معلمي قد جُنّ [ 95 ]
سارت مييل خلف جايد، وكانت هذه أول مرة ترى فيها القصر الإمبراطوري الرئيسي عن قرب.
“واو …”
تمتمت بإعجاب خافت.
كان القصر، كما المباني الأخرى، مصبوغًا بالأبيض بالكامل، لكنه بدا ضخمًا جدًا.
من بعيد، لم يتجاوز انطباعها عنه حدود الإعجاب البسيط، لكن كلما اقتربت أكثر، بدا القصر فخمًا ومهيبًا.
لم يكن مزيّنًا بكثرة أو مبالغًا في زخرفته، لكن الجدران الخارجية للقصر كانت تحمل نقوشًا دقيقة تشكّل لوحات متكاملة.
“ يبدو أنهم حفروا هذه النقوش بعد الانتهاء من بناء القصر.”
همس جايد وهو يلاحظ نظرات مييل التي كانت مثبتة على النقوش.
“ هذه النقوش على ما يبدو…”
عندها، أمعنت مييل النظر أكثر في التفاصيل، وشيئًا فشيئًا بدأت تفهم مضمونها.
“ هل يمكن أن تكون هذه النقوش مستوحاة من أسطورة؟“
“ على الأغلب، نعم.”
أومأ جايد ردًا على سؤالها.
وراح الاثنان يتأملان النقوش التي كانت دقيقة لدرجة أن فهم ما تصوره لم يكن صعبًا.
“ إذاً، فالقصة تقول…”
همست مييل لنفسها.
كانت أسطورة فيرهون بسيطة في مضمونها.
منذ زمن بعيد، هبط شعاع من النور على أرض فيرهون التي كانت تعاني آنذاك.
ذلك النور منح سكانها القوة، والرخاء، والثروة.
“ وهذا النور هو ما يُطلق عليه اسم غافيلون، أليس كذلك؟“
هز جايد رأسه إيجابًا حين سمعها.
“ بالنسبة لفيرهون، غافيلون هو كيان عظيم بهذا القدر.”
تبدّل تعبير مييل قليلًا حين سمعت ذلك، وارتسمت الحيرة على وجهها بينما تقلص حاجباها بتفكير عميق.
‘ ولكن… إن كان هذا الحاكم عظيمًا بالفعل، فلمَ اختار طفلة حديثة الولادة لتكون القديسة؟‘
ومرت في ذهنها مشاهد من حادثة ساينت سنو. وعندما لاحظ جايد الجمود على وجهها، سألها:
“ ما الأمر يا مييل؟“
“ لا شيء… فقط أستغربت قليلاً. لماذا يقوم كائن يُدعى بالحاكم بجعل رضيعة قديسة؟“
“ هممم… لا أعلم. قد لا يكون بإمكاننا فهم كل ما يفعله الحاكم وربما… يسيء الناس أحيانًا تفسير مشيئة الحاكم.”
أجابها جايد بجديّة. فأومأت برأسها ببطء.
“ ربما معك حق…”
لكنها لم تستطع منع نفسها من التساؤل:
هل كان ذلك فعلًا بأمر من الحاكم؟ أن يُجلب رضيعة وتُعلن قديسة؟
‘ ربما، كما قال المعلم… هم من أساؤوا فهم إرادته.’
وإلا، فلا يمكن تبرير فعل كهذا من بشر تجاه بشر.
“ على كل حال، لنكمل طريقنا الآن، مييل.”
نادى جايد مشيرًا لها، وهو يربّت بخفة على كتفها بيده الكبيرة.
“ آه، نعم يا معلمي.”
استأنفت مييل السير خلفه. رغم انشغالهما بتأمل الخارج، كان القصر يعجّ بالحركة من حولهما.
ولحسن الحظ، فإن السحر الذي أخفى وجودهما لا يزال فاعلًا، فلم يلحظ أحد مرورهما.
“ لننطلق.”
تقدّم جايد ودخلا معًا عبر البوابة الرئيسية، مستغلّين لحظة خروج بعض الخدم.
على عكس المرة السابقة، دخلا هذه المرة من المدخل الرسمي، وكانت هذه أول مرة يرى فيها الاثنان القصر الحقيقي من الداخل.
“واو …”
تمتمت مييل مجددًا بإعجاب.
كان المدخل الأمامي للقصر رائع الجمال، والسقف والأرضية منقوشان برموز تمثّل الحاكم غافيلون.
لم تكن الزخارف فخمة أو مبالغًا فيها، لكن كان هناك جمال هادئ ورصين.
“ مييل.”
ناداها جايد فقطع شرودها، وسارت من جديد.
“ من الآن فصاعدًا، كوني أكثر حذرًا. سحر الإخفاء يجعل من الصعب رؤيتنا، لكن الاصطدام بأحدهم قد يفضحنا.”
“ حاضر يا معلمي.”
أومأ جايد برضًا، وواصلا طريقهما إلى داخل المدخل.
كان القصر الرئيسي كما هو متوقّع أكثر ازدحامًا من القصر الجانبي حيث كانا سابقًا.
عدد الخدم والنبلاء كان كبيرًا.
‘ رغم أن الوقت متأخر، المكان لا يزال يعجّ بالناس… ربما لأنه القصر الرئيسي.’
ومعظم من في الداخل كانوا يرتدون ثيابًا ناصعة البياض.
زيّنها البعض بإكسسوارات بألوان متنوّعة، لكن المظهر العام ظلّ محافظًا ومحايدًا.
‘ إنه حقًا بلد غريب…’
فكّرت مييل وهي تمشي، حين أشار لها جايد بالتوجه إلى داخل الطابق الأول تبعته بهدوء.
“ العدد كبير، فاحذري من الاصطدام بأحد.”
كرر جايد تحذيره، وسار في ممر داخلي أقل ازدحامًا، تبعته مييل بصمت وكان الخدم يمرّون من حين لآخر.
‘ بالمناسبة، أين يتناول سمو ولي العهد عشاؤه الآن؟‘
ساورها القلق تجاه توروي لكنها أخفته وواصلت السير حتى وصلا إلى ممر مختلف عمّا رأته سابقًا.
“ هنا لا يوجد أحد تقريبًا.”
تمتم جايد وهو يمعن النظر.
كانت الممرات هادئة، كما الممر المؤدي إلى النفق السري في المرة الماضية.
“ ربما بسبب الوقت أيضًا…”
ضاقت عيناه وهو يفحص المكان.
كانت هناك عدة أبواب على جانبي الممر، بدأ يفتح بعضها ويتفقد الداخل.
كان معظمها مخازن، بعضها للمواد الغذائية وأخرى لأغراض مختلفة.
وبينما كان يتفحّصها، وقف أمام أحدها.
“ مييل، تعالي إلى هنا.”
ناداها، فأسرعت إليه، وفتح باب المخزن.
“ يوجد هنا… طاقة غريبة، ضعيفة لكنها مميزة.”
“ طاقة غريبة؟ هل تقصد القوة المقدسة؟“
“نعم .”
“ معلمي… أيمكنك أيضًا الشعور بالقوة المقدسة؟“
اتسعت عيناها قليلًا بدهشة، فأومأ جايد.
“ أجل. السحر والقوة المقدسة متشابهان. إذا بلغتُ تركيزي أقصاه، أستطيع استشعارها، رغم أنها عملية مرهقة.”
كان جايد قد حافظ على تركيز عالٍ منذ دخوله هذا الممر، مستخدمًا الحد الأدنى من السحر لاكتشاف الطاقة دون إثارة الشك.
وهذا ما جعله يشعر ببعض الإرهاق، فقد بدأ حاجباه ينقبضان قليلًا.
“ على أي حال، هناك قوة مقدسة هنا.”
قال ذلك بنبرة أكثر حدّة من المعتاد، لكنه سرعان ما استدرك وخفّف لهجته حين تذكّر أنه يخاطب مييل.
“ لنلقِ نظرة يا مييل.”
“ نعم يا معلمي.”
أمسك جايد بمقبض الباب وفتحه.
بدا وكأنه مخزن أدوات قديم.
دخل أولًا وتبعته مييل. راح يتفقد المكان بعناية، وارتفع أحد حاجبيه فجأة.
“ هذا المكان يبدو كمخزن قديم، لكن لا يوجد فيه غبار تقريبًا.”
أمعنت مييل النظر كما فعل، فقال جايد وهو يمرر يده على عنقه:
“ وأيضًا المخزن المتصل بالممر السري الذي دخلناه سابقًا كان نظيفًا هكذا أيضًا، رغم أنه يبدو قديمًا.”
“ آه… هذا صحيح.”
“ بالضبط. ولو كان مشابهًا لذلك المكان، فلا بد من وجود ممر سري هنا أيضًا…”
وبينما يجول ببصره داخل المخزن، لمح منطقة مغطاة بسجادة مهترئة.
اقترب منها وركل السجادة برفق.
لتنكشف تحتها فتحة خشبية صغيرة، تشبه كثيرًا تلك التي قادتهم إلى الممر السفلي من قبل.
“ يبدو أن هناك نفقًا سريًا هنا أيضًا.”
“ كنت أتوقّع وجود أماكن كهذه داخل القصر…”
نظرت مييل إلى الفتحة، وحاولت فتحها بيدها، لكنها لم تتحرك.
“ تمامًا كما فعل الخادم من قبل… لا بد من استخدام القوة المقدسة لفتحها.”
قالها جايد وهو يحدّق إلى النافذة الصغيرة في المخزن. وكان أول ما وقعت عليه عيناه خارج النافذة هي كنيسة غافيلون نفسها.
“ هل يُعقل أن هذا النفق السري يؤدي إلى هناك… ؟“
——-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 95"