1
الفصل الأول: تجسَّدتُ في قلبِ شريرةٍ
سألني أحدهم ذات يوم، بنبرةٍ تحمل العجب والحيرة:
“كيف تظلّين مشرقةً هكذا، يا كوون بوم، رغم أنّ الموت يقترب منكِ؟”
كان ينظر إليّ كأنّني لغزٌ لا يُفكّ، كيف لفتاةٍ تعيش على هامش الحياة أن تحتفظ بابتسامةٍ لا تُطفأ؟
في كلّ مرّةٍ يُلقى عليّ هذا السّؤال، كنتُ أرفع رأسي بثقةٍ وأجيب:
“لأنّ الوقت الذي أملكه قليلٌ جدًا، فلا بدّ أن أعيشه بسعادةٍ تفوق الخيال!”
“ألا تخافين الموت؟”
ومن قال إنّني لا أخاف؟ الموت مجهولٌ يُرعب الجميع. لا أحد عاد ليخبرنا عنه، فكيف لا يسكنني الرّعب؟
لكنّني، كوون بوم، كنتُ أنسج خيوط الأمل بكلماتي، كمن يصطاد الغيوم بضحكةٍ صافية:
“أنا أقرأ الآن روايات عجيبة! أبطالها يموتون، ثمّ يعودون بالزّمن، أو يولدون من جديد، أو يتجسّدون في عوالم خياليّة!”
“حقًا؟ يحدث هذا؟”
“نعم! لهذا أقول لأمي دائمًا: ‘إذا متّ، سأتجسّد في رواية، فلا تحزني كثيرًا!'”
كان البعض يبدون لامبالين في البداية، لكنّ عيونهم تتّسع بانتباهٍ حين أتابع:
“من يدري؟ ربّما أستيقظ بعد موتي في عالم روايتي المفضّلة، أو فيلمٍ أحببته!”
“همم… يبدو ممتعًا!”
“هل تريدين توصيةً برواية؟ تحبّين قصص الانتقام؟ بطلةٌ تعود لتصفع زوجها الخائن؟”
“واه! هذا يبدو رائعًا!”
وهكذا، أكسب صديقةً جديدةً في غرفة المستشفى، نتبادل القصص ونصنع لحظاتٍ ساحرةً تخصّنا.
حتّى تدقّ السّاعة الثّالثة عصرًا.
مع صوت المنبّه، أهرع إلى النّافذة، أراقب العالم الخارجيّ بنبضٍ متسارع.
قبل أيّامٍ فقط، كان الثّلج يغطّي الأرض ببياضٍ ساحر، والآن تتفتّح أزهار الكرز، تتناثر بتلاتها كالمطر الأبيض، تغمر الطّرقات بجمال الرّبيع.
حين أرى المارّة يسيرون وسط البتلات المتساقطة، أدرك أنّ اللحظة التي انتظرتها قد وصلت.
“آه! ها هي!”
إنّها لحظتي المفضّلة في اليوم.
رأسٌ تكسوه خيوطٌ رماديّة، امرأةٌ علّمتني أنّ الرّبيع قد يكون شخصًا. ترفع عينيها نحوي، تبتسم بضياءٍ يشقّ السماء، تلوّح بذراعيها كأنّها تهتف: “أمّكِ هنا!”
منذ طفولتي، كنتُ أرى ذراعيها الملوّحتين كجناحي ملاكٍ يحيطني بالدّفء.
“حبيبتي، هل أنتِ أفضل اليوم؟”
كانت أمّي تعمل صباحًا، تعتني بي حتّى المساء دون لحظة راحة، ومع ذلك تنظر إليّ بوجهٍ يفيض بالأسى، كأنّها تعتذر عن شيءٍ ليس خطأها.
فأرفع صوتي بنشاط، أحكي عن يومي العاديّ كأنّه مغامرةٌ عظيمة:
“ماما، اليوم نُشرت نهاية رواية ‘إلى الرّبيع المتلألئ’!”
محصورةً في هذه الغرفة، لم يكن لديّ سوى قصص الرّوايات لأرويها، لكنّ أمّي كانت تتفاعل كأنّني أحكي عن اكتشافٍ مذهل:
“أخيرًا انتهت! كيف كانت النّهاية؟ هل أعجبتكِ؟”
“رائعة! سيرا، كانت…”
لكن قبل أن أفسد الأحداث، تقاطعني الفتاة في السّرير المجاور بصراخٍ مرح:
“بومي، ممنوع الحرق!”
بعد حديثٍ طويلٍ وضحكاتٍ تملأ الغرفة، يحلّ المساء، ويصل أبي حاملًا هدايا ملونةً في يديه.
“أميرتي! والدكِ هنا!”
“يا رجل، ما الذي اشتريته هذه المرّة؟”
“ما الذي تعنينه بـ’هذه المرّة’؟ مجرّد شوكولاتة لتتسلّي بها إن جعتِ!”
“أليست هذه لك؟”
“أوه، تمّ اكتشافي!”
كان أبي روحًا مرحةً لا تُضاهى. رغم عمله الشّاق لتغطية تكاليف المستشفى، لم يُظهر أبدًا علامات التّعب أمامي.
لكنّ كلماته كانت ملاذي الحقيقيّ:
“بومي، ألم أقل لكِ دائمًا؟ الحياة ليست لعبة احتمالات.”
قبل عمليّة زراعة القلب الاصطناعيّ، عندما قيل إنّ نسبة النّجاح ضئيلة، بدّد أبي مخاوفي بنبرةٍ لا تقبل الشّك:
“سنخوض العمليّة، وستنجح أو لا. لا داعي للخوف من الأرقام!”
بين حضن أمّي الدّافئ وصلابة أبي، تحمّلتُ كلّ يومٍ بشجاعةٍ لم أعرف مصدرها.
“بومي…”
صوت أمّي يرتجف. “بوم”، اسمٌ اختارته لي لأنّني وُلدتُ في الرّبيع، وأرادتني دافئةً كفصلي.
“أنا آسفة، صغيرتي…”
لا تقولي هذا، يا أمّي… ألم نتّفق ألّا نقول مثل هذا الكلام؟
كلّ شيءٍ يتلاشى. جسدي ينهار، وقلبي يعرف أنّ اللحظة التي تمنّيتُ ألّا تأتي… قد حانت.
“فلنعد إلى الحياة، يا صغيرتي… في جسدٍ سليمٍ هذه المرّة. لتأكلي ما تشتهين، وتعيشي كما تحلمين.”
لم أعد أذكر متى رأيتُ أمّي وأبي يبكيان آخردموعهما تذوب في ضبابٍ كثيف.
ألم نتّفق ألّا نبكي مجدّدًا؟
“هل تعودين إليّ كابنتي في المرّة القادمة أيضًا…؟”
فتحتُ عينيّ بصعوبة، لأرى وجوه عائلتي تتلاشى في الظّلام.
لا تحزنوا عليّ كثيرًا…
كنتُ ممتنةً دائمًا. شكرًا لأنّكم لم تستسلموا أبدًا، وملأتم حياتي بالحبّ.
كانت حياةً قصيرة، خمس عشرة سنةً فقط… لكنّها كانت ربيعًا لا ينتهي.
* * *
بعد الموت، تجسّدتُ في رواية.
أنا، كوون بوم، القارئة الشّرهة لروايات الفانتازيا الرّومانسيّة في غرفتي بالمستشفى، كنتُ أعرف هذا السّيناريو جيّدًا.
لكن عندما يحدث فعلًا، يكون… مذهلًا ومربكًا في آنٍ واحد!
عندما فتحتُ عينيّ للمرّة الأولى، رأيتُ سقفًا مزخرفًا بلوحاتٍ فاخرة، وقلتُ لنفسي:
‘أين أنا؟ هل هذه جناح كبار الشّخصيّات؟’
ثمّ سُمع طرقٌ على الباب، ودخلت فتاةٌ ترتدي مئزر خادمةٍ أنيق. للحظة، ظننتُ أنّ الممرّضات يُحضّرن لي مفاجأةً بمناسبة “كذبة أبريل”!
في خضمّ حلمٍ لا أصدّقه، وضعت الخادمة نعالًا مخمليّةً عند قدمي السّرير، وتراجعت بخفر.
“……؟”
رفعتُ الغطاء بحركةٍ تلقائيّة، ونزلتُ من السّرير.
ما إن وقفتُ على قدميّ، حتّى شعرتُ كأنّ دلو ماءٍ باردٍ انسكب على رأسي.
‘لحظة! ألم أمت؟ كيف أقف…؟’
رفعتُ رأسي بذهول، ورأيتُ في المرآة فتاةً صغيرةً تنظر إليّ.
شعرٌ أزرقٌ سماويٌّ يتدفّق كشلّال، وعينان زمرديّتان تتلألآن بالحياة. خدّان ممتلئان وشفتان ناعمتان. كانت تبدو في العاشرة بالكاد، وفهمتُ فجأة…
هذه الطّفلة هي أنا!
“وااه!! هل هذا حقيقي؟!”
لقد تجسّدتُ فعلًا بعد موتي!
أمضيتُ وقتًا أتحسّس وجهي في المرآة، أقرص خدّي لأتأكّد أنّني لا أحلم.
“آه، هذا يؤلم!”
مع الألم الواقعيّ، شهقتُ بإعجابٍ وبدأتُ أتفحّص المكان. أثاثٌ فخمٌ على طراز الرّوكوكو الكلاسيكيّ، مدفأةٌ مهيبةٌ على الجدار، ستائرُ مخمليّةٌ تتدفّق كالأنهار.
كانت غرفة آنسةٍ نبيلةٍ في رواية فانتازيا بامتياز!
وشعرٌ أزرق؟ هذه بالتّأكيد رواية رومانسيّة خياليّة!
تذكّرتُ ما قلته لأمّي يومًا:
“ماما، عندما أموت، سأتجسّد في رواية. سأعيش هناك أفضل حياةٍ ممكنة، وأفعل كلّ ما لم أستطع فعله هنا!”
كانت أمّي تبتسم بحزن، رغم أنّ كلماتي كانت خيالًا لا يُصدّق، لكنّها سايرتني، كأنّها تتشبّث بأملٍ واهٍ.
“وكيف سأعرف أنّكِ البطلة؟”
“سأترك لكِ علامة! شيءٌ لا يمكنكِ أن تخطئيه!”
“ما هو؟”
“إن وجدتِ بطلةً مشرقةً وسعيدةً أكثر من الجميع، فهي أنا! إنّها كوون بوم!”
“فهمت. أتمنّى أن تكوني هكذا. كوني قويّة، حسنًا؟ سأعرفكِ من بين الجميع.”
هل تجسّدي في هذه الرّواية هو نتيجة ذلك الوعد؟
أمام المرآة، وقفتُ، كوون بوم، أحدّق في نفسي، أحاول استيعاب هذا الواقع الجديد.
كان شعورًا معقّدًا.
قلبي يغصّ بحنينٍ لعائلتي التي تركتها خلفي، ومع ذلك، شعرتُ أنّ هذه الحياة… هديّةٌ من حبّهم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"