معلمي قد جُنّ [ الفصل 78 ]
عادت مييل إلى غرفتها مباشرة وهي تحمل أمتعتها، برفقة كوسيليكو. وعلى الرغم من أن رحلتها لم تتجاوز بضعة أيام، إلا أن الإرهاق كان قد بلغ منها مبلغًا.
‘ مهما كانت الراحة التي وجدناها أثناء الرحلة، يبدو أن التعب لا يمكن تفاديه تمامًا.’
هكذا فكرت وهي تفتح باب غرفتها.
وبمجرد دخولها، قفز كوسيليكو من عباءتها.
“ أوووف، أخيرًا عدنا. لا شيء يضاهي راحة المنزل.”
رتم على سريرها وراح يتقلب عليه، بينما بدأت مييل بترتيب أغراضها.
“ منذ متى أصبح هذا المكان منزلك؟ بالكاد مرّ وقت على وجودك فيه.”
ضحكت مييل، فضحك الطائر الصغير معها.
“ ما دام أكثر الأماكن راحة، فهو يُعدّ منزلاً!”
“ حسنًا، إن أردتَ اعتباره كذلك، لا بأس.”
قالت ذلك وهي تفرغ حقيبتها.
رتّبت ملابسها، وأعادت أدواتها السحرية إلى أماكنها، ووضعت الكنوز التي أحضرتها في الصندوق المخصص لها.
‘ همم، هل أحتفظ بهذه القلادة معي؟‘
ترددت وهي تمسك بـختم الحكيم، غير قادرة على خلعه بسهولة.
عندها اعتدل كوسيليكو في جلسته على السرير.
“ أجل، من الأفضل الاحتفاظ بها. استخدامها مريح، وسهل التخزين… وفوق كل ذلك، لا أحد يعلم متى قد تواجهين خطرًا مفاجئًا.”
“ هذا ما كنتُ أفكر فيه أيضًا.”
“ حتى لو وُضعتِ في موقف خطر، فوجود تلك القلادة وحده كفيل بإنقاذك.”
وضعت مييل كتاب العصور القديمة وسولو في صندوق الحفظ و رتّبتهما، ثم جلست أمام المكتب.
وبعدها أخرجت قطعة اللوحة التي كانت دائمًا ما تظهر مع الكنوز.
“ وهذه اللوحة أيضًا…”
وضعت ثلاث قطع على الطاولة.
ترتيبها لم يكن صعبًا؛ بمجرد وصل الزوايا والأطراف الممزقة، عادت الصورة إلى شكلها الكامل تقريبًا.
“ أوه، يبدو أنها الجزء العلوي من لوحة ما.”
طار كوسيليكو وجلس بجوارها، يحدّق في الصورة.
كانت فعلاً الجزء العلوي منها، وتُظهر شخصًا يملك شعرًا وردي اللون.
“ يبدو أنها لرأس شخص بشعر وردي… لكن من يكون؟“
فكرت مييل مرارًا، لكنها لم تتذكر أحدًا بهذا الوصف.
خاصة أن الصورة تُظهر فقط قمة الرأس، دون أي تفاصيل إضافية.
‘ من الممكن أن تكون الصبغة الورديّة تغطي جزءًا فقط من الشعر، وقد يكون اللون السفلي مختلفًا… حتى الطول غير واضح.’
“ هممم، لا أملك أي فكرة.”
تمتمت مييل، بينما كان كوسيليكو يحدّق فيها بصمت.
‘ من الطبيعي ألا تعرفي…’
تنهد في قلبه.
لم يكن بوسعه إخبارها، حتى وإن أراد.
‘ هذا ما أراده لِياد…’
وبينما فكر في الحكيم العظيم، حدّق خارج النافذة نحو الأفق البعيد.
“ كوكو؟ ما الذي تفكر فيه؟“
نادته مييل، وقد أنهت ترتيب القطع وأعادتها إلى الصندوق. فردّ بسرعة، متظاهرًا باللامبالاة:
“ أنا فقط… أشعر بالنعاس.”
“ حقًا؟ رغم أن الوقت لا يزال نهارًا… لكن لا بأس، عليك أن ترتاح وتستعيد طاقتك.”
ابتسمت وهي تقترب منه، ثم نقلته بلطف إلى السرير.
“ نم قليلًا. سأذهب للاستحمام.”
غادرت إلى الحمّام، بينما تابعها كوسيليكو بعينيه، ثم تمدّد على السرير مطمئنًا.
‘ لياِد… ابنتك شجاعة فعلًا. لا تقلق، ستتمكن من تجاوز كل شيء.’
تذكر صديقه القديم، وغطّ في نوم عميق.
***
في صباح اليوم التالي، وبعد أن نامت مييل معظم اليوم السابق، استعادت نشاطها بالكامل وأشرقت بشرتها.
“ كوكو، انظر إلي. أعتقد أن كل تعبي قد زال.”
قالتها وهي تضحك أمام المرآة، بينما كان كوسيليكو يلتهم وجبة فووك الخاصة التي حضرها له.
“ هوه، صحيح. وجهك يبدو مشرقًا. لا عجب الرحلة كانت متعبة بالفعل. حتى مع الراحة التي أخذناها بعدها، كان لا بد من أثر للإنهاك.”
“ ربما. لكنك دائمًا كنت لامعًا في معطفي… هل نمت أكثر من اللازم وأنت مختبئ فيه؟“
ضحكت وهي تقضم تفاحة، فاستشاط كوسيليكو:
“ أنا؟ نمت كثيرًا؟! كنت فقط أحاول تجنّب أنظار البشر الآخرين لا أكثر!”
“ حسنًا، حسنًا، إن كنت تقول ذلك.”
ردّت عليه بأسلوب مشاغب، ثم راقبت الطائر الصغير وهو يكمل طعامه.
بدا بطنه ممتلئًا رغم أن الوجبة لم تكن كبيرة.
“ آه… انتهيت. طعام فووك لذيذ كما هو دائمًا.”
“ أليس كذلك؟“
في تلك اللحظة، فرد كوسيليكو جناحيه وطار نحو المكتب.
“ صحيح، لم أخبركِ بعد عن موقع الكنز التالي.”
سحب كتاب كنوز كاريلادين من الرفّ بمنقاره وعاد به.
“ كنت سأسألك عنه قريبًا.”
“ هاها، لقد تذكرتُ مكان الكنز منذ أيام عندما كنا في القارة الشرقية. لكن كنا نائمَين البارحة لذا نسيت أن أخبرك.”
فتح الكتاب بخفة، واستعرض الخريطة بداخله، ثم نقر بمنقاره على موقع معين.
“ هنا! هذا هو المكان.”
كان الموقع يشير إلى الغرب، في القارة الغربية، وتحديدًا إلى الإمبراطورية المقدّسة، الدولة التي تهيمن على معظم تلك المنطقة.
“ هنا… ؟ إمبراطورية فيرهون المقدسة؟“
اتسعت عينا مييل قليلًا.
“ صحيح. وهناك ستجدين كنزًا يُدعى روح القديس.”
قالها كوسيليكو وهو يهز كتفيه منتظرًا مديحًا.
لكن مييل، وقد علت ملامحها الحيرة، مررت أصابعها في شعرها.
“ همم، مييل. ألم تنسي شيئًا؟ أليس من المفترض أن تمدحيني الآن؟“
لم تتحرك مييل حتى قالها صراحة، وعندها فقط مدت يدها وربتت عليه.
“ شكرًا لك يا كوكو. لولاك لما كنتُ لأتمكن من الوصول إلى هذا الحد.”
“ هاها، هذا مؤكد. لا أحد يستطيع مجاراتي. لكن… لما وجك متجهم هكذا؟“
كان سعيدًا في البداية، لكنه عبس حين لاحظ تعبيرها.
“ كوكو، ألا تعرف ما هي فيرهون؟“
“ لا. لا أعرف.”
“ فيرهون… هي إمبراطورية دينية مغلقة للغاية، تُكرّس نفسها لعبادة الحاكم بشكل رسمي. لم تكن دائمًا على هذا الحال، لكن…”
“ ولِمَ أصبحت مغلقة بهذا الشكل؟ أليست المؤسسات الدينية عادة أكثر انفتاحًا؟“
“ في السابق، كانت كذلك. لكن قبل خمس عشرة سنة، اختفت قوى القديسة، ومنذ ذلك الحين أصبحت الدولة منغلقة تمامًا.”
شرحت مييل لكوسيليكو باختصار قصة بحثها عن أول كنز، في أرض الثلج، والقديسة التي اختُطفت قبل أربعين عامًا من قبل فيرهون.
يومها، علمت من راين أن والدته هي القديسة مارينا.
عاشت في فيرهون كقديسة لمدة خمسة وعشرين عامًا، ثم فقدت قواها وعادت إلى أرض الثلج.
أرادت زيارة والدتها، لكنها توفيت قبل أن تتمكن من ذلك.
“ لم يخطر ببالي أبدًا أننا سنذهب إلى فيرهون.”
“ همم، إمبراطورية تختطف قديسة رضيعة…”
“ لا نعرف بالضبط ما الذي حدث فيها. لكن دخولها ليس بالأمر السهل. مقارنةً بالأماكن السابقة التي زرناها، فقد كانت كلها سهلة نسبيًّا.”
عند بحثها عن سولو، ساعدها جايد وتوروي وراين.
وعند العثور على كتاب المعرفة، استعانت بهم أيضًا.
وفي مملكة سوسون، ساعدها هانليم.
لكن فيرهون دولة منغلقة.
حدودها تخضع لرقابة صارمة.
‘ لا يمكن دخولها دون هوية، وحتى لو نجحنا بالتسلل…’
فالمشكلة الأكبر ستأتي لاحقًا وقد تتسبب في أزمة سياسية.
خصوصًا عندما يكون مرافقيّ هما سيد برج السحر وولي العهد.
حتى لو تغاضت عن وضعها الشخصي، فمجرد دخول هذين الرجلين إلى إمبراطورية أخرى بشكل غير قانوني… كارثة محتملة.
الفكرة وحدها مرعبة.
لذا، كانت بحاجة إلى خطة واضحة.
‘ لا مفر…’
قررت مييل أن تتحدث بشأن الأمر مع معلمها وولي العهد.
ـــــــــ
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 78"