ما إن انتهت إليسا من الإجابة حتى أمسك أدريان بيدها وسار بها نحو وسط قاعة الرقص.
بدأت المقطوعة الموسيقية الثانية، وكان أدريان يقود خطوات الرقص، لكن إليسا لم تستطع، مهما حاولت، أن تركز في الرقص معه.
كانت تشعر بنظرات الناس تتسلل إليها، تلك النظرات الخاطفة التي تحمل في طياتها همساتٍ مكتومة. ربما غطت أصوات الأوركسترا على تلك الأحاديث، لكن مضمونها كان واضحًا كالشمس في رابعة النهار.
“إنها مثل أمها، تستخدم جسدها لتصبح زوجة الدوق الأكبر بكل الوسائل الممكنة.”
لا، تلك الكلمات العابرة لم تكن شيئًا يذكر. بالنسبة لابنة غير شرعية لأم كانت تُعد أجمل نساء روسيريكا، والتي نجحت بجمالها في دخول قصر الدوق، فإن تجاهل مثل هذه الهمسات أصبح أمرًا اعتياديًا، بل مألوفًا إلى حد الملل.
لكن ما كان أكثر إزعاجًا ونكاية من ذلك كله كان شيئًا آخر. كانت تلك النظرات المبتهجة التي يرمقها بها والدها، تلك العيون التي تعرف إليسا معناها جيدًا.
“أخيرًا أصبحتِ نافعة.”
هكذا كان دوق روسيريكا ينظر إليها، بنظرة تقول إنها أصبحت أداة يمكن استغلالها.
يا لها من لوحة مثالية!
خطيب راهن على مصيري بمالٍ، وأب لا يفكر إلا في بيعي بأغلى ثمن، وحتى أختي غير الشقيقة التي تقف إلى جانب أبي، تبدو مستاءة لأن اارقصة والخطيب انا وليست هي.
بالمقارنة، كان المستقبل الذي وعدها به شولتز توغراهان يحمل كل ما تطمح إليه إليسا. لقد احترمها كأدميرال في البحرية، ووعدها بألا يعتبر هويتها الاجتماعية عائقًا أبدًا.
لكن، مهما يكن، كان ذلك مجرد حلم بعيد المنال.
تنهدت إليسا بهذا الفكر، وما إن فعلت حتى أدرك أدريان على الفور أنها شاردة، غير مركزة في رقصتهما.
عبس حاجباه، وامتلأت عيناه الحمراوان بنظرة استياء واضحة. لم يكن أدريان ليتحمل، ولو للحظة، أن تفكر إليسا في رجل آخر وهي بين ذراعيه.
فجأة، أدخل أدريان حركة دوران مفاجئة في خطوات الرقص، فاحتضن جسدها وأدارها بقوة.
إليسا، في حالتها العادية، لم تكن لتتعثر أبدًا. فهي الأدميرالة التي يمكنها أن تصيب رأس قائد القراصنة برصاصة وسط عاصفة بحرية.
لكن هذه المرة، تعثرت خطواتها في رقصة والس عادية، وكأن شيئًا يغلي في أعماقها.
“هاه… إلى أين شردتِ؟” قال أدريان بنبرة متذمرة.
“ركزي في الرقص بدلًا من هذه الحركات الغريبة!” أضاف بحدة.
لم يتحمل أدريان أن تكون إليسا شاردة ولو للحظة، فوجه إليها تأنيبًا لاذعًا.
أسرعت إليسا في تصحيح خطواتها التي أربكها أدريان، فشعرت بألم خفيف في كعبها، وكأن حذاءها يخدش قدميها.
وبعد جهد، تمكنت من استعادة الإيقاع، لكن تنهيدة عميقة انطلقت من أدريان فوق رأسها.
“ماذا قال لكِ شولتز توغراهان قبل قليل؟”
هنا، لم تعد إليسا قادرة على الصبر. كانت نبرة أدريان المتسلطة، وكأنه يحاسبها على تعثر بسيط، تزعجها بشدة.
لكن أدريان، الذي بدا أنه فسر صمتها على نحو آخر، واصل ضغطه عليها: “أسألكِ، ما الذي تحدثتِ عنه مع شولتز توغراهان حتى أصبحتِ شاردة هكذا؟”
“وهل يجب أن أبلغك بكل شيء؟” ردت إليسا بحدة.
“هل تعتقدين أن الأمر لن يصل إلى أذن جلالة الملكة؟ هدية وصلت وكأنها بارود! هل عقلكِ لا يصل إلى هذا الحد؟”
“سأبلغ جلالة الملكة بنفسي، فابتعد أنت. هل من المنطقي أن يقدم أدميرال تقريرًا إلى نائبه؟”
“إذن، لا ينبغي أن تكون نبرتك هكذا. هل هذا أمر أم طلب؟”
لم تكن إليسا مستعدة للتنازل ولو بكلمة، فكانت ترد على كل جملة يلقيها أدريان بحدة مماثلة.
تنهد أدريان بنفاد صبر، وكأن موقفها يثير أعصابه. كان الأمر مزعجًا حقًا. تلك الطريقة التي يحاول بها التملص، وكأنه يتعالى، ذكّرتها بتصرفات النبلاء التي كانت تكرهها، فلم تعد ترغب في مواجهته أكثر.
بينما كانا يتشاجران بحماس، اقتربت المقطوعة الموسيقية من نهايتها. ما إن توقفت الأوركسترا حتى أفلت إليسا يد أدريان، واستدارت لتغادر أرضية الرقص.
لكن صوت أدريان لحق بها من الخلف: “ماذا تفعلين؟ لم ننتهِ من الحديث بعد!”
سارع أدريان ليلحق بها، لكن شخصًا ما تدخل فجأة بينهما. لم يكن مهما من هو، ففي النهاية، لا بد أنه أحد النبلاء الذين يتعلقون بأدريان لمصلحتهم، أو أحد الذين يعاملون إليسا كأنها غير مرئية.
“إذن، استمتعا بوقتكما!” قالت إليسا، ودون أن تمنح أدريان فرصة للاعتراض، تركته مع ذلك النبيل واتجهت نحو السطح.
عندما خرجت من قاعة الحفل، شعرت أخيرًا بأنفاسها تعود إليها، بعد أن كادت تخنقها روائح العطور والبودرة. نسيم البحر المنعش جعلها تشعر أنها تعود إلى الحياة. لكن، وهي تتجه نحو السطح، اعترض طريقها شخص ما فجأة.
“كنتُ أعلم أنني لا يجب أن آتي إلى مثل هذه المناسبات.”
“مرحبًا بعد غياب، أيتها الابنة غير الشرعية؟ أم ينبغي أن أناديكِ الآن بالعاهرة الراقية؟ أيّهما تفضلين؟ هل بعتِ نفسكِ لشولتز توغراهان؟ أم ربما لأدريان أوبيرون؟”
كان غارون هايسن. وعندما لم ترد إليسا، واصل استفزازه: “ماذا؟ هل تشعرين بالظلم لأن ابنة عاهرة تُسمى عاهرة؟ يبدو أن لديكِ كبرياء على أي حال!”
“إذن، هل تعني أن عاهرة مثلي تفوقت على ابن ماركيز هايسن العظيم بتخرجها من الأكاديمية العسكرية؟ أليس هذا هو السبب في أن والدك لا يعترف بك، وأن أخاك الأصغر هو من يتلقى تدريب الوريث؟”
“أيتها اللعينة… من المسؤول عن كل هذا؟”
“من المسؤول؟ ألستَ أنت من أفسد كل شيء بغبائك، معتمدًا على أدريان أوبيرون؟”
“سأريكِ!”
رفع يده، وكان واضحًا أنه سيهاجم. كان مخمورًا، وحركاته بطيئة. استعدت إليسا لتفادي الضربة، لكن فجأة اصطدم بها شخص ما. التفتت لترى إينوك يمسك بذراع غارون بقوة، ويلويها بهدوء تام.
“آه! ماذا تفعل؟ أترك ذراعي فورًا!” صرخ غارون.
لكن إينوك اكتفى بتكتكة لسانه دون أن يخفف قبضته.
“اهدأ، يا سيدي. هذه السيدة أدميرال عينتها جلالة الملكة بنفسها، جندية ملكية. ألا تعتقد أن مهاجمتها يُعد خيانة لجلالتها؟”
نظر غارون إلى إينوك بعيون محمرة من الألم، وصرخ مهددًا: “أنت! ألستَ أحد الطلاب الذين كانوا في الأكاديمية؟ أترك يدي فورًا! كيف تجرؤ على التعامل مع أحد السينيور هكذا؟ هل تعتقد أنك ستنجو بعد هذا؟ أتعرف من أنا؟”
“من سيعامل مهرجًا لم يتخرج من الأكاديمية كأنه سينيزر؟” رد إينوك بسخرية.
لم يكن هناك أحد في الأوساط الاجتماعية لا يعرف أن غارون، الذي فشل في التخرج، قد نبذه والده. تنهدت إليسا وهي تراقب المشهد.
كان من الأفضل التدخل الآن، وإلا قد يتسبب الأمر في مشكلة لإينوك، الذي يحمل رتبة بحرية.
“إينوك، اترك ذراعه.”
“حاضر، سيدتي الأدميرال.”
بكلمة واحدة من إليسا، أفلت إينوك ذراع غارون فورًا وتراجع خطوة إلى الخلف.
“إذا كنتَ غير راضٍ عن تعييني في البحرية، فاذهب وتحدث إلى جلالة الملكة مباشرة. أو تعال إلى قاعدة البحرية، وسأكون سعيدة بإطلاق رصاصة في رأسك.”
“هل تعتقدين أنكِ ستنجوين بعد قولكِ هذا؟ كالعادة، تختبئين خلف الرجال وتتصرفين بجبن!” قال غارون، لكنه هرب وهو يمسك ذراعه المتألم.
كانت كلماته الأخيرة قد أغضبت إينوك، وليس إليسا.
“سأعيده وأتعامل معه. لا حاجة للذهاب إلى قاعدة البحرية، سأطلق النار عليه هنا مباشرة.”
“هل نسيت من على هذا السفينة؟ إذا أردتَ إشعال حرب، فحاول!” ردت إليسا.
“سيدتي الأدميرال!” صرخ إينوك بانزعاج، متسائلًا لماذا لا تدعمه.
لأول مرة منذ صعدت إلى السفينة، ضحكت إليسا من قلبها، وشعرت براحة حقيقية.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"