معلمي قد جُنّ [ الفصل 82 ]
أدار توروي نظره بين مييل وجايد، ثم ثبّت بصره على مييل.
كانت ملامحها زاهية إلى حدّ لا يليق بوظيفة سكرتيرة.
رغم أنّ الجمال لا يمنعها من شغل هذا المنصب، إلا أنّ الأمر يثير الانتباه.
في هذه المهمة تحديدًا، كان من الضروري أن يُخفى الجميع هويتهم، خاصةً وهو نفسه سيكشف عن هويته.
زيارته لفيرهون كانت في غاية السرية، ولن يُعلن أن ولي العهد قادم إلى هناك، لكن مع ذلك، من يقفون على قمة السلطة في فيرهون لا بد أنهم سيعرفون.
لذا، من الأفضل أن يخفي مييل وجايد هويتهما أيضًا.
‘فما إن يُكشف أمري، قد تحاول فيرهون احتجازي بالقوة.’
راح توروي يقدّر الاحتمالات السيئة التي قد تطرأ، فلو جرى تقييده، فعلى الأقل يجب أن يكون بإمكان رفيقيه التحرّك بحرية.
ومن نظراته، أدرك كلٌّ من مييل وجايد ما يدور في ذهنه.
قال جايد بنبرة هادئة:
“سنرتّب مظهرنا بما يكفي لتجاوز الشبهات.”
وأومأ برأسه ببطء.
قالت مييل بابتسامة خفيفة:
“سأحاول أن أبدو أكثر تحفظًا ما أمكن.”
حينها فقط ارتسمت على شفتي توروي ابتسامة صغيرة.
“إذًا، طالما اكتملت الترتيبات، سأكتفي بهذا القدر.”
وقف توروي من مجلسه.
ومع تذكّره المهام المكدّسة التي بانتظاره في القصر، أحسّ بصداع خفيف.
لكن دون أن يظهر شيئًا، ثبت نظره على مييل.
“أراكِ صباح الغد عند موعد الانطلاق.”
أومأت مييل احترامًا:
“رافقتك السلامة يا سموّ الأمير.”
رد توروي بإيماءة ثم نظر إلى جايد الذي ردّ عليه بإيماءة غير رسمية، اعتاد توروي عليه فاستدار وغادر.
وما إن خرج توروي من قاعة الاستقبال، حتى بقيت مييل وحدها مع جايد.
تمتمت مييل:
“أن أبدو… أكثر تحفظًا؟”
اقترب جايد منها وسأل بابتسامة:
“ما الذي يحيرك؟”
كان واقفًا أمامها، ولفارق الطول بينهما، اضطرت لأن ترفع رأسها لتنظر إليه.
قالت مترددة:
“رغم أنه قال ‘بشكل متحفظ’، فإن قلقه نابع من مظهرنا على الأرجح. وتغيير الملابس وحده لن يخفي ذلك.”
نظرت إليه مباشرة.
كان جايد يتمتع بجمال لافت.
حتى وإن كان لون شعره وعينيه الداكن يوحي بالهدوء، فإن تفاصيل وجهه الحادة وبنيته البارزة جعلت مظهره لا يُخفى بسهولة.
‘أما أنا، فشعري الفضيّ وعيناي الذهبيتان ملفتتان للغاية.’
حتى في أماكن يكثر فيها تنوع الألوان، فإن ألوانًا براقة كهذه تبقى نادرة وتثير الانتباه.
ضحك جايد بخفة وهو يستدير:
“لا داعي للقلق يا مييل. لا تنسي أين نحن.”
ثم أدار وجهه قليلاً وأشار لها أن تتبعه.
فلحقت به.
“نحن في برج السحر.”
“…آه.”
انفرجت أسارير مييل قليلًا.
وسارت إلى جانبه عبر الممرات، بينما يحييهما بعض السحرة بين الفينة والأخرى.
قادها جايد إلى الطابق السفلي، حيث تُخزن الأدوات السحرية.
وهناك توجه إلى مستودع خاص يُحفظ فيه “الإكسير السحري”.
“هذه المواقف بالذات هي سبب وجود هذا الإكسير.”
فتح باب المستودع بنفحة من سحره، فكُشف عن غرفة مرتبة تحوي عددًا لا يحصى من الزجاجات المصفوفة بعناية.
‘كلّما أزور هذا المكان… لا يسعني إلا أن أندهش.’
نادرًا ما زارت مييل هذا المستودع، لكن كل زيارة كانت تترك أثرًا فيها.
الداخل بدا وكأنه مختبر منظم بدقة مثالية.
راح جايد يتفقد المكان بعينٍ خبيرة.
“لا بد أنه هنا…”
ثم توقف عند رف معين.
“مييل، تعالي.”
اقتربت منه، وأشار إلى زجاجة صغيرة كُتب عليها ‘إكسير التحوّل’.
إكسير يُغير مؤقتًا لون الشعر والعينين لمن يشربه.
“هذا تمامًا ما صُنع لأجله.”
أخرج زجاجتين صغيرتين مملوءتين بسائل أرجواني باهت.
نفخ فيهما لمسة من سحره وتحقق من حالتهما.
“لا بأس. ما زالت بحالة جيدة.”
ناول واحدة لمييل.
“جربي.”
وما إن نطق بذلك حتى فتح زجاجته وابتلع محتواها دفعة واحدة.
سرى ضوء أرجواني في عينيه وشعره فغير لونهما.
أتسعت عينا مييل من الدهشة. فقد تحوّل لون شعر جايد القاتم إلى بنيّ هادئ، وعيناه إلى أخضر داكن يضفي عليه وقارًا.
“آه…”
همست مييل، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة لا إرادية.
‘حتى بعد تغيّر لونه… ما زال وسيمًا بشكل لافت.’
بل إن هذا التحوّل أضفى عليه سحرًا مختلفًا جعل قلبها يخفق بشدة.
دون تردد، شربت مييل محتوى الزجاجة في يدها فغمرها ضوء أرجواني.
تحوّل شعرها الفضيّ إلى بنيّ فاتح يميل إلى الذهبي، بينما أصبحت عيناها سوداوين كثيفتين.
حدّق جايد في مظهرها الجديد ولم ينبس ببنت شفة.
‘حتى بهذه الهيئة… تبدين فاتنة.’
كاد أن يمد يده ليلمس وجنتها، لكنه كبح نفسه في اللحظة الأخيرة.
سألته بتردد:
“هل… أبدو غريبة؟”
وضعت الزجاجة الفارغة على درج قريب.
هز جايد رأسه فورًا.
“بل العكس، يليق بك تمامًا.”
قالها بابتسامة هادئة.
ثم سألها بدوره:
“وأنا؟ كيف أبدو؟”
“لا بأس. مظهرك مختلف قليلًا عن المعتاد، لكن ليس سيئًا.”
ورغم نبرتها الهادئة، فإن طرف أذنيها بدا محمرًا، وكذلك جايد.
تبادل الاثنان النظرات، وساد بينهما صمت قصير.
أبعد جايد نظره فجأة.
شعر أنه لو واصل التحديق بها، فقد يُمسك بيدها دون وعي.
فالتفت بسرعة وجمع بعض زجاجات الإكسير الإضافية، وناولها لمييل.
“مفعول الزجاجة الواحدة يدوم لأكثر من 12 ساعة. لكننا لا نعرف كم سنمكث في فيرهون، فالأفضل أن نأخذ كمية احتياطية.”
أومأت مييل، وأخذت الزجاجات.
“مفهوم.”
“إذًا… أراكِ غدًا.”
وغادر جايد المكان بخطى مسرعة، بينما بقيت مييل واقفة وسط المستودع، تشعر بخفقان قلبها يتصاعد.
***
في صباح اليوم التالي، عند الفجر تقريبًا.
وقفت مييل وجايد وكوسيليكو عند البوابة الخلفية لبرج السحر.
سأل كوسيليكو، وقد استقرّ على كتف مييل:
“كيف يبدو مظهر سيد البرج بعد أن يشرب ذلك الإكسير؟”
كان قد شاهدها تشرب الإكسير الليلة الماضية وأبدى إعجابه.
“أنتِ تبدين رائعة بكل الأحوال، لكن مع التغيير… صرتِ تشبهين الحكيم العظيم كثيرًا.”
ضحك الطائر الصغير، فابتسمت له مييل:
“كفى يا كوكو… أخجلتني.”
“لكنها الحقيقة، فما العيب؟”
“يبدو أنك تناولت طعام فووك هذا الصباح، فأنت في مزاج رائع!”
رفرفت أجنحة كوسيليكو الصغيرة بسعادة.
“هذا صحيح في الواقع.”
وبينما كانوا يتحدثون، ظهر من بعيد حصان يركض وسط الغبار.
لقد وصل توروي.
“ها هو ذا.”
قال جايد وهو يحمّل أمتعة مييل على العربة التابعة للبرج، ثم التفت.
“صباح الخير يا آنسة مييل.”
ترجّل توروي واقترب منها بابتسامة هادئة.
“صباح النور يا سمو الأمير. هل ننطلق؟”
ردّت مييل، فاستدار كل من توروي وجايد نحو العربة.
صعد الثلاثة ومعهم كوسيليكو إلى العربة، وهكذا بدأت رحلتهم إلى فيرهون.
ــــــ
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات
لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 82"