في الحقيقة، لو لم تكُن مييلا تُصغي في الخفاء وهي تتظاهر بعدم الاهتمام، لكان قد قال كلَّ ما في نفسه.
فالسحر القادر على إعادة مَن كان يحتضر إلى حالته السليمة في لحظة، موجود فعلًا، بلْ إنّ هناك لعنات لا يستطيع هذا السحر حتى كسرها.
فلماذا لا يكون هناك تنبئ؟
“هاه…”
لم تستطعْ دوقة القصر أن تُوجِّه له مزيدًا من الإنكار.
فهذه أوّل مرّة ترى فيها ملامح إيستين مفعمةً بهذه الثقة.
لكنّها كانت ما تزال تودّ أنْ تعرف ما السّبب الذي يجعله يثق بتلك الفتاة إلى هذا الحدّ.
‘هل بسبب عينيها الصافيتين الجميلتين؟ أمْ بسبب قلبها النقيّ ومرحها الذي يفوق التوقُّعات؟’
بالطبع، كانت ريجينا تعترف بسحر مييلا الذي يجعلُ المرء ينجذب إليها كأنّه مسحور.
لكن رغم ذلك، فإنّ قناعاتها ما تزال راسخةً.
فإدخال فتاةٍ إلى القصر لأسباب تافهةٍ وغير مؤكَّدة كهذه، يُعدّ مخالفةً للمبادئ.
“عذرًا، لكن يا إس… لا، يا تيتي لا أظنّ أنّ الفتاة التي عرضتَها يمكن أنْ تُفيد عائلتنا كثيرًا.”
“ما الذي تقصدينَهُ بكلامكِ هذا؟! لا أستطيع فَهمه على الإطلاق! أنتِ لم تُراجعي الأمر بجدّيّة حتّى!”
تغيّرتْ ملامح إيستين إلى الحزن. لقد تهيّأ لمثل هذا الردّ جزئيًّا، لكنّه لَمْ يتوقّع أنْ يُرفَض بهذه القسوة.
رغم احتجاج ابنها، لم تُغيِّر دوقة القصر قرارها.
“كلامي كما سمعتَه. لم أشعر أنّه يستحقّ التفكير أو التمعُّن فيه. أنْ تحاول إقناعي بأحاديثٍ واهيةٍ وفارغة… هذا لا يُشبهك.”
“كلا، هذا ليس صحيحًا، يا أمّاه! تلك الفتاة، مييلا، هي بكلّ تأكيد…”
كان إيستين منفعِلًا لدرجة أنّه لم يُدرِكَ أنّه نطقَ اسم مييلا أمامها مباشرة دون تكلُّف.
أما مييلا، والتي كانت تُراقب الوضع بخوف، فقد تمتمتْ لنفسها بعدما سمعتْ ما قاله:
“همم؟ هل قال… السيّدة ريجينا هي والدته؟ هل سمعتُهُ بشكلٍ خاطئ؟”
لكنّ إيستين كان غارقًا في انفعالاته لدرجة أنّه لم يسمع حتى تمتماتها.
لقد وصل إلى تلك المرحلةِ التي يَبرد فيها العقلُ من شدّة الخذلان.
وصوتُه الآن كان يحمل سخريةً مريرة.
“آه، لقد كنتِ لا تنوين الوفاء بالوعدِ منذ البداية، أليس كذلك؟”
“ما هذا الكلام؟ لقد كان شرطنا أنْ تأتي بحُجّةٍ مقنعة، لا أكثر.”
انعوجتْ شفتا ريجينا بانزعاج.
‘مِنْ علمهُ هذا الأسلوب الساخر؟’
كانت تُفكّر بذلك، فهذا الابن لَمْ يرث من والده سوى الجفاء.
“وماذا عن كلامكِ بأنّكِ ستُكافئين مَن أنقذ حياتي؟ هل كان مجرّد كلام فارغ؟”
“بالطبع لا. كنتُ أفكّر بمكافأةٍ أخرى بالفعل.”
“وما هي؟”
سألها إيستين مُحاولًا التحكُّم بانفعالاته. حينها نظرتْ ريجينا بعيدًا… إلى حيث تقع القرية.
“ألم تقُل إنّ منزل تلك الفتاة قديمٌ ومتهالك؟ سمعتُ أنّ سقفه على وشك السقوط…”
“نَعَم، لكنّه ما يزال قابلًا للسُّكن. لم يصل إلى درجة الانهيار، إنّما توجد بعض الثقوب فقط!”
قاطعتهما مييلا فجأة وهي تصرخ، فنظرتْ إليها ريجينا وهي تبتسم.
“كنتُ أنوي إغلاق هذا الكوخ لاحقًا إنْ لم يُستخدَم بعد الآن.
وفي تلك الحالة، يمكنني أنْ أسمح لكِ بالعيش فيه. ما رأيك؟ أليس أفضل مِنْ بيتٍ مليءٍ بالثقوب؟”
“هنا؟ أنْ أعيشَ في هذا المكان؟ يا إلهي!”
صرختْ مييلا وهي على وشك السقوط مِنْ شدّة الصدمة، فمدّ إيستين يده وأمسكها، وهزّ رأسه نافيًا.
“لا أظنّ أنّ هذا اقتراحٌ واقعي.”
“ماذا؟ ولمَ تقول ذلك؟”
“حتى لو منحتِ مييلا ملكيّة هذا الكوخ وليس مجرد الإقامة فيه، فهل ستتمكّن من العيش فيه دون أنْ يُسيطر عليها الآخرون؟”
تذكّر إيستين ما مرّ خلال الأسبوعين الماضيين. لقد رأى مييلا تُستغَل من أهل القرية وتُجبَر على العمل الشاق.
“سيُجبرونها بالقوة، أو يُغروها بالخداع، ويسرقون منها البيت عاجلًا أمْ آجلًا.”
فهي طيبة القلب، ساذجة، وتحبّ الناس، وستنخدع بهم بسهولة. ومهما استُغلَّت، فإنّها ستُستغلّ مرّةً أُخرى، لا محالة!
تلعثمتْ الدوقة بعدما رأَتْ ضعفَ خطّتها، وأضافتْ بسرعة:
“يمكننا أنْ نترك بعض الحراس هنا لحمايتها، أليس كذلك؟”
“ذلك سيكون حلًّا مؤقّتًا فقط. في النهاية، مييلا يجب أنْ تجد عملًا في القرية لكي تعيش، وماذا يُفيدها أنْ تسكن بيتًا جميلًا وهي منبوذة من الجميع؟ أليس كذلك؟”
“… الآن وقد سمعتُ هذا، أرى أنّ كلامك فيه مِنَ المنطق. ربّما كنتُ أنا المُخطئة.”
لم يكن بوسعها الإصرار أكثر، خاصّةً بعد أنْ تحدّث بهذا العمق.
وبينما كانت تتراجع عن موقفها، لم تُخفِ ريجينا دهشتها.
منذ متى أصبح إيستين يفكّر بهذا الشكل تجاه الآخرين؟
‘لو كان يُبدي هذه الرحمة تجاه غير مييلا أيضًا، لما لُقِّبَ يومًا بأمير الحديد والدم…’
تنفّستْ دوقة القصر تنهيدةً صغيرة، ثمّ اتّخذت قرارها.
“حسنًا، فلنفعَلْ كما تُريد. لتأخذ مييلا إلى قصر الدوق. أمّا المكافأة، فسأدفعها مالًا.”
“هاه، أخيرًا بدأتي تُقدّرين وجهة نظري.”
تنفّس إيستين الصعداء… لكنْ لم تكتمل فرحته.
“لكنْ، بشرط: سيتمّ توظيفها كخادمة في عائلتنا. لا يمكن أنْ نأوي أحدًا بالمجّان، أليس كذلك؟ أظنّ هذا مناسبًا لك، أليس كذلك؟”
“… ماذا؟”
عاد وجه إيستين إلى العبوس. ظنّ أنّه تخلّص من مشكلةٍ، فإذا به يقع في أُخرى.
“ما الذي تقولينه؟ مييلا لم تُكمل العاشرة بعد! ألا تمنعون توظيف مَن هم دون الخامسة عشرة؟ لماذا الآن…”
“لو كان العمر مشكلة، يمكننا تعيينها كخادمة تحت التدريب، أليس كذلك؟”
“هاه؟! أنا موافِقة! كنتُ أرغب أنْ أصبح خادمة في الأساس! لو قَبِلتُم بي، سأعمل طوالَ اليوم دون توقّف!”
قالتها مييلا بحماسةٍ، بعينين تلمعان، بينما الدوقة تتحدّث وكأنّ الأمر بسيط.
لقد أصبح الأمر أشبه بسيمفونية جنونية.
بدأ إيستين يشعر بألمٍ في رأسه.
لقد كان هذا تمامًا ما شعر به عندما بدأ تأثير اللعنة قبل فترة.
ليتَ الأمر مجرّد وهم.
“مييلا، توقّفي قليلًا. لستُ على ما يُرام.”
“لكنّ صاحبة الشأن راضية، فلمَ تعترض أنت؟ هل أُدخِلها إلى التدريب بين الفرسان إذًا؟”
أنّبته ريجينا، لكنّ مييلا ركّزتْ على جزءٍ غريب من كلامها.
“لكن يا سيّدة ريجينا، لا مانع لديّ إنْ أصبحتُ فارسة! فقط اسمحي لي، وسأتدرّب حتّى يصبحَ ذراعي بحجم عمودٍ خشبي! أررغ!”
لوّحتْ بسيفٍ وهميّ في الهواء بحماس، ما جعل الدوقة تتصبّب عرقًا بحرج.
هذه الفتاة كانت عكس إيستين تمامًا، تُسبّب وجع الرأس بطريقة مختلفة.
“يا صغيرتي؟ لقد كنتُ أمزح فقط، فلا داعي لأنْ تُجيبي بجدّيّة.”
في تلك اللحظة، لاحظتْ ريجينا تغيّر لون وجه إيستين إلى الشحوب. فجأةً، انقبض قلبها.
“انتظر، إيستين…!”
لقد كان ذلك إحساسها الغريزي كأُمّ.
لطالما مرّ بهذه الأعراض في قصر الدوق أيضًا.
عندما يسمع ضوضاء عالية أو يتعرّض لضغطٍ شديد، تتفاقم أعراض اللعنة.
“أُوغ…”
وكأنّ توقُّعها كان في محلّه، فقد انهار إيستين وسقط جالسًا على الأرض.
ولحسن الحظ، كانت مييلا بجانبه فأمسكته بسرعة فلم يُصب بأذى.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات