خرجت عربة برج السحر من العاصمة دون أن يشعروا بالوقت.
ومع اقترابهم تدريجيًا من الصحراء الغربية وهي أرض البرج، بات الهواء ثقيلاً وحارًا.
ومع ازدياد حرارة داخل العربة، غلب النعاس لُولو ولالا فغفوا.
حينها، ألقى جيك تعويذة تبريد بصمت، وقد أسند الطفلين النائمين إلى ركبتيه.
فأخذ الهواء المنعش يسري في أرجاء العربة، فبادلته مييل النظرات شاكرة، ثم راحت تعبث بطائر ورقي كانت تحمله.
‘غريب… مضى وقت طويل منذ آخر مرة أرسل لي فيها رسالة.’
كان من النادر أن تتلقى شيئًا من معلمها. لقد مضت فترة طويلة منذ آخر طائر سحري استلمته منه.
‘متى كان ذلك؟ أعتقد أنه قبل أن أُرسل لتنفيذ هذه المهمة بكثير… نعم، كان حينها جايد مشغولًا خارج البرج، فاضطر إلى استخدام طائر سحري يحركه السحر للتواصل من الخارج.’
‘لكن الآن، هو موجود في البرج، وسنصل قريبًا على أية حال. فلماذا أرسل هذه الرسالة؟‘
هل يمكن أن شيئًا ما حدث في البرج؟
لكن منذ أن كان سيد البرج موجودة فيه، لم يحدث أن وقعت كارثة واحدة.
فلم يتبقَ سوى احتمال واحد: يبدو أن لديه مهمة أخرى يريد تكليفها بها.
‘كنت آمل أن أرتاح أخيرًا بعد عودتي الطويلة.’
كانت تخطط عند الوصول إلى البرج أن تغتسل، وتتناول الطعام، ثم ترتاح جيدًا.
بل كانت تنوي زيارة أحد الينابيع الساخنة الشهيرة في الإمبراطورية لتزيل ما تراكم من تعب.
لكن الآن تُفاجأ بتكليف جديد؟ زفرت مييل بانزعاج.
عادةً، لا يتم تكليف السحرة العائدين من مهمة طويلة مباشرة بعمل جديد.
كان يُسمح لهم على الأقل ببضعة أيام للراحة، حتى يستعيدوا كامل لياقتهم.
وهي بدورها كانت تُعامل دومًا بهذا الشكل.
‘لماذا يطلبني بهذه العجلة؟‘
تمتمت بغيظ وهي تمط شفتيها.
‘إن كان لا يحبني، فليقلها صراحة!’
سحقت الورقة في يدها، ثم أشاحت بوجهها نحو النافذة.
ما بدا أمامها لم يكن أشجارًا وارفة، بل نباتات يابسة متشققة بفعل الحر الشديد.
لقد دخلوا حدود أرض البرج.
‘أمضي وكأنني لم أرَ شيئًا؟‘
كلما اقتربوا من البرج، ازدادت رغبتها في الراحة.
أرادت فقط أن تنقع جسدها في حوض ماء دافئ، وتملأ معدتها بالطعام، وتغرق في النوم العميق.
مع هذه الأفكار، تراجع اهتمامها بأمر المعلم إلى الخلف.
‘نعم، أولويتي الآن هي راحتي.’
وفي النهاية، قررت أن توكل مهمة إبلاغه بإتمام المهمة إلى جيك.
‘إن كانت هناك أوامر جديدة، فليبلغوه بها من خلاله.’
فكرت بنصف عزيمة.
“آه، الجو خانق!”
“لنسرع بالدخول!”
ما إن نزلوا من العربة، حتى اندفعت حرارة الصحراء الرطبة لتغمر أجسادهم.
ركضوا لُولو ولالا نحو البرج، وتبعهما جيك وهو يحمل صندوق المجوهرات.
أما مييل، فوقفت تراقب البرج للحظات.
كان منظر البرج، الذي لم تره منذ وقت طويل، يثير في نفسها مشاعر متباينة. فأن ترى برجًا شاهقًا شامخًا في وسط صحراء لا شيء فيها سوى الرمال، أمر يبعث على التأمل.
كان مظهره من الخارج قاتمًا رماديًا، لا يتغير.
“مييل! أسرعي!”
“ميييل!”
ترددت صيحات الأطفال، فبدأت تمشي نحوهم. كان مدخل البرج عبارة عن باب خشبي هائل.
رغم أنه مصنوع من الخشب فقط، إلا أنه كان سميكًا وضخمًا. لكن لُولو ولالا فتحتاه بسهولة.
فقد وُضع على الباب سحر “استشعار“، لا يسمح بفتحه إلا لمن ينتمي إلى برج السحر.
“أوه، كم هو منعش!”
“كما هو متوقّع من البرج!”
بمجرد دخولهم، لفحهم هواء بارد منعش. لم يكن أحد ليظن أن هذا الجو المنعش يمكن أن يوجد داخل مبنى في قلب الصحراء.
ألقت مييل تحية الوداع على الأطفال وعلى جيك، ثم توجهت نحو نهاية الرواق.
كان الرواق دائري الشكل، وعلى جانبيه مصاعد سحرية تنقل الأشخاص بين الطوابق.
بمجرد أن تدخل المصعد، تصل إلى الطابق الذي ترغب فيه.
فاتجهت مييل مباشرة إلى الطابق المخصص لسكن السحرة، ودخلت غرفتها التي تقع في آخر الممر.
“مرحبًا، يا سريري العزيز!”
ما إن رأت السرير الناعم حتى ألقت بنفسها عليه.
خلعت ملابسها وهي مستلقية، ثم بقيت ممدة دون حراك، تفكر في لا شيء.
كان ملمس الفراش اللطيف يدغدغ ظهرها ويذيب تعبها شيئًا فشيئًا.
“آه… أنا جائعة.”
صدر صوت قرقرة واضح من بطنها.
نهضت أخيرًا من السرير، استحمت على عجل، وبدّلت ملابسها، ثم خرجت من الغرفة.
“أوه، مييل!”
ما إن وصلت إلى الطابق الذي فيه المطعم عبر المصعد السحري، حتى استقبلها شيخ مسن بابتسامة عريضة وهو يربّت على لحيته البيضاء.
كان ذلك الرجل هو شولاين.
“السيد شولاين! مضى وقت طويل!”
“أرى أنك عدتِ من مهمتك اليوم!”
“نعم، وصلتُ لتوي.”
“أحسنتِ، أحسنتِ. كنتِ مجتهدة. هل ذاهبة لتناول الطعام؟“
“بالتأكيد! أنا جائعة جدًا.”
“فلنذهب معًا إذن.”
اتجه الاثنان إلى المطعم وهما يتبادلان أطراف الحديث.
تحدثت مييل عن المنطقة الخطرة في الإمبراطورية التي ذهبت إليها أثناء تنفيذ مهمتها.
وقال شولاين إنه زار تلك المنطقة عدة مرات، وبدأ يخبرها عن أطعمتها الشهية ومنتجاتها المحلية.
“الحديث عن الطعام يجعلني أكثر جوعًا!”
“أجل، هكذا هو الحال دائمًا. اليوم سنطلب من فوك أن يُعد لنا شيئًا مميزًا.”
“رائع!”
دخل الاثنان إلى المطعم، الذي كان لا يزال خاليًا لأن وقت العشاء لم يحن بعد.
فتوجّها مباشرة إلى المطبخ حيث يفترض أن يكون الطاهي فوك.
كان فوك، ذو البنية الممتلئة، يحضّر وجبة العشاء مسبقًا.
“مييل! لم أرك منذ زمن!”
“فوك! أنا أيضًا اشتقت إليك!”
أسرعت مييل نحو فوك وعانقته. كان أحد الأشخاص الذين يمنحونها البهجة في حياة البرج.
فهو كان دائمًا يطهو لها أطيب الأطعمة، وكانت تستمتع بها أيّما استمتاع. ولهذا، كان فوك يحبها كثيرًا.
“فوك، لقد عادت مييل بعد غياب طويل، فاهتم بوجبتها جيدًا. بالمناسبة، أعطني ما تبقّى من الجعة بالكرز.”
“حاضر! مييل، انتظري قليلًا فقط. سأتولى الأمر فورًا!”
“حسنًا!”
ابتسمت مييل ببشاشة، وبدأت في ترتيب أدوات الطعام من شوك وسكاكين وملاعق.
ثم ارتشفت قليلاً من الماء الذي أحضره لها شولاين، قبل أن تبدأ بانتظار طعام فوك.
* * *
“وبذلك، أُنجزت المهمة بنجاح. وهذه هي مكافأة المهمة والمكافأة الخاصة كذلك.”
أنهى جيك تقريره عن الرحلة التي استغرقت شهرين، ثم قدم صندوق المجوهرات لسيد البرج.
لكن سيد البرج لم يُلقِ نظرة واحدة على الصندوق، ما دفع جيك لمناداته بهدوء.
“سيدي؟“
“آه… نعم. هذه مكافأة المهمة، صحيح؟“
“نعم.”
عندها فقط مدّ جايد يده نحو الصندوق وفتح الغطاء، فانبعث بريق المجوهرات المتلألئ منه دون انقطاع.
حتى بمجرد نظرة سريعة، كان واضحاً أن قيمتها باهظة.
كان الأمير هو من طلب المهمة على ما يبدو… لكن هذا غريب، فهو لا يُظهر وُدًّا كبيرًا للبرج عادة.
ولما لمح جيك نظرة الشك في عيني جايد، بادر جيك بتفسير الأمر:
“ربما السبب أننا أنجزنا المهمة قبل موعدها بشهر. هذا ما قالته لمييل على ما يبدو.”
“…لـمييل؟ جيك، ألم تكن أنت من قابل ولي العهد؟“
“لا، كنت أتناول الحلوى مع لولو ولالا في تلك الأثناء. ولم يكن من الضروري أن أرافقها، كانت كافية وحدها.”
رغم أن المكافأة قد تُبرّر بإتمام المهمة مبكرًا، إلا أن المبلغ بدا مفرطًا حقًا.
كان جايد يتساءل إن كان ولي العهد يفتقر لأي حس اقتصادي.
لكن ما أزعجه حقًا هو أن مييل قابلت ولي العهد وحدها.
‘مستحيل… لا يمكن أن يكون…’
حاول أن يتذكّر، هل حدث أمر كهذا في الماضي، قبل العودة بالزمن؟
لكنه لم يتذكّر بوضوح، فحينها لم يكن يكترث بمييل أصلًا.
“وأين هي مييل الآن؟“
تخلّى عن تلك الأفكار الغريبة، وسأل.
“عفواً؟“
“أين هي الآن؟“
“لست متأكداً، ربما في غرفتها؟“
“…ماذا؟“
انعقد حاجباه. لقد أرسل لها رسالة بنفسه، ومع ذلك أوكلت أمر التقرير إلى جيك، بل وبقيت في غرفتها؟
لم يصدق أذنيه.
“ربما فقط متعبة بعد رحلتها الطويلة وتحتاج لبعض الراحة.”
“حسنًا، اخرج الآن.”
أمره جايد بهدوء، ثم اتكأ على الكرسي.
حسبما قال جيك، فلابد أنها تستريح قليلًا، ثم ستأتي لاحقًا.
لقد عادت بعد غياب طويل، فلا بأس إن أخذت وقتًا لتغتسل وترتاح.
نعم… فقط القليل من الانتظار.
ومضت ساعة، ولا شيء.
ربما استغرقت وقتًا في الاستحمام…
ثم مرّت ساعتان، وما يزال الهدوء سائدًا.
“لماذا لم تأتِ حتى الآن؟“
نهض جايد من مقعده في النهاية، وقد نفد صبره، وقرّر أن يذهب بنفسه.
توجه إلى غرفة مييل وطرق الباب فور وصوله، لكن لم يتلقّ أي رد.
ولا حتى أي حركة توحي بوجودها.
“أين ذهبت؟“
بدأ يتجوّل في أنحاء البرج باحثًا عنها.
وسأل بعض السحرة الذين صادفهم، لكنهم لم يكونوا على علم حتى بأنها قد عادت.
ولما مرّ بجوار المطبخ، شعر فجأة برائحة طعام تتسلل من المكان، رغم أن وقت العشاء لم يحن بعد.
توجه فورًا إلى هناك، ليجد في الداخل شخصين يتناولان طعامهما بهدوء.
كانا شولاين ومييل.
وكانت الطاولة أمامهما ممتلئة بالأطعمة، على ما يبدو أن فوك بذل جهدًا كبيرًا في إعدادها.
كانت مييل تأكل بنهم شديد وهي تمسك بأحد الصحون، ولم تلحظ قدوم جيد.
“أوه؟ سيد البرج! ما الذي أتى بك إلى هنا…؟“
كان فوك أول من انتبه إلى وجوده، وقد كان يراقب مييل وهي تأكل بابتسامة راضية.
وعندها، التفت كل من مييل وشولاين ناحيته.
“سيدي!”
نهض شولاين بسرعة وكأنه سيتوجه إليه، لكن جايد أشار إليه ألا يقترب، ثم تقدم بخطى هادئة.
حين وقعت عيناه على وجه مييل، الذي بدا أصغر وأكثر براءة مما كان يذكر، شعر بانقباض في صدره.
بدأت مشاعر غريبة تتسلل إليه.
ظلّ يحدّق بها دون أن ينطق بكلمة.
أما مييل، فقد بدا عليها الارتباك، وسرعان ما كادت تختنق من شدة التوتر وهي تأكل بسرعة.
‘ما الذي أتى به فجأة إلى هنا؟ إنه لا يزور المطعم عادة. لقد أفزعني حتى كدت أختنق!’
لكن جايد، بطبيعة الحال، فسّر تعبيرات وجهها على طريقته الخاصة.
‘كما توقعت… ملامحها المرتبكة عند رؤيتي تدل على أنها تكنّ لي مشاعر…’
أمسكت مييل بكأس الماء وشربت بنهم حتى هدأت أنفاسها.
وبعد أن انهمرت عيناها بالدموع وكفّت عن السعال، بدأت تتحدث:
“سيدي، ما سبب زيارتك المفاجئة للمطعم؟“
لو لم يكن قد أرسل لها تلك الرسالة، لما كلف نفسه الحديث معها.
لكن الآن، لم يكن تجاهله خيارًا.
“أرسلت لك رسالة، ومع ذلك لم تأتي إليّ.”
كما توقعت… لهذا أتى بنفسه.
لكن مييل لم تتراجع، فبالنسبة لها، كانت الأولوية الآن للراحة.
“الرسالة لم تتضمن سوى أمرٍ بالعودة إلى برج السحر، ولم يُذكر فيها أن عليّ البحث عن معلمي، أليس كذلك؟“
قالت مييل بنبرة جافة، كأنها تجادل أو تُلقي باللوم.
في الحقيقة، لم تكن تنوي التحدث بحدة إلى هذا الحد، لكنها تفوّهت بذلك دون قصد، بعدما قُطع عليها وقت الراحة.
كانت تدرك أن طريقتها في الحديث قد تُغضب معلمها، لكنها كانت قد عقدت العزم على الحصول على قسطٍ من الراحة، حتى وإن أدى الأمر إلى شجارٍ بينهما لأول مرة.
شولاين وفوك، اللذان كانا يراقبان الحوار عن كثب، شهقا وأخفيا أنفاسهما من التوتر.
فهما يعلمان أن العلاقة بين المعلم وتلميذته لم تكن على ما يُرام في الأصل، وإن لم تصل من قبل إلى حد التصادم، لأن مييل كانت تطيع الأوامر من دون جدال.
لكن أن تتمرد عليه بهذه الطريقة؟!
وبالنظر إلى طبع سيد البرج، فمن المؤكد أنه سينفجر غضبًا… بل من المرجّح أن يطردها من البرج تمامًا.
لا، بل لو تمكّنت من الخروج سالمة الجسد، فسيُعد ذلك حظًا عظيمًا.
كانت صور مرعبة تمرّ في خيال شوليين وفوك، وهما يعلمان جيدًا مدى حدة طبع سيد البرج.
كائن ممزق إربًا، مضرّج بالدماء… لا بد من تفادي نهايةٍ كهذه بأي ثمن.
تلاقى نظرهما، ثم تبادلا إيماءة خفيفة.
قرّرا التدخل فورًا لإيقاف سيد البرج الغاضب… لكن الصوت الذي صدر منه جاء بخلاف كل توقّعاتهم، هادئًا بشكل غريب.
“…كلامها منطقي.”
…هاه؟
بمجرد أن نطق بهذه العبارة، شك الثلاثة الآخرون، باستثناء جايد، في سلامة سمعهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"