَ اسمهِ ونسبهٌ،
لم يستطع قول الحقيقةَ.
لكنّه أيضًا لم يُرد أن يكذب تمامًا،
فهو يَرغبُ في أن يُبقي هذهِ الفتاة بجانبهِ.
“أنا اسمي تيتي.”
قالها بعد لحظةُ تفكيرٍ.
“تيتي؟ واو! اسم لطيفٌ جدًّا! يشبهُ اسم قطّةٍ أو كلب صغير!”
“…”
كما توقّع، كان هذا هو ردّها.
احمرّ وجه إيستين قليلًا.
في الواقع، تيتي كان لقبه الطفولي،
وكان قد هدّد الجَميع ألّا ينادوهُ بهِ أبدًا.
‘لكن، الغريب… لماذا لا أشعر بالضيقِ الآن؟’
أحسّ بشيءٍ يدغدغهُ في قلبهِ.
حتى لو استمرّت في مناداته باسم “تيتي” وسخرتْ منهُ،
لم يكن يشعر بأيّ ضيق.
“أما عمري… فأنا في السابعةِ.”
في الحقيقة، كان يبلغ الثانيةَ عشرةَ.
لكن بسبب اللعنة التي أصابت عائلته،
كان نموه بطيئًا جدًّا.
ولذلك، لم يكن أحدٌ يصدّق أنه أكبر من ست أو سبع سنوات.
‘لن يصدقني أحد حتى لو قلتُ الحقيقةَ،
ما لم أُخبرهم بشأن اللعنةِ.’
ومهما كان مرتاحًا لها،
فلم يكن من السهل أن يكشف نقطةَ ضعفهِ هَكذا.
وفوق ذلك، كذبه سيبدو أكثر منطقيةٍ من صدقِه.
“كنتُ أظنّ فعلًا أنك في السابعة!”
ضحكت مييلا، غير مدركةٍ لما يدورُ في ذهنٌه.
والغريب، أنّ إيستين الذي يكره أن يُعامَل كطفل،
قدّم نفسهُ هكذا بنفسهِ هذهِ المرّةَ.
“حسنًا، هذا كلّ شيء عنّي.
الآن، أرغب بسماع شيءٍ عنكِ.”
لم تُلاحظ مييلا نبرة صوتهِ التي بدأت تميلُ للجديّةِ،
وأومأت بحماسٍ:
“آه، نعم! اسمي مييلا، عمري عشر سنوات.
يعني أنا أكبر منك بثلاث سنوات،
فيمكنك مناداتي بـ’أوني’ أو ‘أختي الكبرى’!”
“أ… أختي؟”
رمش إيستين ببطءٌ.
كانت كلمة غريبةً عليهُ جدًّا.
فهو الابن الوحيد في عائلة دوق فالوار،
ولم يُنَادِ أحدًا يومًا بـ”أختي”.
“نعم! وإذا كنتَ لا تحبّ كلمة ‘أختي’،
فيمكنك مناداتي بـ’آنسة’ أو ‘سيّدة’!”
“آنسة؟ هذا أكثر رسميّة، لا أرتاح له.”
تقلّصت عينا إيستين.
لكنّ مييلا هزّت كتفَيها بلا مبالاةٍ.
“بالنسبة لي، لا فرق.
نادِني بما يريحك، تيتي.”
“هل أستطيع مناداتك باسمكِ فقطَ، مييلا؟”
قالها بنبرة فيها مزاح.
لم يَتوقّع أن توافقَ.
لكن مييلا هزّت رأسها فورًا بابتسامة:
“طبعًا يا تيتي!”
“……!”
“كنتُ أتساءل كثيرًا عنك،
وسعدتُ لأني عرفتُ أخيرًا.”
ضحكت ببراءةٍ.
أشاح إيسْتين بنظره بعيدًا.
‘مييلا…’
اسمها لطيفٌ جدًّا.
يلتصق باللسان مثل اسم سنجابٍ أليف.
آه، لا، ليس لأنّها قالت إنّ اسمه يشبه اسم كلب أو قط،
وليس انتقامًا منها، أبدًا…
“لقد وصلنا.”
“واو! هذا المكان ضخم! هل تعيشّ هنا فعلًا؟”
اتّسعت عينا مييلا وهي تنظر إلى القصِر الضخمٌ.
“نعم. رغم أنّي أقيم فيه مؤقتًا فقط.”
“وماذا تعني كلمة ‘أُقيم’؟”
“تعني أنّي أعيش فيه.”
“آه، فهمت! شكرًا لأنكَ شرحَتها لي!”
بينما كانا يتحادثان،
وصلا إلى القصر خلف التلّ.
كان القصر مُحاطًا بجدران عالية،
تُشبه حصنًا لا يُخترق.
لكنّ الهدوءُ المعتاد أمامهُ كان قد اختَفى،
وصارت الأجواء فوضويّة بعضَ الشيءِ.
كان كبير الخدم خارجًا،
والحرّاس يتوتّرون ويتبادلون الكلمات.
“ابحثوا بسرعة عن السيّد الشاب!”
“لا أصدقُ… هل ذهبَ إلى القريةِ؟”
عندها فقط، فهم إيستين أن خروجهُ دون إذنٍ
سبّب حالةً من الذعرِ داخلَ القصرٌ.
“أوه، أليس ذاك هو السيّد الشاب؟!”
أحد الحرّاس، وهو يفتّش بقلقٍ، لمحَ إيستين.
واتّسعت عيناهُ بدهشةٍ.
‘سيئ! لقد قلتُ لمييلا إنني لستُ من عائلةٍ مرموقةٍ!’
كاد أن يُكشَف أمره فورًا.
كان يتمنّى لو أنّ مييلا لم تسمع شيئًا…
لكن للأسف، أذناها كانتا حادّتين.
“أوه؟ السيّد الشاب؟ من يكون؟ هل يعنيني أنا؟”
(ميري : مييلا هنا ما تفهم معنى الكلمه اصلاً)
‘بالله عليكِ…!’
تنفّس إيسْتين الصعداء،
لكنّه شعر أيضًا بالإحباطِ من سَذاجتها.
‘يا إلهي… لا يمكنني ترك الأمور هكذا.’
تنهد وأخذ خطوةً للأمامِ.
“سيدي الصغير!”
ركضَ الحارس لاستقبالهُ.
كان قد تخيّل لتوّه أن الدوق سيعاقبهُ
بشدّة إن أصابَ ابنهُ مكروهٌ.
لكن إيستين وقف بثباتٍ، وقال ببرودٍ:
“عن من تتحدّث يا سيد آشيل؟”
رمشَ الحارسُ بدهشةٍ.
“هاه؟”
“أنا خادم السيّد الصغير، تيتي.
والسيّد نائمٌ في سريرهِ داخلَ القصرِ.”
اخترع إيسْتين سيّدًا وهميًّا،
وبدأ يتصرّف كخادم!
ارتبك آشيل بشدّة.
“تيتي؟ خادم؟ ما الذي…”
فتح فمهُ بذهولٍ.
تنهّد إيسْتين بغيظ.
‘ألا يفهمُ شيئًا؟! يكفيني غباءُ مييلا!’
قال بلهجةٍ حادّة:
“سيدي آشيل، يبدو أنّ عضلاتكَ الكثيفةَ
جعلت رأسكَ أثقل.
أنا خادم السيّد، واسمي تيتي،
وقد كنتُ في مهمّةٍ في القرية.”
“آآآه! فهمتُ الآن!
أجل، نعم! كنتَ… كنتَ في مهمّةٍ للسيّد!”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"