معلمي قد جُنّ [ 87 ]

“قبل أن نصل إلى القصر الإمبراطوري، دعيني أشرح لكِ قليلاً عن مملكة فيرّهون يا آنسة مييل.”

كان توروي ينظر إليها بجدية، فهزّت رأسها وأصغت بانتباه.

“كما تعلمين، فيرّهون هي إمبراطورية دينية. يعبدون الحاكم ‘غافيلون’ ويعتبرونه الحاكم الأعلى. قبل أن تنغلق الإمبراطورية على نفسها، كانت تنتشر أحاديث عن الوحي.”

سألت مييل بتردد:

“هل يعني ذلك… أن الحاكم موجود فعلاً؟”

كان هذا سؤالًا غير مناسب في أرضٍ مثل فيرّهون، لكنه لم يكن هناك أي من أهلها ليسمعه.

“لا أستطيع أن أؤكد لك ذلك. لكن فيرّهون تعتمد على ما تسميه بالقوة المقدسة لتأكيد وجود الحاكم. ومع ذلك يبقى ذلك محصورًا داخل حدود هذه البلاد.”

تذكّرت مييل شيئًا قرأته في الرواية الأصلية، فسألت:

“لكن… أليس هناك آخرون خارج البلاد يملكون أيضًا قوى مقدسة؟”

أجابها جايد هذه المرة:

“صحيح، لكن القوى المقدسة ليست واحدة. تلك التي يستخدمها مواطنين فيرّهون تختلف عن القوة التي يستخدمها الفرسان المقدّسون في هاغوران. تبدو متشابهة ظاهريًا، لكن منشأها ومبادئها مختلفة.”

أكمل توروي موضحًا:

“القوة المقدسة هي باختصار طاقة مباركة. قد تُمنح من الحاكم مباشرة أو تُستمد من أجسام مقدّسة. في هاغوران لدينا فرسان مقدسون أيضًا، لكن عددهم قليل، وهم يستمدون قوتهم من ‘السيف المقدّس’ الموجود في الكنيسة. كما أن استخدام هذه القوة يتطلب صفاءً داخليًا نادرًا، لذا من الصعب أن يظهر من يتقنها.”

أومأت مييل بتفهّم:

“إذن فيرّهون أعمق إيمانًا، ولذلك قواهم المقدسة أقوى، على الأقل على مستوى العقيدة.”

تدخل جايد مجددًا:

“يمكننا القول إن القوة المقدسة تُكتسب لاحقًا، وليس كما هو الحال مع السحر الذي يُولد به المرء. ولهذا فإن التحكم بها أصعب وعدد مستخدميها أقل. طبعًا إلا من كان محبوبًا بشدة من الحاكم.”

تذكرت مييل النهاية في الرواية، حين استخدم البطل والبطلة قوة هائلة لهزيمة الشر.

‘لم يكن هناك تفسير مفصل وقتها… فالرواية كانت تركز أكثر على الجانب الرومانسي.’

قال جايد بهدوء:

“رغم التشابه، فالقوتان مختلفتان في الجوهر. وليس في مصدرها فقط بل في طريقة استخدامها وتدريبها أيضًا. السحر يتحدد بمقدار ما يولد به المرء، في حين أن القوة المقدسة قد تزداد بحسب مدى إخلاص صاحبها للحاكم.”

أضاف توروي:

“وحتى الآن، تبقى القوة المقدسة مجهولة في الكثير من جوانبها. يصعب تحليلها أو إثباتها بشكل علمي. لهذا لا يطمئن إليها السحرة.”

أومأ جايد موافقًا:

“تمامًا. لهذا يتحفظ السحرة عند التعامل مع من يستخدمونها، إذ لا يمكن التنبؤ بها.”

كانت المعلومات الجديدة تدور في ذهن مييل، ترتبها وتفكّر في تبعاتها.

‘قوة يمنحها الحاكم… شيء يفوق إدراكنا.’

لم تكن قد فكرت بالحاكم كثيرًا منذ تجسّدها في هذا العالم، وحتى عندما بدأت تتذكّر حياتها السابقة، لم يخطر ببالها سوى أن ما حدث قد يكون مجرد خطأ من الحاكم.

“على أي حال، لنعد إلى صلب الموضوع.”

قال توروي بعد لحظة صمت، وقد بدا أن مييل استوعبت ما قيل.

“بما أن فيرّهون إمبراطورية دينية، فإن سلطة البابا تفوق سلطة الإمبراطور.”

قالت مييل:

“أتعني…البابا الذي يتبع كنيسة غافيلون، صحيح؟”

“بالضبط. رغم أن الأسرة الإمبراطورية ليست بلا قوة أو نفوذ، إلا أنها لا تستطيع معارضة قرارات البابا إنْ خالفته. الكلمة الأخيرة له في الأمور الحاسمة.”

ألقى توروي نظرة إلى الخارج، حيث بدأت الشمس تميل إلى المغيب.

“عند وصولنا إلى القصر، سيكون علينا أن نشارك في بعض المناسبات. ولحسن الحظ، بما أن الوقت قد تأخر، فربما يكتفون بعشاء ترحيبي فقط.”

قالت مييل بابتسامة خفيفة:

“حتى لو كانت الزيارة غير رسمية، فلا شك أن القصر سيستقبل سموك بحفاوة.”

أومأ توروي مؤكدًا:

“هذا جزء من الآداب وأيضًا وسيلة لحفظ مكانتي. بما أنني دخلت البلاد بهويتي الحقيقية، فلابد من اتباع التقاليد.”

علّقت مييل:

“أجل، فأنت لست أي زائر.”

ابتسم توروي بدوره وأضاف:

“على الأقل بعد اليوم، لن يتمكنوا من التدخل كثيرًا. زيارتي الرسمية محددة بثلاثة أيام فقط. اخترنا هذه المدة بحجة التحقيق في هجمات الوحوش، وكان من الصعب تمديدها أكثر.”

قالت مييل وهي تقبض على يدها بعزم:

“ثلاثة أيام… أعتقد أنها كافية.”

لاحظ جايد وتوروي حماسها، فتحدث جايد بصوت منخفض:

“علينا أن نبذل أقصى ما لدينا خلال هذه المدة.”

أضاف توروي:

“رغم أنها تبدو قصيرة، لكن بالنظر إلى المرات السابقة التي بحثنا فيها عن الكنوز… فإن الوقت قد لا يكون قصيرًا كما نظن.”

في الواقع، كان وقت البحث الفعلي عن الكنوز في السابق لا يستغرق الكثير، لكن مجرد الوصول إلى مكانه كان يأخذ وقت طويل.

قالت مييل بخفة أمل:

“أرجو أن نجدها بسرعة هذه المرة أيضًا.”

راودها صوت والدها في الحلم مجددًا، فشعرت بحاجة ملحة للعثور على الكنز بأسرع وقت.

حين هدأت المحادثة، نظرت مييل من النافذة.

كانت العربة قد دخلت شوارع العاصمة غافيلونيا. 

بدا المشهد مألوفًا لها.

‘كأنني في إحدى مدن إمبراطورية هاغوران.’

مبانٍ حجرية على الطراز القوطي، لكن بلون أبيض ناصع يطغى على كل شيء. 

الشوارع نظيفة، والمدينة منسّقة بعناية.

‘ربما العناية بها تفوق حتى عناية هاغوران بمدنها…’

وكانت الشمس تميل نحو المغيب، فانعكس وهجها على الحجارة البيضاء، لتبدو المدينة كأنها تلمع بهالة ذهبية.

ثم بدأت العربة تتباطأ.

‘هل وصلنا إلى القصر؟’

ظهرت أمامها أسوار متوسطة الارتفاع بيضاء تمامًا، وخلفها مبانٍ فخمة.

توقفت العربة عند البوابة.

دار حديث قصير بين السائق والحرس، ثم فُتحت الأبواب ودخلت العربة.

ما إن تجاوزوا السور، حتى ظهر القصر بكل وضوح.

‘ربما لا يضاهي حجم قصر هاغوران، لكن تصميمه أنيق ومثير للإعجاب.’

تأملت مييل تنسيق الحدائق البسيط الذي بدا منسجمًا تمامًا مع اللون الأبيض الطاغي على الأبنية.

قال توروي بينما تواصل العربة تقدمها:

“الأسرة الإمبراطورية في فيرّهون خضعت طويلاً لسلطة الكنيسة، لذا هم ليسوا مغرورين كما قد تتخيلين. لا داعي للقلق الزائد.”

سألته مييل:

“لكن… أليس ذلك مدعاة للقلق؟ أن يشعروا بالضيق في صمت؟”

أجابها توروي مطمئنًا:

“بل على العكس. إنهم يدركون موقعهم جيدًا. وربما هذا هو السبب الذي أبقى الأسرة الإمبراطورية فيرّهون قوية لقرون.”

وفي تلك اللحظة، توقفت العربة أخيرًا.

ـــــــ

ترجمة : سنو

فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسول

فون وبس تقرأون ♥️. 

بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee

او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee

واتباد : punnychanehe

واتباد احتياطي : punnychanehep