“ماذا؟ السّيّدة والدتي… لا، أقصد، الدّوقة وصلتَ؟”
توتّر إيستين بوضوحٍ بعد سماعه لكلام رئيسة الخدم.
“نعم. لقد نزلت للتوّ من العربةِ.”
ألقى إيسْتين نظرة جانبيّةً إلى مييلّا،
التي كانت لا تزال منهمكةً في تناول طعامها،
دون أن تُبدي أيّ اهتمامٍ بالضوضاء التي اندلعت في الخارج.
‘يا لها من بليدةٍ.’
عادةً ما تكون سريعةَ التصرّفَ مثل السنجاب،
لكنّها في اللحظات الحاسمة تتحوّل إلى كسولٍ حالم، مما أضحكهُ لا شعوريًّا.
لكنّه سرعان ما استعاد جديّتهُ.
‘ألم تقل في رسالتها الأخيرة أنّها ستأتي بعد أسبوعين؟’
ما الذي جعلها تُغيّر رأيها وتأتي فجأةً دون إنذارٍ؟
لم يستطع فهمَ السبب.
“هذا… مزعجٌ قليلًا.”
ضيّق عينيه وهو يهمّ بالخروجِ لملاقاتها.
لكن، ماذا لو رأت مييلّا وسألت عن هويّتها كطفلة فلاحيّةٍ؟
لم يكن قد أعدّ إجابةً لذلكَ بعد.
‘سأفكّرُ أثناء الطريق.’
اقترب من مييلّا بخطًى سريعة ليُلفت انتباهها،
رغم شعوره بالذنبِ لقطعِ طعامها.
“مييلّا.”
“همم؟ ماذا هناك؟”
تأخّر ردّها لحظةً، ثمّ رفعت عينيها البنيّتين نحوهُ بدهشةٍ.
‘آه…’
كاد قلبه يتوقّف من النظرة.
لا يدري إن كانت آثار اللعنة تتفاقمَ، أم أنّ مييلّا قد ألقت عليه تعويذةً جديدةٍ…
لكنّه متأكّد أنّه تغيّر كثيرًا منذ لقائهُ بهَا.
سلوكهُ… ومشاعرهُ.
“إحم… في الحقيقة، طرأ أمرٌ طارئ وعليّ أن أخرجَ قليلًا.”
“أمرٌ طارئ؟”
“أجل. ضيفٌ بالغ الأهميّة وَصل الآن، وعليّ أن أُرحّبَ بهِ.”
كره إيستين اللفّ والدوران.
كان يعتبر اختلاق الأعذار سلوكًا لا يليق بالنبلاء.
لكن أمام مييلّا، كان دومًا يُبرّر.
ربّما لأنّ “تيتي” الذي بداخل إيستين كان أضعفَ بكثيرٍ أمَامها.
ومع ذلكَ، لم يكره كونهُ يظهرُ ضعفَه أمامها.
“هل يجبَ أن أخرج معكَ وأُرحبَ بـ الضيف أيضًا؟”
صُدم إيستين، ولوّح بيده بسرعة.
“ماذا؟ لا!
لا داعي لذلك. أنا الخادم، من الطبيعيَ أن أستقبلَ الضيف.
أما أنتِ، فأنتِ الضيفةُ.”
“حـ-حسنًا.”
احمرّ خدّاها بخجلٍ.
كانت فرحةً بأنّها تُعامَل كضيفةٍ حقيقيّة داخل هذا المكانِ الفخم.
أما إيستين فتنفّسَ الصَعداء داخليًّا.
ثم أكّد عليها مجدّدًا:
“تابعي طعامكِ فقط.”
“حسنًا!”
أجابتهُ بابتسامةٍ مشرقةٍ، مما طمأنهُ أكثرَ.
لكنه تابع تعليماتهُ:
“قد أتأخّر قليلًا، لكن لا تخرجي للبحثِ عني.
هذا المكان واسع، وقد تتوهين.
اطلبي من الخدم المزيد من الحلوِى بدلًا من ذلكَ.”
“فهَمتُ! أنا بخيرٍ، فلا تقلقَ عليّ، تيتي!”
ما إن سمع صوتها البهيجَ، حتى غادر غرفة الطعام.
لكنّ هناك مَن كان ينتظرهُ عند الباب.
امرأةٌ ترتدي قبعةً فاخرةً تُزيّنها الريشات،
وقد رُفعت ضفائرها الذهبيّة على شكل كعكةٍ أنيقةٍ.
تُشبه عينيه الخضراوين تمامًا، وقد رمشَتا بفضولٍ:
“ها أنتَ ذا.
كنتُ أتساءل عن الحوارِ الشائقَ الذي يجعلكَ تتأخّر كلّ هذا الوقت.”
منذ متى كانت واقفةً هناكَ؟
ارتبك إيستين، لكنّه تظاهر بالثبات.
“…أمّي.”
نعم، إنّها والدته، ريجينا فالوار، دوقةُ هذا القصر.ِ
ابتسمت بلباقةٍ، والتفتت نحوهُ:
“كيف حالك يا تيتي؟
أنا أعيش أيّامًا هادئةً وسعيدة، فلا داعي لسؤالكَ عن أحوالي.”
“يسعدني سماع ذلك.
أما أنا، فكما ترين، بخيرٍ.
لكن… ألم أطلب منكِ ألّا تُناديني بهذا اللقب أمامَ الآخرين؟”
“همم؟”
رفعت حاجبها ساخرًة.
‘قبل لحظةٍ فقط، سمعتها يُنادى بـ تيتي مرارًا دون اعتراض،
والآن يتظاهر بالغضب؟’
رغبت في الضحكِ.
“أتذكّر ذلك الطلب تمامًا.
لكن ما لا أفهمهُ هو…
لماذا سُمِعتَ تُنادَى بذلك اللقب الآن من جديد؟”
“…ماذا؟”
حاول أن يُخفي الأمر،
لكنّها صرّحت بما كان يحاول إخفاءهُ.
“لا أعلم مع مَن كنت تتحدّث،
لكنّها كانت تناديكَ بـ تيتي بسلاسةٍ.
ظننتُ أنّك أصبحتَ معتادًا عليه.”
“ذا ، ذلك لأنّ…!”
اتّسعت عيناهُ.
كانت قد استمعتَ لكلّ ما دار بينهُ وبين مييلّا؟!
على الرّغم من عزل الصوت داخل القصر،
إلّا أنّ قدراتها الحادّة، الموروثة من عائلةٍ نبيلة مُتمكّنةٌ في فنون القتال،
تمكّنت من سماع كلّ شيء.
“هل في كلامي خطأٌ؟ ردّ عليّ إن استطعتَ.”
“…”
لطالما كانت بارعةً في كشف ما يُخفيه الآخرون،
ثمّ تحاصرهم بأسئلتها حتىَ لا يفرّوا.
عرَف إيستين أن الإنكار بات بلا جَدوى.
“في الواقع، ثمّة سببٌ لذلك، أمّي.”
“هممم؟”
“ذهبتُ إلى القرية مؤخرًا وحدي،
وهناك التقيتُ بفتاةٍ ساعدتني صدفة.”
“وذهبتَ وحدك؟ أين كان الحرّاس؟”
تغيّرتَ ملامح ريجينا بدهشةٍ.
“لا تلوميهم، أنا من قرّرتُ ذلك دون علمَهم.”
“حسنًا… ثم ماذا؟ أخبرني عنها.”
ضغطت عليهِ بلطفٍ،
فأجاب دون تعبير:
“إنّها مجرد فتاةٍ عاديّة من أهل القرية.
أردتُ أن أردّ جميلها، فدعوتها للقصر وأطعمتها.
ولم أُفصح عن اسمي، بل أخبرتها أن تناديني بلقب.”
“هاه… هذا تصرّفٌ لا يُشبهك.
وحدها رئيسة الخدم أخبرتني أنّك تتصَرّف كخادمٍ أمام تلك الطفلة.”
“…”
عرفَ الآن أنّها تعلم كلّ شيء.
أكملت بابتسامة هادئة:
“أخبرني، لمَ تتكبّد هذا العناء؟
ألستَ من قلتَ أنّها فتاةٌ عاديّة؟
فما المميّز فيها؟”
‘فعلاً… ما المميّز فيها؟’
تساءل إيستين مع نفسهُ أيضًا.
لم يكن يعرفُ الجوابَ.
لكنّه كان متأكّدًا من شيءٍ واحد:
‘لا أريد تركَ مييلّا وحدها.’
رآها اليوم تتعرّض لسخرية الأطفال الآخرين.
طعامها، ملابسها، ومكان نومها… كلّها كانت بائسةً.
لكنّ قلبها… صافٍ كالماء.
ساذجةٌ ؟ نعم بالتأكيدِ.
لكنّ هذه السذاجةُ تجذب إليه.
‘طالما أنا هنا، يمكنني حمايتَها.
لكن بعد ذلكَ؟’
ماذا لو تحسّنت حالتهُ الصحيّةُ ورحلَ؟
أو ساءت حالتهُ… ومات؟
كان يعلم أنّه لن يبقى في هذا المكان طويلًا.
“…في الحقيقة، أردتُ أن أطلب منكِ شيئًا بخصوصها.”
“طلبًا؟”
“نعم، وهو أنـ…”
وقبل أن يُكمل، فُتح باب غرفة الطعام بصوتٍ خافت،
وأطلّ رأسٌ صغير منها:
“تـ-تيتي؟”
لقد حذّرها من الخروج…
لكن، كما هو متوقّعٌ من السنجابة الصغيرةَ،
لا تُصغي لكلام أحدٍ.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"