“ماذا؟”
في تلك اللحظة، شكّ إيسْتين في أُذُنيه.
لكن مييلا لم تكن تَمزحُ على الإطلاقِ.
فهي لم تكن من النوع الذي يكذبَ أصلًا.
“هل تفاجأتَ؟
حسنًا، كونك أحد خدم دوقية قالوار قد يجعلكَ تتفاجأ فعلًا.
لكنّي لا أمزحُ.
لقد فكّرتُ في ذلك منذ وقتٍ طويل.”
“منذ متى بدأ لديكِ هذا الهدف؟
لا تقولي إنّكِ قرّرتِ أن تصبحي خادمةً بسببي؟”
فشل إيسْتين في السيطرةِ على ملامحهِ.
حتى حين حاول الابتسام، ارتجفت زاويتا فمهِ.
“لا، قرّرتُ ذلك قبل لقائنا بوقتٍ طويل.
في الحقيقة، حتى قبل أن تُبنى الفيلا.”
حكّت مييلا خدّها بخجل.
كان ذلك التصرف مألوفًا تمامًا، مما أشعر إيسْتين ببعض الراحةِ.
بالتأكيد، لم تكن نيّتُها سيئة.
كلّ ما في الأمر أنّ الأمر غامض تمامًا.
“ولِمَ بالضبط… تريدين أن تصبحي خادمة في عائلتنا؟
أعني، في دوقية قالوار؟
أريد أن أفهمَ السببَ.”
عندما أصبح صوته جادًّا أكثر، بدا أنّ مييلا تردّدت قليلًا.
“في الحقيقة، قد يكون هذا الهدف أكبرَ منّي، أنا الفتاةُ التافهةُ.”
“لا تقولي ذلك.
لا تُقلّلي من قَدركِ يا مييلا.
أنتِ بالفعلِ رائعةٌ.”
“آه، شكرًا لك…
ربّما اعتدتُ على قول ذلك لكثرةِ ما سمعته.”
احمرّ خدّ مييَلا فجأةً، وراحت تتحدثُ بحذر:ٍ
“في الحقيقةِ، أمي أوصَتْني بذلك قبل وفاتها.
قالت إنّ الحياة ستكون صعبةً إن تُركتُ وحيدة.”
عندها لم يملك إيستين سوى أن يُصدّق.
فبالنسبة لفتاة من العامة، لم تكن هناكَ الكثير من الوظائف التي توفّر الحدّ الأدنى من الاستقرار والراتبِ المنتظم.
وكونك خادمة لدى أحد النبلاء يعني الحصول على المسَكن والطعامِ على الأقل.
لذا، لا شكّ أنّ والدتها فكّرت بأنّ هذا أفضل من العيش في بيتٍ متهالكِ.
‘لكن لا زال هناك شيء غريب…’
لماذا خصّت والدتها دوقية فالوار بالذات؟
هل كانت هناك ضرورةٌ لذلكَ؟
تساؤلات كثيرة بدأت تدور في عقل إيسْتين، حتى توصّل إلى نتيجةٍ واحدة:
‘هل يُعقَل أنّ والدة مييلا كانت تتوقّع مَجيئي إلى هُنا؟’
ليس بمعنى أنّها كانت تعرف مسبقًا بمشروِع بناءِ الفيلا.
فامرأة بسيطة في قرية نائية لا يمكن أن تملكَ هذه المعلومةِ.
لكن، هناك احتمالٌ آخر: التنبّؤ بالمستقبل.
‘ربّما يبدو كلامًا خياليًّا، لكن… لديّ بعض اليقين.’
كان هناك وقتٌ قضاه إيسْتين منعزلًا في مكتبة الفيلا، يبحث بيأسٍ عن أي طريقةٍ لكسر اللعنةِ التي تُصيبه.
لكنه لم يجد شيئًا، حتى في كتب أشهر السّحرة والعُرّافين.
‘انتظر… أتذكّر كتابًا قرأتُه ذات مرة…’
كان عنوانه: “هل يوجد بالفعل أُناسٌ يُدْعَون بالمُعجزينَ؟”
وتذكّر تحديدًا هذه الفقرة:
『في حالاتٍ نادرة جدًا، وُجِدَ أُناسٌ يمتلكون القدرة على استبصار المستقبل.
يطلقون على أنفسهم أسماء مثل: “ساحر الزمان”، “حالم الأبعاد”، “المبصِر” ، “المُلهمُ المبشرَ”.
وهم لا يَرَون فقط هذا العالم، بل عوالم غريبةٌ أخرى أيضًا.』
حينها ظنّه خيالًا محضًا، لكن الآن بدأ يظن أنّ أولئك “المعجزين” قد يكونون حقيقيين فعلًا.
فهل كانت والدة مييلا واحدةً منهم؟
وليس ذلك مجرّد تخمينٍ عشوائي.
‘لقد تحدّثت ذات مرة عن مثلٍ لم أسمع به من قبل… قالت: “حتى القرد يسقط من الشجرة.”
وزعمت أنّ أمّها هي من قالتَ ذلكَ.’
وبالمناسبة، عندما سأل إيسْتين مييلا عن “القرد”، قالت إنّه حيوانٌ يحبّ الموز، ويتسلّق الأشجار، ويشبهُ البشر.
لكن إيستين لم يسمع قطّ عن حيوانٍ بهذه المواصفات.
ولا عن فاكهةٍ تُدعى “الموز”.
‘مييلا لا تكذبُ، إذًا هذا الحيوان حقيقي، لكن فقط ضمن العالم الذي عرفتْهُ أمّها.’
بعد أن أنهى تحليله، سألها إيسْتين بصوتٍ جدّي:
“أعرف أنّ سؤالي غريب، لكن…
هل كانت والدتكِ مُبصرةً؟”
“مـ…ماذا؟”
ارتجفت نظرات مييلا قليلًا.
في الواقع، كانت تذكُر تحذير والدتها قبل وفاتها:
”مييلا… لا تخبري أحدًا بكلامي.
كلّ ما أخبرتُكِ به صحيح، لكنّ الناس لن يصدّقوه.
وقد يعتبرونكِ مجنونةً.”
”حسنًا، أعدكِ يا أمّي.”
لكن والدتها أعادت التأكيد بحزم:
”وإنْ حصل يومًا وشكّ بكِ أحد، فقولي إنّكِ حلمتِ بذلك أو رأيتِه في رؤيا مستقبلية.
سيكون ردّ الناس مختلفًا وقتها: بعضهم سيظنّكِ تكذبين، وآخرون سيظنونكِ موهبةً.
وفي الحالتين، فذلك أفضل من أن تُوصَفي بالمجنونةُ.”
”نعم، سأفعلُ ذلك تمامًا.”
ثم أضافت بنبرةٍ حزينةٍ:
”ولا تُطلقي أسراركِ لأيّ شخص، مهما بلغَت ثقتكِ به.”
”حتى لو كنتُ أُحبّهُ؟”
”نعم…
فأصعبُ ما يمكنَ أن يحدثَ، أن يخونكِ من تثقين به.”
كانت كلمات والدتها تُدوّي في رأس مييلا، تشوّش أفكارها.
كان تيتي، الولد الصغير أمامها، من أصدق من عرفَت.
فهل حقًا لا يُمكنها قول الحقيقَةُ له؟
‘لكنّي وعدتُ أمّي… يجب أن أُطيعها.’
قرّرت أن تبقى فتاةً مطيعةً، وأن تُخفي حقيقة أنّها تعيش في رواية.
ربما كان تيتي لن يخونها أبدًا، لكن، إن فعل ووصفها بالمجنونة…
فهذا سيكون مؤلمًا أكثر من أي شيء.
“……نعم، أمي كانت كذلكَ…”
كانت تلك أوّل كذبة تَقولها.
شعرتْ بوخزٍ في صدرها.
‘هل يشعر كلّ الكذّابين بهَذا الألِم؟’
“كنتُ واثقًا! هذا ما كنتُ أفكّر به تمامًا!”
أومأ إيستين برأسهِ، وقد شعرَ فجأة أنّ لقائه بمييلا كان مصيرًا مقدّرًا.
“ربّما كانت تعلم أنّنا سنلتقي ذاتَ يومٍ.
إنّه لأمرٌ عجيب حقًّا.”
“هـ… هاها، أعتقدُ ذلك.”
ضحكت مييلا بلا هدف، لا تدري ما تقولُ.
صحيحٌ أنّ والدتها تحدّثت فعلًا عن عَائلة فالوار، لكنّها لم تذكر شيئًا عن الخدم أو تيتي.
لكنّها لم تستطع إحباط إيسْتين.
فهو كان يحدّق فيها بتلك النظرات المتلألئة.
‘نعم، هذا هو الحلّ.
سأتظاهر بأنّي ابنةُ المُبصرةِ!’
وفي المقابل، كان إيسْتين في غايةُ السعادةِ.
ففي ذلك الكتاب الذي قرأه، كُتب ما يلي:
『في الغالب، تنتقل موهبة التنبّؤ وراثيًّا.
لكن لأنّهم يُضطهَدون، يصعُب استمرارُ نَسلهم.』
ما يعني أنّ مييلا قد تكون ورثت تلكَ الموهبة أيضًا!
ربما لم تظهر عليها بعد، لكن يمكن أن تظهرَ فجأةً، كما يحصل أحيانًا مع السحرة.
‘رغم ذلك، هناك مشكلة كبيرة.
أمي لن تُصدّق هذا الكلام أبدًا.’
كانت والدة إيسْتين دوقة فالوار واقعيّةً لأبعد حد.
لا تُعير القصص الخيالية أيّ اهتمام، ولا تحبّ الأشخاص الحالمين.
‘لا بأس.
رغم ذلك، بدت وكأنّها تُعجَب بمييلا قليلًا، أليس كذلك؟
ما زال هناكَ أمل.’
قرّر إيسْتين أن يُحاول إقناع والدته بكلّ ما أوتي من قوّة.
‘مهلًا… الآن تذكّرت.
لا تزال هناكَ مشكلةٌ أخرى!’
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات