“هاه… مييلا… حتى لو مُتُّ، يجب أن تتذكّري هذا جيّدًا… هذا العالم داخل رواية!”
لهاثُ ستيفاني كان متقطّعًا وهي تُمسك بيد ابنتها بقوّة.
فانهمرت الدموع من عيني مييلا الواسعتين كحبات المطر.
كانت تلك الدموع تبلّل أطراف ملابس ستيفاني البالية.
أومأت مييلا برأسها الحزين وأجابت بصوت مبحوح:
“أعلم، كيف أنسى أمرًا ردّدته أمي مئات المرّات؟”
لطالما حدّثت ستيفاني ابنتها عن قصّتها.
في البداية، لم تكن مييلا تفهم الكثير ممّا تقول.
قالت ستيفاني إنّها ليست من هذا العالم أصلًا،
وإنّ هذا المكان هو نفس العالم الذي قرأت عنه في حياتها السابقة داخل رواية.
“أمّكِ شخصٌ متجسدٌ يا مييلا.”
وصفت ستيفاني نفسها بـ “المُجسدةِ”.
لكن، ويا للأسف، لم تكن واحدة من أبطال القصة،
بل لم تكن حتى من الشخصيات الثانوية المهمّة، بل كانت مجرّد فرد من الحشود الكثيرة التي لا يُذكر اسمها.
وعلى الرغم من معرفتها بمحتوى الرواية،
فقد عجزت تمامًا عن الاستفادة من تلك المعرفة، لأنّها تقمّصت الجسد قبل زمن طويل من بداية الأحداث.
وكأنّ ذلك لم يكن كافيًا، فقد كانت في جسد امرأة مشرّدة، فقيرة، ومصابة بمرض مزمن.
كانت الحياة الجديدة التي أُعطيت لها شاقةً ومليئةً بالمعاناةِ.
لكن وسط ذلك الظلام، قابلت رجلًا.
لم يكن دوقًا وسيمًا كبطل الرواية،
لكنّه كان يحبّها بإخلاص، واعتنى بها من كلّ قلبه.
تزوّجته، وأنجبت منه ابنةً تُشبه نور الفجر: مييلا.
‘لطالما تمنّيتُ العودة إلى حياتي الأصلية… إلى أن التقيتُ بكِ وبوالدكِ، مييلا.’
لكنّ السعادة لم تدم طويلًا.
فما إن وُلِدت مييلا، حتى توفّي والدها في حادث عربة.
وبات على ستيفاني، رغم مرضها، أن تربّي مييلا بمفردها.
ومع ذلك، لم تشعر ستيفاني يومًا بالندم.
‘كيف يمكن ألّا يُحبّ أحدٌ طفلةً مثلكِ؟’
كانت تؤمن أنّها، في حياتها السابقة، لم تكن مميّزة،
وأنّه لا بأس إن لم تعِش في هذا العالم كالبطلة.
لكنّ مييلا… يجب أن تكون استثناءً.
حتى لو لم تكن ابنتها، كانت لتُحبّها بنفس القدر، فهي فتاة لطيفة، بريئة، وجميلة بشكل لا يُحتمل.
‘لو فقط تمكّنتُ من تغيير طبعها الساذج وثقتها المفرطة بالناس…’
حتى وسط انطفاء بصرها، واصلت ستيفاني تأمّل ملامح ابنتها.
شعرٌ بلون البندق الفاتح، وعينان واسعتان تُشبهان عيني السنجاب،
ورموش طويلة تنبض كأجنحةِ طائرٍ مغردٍ.
وخدود ورديّة بلون الخوخ، تجعلها كائنًا لا يُقاوَم.
مجرد التفكير بأنّها لن تراها مجددًا، كان يُمزّق قلبها.
‘ابنتي الجميلة، الرقيقة، الحبيبة… مييلا.’
ومع أنّها لم تكن بطلة القصة،
فقد تمنّت ستيفاني أن تحظى ابنتها بحياة تُشبه حياة الأبطال.
لهذا، بدأت تُعلّمها مبكّرًا محتوى الرواية.
كانت تأمل أن تستخدم تلك المعرفة يومًا ما لتعيش حياة أفضل.
وبفضل ذلك، صارت مييلا تحفظ أحداث الرواية غيبًا وكأنّها نشأت فيها.
“أنتِ تتذكّرين كلّ ما علّمتكِ إيّاه، صحيح يا ابنتي؟”
سألتها ستيفاني بشفاهها الجافة وبصوت واهن.
“أ… أتذكّر.
أذهب إلى العاصمة في الخامسة عشرة لأصير خادمة في بيت دوق فالوار…
وفي العشرين أشتري منجمًا مهجورًا في بلدة روتن…
ثمّ… أعيش في كوخ صغير قرب سواحل أرونين في الجنوب…”
رغم تلعثمها، لم تنسَ تفصيلةً واحدة.
“أحسنتِ… أحسنتِ يا ابنتي… تمامًا هكذا.”
ابتسمت ستيفاني ابتسامةً ضعيفة، كانت على وشك أن تختفي مع آخر أنفاسها.
‘عائلة دوق فالوار التي ينتمي لها بطل الرواية كانت في أزمة في ذلك الوقت،
ولن يجدوا من يوافق على العمل لديهم، لهذا سيقبلون بها رغم قلّة خبرتها.
وهناك، ستحصلُ على راتبٍ جيدٍ.’
‘بعد خمس سنوات، ستستحقّ تعويض نهاية الخدمة.
وبالمال الذي ستجنيه من بيع المنجم المهجور حيث سيُكتشف فيه لاحقًا مجرى صغير من الذهب.
ستشتري بيتًا صغيرًا وتعيش حياة هادئة.’
‘ووفقًا للرواية، فإنّ أرونين في الجنوب هي أكثر قرية هادئة وآمنة. ستكون الأنسب لها لتعيش فيها.’
بهذا القدر من المعلومات، ستكون مييلا قادرة على عيش حياة كريمة دون قلق من الفقر.
ولو أرادت، لكان بإمكانها أن تصير أغنى شخص في الإمبراطورية باستخدام أحداث الرواية.
لكن ستيفاني كانت تعرف ابنتها جيّدًا.
كانت مختلفة عنها… لم تكن طمّاعة، ولا تسعى وراء السلطة.
“حتى لو لم أكن هنا… عيشي جيّدًا، أرجوكِ. لا تنسي أبدًا ما أخبرتكِ به، فهمتِ؟”
نظرت إليها برجاءٍ صادق.
لكن مييلا، التي لم تكن سوى طفلة في التاسعة،
كانت ترتجف من الخوف، خوفَ أن تفقد أمّها الوحيدة.
وفي النهاية، انهارت باكيةً وألقت بنفسها في حضنِ والدتها.
“لا تقولي إنّكِ ستموتين! أنا خائفة… خائفة جدًّا، لا تتركيني!”
لو استطاعت ستيفاني أن تُحقّق لها أمنيتها، لفعلت.
لكن هذه المرّة… لم يكن بيدها شيء.
كانت تغيب عن الوعي شيئًا فشيئًا، وفي اللحظةِ الأخيرة، تمتمت:
“ابنتي… مييلا… أحبّكِ… أرجوكِ، عيشي… لا تموتي عاجزةً مثلي… لا تعيشي كما عشتُ أنا… لذلك… كو… كحح!”
“أمّي!”
تقيّأت ستيفاني الدم بغزارةٍ، وسقطت دون قوّةٍ.
وفي لحظاتها الأخيرة، كانت لا تزال تفكّر في ابنتَها.
‘هل ستستطيع مييلا، التي لا تعرف شيئًا عن هذا العالم، أن تحيا بدَوني؟’
تلوّت ملامح ستيفاني من الألِم.
‘أنا، رغم معرفتي بمحتوى الرواية، لم أتمكّن من فعل شيء!’
كانت تعرف أنّ مييلا بريئةً وساذجة،
وكانت تتمنّى لو استطاعت أن تحميها أكثر.
‘حتى وإن كنتُ درعًا باليًا وممزقًا… كنتُ سأفعل المستحيل لأحميكِ. أنا آسفةٌ يا صغيرتي.’
ومع هذه الأفكار، أغمضت عينيها.
صرخت مييلا من أعماق قلبها، تبكي من موتِ أمّها.
وحتى بعد أن فقدت وعيها، استمرّ صوت بكاء ابنتها يُدوّي في أذنيها…
* * *
بعد مرور عام على وفاة ستيفاني
مرّت سنة كاملة منذ رحيل ستيفاني.
تلك السنة التي ظنّت فيها أنّ ابنتها لن تستطيع النجاة بدونها.
لكن، وبشكل يفوق التوقّعات،
كانت مييلا تحيا، على طريقتها، بكلّ ما أوتيت من عزيمة.
“هاكِ، تفضّلي يا مييلا. أضفتُ لكِ القليل اليوم.”
كان نمط حياة مييلا –التي أتمّت العاشرة هذا العام
يتمثّل في مساعدتها لسكان القرية مقَابل طعامٍ أو أجرٍ بسيط.
في ذلك اليوم، كانت قد عملت لساعاتٍ طويلة في نُزُل السيّدة نانسي،
التي كانت تُدير أيضًا مطعمًا صغيرًا.
نظرت مييلا إلى الطرد الممتلئ بالطعام، وبدت السعادة على وجهها.
“يا إلهي! شكرًا جزيلًا، خالتي نانسي. سأذهبُ الآن!”
“ههه، حسنًا. عودي بسلامٍ.”
“نعم! إلى اللقاء!”
احتضنت الطعام بذراعيها الاثنتين،
وسارت بخفّة نحو منزلها.
كان المنزل مجرد كوخٍ خشبيّ متهالك على وشك الانهيار،
لكنّ مييلا لم تكن تكرهه.
‘ما زلتُ أشعر بأنّ أمّي ستفتح لي الباب في أيّ لحظة وتستقبلني بابتَسامتها.’
لقد وُلِدت في هذا المكان،
ولا تزال آثار والدتها في كلّ زاويةٍ منه.
لذا، رغم عزلتها، كان الكوخ كنزًا ثمينًا بالنسبة لها.
‘أعتقد أنني سأُصلح اليوم الزاوية التي انهارت من الجدار.’
السماء كانت ملبّدة بالغيوم، ويبدو أنّ المطر قادم.
كان عليها أن تنتهي من الترميم قبل أن يتسرّب المطر إلى الداخل.
‘سأضع الطعام أولًا، ثمّ أذهب إلى الجبل لأجلبَ الطين وأسدّ به الفتحةِ.’
خطّطت مييلا خطواتها بدقّة وهي تسرع في السير.
لكن… وقبل أن تصل إلى الكوخ،
توقّفت فجأة عندما رأت شيئًا ملقى على جانب الطريق.
“ما… ما هذا الشَيء؟!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"