معلمي قد جُنّ [ الفصل 72 ]
كانت مييل تنظر من نافذة العربة إلى شوارع سوسون، المدينة الشرقية التي أخذت ملامحها تتبدّل شيئًا فشيئًا.
فبعد أن مرّوا بسوقٍ مزدحم، بدأت المنازل الفخمة التي لا يسكنها سوى النبلاء تُطل تباعًا على جانبي الطريق.
تشبه في ظاهرها المنازل الشرقية القديمة… لكن فيها شيء من أجواء العصور الوسطى.
مزيج غريب فعلاً.
الأمر الذي زاد من غرابة شعورها هو سماعها هانليم ينادي والد جونغ يونسو بلقب داي غام، وهو ما يُشبه لقب المستشار الكبير أو سعادة الوالي في ثقافات الشرق.
قال هانليم بعد برهة، مشيرًا من النافذة:
“ لقد وصلنا تقريبًا.”
وسرعان ما دخل قصرًا ضخمًا إلى مجال رؤية مييل، يعلو بوضوح فوق كل الأبنية المحيطة به.
“ هذا أفخم منزل في هذه المنطقة.”
“ من مظهره وحده يبدو كذلك…”
تمتمت مييل بانبهار.
توقفت العربة، وكان هانليم أول من نزل منها، ثم أسرع لحثّ الآخرين:
“ تفضلوا، من هنا من فضلكم.”
نزل جايد وتوروي بخفة، ثم ساعدا مييل على النزول، بينما تسلّل كوسيليكو سريعًا إلى داخل قلنسوتها.
وفيما كان هانليم يشكر السائق، كانت مييل تتأمل المكان حولها.
الطريق المرصوفة بالحجارة البيضاء امتدت بانتظام، تتقدّم نحو بوابةٍ خشبية ضخمة تحرس القصر العظيم.
“ هلموا من هنا.”
قال هانليم بابتسامة وهو يقودهم نحو البوابة.
هزّت مييل رأسها موافقة وتبعته بهدوء.
‘ الآن بعد أن دخلنا حي النبلاء، لم أعد أرى أيّ شخصٍ في الطرقات…’
بينما كانت تفكر بذلك، رأته يقف عند البوابة ويمسك بمقبضها المستدير.
‘ هذا المقبض… يبدو مألوفًا بطريقة ما.’
ثم طرق الباب بقبضته عدة مرات:
“ أنا هانليم!”
فُتحت البوابة من الداخل، وكانت شامخة وثقيلة، مما أثار دهشة مييل وانبهارها.
حتى جايد وتوروي بدا عليهما الاهتمام.
الرجل الذي خرج كان في منتصف العمر، يضع سيفًا على خصره، وهيئته تدلّ على أنه قائد للحرس.
“ هانليم؟“
“ نعم، كيف حالك يا سيدي قائد الحرس؟“
انحنى له هانليم باحترام.
على ما يبدو، هانليم عمل طويلًا في هذا القصر كخادم.
شعرت مييل أن الأمور بدأت تتضح.
“ أنا بخير. لكن ما الذي أتى بك اليوم؟ ومن هؤلاء؟ لا يبدو أنهم من هنا.”
تفحّصهم القائد بعين فاحصة، خاصةً جايد وتوروي، وكانت نظرته حادة كالسيف.
“ لا بد أنهم ليسوا أشخاصًا عاديين… من أين أتيتم؟“
أجاب هانليم بسرعة:
“ هؤلاء أتيت بهم من القارة الشمالية، وهم من سيعالجون الآنسة يونسو.”
اتسعت عينا الرجل قليلاً، ثم ضاقتا في شك.
“ حقًا؟ لكن…”
لم يبدُ مقتنعًا بسهولة، فأعاد النظر فيهم من جديد.
رغم أنه التقى سابقًا بأشخاص من قارات أخرى، إلا أن هؤلاء الثلاثة كانوا مختلفين.
لم يكن الأمر متعلقًا بجمالهم فحسب، بل بهيبتهم اللافتة التي يصعب تجاهلها.
“… حسنًا، مفهوم.”
أخيرًا، فتح الباب بالكامل وقال بصوت يحمل بعض التوتر:
“ تفضلوا بالدخول.”
انحنت مييل له بلطف، ثم تبعت هانليم إلى الداخل.
أما جايد وتوروي، فلم يُبديا أدنى اهتمام بنظرات القائد.
قال قائد الحرس لهانليم محذرًا:
“ لكن لا تنسَ أنه يجب الحصول على إذن السيد قبل لقاء الآنسة.”
تجمّدت ملامح هانليم للحظة، ثم ابتسم على مضض:
“ أجل، أعلم.”
“ إذًا، لا تضيع الوقت.”
انحنى هانليم احترامًا، ثم اقترب من مييل وقال:
“ من هنا، أرجو أن تتبعيني.”
سار بهم داخل القصر، بينما كانت مييل ترمق كل زاوية بدهشة.
من المؤكد أن هذا هو أغنى بيت في الحي.
الأرض مفروشة بحجارة بيضاء لامعة، والأشجار مشذبة بعناية، والبرك تعجّ بأسماك الزينة الملونة.
وخلف ذلك كلّه، ينهض قصر أنيق بطراز شرقي عريق، يجمع بين العظمة والجمال.
وحين توغلوا أكثر، ظهر بعض الحراس عند مدخل القصر.
“ هانليم؟ من هؤلاء؟“
“ هؤلاء من سيُعالجون آنستنا.”
أجاب هانليم بهدوء، وكان على معرفة جيدة بالحراس، لكنهم رمقوا القادمين الجدد بنظرة حذرة قبل أن يخفّفوا حدّتها، إذ علموا أن قائد الحرس سمح لهم بالدخول.
“ سأبلغ السيد بالأمر حالًا.”
قال أحد الحراس وهو يهرول إلى الداخل.
“ أرجو الانتظار قليلاً.”
قال هانليم وهو يحاول الحفاظ على ابتسامته، رغم أن التوتر بدا جليًّا في وجهه.
سألته مييل، غير قادرة على كتمان فضولها:
“ هانليم، هل السيد مخيف إلى هذا الحد؟“
اتسعت عيناه قليلاً قبل أن يشيح بنظره:
“ آه… ليس تمامًا، لكنه…”
وفي تلك اللحظة، فُتحت أبواب القصر بقوة.
خرج رجل في الخمسين من عمره، يرتدي ثيابًا من الحرير الفاخر.
لم يكن وسيماً، لكن مهابته كانت طاغية.
ملامحه، بشرته، شعره، وحتى طريقة مشيه… كل شيء فيه كان يدل على مكانته.
‘ لا شك… هذا هو السيد جونغ.’
بلعت مييل ريقها دون أن تشعر.
نظر إليهم السيد جونغ وقال بنبرة صارمة:
“ هانليم، أراك جلبت غرباء إلى منزلي.”
ارتفع حاجباه ثم عادا إلى مكانهما.
انحنى له هانليم بسرعة وقال:
“ سيدي… هؤلاء غرباء نعم، لكنهم من النخبة.”
“ وكيف أثق بكلامك؟ هل تظن أنني سأسمح لأي كان برؤية ابنتي؟“
حدّق فيهم بعينين ثاقبتين، وقد فهموا جميعًا ما يعنيه ذلك.
لا يبدو أنه يرحّب بالأجانب.
بدأ هانليم يضطرب، خائفًا أن يُسيء الضيوف الفهم ويغادروا غاضبين.
“ سيدي… أرجوك، من أجلي، فقط اسمح لنا برؤيتها لمرة واحدة.”
بدا مستعدًا لأن يجثو على ركبتيه.
لكن السيد جونغ نظر إليه نظرة طويلة، ثم تمتم:
“ الغرباء لا يُؤتمنون. لقد رأينا منهم الخداع ونقض العهود، ولا يُعرف عنهم الوفاء.”
ارتفعت حاجب مييل في استغراب، ثم قالت ببرود:
“ سيدي… ألا ترى أنك تُعمّم كثيرًا؟“
ردّ بصرامة:
“ أعمّم؟ ربما. لكن كل من عرفتهم من الغرباء كانوا كذلك.”
فقالت مييل بصوت بارد لكن موزون:
“ لا نعلم ما الذي فعله بك أولئك الغرباء. لكن هذه حياة ابنتك، ألا يستحق الأمر المحاولة؟“
اهتزّت نظراته للحظة.
في تلك اللحظة، ابتسم جايد بسخرية ثم نقر بأصابعه.
طاااق!
انبثقت هالة ذهبية من حوله ملأت المكان وأحدثت نسيمًا قويًا حرّك الأشجار.
قال بصوت هادئ:
“ نحن سحرة من القارة الشمالية.”
ثم تقدّم ووقف بجانب هانليم.
“ ابنتك تعاني من مرض يُدعى فقدان الطاقة الحيوية. نحن نسمّيه تسمم المانا. وهو مرض لا يصيب إلا السحرة.”
اتّسعت عينا السيد جونغ:
“ م– ماذا؟ هل تعني أن ابنتي ساحرة؟!”
“ كونها ستصبح ساحرة أم لا، هذا شأنها. لكن الآن، لا وقت لهذه الأسئلة.”
ثم وضع يده على كتف هانليم.
“ جئنا بطلب من هانليم لعلاجها. وإن تأخّرنا أكثر، فلن تنجو. القرار بيدك.”
ابتسم، لكن عينيه ظلّتا قاسيتين لا تحملان ودًّا.
تردّد السيد جونغ لبرهة، ثم أومأ ببطء:
“ مفهوم. أرجو أن… تعتنوا بابنتي.”
“ شكرًا جزيلًا، سيدي!”
انحنى هانليم بامتنان عميق.
“ لا حاجة للشكر. إن أنقذوها، فالفضل لهم. والآن، خذهم إليها.”
ثم استدار دون أن يضيف كلمة.
ــــــــ
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 72"