معلمي قد جُنّ [ الفصل 84 ]
بعد نحو ساعتين من مغادرة العربة برج السحر، فتحت مييل الحقيبة الصغيرة التي كانت قد أحضرتها معها داخل العربة.
“سموّ الأمير، هل تناولت شيئًا من الطعام؟”
سألت مييل توروي بابتسامة خفيفة، فهزّ توروي رأسه نافيًا.
“لا، لم يكن هناك وقت، فقد انطلقنا مبكرًا جدًا.”
“إذن، هل ترغب بتناول شيء في الطريق؟ حضّر لي فووك بعضًا من أطباقه الخاصة.”
أشرقت ملامح مييل بابتسامة دافئة، مما لفت انتباه جايد الذي بدأ ينظر إليها باهتمام.
“أوه؟ فووك هو من أعدها؟”
“نعم، عندما عرف أنني على وشك السفر مجددًا، جهز لي بعض الوجبات الخفيفة لأتناولها في الطريق.”
قالت ذلك وهي تفتح الحقيبة، والتي كانت قد وُضعت عليها تعويذة لحفظ الطعام.
داخلها تنوعت الأطعمة المحفوظة بعناية.
اختارت أولًا ساندويتشًا سهل التناول، كان محشوًا بشرائح اللحم المقدد ومجموعة من الخضروات الطازجة.
قسمت الساندويتش وناولته لكل من جايد وتوروي، ثم أخذت حصتها الخاصة.
“مييل، أين حصتي؟ هل فيه تفاح؟”
قال كوسيليكو وهو يهبط على كتفها، يطالب بنصيبه متفقدًا محتوى الساندويتش.
ففتحت مييل الساندويتش وقطعت جزءًا منه، قائلة وهي تبتسم:
“هاك، فيه كل شيء. موزون تمامًا.”
ناولته القطعة، ثم بدأت تأكل.
“ممم، لذيذ كالعادة.”
قالت وهي تبتسم من الطعم، فبدأ جايد وتوروي بتناول طعامهما أيضًا.
فتحت مييل النافذة قليلًا لتجعل الهواء المنعش ينساب إلى الداخل.
لم تكن معتادة على تناول الطعام داخل العربة أثناء رحلات البحث عن الكنوز، بل كان ذلك أمرًا مألوفًا فقط في المهمات الميدانية القديمة.
‘ربما لهذا السبب يبدو الجوّ مختلفًا ومميزًا أكثر.’
واصلت تناول طعامها بتلك الفكرة في ذهنها.
“طعمه جيد.”
قال جايد وهو يحدق عبر النافذة، يتناول طعامه بهدوء.
“بالفعل، مهارة طباخ البرج مميزة. شعرت بهذا منذ المرة الماضية…”
علّق توروي بنبرة جادة وهو يتذوق الطعام بتمعّن.
“لا يقل عن طباخي القصر الإمبراطوري.”
ضحكت مييل عفويًا من شدة الجدية في صوته.
“يسرني أن الطعام راق لكم.”
انتهوا بسرعة من تناول الساندويتش.
ثم أخرجت مييل من الحقيبة بعض أسياخ الفواكه وقدمتها لهما.
“هاك يا كوكو، أردت أن تأكل هذا أليس كذلك؟”
قطّعت له القليل من كل نوع وأطعمته، فأخذ كوسيليكو يلتهم الفاكهة بحماس، حتى بدت بطنه منتفخة قليلًا، مما جعل مييل تضحك بخفة.
وبعد تلك الوجبة الخفيفة، ارتخت ملامح الجميع داخل العربة.
“هاااام…”
تثاءبت مييل دون وعي.
أما كوسيليكو فكان قد غطّ في النوم على ركبتيها.
“مييل، إن كنتِ تشعرين بالنعاس، فخذي قسطًا من الراحة. لا يزال الطريق طويلًا.”
“حسنًا يا معلمي…”
ردّت بخفوت، ثم سرعان ما غفت.
وسرعان ما غرق جايد وتوروي أيضًا في نوم خفيف.
***
“مييل…”
في ظلمة حالكة فتحت مييل عينيها.
كان ذلك مكانًا لا تعرفه، رغم أنها متأكدة بأنها كانت داخل العربة قبل لحظات.
وسرعان ما شعرت بأن صوتًا مألوفًا يتردد في أذنيها.
نظرت حولها، فلم ترَ سوى السواد.
“أبي؟”
حاولت التحدث، لكن صوتها لم يخرج.
وكأنها لم تكن تتحدث بصوت بل ترسل أفكارًا فحسب.
في تلك اللحظة، انبعث نور صغير من بعيد.
كان أبيضَ ناصعًا، صغيرًا جدًا، ومع ذلك فقد بدّد الظلام من حوله.
“لا وقت لدي…”
هذا الصوت ذاته، صوت والدها.
“أبي؟ ماذا تعني؟”
حاولت إيصال أفكارها إليه، لكنها لم تتلقَ أي رد.
فقط ظل الصوت يهمس:
“تعالي إليّ… بسرعة.”
وبينما كانت مييل تحاول فهم ما يقصده، بدأ ذلك الضوء يتلاشى تدريجيًا.
“أبي! أبي!”
نادت بكل قوتها، لكن لم يصلها أي جواب.
***
“……يل!”
استفاقت مييل ببطء.
وكان أول ما رأته هو وجه مألوف.
“مييل! هل أنتِ بخير؟ ما الذي رأيته في ذلك الحلم؟”
“معلمي؟”
رمشت بعينيها ببطء، متأملة المكان.
ها هي مجددًا داخل العربة المتجهة إلى فيرّهون، أمامها كل من جايد وتوروي وكوسيليكو أيضًا.
“ناديْتكِ ولم تستجيبي، وكان العرق يتصبب منكِ. هل رأيتِ كابوسًا؟”
سألها جايد بقلق نادر، وهو يخرج منديلًا ليمسح جبينها بلطف.
“لا… لا أظن أنه كان كابوسًا.”
اعتدلت في جلستها وهي تحاول استرجاع ما رأته في الحلم.
‘ذلك الصوت… وتلك الكلمات…لا وقت لدي، تعالي إليّ…’
‘لماذا قال والدي هذا؟’
رغم أنها شعرت بوضوح أن ذلك الحلم لم يكن عاديًا، لم تستطع أن تجد له تفسيرًا منطقيًا.
ربما يكون مجرد تهيؤات بسبب قلقها على جمع الكنوز.
“إذن ما الذي حلمتِ به؟”
“لا شيء مهم… مجرد حلم عابر.”
أجابتهم بابتسامة مصطنعة، تحاول تهدئة قلقهم وتخفي ارتجاف قلبها.
‘سيكون بخير. أبي لن يصيبه شيء.’
هكذا طمأنت نفسها، لكنها لم تستطع تبديد القلق بالكامل.
‘عليّ أن أُسرع أكثر في جمع الكنوز.’
***
لاحقًا، بدأت العربة تبطئ حركتها شيئًا فشيئًا.
قال توروي وهو يرتب عباءته:
“قبل أن نصل إلى فيرّهون، سنبدّل العربة هنا في كوبيدو. فبعد هذه البلدة، لا توجد إسطبلات على الطريق.”
“فهمت يا سموّ الأمير.”
لحقت به مييل، ترتدي عباءتها هي الأخرى، بينما جايد كان قد انتهى من الاستعداد.
“من الآن فصاعدًا، مييل ستكون سكرتيرتي، وسيد البرج سيكون خادمي.”
أخرج كل من مييل وجايد قارورة من عباءتهما.
استغرب توروي.
“ما هذا؟”
أرادت مييل الإجابة، لكن جايد سبقها.
“راقب فقط.”
ثم شرب القارورة دفعة واحدة.
وما هي إلا لحظات حتى بدأت ملامحه تتغير، فتحوّل لون شعره الغامق تدريجيًا إلى بني هادئ، وعيونه أصبحت بلون زمردي باهت.
“هاه… هل هذه… جرعة تغيير الشكل؟”
“بالفعل. بدت أفضل وسيلة لإخفاء هويتنا.”
رفع جايد كتفيه بلا مبالاة.
حينها التفت توروي إلى مييل، وقلبه بدأ يخفق بوتيرة أسرع.
‘هل سأراها بشكل مختلف؟’
رؤية مَن يحب في هيئة جديدة أمر كفيل بإثارة القلب.
بهدوء، شربت مييل جرعتها.
فتحوّل شعرها الفضي اللامع إلى لون بني مائل للذهبي، وعيونها الذهبية تحولت إلى سوداء داكنة كالأوبسيديان.
“واو…”
همس تروي بذهول.
كانت دائمًا جميلة، لكن حتى بشكلها الجديد بدت رائعة.
وقبل أن يستغرق أكثر، سمع تعليقًا من كوسيليكو:
“أوه، سيد البرج، هذا الشكل الجديد يليق بك!”
طار إليه الصغير من على ركبة مييل.
“تبدو أقل شراسة هكذا! ما رأيك أن تشرب جرعات التحوّل دائمًا؟”
ضحك الطائر الصغير، مما جعل حاجب جايد يرتفع.
“أترغب أن تتحوّل إلى دجاجة مشوية الليلة؟”
“هيييك! مييل، أنقذيني! إنه يهددني مجددًا!”
قفز الصغير إلى صدر مييل التي بدأت تربت عليها.
“لقد كنت البادئ يا كوكو.”
رغم الأجواء المرحة المعتادة، لم يكن قلب توروي قد هدأ بعد.
‘عندما رأيتها لأول مرة… شعرت بالإعجاب ذاته.’
ثم ابتسم بخفة.
‘نعم… يبدو أنني وقعت في حبها من جديد.’
ــــــ
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF
وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 84"