بخلاف تقييم كايين، ما إن عادت أليشيا إلى مقرّها حتى وضعت يدها على صدرها الذي يخفق بعنف وزفرت بعمق.
“ظننتُ أن عمري سينقص للتوّ …”
في الحقيقة، كان كايين عند المواجهة أشدّ برودة مما تذكّرت، وكانت رائحته القويّة المميّزة تطغى في المكان.
وما زاد الطين بلّة أنّ عينَيه السوداوين كالسبج حينما جالتا على وجهها، لم تستطع التنفّس كما يجب.
على الأقل، بعد أن تمّت المقابلة، لعلّي أرتاح بعض الوقت.
غير أنّ أملها انهار بعد ثلاثين دقيقة فقط، حين أتى الخادم ليُخبرها بخبرٍ لم يُصدّق: الإمبراطور نفسه طلب تناول العشاء معها.
“هذا… لا يمكن أن يكون حقيقيًّا…”
لم تجد سوى تكرار الجملة نفسها، أمام مسار كايين المختلف عمّا تتذكّره.
“أن يطلب جلالته الإمبراطور شخصيًّا تناول العشاء مع جلالتها الإمبراطورة، حقًّا إنّه أمر مبهج.”
آنيس، التي لا تعلم ما يجول في خاطر أليشيا، بدت على وجهها ابتسامة عريضة. ولم تستطع أليشيا أن تبوح بما يضجّ في صدرها.
“أليست جلالتكِ سعيدة أيضًا؟”
“أ … أجل ، بالطبع أنا … سعيدة”
لكن في داخلها، كل ما تمنّته هو أن يتركها الجميع وشأنها.
غير أنّ الأمر الإمبراطوريّ لا مردّ له. فالعشاء لا مفرّ منه.
ومع ذلك، وبفضل ما خبرته في حياتها السابقة، استطاعت على الأقل أن تغيّر قليلاً من هيئته غير المريحة.
“أن تُحضَّر المائدة في جناح الإمبراطورة، ما ألطف هذا”
ابتسمت آنيس وهي تتكلّم بحماسة، لكنّ أليشيا بدّدت آمالها سريعًا.
“لا، سأستقبل جلالته في غرفة الطعام التي أتناول فيها طعامي عادة.”
“ماذا؟ ولكن … هذا عشاءٌ مع الإمبراطور، كيف …؟”
“ولأنّه عشاءٌ مع الإمبراطور، فالأبسط والأدفأ أنسب.”
“لا أفهم مقصد جلالتكِ على الإطلاق.”
في حياتها السابقة، لم تتناول مع كايين عشاءً على انفراد إلّا نادرًا.
وكان طول المائدة الفاصل بينهما يجعل رؤية وجه الآخر بالكاد ممكنة. ومع البروتوكولات الصارمة وترتيب الأطباق الفضّية، كان الطعام يبرد قبل أن يصلها، فتحوّل الأكل إلى عذابٍ بارد.
“أظنّ أنّ جلالته الذي خاض معارك في أرض روبيو، يكره رتابة طقوس البلاط”
فالعشاء الرسميّ قد يمتدّ إلى ساعتين كاملتين قبل أن تصل الحلوى، ومجرّد التفكير بأن تقضي هذا الوقت مع كايين يسبّب لها ثِقلاً في معدتها.
“العشاء بين زوجين يجب أن يكون بسيطًا، دافئًا، بعيدًا عن تكلّف البروتوكولات.”
هزّت آنيس رأسها في النهاية، مقتنعة بكلامها.
“قلّلي من عدد الأطباق، واجعلي الطبق الرئيس متقنًا، وراعي التوقيت حتى لا يبرد الطعام. أما الزينة، فتكفي شمعدانات فضيّة.”
“إذن، نُحضِّر الأمر كما تجري مائدة جلالتكِ في العادة.”
أومأت أليشيا.
“ابحثي عند كبير الخدم عن أكثر أطباق اللحوم التي يفضّلها جلالته. واتركي تجهيز المائدة والمطبخ لهوارد.”
“لكن عادةً هذه مهامي …”
“لديّ مهمّة أخرى أُريدكِ أن تتولّيها.”
في حياتها السابقة، كان برود العلاقة بينهما سببًا في قلّة المرات التي تعشّيا فيها معًا. وذلك جعل ذكرياتها عن تلك المرات أوضح بكثير، فعرفت أسباب استيائه بدقّة.
“إيّاك أن تتركي عدد أدوات الطعام يتجاوز خمسة.”
اتّسعت عينا آنيس دهشة، لكن أليشيا أكملت: “جلالته … لا يعرف جيّدًا بروتوكولات البلاط.”
“ماذا؟! هذا غير معقول.”
“أنتِ سمعتِ الشائعات، أليس كذلك؟”
أشارت لها أن تجلس ثم قالت: “حين كان في السابعة، أُرسل الأمير الصغير إلى أراضي روبيو بقرار من الإمبراطور السابق. وهناك عاش مع آل هاير. لكن وفاة الكونتيسة مبكّرًا تركته بلا من يعلّمه، فشبّ في بيئة لا تحتمل حتى التفكير في البروتوكولات.”
في حياتها السابقة لم تعرف ذلك إلّا وهي على فراش المرض، حيث كان قد فات الأوان. أمّا الآن، فالوضع مختلف.
“لو جرى العشاء بالترتيب الرسميّ، فسيثير ذلك غضب جلالته.”
لقد رأت بأمّ عينيها من قبل كيف انفجر غضبًا حين تجرّأ خادمٌ على انتقاده في ترتيب الأدوات.
وحتى أنّ النبلاء في إحدى الولائم سخروا منه لجهله بالطقوس. الأمر الذي لم يحدث بعد، لكنّه سيحدث لا محالة إن تركت الأمور على سجّيتها.
“لذلك، دوركِ الليلة أساسيّ يا آنيس.”
تلألأت عينا أليشيا الزرقاوان بمعنى خفيّ.
***
كان العشاء محدّدًا في السادسة، لكن بتأخير كايين، بدأ عند السابعة.
“أحيّي جلالة الإمبراطور.”
جلس بلا كلمة عند المائدة، غير مكترث لصِغر حجم الوليمة.
“لتجلسي أيضًا.”
أشار إلى أليشيا التي بقيت واقفة، غير مدرك أنّه كان قد اعتاد في المعسكر على بساطة الجلسات.
“شكرًا لك”
جلست بهدوء. عندها، انحنت آنيس مجدّدًا.
“لأنّ جلالة الإمبراطورة لم تتعافَ تمامًا بعد، أعددنا مائدة متواضعة، فنرجو من جلالتك الإمبراطور تفهّم ذلك.”
“لا بأس.”
“إذن، سيخدمكم خدم جناح الإمبراطورة.”
في الحال، وُضع الخبز والحساء والسلطة أمامهما.
“أستميحك ، قبل أن نبدأ، لديّ أمر أعرضه.”
قالت أليشيا وهي تنظر إلى المائدة.
“تكلّمي.”
ردّ كايين ببرود لا يُقرأ.
“منذ إصابتي بالحمّى، أعاني من بعض الارتباك … حتى إنّي نسيت بعض آداب المائدة. فأحتاج إلى توجيه من كبيرة الوصيفات.”
كان هذا كذبًا صريحًا، لكنّ آنيس لعبت دورها بإتقان. وفي تلك اللحظة، اقترب هوارد كبير خدم الجناح من الإمبراطور، كجزء من خطّة العشاء.
“ما دام المرض سببًا، فلن أُؤاخذكِ.”
“شكرًا.”
غمسَت أصابعها في ماء لتطهّرها ومسحتها بالمنديل.
تبعها كايين دون اعتراض.
“جلالتكِ، تستعملين أدوات الطعام من الخارج للداخل، ما عدا الملعقة فهي للحساء أو الحلوى”
شرحت آنيس بهدوء.
بدا أنّ كايين يُصغي، على غير عادته.
“أما الطبق الرئيسي، لحم الطيهوج، فسيُقطَّع ليُقدَّم في أطباق صغيرة.”
“وحينها …”
“تُستخدم الأدوات الباقية أمامكِ.”
كان هذا مسرحًا تعليميًّا بامتياز، وإن تجاهل كايين فلن يكون لها أثر.
“وإذا أردتِ الانتهاء من الطبق، ضعي الأداة في وسط الصحن.”
هكذا كانت الخطة محكمة. لم يبقَ سوى ردّة فعله.
“أشكركَ ثانيةً على تفهّمك”
ابتسمت أليشيا له بهدوء وبدأت تأكل. كانت متوترة حتى كادت تنسى الطعم، أمّا هو فأكل بهدوء.
“أفضل من الولائم الرسميّة.”
حتى مدحه جعلها تتنفس الصعداء.
“شكرًا لك.”
“لا أتذكّر آخر مرة أكلتُ فيها طيهوجًا مشويًّا حارًّا. في هذا القصر لم أذق مثله. هل هذه عادة جناح الإمبراطورة؟”
سأل كايين كبير الخدم.
“عادةً، المائدة أبسط بكثير لجلالتها وحدها.”
كانت الأطباق مغذّية ومرتّبة، أقرب إلى طابع منزليّ، بعيدة عن البذخ.
“… أفهم.”
ربما لرضاه عن الطعام، لم يُكثر من الكلام. أمّا هوارد فكان يخدم بذكاء وهدوء. و أليشيا راقبت بعينين حذرتين.
“إن أذنت ، سنُحضِر الحلوى”
“أحضروها.”
جاءت اللحظة المنتظرة: أن تبقى وحدها معه.
جاء الشاي مع طبق فاكهة صغيرة. انسحب الخدم جميعًا.
“كان عشاءً يستحق”
“شكرًا لك.”
حتى الإمبراطور، حين يُقدَّم له طعام طيّب في أجواء مريحة، يلين. لذا بدا صوته ونظرته أقلّ برودة.
لكن فجأة … تغيّر الجوّ.
“و الآن ، اعترفي”
قالها و هو يحدّق مباشرةً في عينيها بعينين سوداويّتين باردتين.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات