عندما اقتربت أكثر، اتّضح أن ما رأته لم يكن شيئًا، بل شخصًا.
كان فتى ذا شعرٍ أسود، يبدو أصغر من مييلا بثلاث أو أربع سنوات، مُلقى على جانب الطريق فاقدًا للوعي.
سقطت سلّة الطعام من يدي مييلا من شدّة الصدمة.
“هيي، هل أنتَ بخيرٍ؟ أفق قليلًا!”
أسرعت إليه وحاولتْ أن توقظهِ بهزّ كتفهِ بلطفٍ،
لكنّه لم يفتحَ عينيهِ، كما لو أنّه أصيَب بشدّةٍ حين سقطَ.
‘ماذا أفعل؟ أنا لا أعرفهُ أبدًا…’
ملابسه لم تكن كملابس مييلا الباليةُ الممزقةِ.
كان يرتدي قميصًا ناصع البياض، ناعمًا، وسروالًا نظيفًا،
وحمالات مصنوعة من جلدٍ متيَن.
لم يكن مظهرًا معتادًا في هذهِ القرية.
فكّرت مييلا مليًّا ثم خطر لها احتمال:
‘هل هو من أولئكَ الذين يعيشون في القصِر الفاخرِ خلفَ التل؟’
منذ عام تقريبًا، بدأ غرباء يترددون على أرضٍ خاليةٍ خلف التل،
وبنوا هناك منزلًا بموادّ غاليةٌ يُقال إنّها لا تُرى إلّا في العاصمة.
”ربّما هو أحد النبلاء؟ أو أحد أفراد العائلة المالكة من بلادٍ بعيدة؟”
”بالتأكيد يعيش هناك شخص مهمّ… كيف يبدو داخل القصرِ يا ترى؟”
كان هذا القصر الجديد محور أحاديث أهل القرية مؤخرًا،
لكن لم يكن أحد يعرف من يقطنهُ،
إذ تحيطُ به حراسةٌ مشدّدةٌ تمنعُ الناس من الاقترابِ.
‘سمعتُ الكبار يتحدثون، لكن لا أعرف من يَسكن هناكَ بالضبطِ.’
بالنسبة لمييلا، الفضول كان ترفًا لا تملكهِ.
فهي منشغلة يوميًّا بتدبير قوتها فقَط.
مع ذلك، حدسها أخبرها أن الفتى أمامَها من ذلكَ القصر.
‘هل أذهب لأُحضر أحدًا من هناك؟ لكن ماذا لو جاء ذئب أو شخص شرير وهاجمه وأنا غائبةٌ؟ لا أستطيعُ تركه طويلًا هكذا…’
وقفت في حيرة لبعض الوقت، ثم قررت بسرعة:
“حسنًا، بيتي قريبٌ من هنَا، سأحمله إلى الداخل، ثم أذهب بعدها لأُحضر أحدًا من القصِر.”
حتى لو أخذتهُ لكوخها الذي كانَ آيلًا للسقوطِ، فهو أفضل من تركهِ على الأرضِ.
“هيّااا…”
بجهدٍ واضح، سحبت مييلا الفتى إلى داخل البيت.
رغم أنّه بدا أصغر منها، إلّا أنّ وزنه كان أثقل مما توقّعتَ.
“هاه… لقد انتهىَ الأمرُ!”
بعد أن تمدّد الفتى على السرير، مسحت مييلا العرقَ عن جبينِها.
‘لا يبدو أنّه سيستيقظ قريبًا، إذًا يمكنني الذهاب الآن لإحضار أحدٍ من القصر.’
وضعت يدها على مقبض الباب لتخرج،
لكن عندها…
“آهغ…”
سمعت تأوّهًا خافتًا من خلفها.
الفتى الذي ظنّت أنّه فاقدٌ للوعي بدأ يستعيدُ وعيهُ فجأةً.
كان يئنّ من شدّة الألم، واضعًا يدهُ على رأسه.
“اللعنة… أين أنا…؟ ما هذا؟ هل اختُطفت؟!”
“هاه؟! لا، لا! لم تُختطف!”
صرخت مييلا بفزعٍ.
لقد ساعدته، وها هو يظنّها خاطفة؟! كم هذا ظلمٌ!
التفت الفتى إليها، كأنّه لاحظ وجودها الآن فقط.
“من أنتِ؟”
نظر إليها بعينيه الخضراوين اللامعتين، بتفحّصٍ من الأعلى إلى الأسفل.
“أنا؟ أعيش هنا. وجدتُك ساقطًا أمام بيتي، فأحضرتك إلى الداخل.”
“سقطت؟ آه، صحيح… لا بدّ أنّ تأثير اللعنةِ اشتدّ فجأة…”
تمتم وهو يسترجع ما حصل،
كان كلامه بليغًا للغاية على عمره الصغير.
‘غريب… هل كلّ أبناء النبلاء يتكلّمون هكذا؟’
سألت مييلا، وقد بدا عليها الحرجُ، مما بدى عن فهمها السطحيَ.
“أمم، ما معنى ‘تأثير النعمة’؟”
“هاه؟! لا، لا أقصد ‘تأثير النعمة’، بل… لا شيء، تجاهلي كلامي.”
أدركَ متأخرًا أنّه تكلّم بما لا يجبُ قولهُ، وتوترَ.
“على كل حال، آسفٌ. سأغادرُ الآن.”
ونهضَ من السريرُ بصعوبةٍ.
نظرت مييلا إليهِ بقلقٍ.
“ستعود إلى بيتكَ الآن؟ لكنك كنت فاقدًا للوعي منذ لحظةٍ فقط…”
رغم أنّه كان يَحاولُ الوقوف، كان يترنّح.
فقالت بتردّد:
“هل أساعدكَ؟ إن حاولت المشي بهذه الحال، قدَ تسقطُ مجددًا.”
“لا حاجةَ لذلكَ.”
رفض بشدّة، وتجاوزها متّجهًا نحو الباب.
وبالفعل… ما إن وضع يده على المقبض حتى تهاوى فجأةً.
“انتبهَ!”
لحسن الحظ، كانت مييلا تراقبهُ باستمرار،ٍ
فسارعت إلى الإمساك به قبل أن يرتطم بالأرض.
“…”
نظر إليها مصدومًا، وعيناه الخضراوان اتّسعتا.
‘واو، عيناه كبيرتان وجميلتان… يَشبهان أعينَ الجنيّات في القصصِ!’
ابتسمت مييلا داخليًّا، لكن الفتى قال بعد لحظة:
“كاد رأسي أن يرتطم بالأرضِ… شكرًا.”
كان ممتنًّا، لكن بدا عليه الخجلُ من ضعفهِ.
ردّت مييلا دون تفاخرٍ:
“الشكر ليسَ مهمًا الآنَ. لكن لماذا لا تبقى قليلًا لتستعيد قوّتك؟ تبدو متعبًا جدًّا.”
تردّد قليلًا… ثمَ
“حسنًا، فقط إلى أن أستعيد قوتي.”
“نعم، كما تشاءُ.”
عاد ليستلقي مجددًا.
لكن السرير أصدر صوتًا مزعجًا مع كلّ حركة!
‘ما هذا السرير العتيق؟ يبدو أنّه سيُنهار!’
حتى لو حرّك إصبعه، كان السرير يصرخ صريرًا.
‘ربّما لو تحرّكت كثيرًا، سينكسر. وهذه الفتاة… هذا هو كلّ ما تملك.’
تنفّس بهدوء، محاولًا ألّا يتحرّكَ كثيرًا.
ثم سألته مييلا، بنبرةٍ خجولةٍ:
“هل… هل تسكنُ في القصر الجديد خلفَ التلِ؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"