“لا تَقْلَقْ. إيسْتين بخير. على الرّغم من أنّ اللّعنة اشتدّت عليه وسقط مغشيًّا عليه.”
أجابت ريجينا بسُهولة، وكأنّ الأمر ليس بالمهمّ، على سؤال كبير الخدم.
غير أنّ تلك الإجابة زادت من ذُهول دايسون.
“أحقًّا ما تقولين؟! سقطَ السيّد الشّاب؟… هذا أمرٌ جلل… تُرى، إلى أيّ حدٍّ اشتدَّت الأعراض…؟”
كاد يُفكّر في ضرورة إبلاغ الدّوق الموجود حاليًّا في العاصمة، لكنّ اهتمام الدّوقة كان منصبًّا على شيءٍ آخر تمامًا.
“نعم، هو أمرٌ جلل، لا شكّ في ذلك. لكن ثمّة ما هو أهمّ الآن.”
“عفوًا؟”
سقوط السيّد الشّاب أمرٌ بالغ الخطورة، فكيف يكون ثمّة ما هو أهمّ من ذلك؟ لم يستطِع كبير الخدم أن يُخفي استغرابه.
“أثناء زيارتي للمنزل الرّيفي، عرفتُ -بمحض الصُّدفة- طريقةً لرفع لعنة إيسْتين. وإنْ رُفعت اللّعنة، ألن يستطيع النّهوض مجدّدًا؟”
فُوجئ دايسون بشدّة من كلمات الدّوقة التي تَبِعت ذلك.
“أ-أحقًّا؟! هل يوجد بالفعل طريقةٌ لإزالة اللّعنة…؟!”
بقي فاغرًا فاهه لبرهةٍ طويلة، ثم سأل بتردُّد:
“هل تلقّيتِ المساعدة من كاهنٍ أو ساحرٍ روحيّ في تلك القرية، سيّدتي؟”
“ليس تمامًا… لكن الأمر قريبٌ من ذلك.”
هزّت ريجينا رأسها، ثمّ توقّفت لحظة وارتسمت على وجهها ابتسامةٌ غامضة.
“الوضع لا يسمح لي بشرح كلّ شيء الآن. ولا يُمكنني الجزم بأنّ اللّعنة ستُزال بالكامل، لكن…
بما أنّني عرفتُ الطّريقة، فلا بُدّ من أن أفعل كلّ ما أستطيع.”
رغم أنّ حديث الدّوقة كان عامًّا وغامضًا، إلا أنّ كبير الخدم وافق بصمت دون اعتراض.
“مفهوم. وماذا تُريدين منّي أن أُحضّر، سيّدتي؟”
“هُمم… لا حاجة إلى أيّ شيء آخر. فقط اذهب إلى المعبد واشترِ كميّةً كبيرة من الماء المقدّس.
لن يأخذ الأمر وقتًا طويلًا إنْ استخدمتَ لفافة سحرية بدلًا من الحصان، لذا أمنحكَ إذنًا خاصًّا هذه المرّة لاستخدامها.”
لم يكن من المُحبَّذ أن تجلب كاهنًا وتُقيم طقس التّطهير مباشرة. فإنْ حدث ذلك، سيصل خبر أسرار العائلة إلى المعبد لا محالة.
حتى لو تطلّب الأمر مضاعفة التّكاليف، كان جلب الماء المقدّس مباشرة هو الخيار الصّحيح.
“وكم تُريدين بالتّحديد من الماء المقدّس؟”
“دعنا نقُل ما يكفي لملء حوض استحمامٍ كبير.”
عادةً ما يكون حجم القارورة الواحدة من الماء المقدّس التي يُباع في المعبد في حدود عقلة إصبعين أو ثلاثة.
ولا بُدّ من دفع عشرات الذّهب مقابل كلّ واحدة. فإنْ كانت الكمّيّة المطلوبة تكفي لملء حوضٍ كامل، فهذا يعني ثمنًا باهظًا بحقّ.
بالنّسبة إلى ريجينا، التي سبق أن فعلت ما هو أعظم من هذا بكثير لرفع اللّعنة، لم يكن للأمر أيّ وقعٍ يُذكَر.
“مفهوم، سأفعل.”
رغم إطاعته لأمرها دون تردّد، لم يستطع دايسون أن يُخفي ارتيابه.
ما السّبب في طلب الماء المقدّس فجأة؟
أليست طقوس التّطهير والماء المقدّس أشياء قد جُرّبت بالفعل؟
وقد ثبت أنّها بلا جدوى أيضًا؟
‘على كلّ حال، سيّدتي لا بُدّ أنّ لها غايةً في ما تفعل. أمّا أنا، فما عليَّ سوى تنفيذ أوامرها.’
طرد تلك الأفكار سريعًا، وأصدر تعليماته إلى خدم العائلة وفقًا لأوامر ريجينا.
أثناء انشغال الخدم بجلب الماء المقدّس من المعبد، كان على ريجينا أن تفعل شيئًا آخر.
وهو التّحقّق من الإرث العائلي المشؤوم الذي سكنت فيه اللّعنة.
‘لقد مرّ نحو خمس عشرة سنة على استعادة السّيف المقدّس من القصر الإمبراطوريّ.’
حاليًّا، كانت قد أودعت القصر الإمبراطوريّ قلادةً بدلًا من السّيف. وهي أيضًا إرث ثمين يُورَّث لسيّدات عائلة فالوار جيلاً بعد جيل.
‘حتى لو زالت اللّعنة عن السّيف، لا ينبغي أن أطمئن تمامًا.’
فلو عَلِمَت عائلةٌ مُعادية بزوال اللّعنة، لا يُدرى كيف سيكون ردّ فعلهم. هل سيلعنون القلادة أيضًا؟
أم سيفعلون شيئًا آخر؟
لا يُمكن الجزم. ما كانت تعرفه بيقين، أنّ هناك جاسوسًا داخل القصر الإمبراطوريّ.
رغم أنّ الإرث العائلي يُدار ويُحرس بإحكامٍ شديد، لا أحد يعرف كيف تمكّنوا من التلاعب به.
‘على أيّ حال، أيًّا مَن كان وراء ذلك فهو حقيرٌ لا شكّ. أن يُدنّس الإرث العائليّ بهذه الطّريقة…’
يبدو أنّ رؤية عائلة فالوار في ذروتها لم تكن ترضِيهم أبدًا.
‘لو فقط استطعتُ أن أعرف أيّة عائلة قامت بإلقاء تلك اللّعنة.’
كانت قد حاولَت أن تُلمّح بشأن ذلك أثناء حديثها مع مييلا في وقتٍ سابق، لكنّ مييلا أبدت حيرة وقالت إنّها لا تعرف من ألقى اللّعنة.
‘مؤسف، لكن لا بأس. سأعرفُ مع الوقتِ.’
طوال الوقت السّابق، كانت تمضي أيامها دون أن تدري مصدر اللّعنة.
أمّا الآن وقد عرفت أنّ السّيف هو أصل البلاء، فلم يبقَ سوى معرفة مَن وراءه، وهو مسألة وقتٍ لا أكثر.
“لقد مرّ زمنٌ طويل على دخولي هذا المكان.”
دفعت ريجينا رفّ الكتب المُخبّأ في أعمق نقطة من القبو، ودخلت غرفة الكنوز السّريّة.
هذا المكان لا تزوره حتّى سيّدة عائلة فالوار نفسها إلا مرة أو مرّتين في السّنة.
فهو محميّ بسحرٍ أمنيّ، ويحتفظ بدرجة حرارة ورطوبة مناسبةٍ دائمًا. ويتمّ إدارته بسرّيّةٍ تامّة.
“…… لا يبدو عليه شيءٌ غريب من الظّاهر.”
وقفت أخيرًا أمام السّيف المُصاب، ومالت برأسها بشكٍّ واضح.
سحبت السّيف من غمده المُرصَّع بالجواهر، فصدر صوتٌ رنّان وظهر نصلٌ لامعٌ قد شُحِذ بعناية.
“واو… مجرّد لمسةٍ تكفي لتمزيق أيّ شيء.”
لا تزال بقايا ماضيه الحافل في ساحة المعركة تُشعّ منه. رغم أنّه مجرّد قطعة زينة الآن، إلّا أنّه لم يفقد بريقه.
“نعم، لا يُمكن معرفة شيءٍ من المظهر. فاللّعنات غالبًا ما تُخفي وجودها وتتسرّب بشكلٍ طبيعي.”
منذ أن عرفت أنّ ابنها ورث لعنة جدّه، بدأت ريجينا في دراسة كلّ ما يتعلّق باللّعنات. وقد أصبحت تُحيط بكلّ ما يخصّها.
“تُرَى، هل يحتوي هذا السّيف على اللّعنة فعلًا؟”
أمسكت بالسّيف وكأنّ شيئًا لم يكن. لكنّ وجهها كان يفيض بتوتّرٍ وتَرقُّب لا يمكن إخفاؤه.
بعد بضع ساعات، عاد الخدم إلى القصر وهم يحملون حقيبةً ممتلئة بقوارير زجاجيّة من الماء المقدّس.
“سيّدتي، جلبنا الماء المقدّس كما أمرتِ تمامًا.”
“أحسنتم. ضعوا الحقيبة فوق الدّائرة السحريّة. سنتوجّه فورًا إلى المنزل الرّيفي لنُحاول إزالة اللّعنة.”
سأل كبير الخدم باستغراب:
“ألن تُقيموا طقس التّطهير هنا؟”
“لا، علينا أن نتأكّد إنْ كان هذا سيُجدي نفعًا. فإنْ اختفى النّقش المحفور على ظهر إيسْتين، فذلك يعني أنّ اللّعنة قد زالت.”
اهتزّ صوتها قليلًا، نتيجة الضّغط النّفسيّ الكبير الذي يُرافق الأمور المصيريّة.
لم تكن تهتزّ أمام أغلب المواقف، لكن هذه المرّة كانت تتمنّى من أعماق قلبها أن ينجح الأمر.
“…… آمل حقًّا أن تسير الأمور على ما يُرام.”
أخذت ريجينا حقيبة الماء المقدّس والسّيف، وانتقلت عبر الدّائرة السّحرية إلى المنزل الرّيفي. كلّ هذا لم يستغرق سوى نصف نهار.
فور عودتها، فوجئ كبير الخدم ومديرة الخادمات وصاحا:
“لقد عُدتِ أسرع مما توقّعنا، سيّدتي!”
“نعم، استعجلتُ في التّحضيرات. فالوضع لا يسمح بالتّراخي.”
أجابت وهي تُلقي نظرةً حول المكان. لم يتغيّر شيءٌ منذ مغادرتها.
“ألا يزال إيسْتين طريح الفراش؟”
“نعم. للأسف ما يزال كذلك. قال الطبيب إنّ حرارته قد انخفضت قليلًا عن ذي قبل.”
أنبأها ذلك ببصيص أمل. فارتخت ملامحها قليلًا.
“جيّد. وماذا عن تلك الفتاة… مييلا، ماذا تفعل الآن؟”
“الآنسة مييلا بقيت إلى جوار سرير السيّد الشّاب طوال الوقت، ثمّ نامت بتلك الوضعية. ولأنّها بدت غير مرتاحة، نقلناها إلى السّرير في الغرفة المجاورة.”
“أحسنتُم. إذًا فلنؤجّل طقس التّطهير إلى… لا، لنبدأه حالًا.”
تردّدت لوهلة: هل تنتظر إلى أن تستيقظ مييلا؟ لكنها سرعان ما غيّرت رأيها. لم يكن لديها وقتٌ لتُضيّعه.
“مفهوم، سيّدتي.”
“أحضِر حوضًا كبيرًا. يجب أن يكون من الحجم الذي يغمر فيه السّيف بالكامل.”
“سأحضره حالًا.”
امتثل كبير الخدم، وانطلق بخفّة.
وضعوا الحوض أمام سرير إيسْتين، ثمّ أفرغوا فيه قوارير الماء المقدّس كلّها. فانتشر عطر الماء المقدّس البارد في أرجاء الغرفة.
عندها بالضّبط… فُتِح الباب وصدر صوتُ خطواتٍ خفيفة. وظهرت مييلا.
“…… هَآآم… لقد عُدتِ، آنسة ريجينا؟”
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 25"