الفصل 11
“آه، مييلا. هذه السيدةُ هي…”
فرغَ عقل إيستين تمامًا.
لقد وقعت أسوأُ الاحتمالات التي كان يَخشاها أكثرَ من غِيرها.
وبينما تردّد، سبقتْه ريجينا بالكلام.
رسمتْ شفتيها الحمراوين خطًّا ساحرًا.
“أنا ريجينا فالوار. سيّدة منزل الدوقِ. يبدو أن الناسَ يُنادونني بدوقة فالوار.”
“ماذا؟ ا-الدّوقة؟ هل… هل من عائلة فالوارَ؟!”
تفاجأت مييلا بشكلٍ مبالغٍ، حتى أنّ وجهها شحب على الفور.
رفعت ريجينا حاجبًا وهي تحدّق فيها، متعجّبةً من مدى ارتباكها رغم أنّها لم تقل شيئًا بعدَ.
‘هل هذه الفتاة ضعيفةُ القلب إلى هذا الحد؟’
“هل أنتِ مريضة؟ لون وجهكِ لا يبدو جيّدًا.”
“لـ-لا. الأمر ليس كذلك. فقط، إنها المرّة الأولى التي ألتقَي فِيها بشخصٍ نبيلٍ بهذا القدَر مثلكِ.”
“عزيزتي، ‘الدّوقة’ بحدّ ذاتها لقبٌ رفيع.”
ضيّقت ريجينا عينيها.
‘يا للدهشة. لقد قابلتُ أنواعًا شتّى من النّاس، من العبيد حتى أفراد العائلة المالكة،
لكن فتاة بهذه البراءةِ والجهلِ؟ هذه أوّل مرّةٍ.’
“آه، فهمتُ الآن. إذًا… ماذا يجب أن أناديكِ؟”
“ناديني فقطَ ‘الدّوقة’. أو إن أردتِ، ‘السيدة ريجينا’.”
لكنْ في اللحظةِ التي قالت فَيها ذلكَ، انتبهتَ ريجينا فجأةً.
‘انتظري لحظةً. لماذا أسمحُ لهذه الفتاةِ أن تختارَ كيف تناديني؟ نحن لسنا على علاقةٍ قريبة. سنلتقي مرةً ونفترقَ. يا إلهي!’
أحسّت بفرطِ الغرابة، بل باللا معقوليةٍ.
فهي عادةً تُحافظ على ابتسامةٍ مصطنعة تُخفي بها مشاعرها، ولا تُظهر شيئًا لأي أحد.
لكن بضع كلمات فقط من هذه الفتاة كانت كفيلةً بإرباكها.
‘ربّما… إيسْتين تورّط مع هذه الفتاة بالطريقة نفسها؟’
بدأت ريجينا تتفحّص نوايا الطفلة، ثمّ سألتها:
“هل سمعتِ من قبل عن عائلة فالوار؟”
“نعم. بالطّبع أعرفها.”
ولم تكن تلك إجابة شخصٍ سمع عنها، بل شخص يعرفها جيّدًا.
إجابتُها الواثقة خيّبت توقّعات ريجينا بالكامل.
‘لا أستطيع فهم هذه الفتاة إطلاقًا.’
ثَمّة أناسٌ كهؤلاء أحيانًا.
يدّعون البراءة والثقة ليقتربوا، أملاً في نيل منفعةٍ.
من الخدم إلى النبلاء من الطبقة الدّنيا، كثيرًا ما قابلتْ مثلهم.
في البداية، ظنّت ريجينا أن هذه الطفلة تنتمي إلى أولئكَ أيضًا.
‘لكن بعد إجابتِها… أشعرُ بالحيرةِ.’
عادةً، مَن يتظاهر بالطيبة، يُخفي جهله ويتصرّف وكأنّه لا يعلم شيئًا.
لكن هذه الفتاة كانت صادقةً تمامًا.
لذلك قرّرت أن تختبرها أكثر.
“همم، أودّ أن أعرف مدى معرفتكِ بعائلتنا.”
“سمعتُ أنّها أغنى عائلة في الإمبراطورية، و… مخيفة جدًّا، آه، لا، لا أقصد هذا.
أعني… سمعتُ أنّها عائلة عظيمة!”
“أوه!”
‘يا لها من إجابة!
رغم مظهرها البريء، إلا أنّها ماديّةٌ وصريحةٌ. هذا يُعجبني.’
كانت هذه الإجابة أكثر راحةً من المجاملاتٌ الفارغةِ.
ولهذا، شعرت ريجينا ببعض الارتياح تجاهَ الفتاة.
‘إذًا… كانت تعرفُ عن عائلتنا مسبقًا؟’
في تلك الأثناء، كان إيسْتين يُراقب المحادثة بصمتٍ، وقد بدا عليه الارتباك.
‘هل كانت مييلا تقترب مني وهي تعرف كلّ شيء عني؟’
‘لكنْ… لا. تصرّفاتها بريئة جدًّا. لا يمكن أن تكون مجرّد تمثيل.’
وبينما كان شاردًا، نظرت ريجينا إليهِ وإلى مييلا بالتناوب، ثم سألت:
“هل صحيحٌ أنكِ أنقذتِ تيتي حين سقطَ؟”
“نعم، صحيح.”
حدّقت ريجينا فيها مطوّلًا.
“هل تريدين شيئًا مقابل ذلك؟ نقودًا مثلًا…؟”
“ماذا؟ لا، لا داعي لذلك. لقد تلقيتُ جزائي بالفعل.”
“ماذا؟”
“تيتي دعاني إلى هنا، وأطعَمني طعامًا لذيذًا!”
كان وجه مييلا يُعبّر عن عدم فِهمها للسؤال.
وبالطبع، ريجينا لم تستوعب ما قالتهُ الفتاة.
‘مجرد وجبة؟ هذا كل ما تعتبره جزاءً؟ هل أوعز إيستين بذلكَ؟’
‘يبدو أنني ربيتُ ابني تربيةً خاطئةً تمامًا…’
وضعت يدها على رأسها متنهدةً.
‘أن يُعامَل منقذ كهذا ببساطةٍ شديدةٍ؟ هذا لا يُصدّق!’
ثم تكلّمت بصوتٍ لطيف مصطنع:
“أفهم. عزيزتي، لديّ أمرٌ أودّ مناقشتهُ مع تيتي. هل بإمكانكِ تركنا قليلًا؟”
“نـ-نعم! سأدخل إلى قاعة الطعام.”
“حسنًا، شكرًا لكِ.”
وحين أُغلِق باب قاعة الطعام، سارت ريجينا نحو غرفة الجلوس برفقة إيسْتين.
وبمجرّد أن خلا المكان، كشفت الأمّ وابنها عن وجهيهما الحقيقيّين.
“هاه، إيسْتين…
قد أتجاوز عن أشياء كثيرة، لكنْ هناك ما لا أستطيع السكوت عنهُ أبدًا.”
التقويم الفوريّ للخطأ كان ضروريًّا.
ريجينا، رغم انزعاجها، كانت عازمةً على توبيخه.
لكن إيسْتين لم يكن ليُفوّت هذه الفرصة أيضًا.
“انتظري، أمّي. لديّ أمرٌ مهمّ جدًّا يجب أن أخبركِ به.”
“لا، سأبدأ أنا.”
“… نعم، تفضّلي.”
لم يعرف إيسْتين ما الذي ستقوله له، لكنه فكّر في الحديث الذي دار بين والدته ومييلا.
‘أمّي تشكّ فيها بلا شك.
لكنني أعلم الحقيقة… هذه الفتاة بريئةٌ إلى حدّ الغباء.
حتى أنّها لم تدركَ ما تعنيهُ أسئلة أمّي، وأجابت عليها بكلّ صدقٍ.’
وكان متأكّدًا أنّ أمّه قد أساءت فهَم الأمر.
‘مهما قالت أمّي، سأحمي مييلا.’
قرّر ذلك بحزمٍ.
لكن ما سمعه بعدها كان مختلفًا تمامًا عمّا توقّعه.
“هل من المعقول… أن تردّ الجميل بمجرد وجبة طعام؟”
“… ماذا؟”
ظنّ إيستين أنّه سمع خطأ.
لقد صُدم إلى درجة أنّه نسي تمامًا ما كان على وشكِ قوله.
“هذا مخيّب للآمال، إيستين. أنا، والدتك، لم أُربِّك بهذا البخل.”
“لـ-لحظة، أمّي. لا بدّ أنّ هناك خطأ…”
بدت عليهِ الحيرةُ، لكنّ والدتهُ كانت قد كوّنت فكرتها بالفعل.
نظرتها أصبحتَ أكثر حِدّة.
“لا وجود لخطأ. لحسن الحظ أنّك عرّفتَ نفسكَ أمامها كخادمٍ لا كابن الدوق.
وإلّا، لكان اسم عائلتنا قد شُوّه.”
تنفّس إيسْتين الصعداء.
كان يخشى أن تطلب والدته طرد مييلا فورًا، لكنّها، بدلًا من ذلك، لامته على تقصيره معها.
‘يا إلهي، الحمد لله…’
“بالطبع، لم أكن أنوي أن يكون هذا جزائي الوحيد لها. كنتُ على وشك إخباركِ بأمرٍ يخصّها.”
“هاه؟”
شعرت ريجينا بشيء غريب في حديثه. فقال إيسْتين بجدّية:
“اسمها مييلا.”
“أوه، اسمٌ جميل… أقصد، اممم، حسنًا. ومالذي كنتَ تريدَ قولهُ؟”
تذكّرت ريجينا وجه الطفلة الطفولي، وأقرّت في داخلها أنّ الاسم يليقُ بها كثيرًا.
ثمّ تنبّهت لنفسها وهزّت رأسها، لتستعيد الجديّة.
“نعم، اسُمها يليقَ بها… أقصد، ما كنتُ أريد قوله هو التالي:”
كان على وشك مدحها، لكنه تراجع.
يا لهما من أمّ وابنٍ… لا يشعران أنّهما يشبهان بعضهما، لكن الحقيقة واضحة.
“أريد أن أنقل مييلا إلى منزل العائلة الرئيسي. أرجو منكِ السماح بذلك.”
“هممم؟”
ضيّقت ريجينا عينيها.
تلك عادةٌ لها حين تسمع شيئًا غير متوقّع.
“ما سببَ هذا الطلبِ؟ أريدُ أن أعرفَ.”
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات