.:
الفصل 35
اتّسعت عينا مييلا بدهشة أمام شرح إيستين، وأخذت تتأمّل اللوحات المعلّقة هنا وهناك.
كان جميع رؤساء العائلة السابقين يتمتّعون بجمالٍ خارق بلا استثناء.
ولكن الأهم من ذلك، أنّهم جميعًا يملكون شعرًا أسود حالك.
‘يبدو أنّ الشَّعر الأسود هو سِمة مميّزة لعائلة فالوار.’
نظرت مييلا جانبًا نحوه بنظرة خاطفة. لم تَدرِ متى بالضبط، لكن إيستين كان يُحدّق بها باهتمام.
كان على شفتيه ابتسامةٌ واثقة.
‘هاه! شاهدي بنفسك! يومًا ما، سأُصبح شخصًا رائعًا مثلهم!’
……كان ذلك ما يوحي به نظره. على ما يبدو، تأثّر حقًّا من معاملتها له كطفل.
ثمّ لاحظت مييلا شيئًا مختلفًا فيه.
‘يبدو أطول قليلًا مما كان عليه قبل بضعة أيام.’
هل هو مجرّد وهم؟ صحيح أنّ اللعنة قد زالت، ولكن لا يُعقل أن تتحقّق الطفرة في النّمو بهذه السرعة.
لو فكّرت بالأمر منطقيًّا، فذلك غير ممكن.
لكن، هل يمكن أن يجتمع المنطق مع اللّعنات أصلًا؟
”هُـمْ…….”
ولمّا لاحظ إيستين أنّ نظرها لم تعُد منصبّة على اللوحات بل عليهِ، سألها بفضول:
“في ماذا كنتِ تفكّرين، لتُحدّقي بي هكذا؟”
“آه، هذا! ليس أمرًا مهمًّا، فقط شعرتُ أنّك تغيّرت قليلًا. ربما لأنّ اللعنة زالت؟”
أمالت مييلا رأسها متحيّرة، فأجابها إيستين بجرأةٍ:
“آه، طبعًا. في الحقيقة، شعرتُ أنا أيضًا بالتغيّر. عندما استيقظتُ صباحًا، شعرتُ وكأنني أتنفّس من هواء أعلى من المعتاد، بخلاف الليلة الماضية.”
“هُمم، لكن حين أعيد النّظر… أظنّه كان مجرّد وَهْم.”
قالت مييلا وهي تحكّ خدّها بنبرة غير واثقة، فرفع إيستين حاجبًا قليلًا.
“لا أعتقد أنّه وَهْم. انظري إلى صور أسلافنا من آل فالوار. أنا أيضًا سأُصبح يومًا ما، ربّ عائلة مهيبًا وراقيًا مثلهم تمامًا.”
“بالفعل، كلّهم وسيمون وجميلون ورائعون.”
أثنت مييلا باستخدام أجمل الكلمات التي تعرفها.
ولم تكن تلك مجرّد مجاملة. فحتى دوق ودوقة فالوار الحاليين، يتمتّعون بجمال مذهل.
“فهذا طبيعي، فأسرتُنا على مرّ الأجيال…”
كان إيستين على وشك مواصلة التفاخر، لكنّه توقف فجأة وقد بدا أنّ أمرًا ما راوده.
“مييلا.”
“هممم؟”
“برأيك، مَن من بين رؤساء العائلة السابقين هو الأروع؟”
“أه؟ أأه…؟”
ارتبكت مييلا. لم تتوقّع أن تتلقّى سؤالًا محرجًا كهذا.
لكن، قرّرت أن تُفكّر بجدّ، فأخذت تتأمّل كلّ لوحة واحدةً تلو الأخرى بعناية.
“هُممممم……”
تنهيدة طويلة خرجت من بين شفتيها المضمومتين، ثمّ أخيرًا نطقت وقد حسمت أمرها:
“أعتقد أنّك أنتَ، إيستين، الأروع على الإطلاق!”
“……ماذا تقولين؟ تمزحين، صحيح؟ طلبتُ منك أن تختاري من بين رؤساء العائلة، لماذا أنا فجأة؟”
رغم أنّه بدا عليه خيبة الأمل، إلا أنّ شفتيه ارتسمتا بابتسامة خفيفة دون أن يشعر.
‘قالت إنّني الأروع؟’
بالطّبع، كان واثقًا من ذلك في قرارة نفسه، لكنّه تساءل عن سبب تفضيلها له على كلّ أولئك القادة العظماء.
خلال اللحظات القصيرة التي انتظر فيها جوابها، خفق قلبه بسرعة.
“لكن، لا يمكن معرفة كلّ شيء من خلال لوحة، أليس كذلك؟
على أيّ حال، من بين جميع آل فالوار الذين أعرفهم، فإنّ أروعهم هو أنتَ يا تيتي.
وأتطلّع لرؤيتكَ كم ستكون رائعًا عندما تُصبح ربًّا للعائلة!”
هزّت مييلا كتفيها برفق. فما زالت تذكر مشهدًا واضحًا تمامًا في ذاكرتها.
عندما ظنّ أطفال القرية خطأً أنّها سارقة، وكان هو مَن ظهر من الخلف ودافع عنها دون تردّد.
“آه، هكذا إذًا.”
ولم يُكمل إيستين أسئلته. فقد شعر بإخلاصها من نبرة صوتها. وذلك وحده كان كافيًا ليملأ قلبه بالفخر والسعادة!
بعد ذلك بحوالي أسبوعين، سألت مييلا بنبرة مشوّشة:
“أ-أوه؟ إيستين…… أليس من المفترض أنّك كنتَ أقصر من هذا التمثال؟”
كان في الممرّ قرب غرفتهم تمثال لطفل مجنّح، يُشبه ملاكًا صغيرًا. وقبل فترة قصيرة فقط،
كان إيستين أقصر قليلًا منه. أمّا الآن، فقد أصبح رأسه يتعدّى رأس التمثال.
“يبدو كذلك. لقد تجاوزته أخيرًا.”
أجاب إيستين بلامبالاة، رغم أنّه شعر بالسعادة داخليًّا.
“نَمَوتَ بهذه السرعة؟ وااااو……!”
اتّسعت عينا مييلا بدهشة. تبيّن أنّ ما ظنّته وَهْمًا قبل أسبوعين لم يكن كذلك.
“نعم، أَنمو بسرعة يومًا بعد يوم، وأحيانًا يكون ذلك مُربكًا.”
تنهد إيستين بخفة. فقد لاحظ أنّ أكمام القمصان التي كان يرتديها سابقًا أصبحت قصيرة عليه.
يُقال إنّ النموّ السريع قد يسبّب آلام العظام، لكنّه لحسنَ الحظ لم يشعر بأيّ ألم.
‘ربّما لأنّ هذا هو طولي الطبيعي أصلًا.’
يُشاع أنّ السمكة إذا حُبست في حوض صغير، لا تنمو أكثر من مفصل إصبع.
أمّا لو تُركت في بحيرة أو نهر، فإنّها تكبر لتصبح بحجم الساعد.
وهكذا شعر إيستين أنّ اللعنة التي كبّلته كانت كالحوض الضيّق.
وبمجرّد تحطيمها، بدأت طاقتهُ بالانفجار.
‘يا له من تحوّل مذهل.’
ولم يكن إيستين وحده من تغيّر، فمييلا أيضًا قد تبدّلت كثيرًا منذ دخولها قصر الدوق.
فقد تخلّت عن هيئتها القذرة، وصارت تتلقّى دروسًا من مُعلّمة خاصة لتعلُّم السلوك اللائق بسيدة شابة من طبقة النبلاء، واكتسبت قدرًا من الهدوء.
‘كم سأُعاقَب؟’
تساؤلٌ راودها في أوّل يوم لتلقّي دروس الآداب. كانت مييلا متوترة تتخيّل الأسوأ.
‘أوه، يا إلهي، مُخيف.’
ففي الروايات التي كانت تسمعها من أمّها، دائمًا ما تكون المعلّمات في هذا النوع من القصص، صارمات ودقيقات للغاية.
وكان من المعتاد أن يُقارن الجميع بين البطلة المثاليّة والسيدات الإضافيّات ذوات الأداء الضعيف، ولا يُسمع لهنّ سوى التعليقات القاسية.
‘أنا على الأرجح من النوع الثاني، لذا سأُوبَّخ بشدّة…’
رغم أنّها حاولت التفكير بإيجابيّة، إلا أنّ القلق لم يُفارقها.
وقبيل دخولها الصفّ، شعرت بيدٍ تنقر على كتفها بخفة.
“هم؟”
استدارت مذعورة، لتجد إيستين واقفًا هناك. همس لها قائلًا: “بالتوفيق!” وربّت على كتفها، وابتسم بلطف في محاولة لطمأنتها.
“……!”
أجل، لقد نسيت للحظة. أنّ أقوى داعمٍ لها دائمًا ما يكون بجانبها.
استمدّت مييلا القوّة من تشجيعه، واستعادت عزيمتها.
‘صحيح، حتى لو لم أكن مثاليّة، سأبذل قصارى جهدي!’
* * *
“تشرفتُ بلقائكِ لأوّل مرّة. أنا أميليا من آل لوكسلان، وسأتولّى تعليم الآنسة مييلا فنون الآداب من اليوم.”
وما إن أنهت أميليا تعريف نفسها، حتى ابتلعت مييلا ريقها بتوتّر.
شعرها مشدود بإحكام دون شعرةٍ تخرج عن مكانها.
فستانها خالٍ من أيّ تجعّد. حتّى أبسط إيماءاتها كانت أنيقة ومضبوطة.
‘هل يمكن أن أصبح مثلها يومًا؟’ فكّرت مييلا، ثم انحنت بخفّة.
“مرحبًا، أنا مييلا. سررتُ بلقائكِ! أَمـم…”
وكادت تُناديها بـ “السيّدة أميليا” كما اعتادت، لكنّها تردّدت فجأة. فقد تذكّرت نصيحة الدوقة.
”مييلا، لا تُظهري الاحترام لأيّ شخص بعد الآن.”
”ماذا؟ ولماذا؟”
”لأنّكِ خطيبة سيّد آل فالوار، وهذا مقام لا يُسمح له بالخضوع.”
لكن، تعليمات ريجينا اصطدمت بما علّمتها إيّاه والدتها في صغرها:
”مييلا، كوني دائمًا مهذّبة مع الكبار، فهمتي؟”
‘يا إلهي، ماذا أفعل؟’ ارتبكت مييلا.
ولحسن الحظ، خطرت لها فكرة لحلّ الإشكال.
“عفوًا، كيف تحبّين أن أناديكِ؟”
“ناديني بلقب زوجة البارون لوكسلان، يا آنسة مييلا.”
“حسنًا، زوجة البارون لوكسلان!”
من جهتها، وجدت أميليا أنّ مييلا ساذجة جدًّا.
فرغم تعليمها عددًا كبيرًا من بنات النبلاء، لم يسبق أن واجهت فتاة غير مصقولة مثلها.
‘قيل لي إنّها من عامة الشعب.’
لم تُصدّق ذلك حتّى رأتها بعينها. فكيف لعائلة نبيلة عريقة مثل آل فالوار أن تتزوّج من فتاة من العامّة؟
لكن، وبعد أن رأتها، لم تجد فيها أيّ ملامح نبيلة.
‘إذًا كانت الإشاعةُ صحيحةٌ؟’
التعليقات لهذا الفصل " 35"