معلمي قد جُنّ [ الفصل 64 ]
عرض مييل المفاجئ لم يساعد في إرباك جايد وتوروي فحسب، بل حتى كوسيليكو،الذي كان مختبئًا تحت قلنسوتها تفاجأ هو الآخر.
لكن الشخص الأكثر ذهولًا كان ذلك الشاب نفسه.
“ إن دفعتُ عنه، هل يمكنه الصعود إلى السفينة؟“
تقدّمت مييل بخطى هادئة وسألت أحد الموظفين.
أُطلق سراح الشاب على الفور، إذ بدا الموظف مرتبكًا.
“ آه، نعم… السفينة توشك على المغادرة، لكن لا يزال فيها متّسع…”
سحبت مييل كيس نقودها.
ولأول مرة، استخدمت من مالها الخاص لتغطية التكلفة، لم يسبق لها أن اضطرت لذلك من قبل.
عادةً ما كان توروي يتكفّل بالمصاريف، وأحيانًا جايد.
“ شـ.. شكرًا لك!”
تقدّم الشاب منها فورًا حين دفعت، وعلى وجهه مزيج من الذهول والارتياح والامتنان العميق.
“ لا شيء يدعو للشكر.”
أجالت مييل نظرها فيه بهدوء.
للوهلة الأولى، بدا وسيمًا، وإن لم يصل إلى مستوى جايد أو توروي.
لكن ملامحه تحمل ما يروق لكثير من النساء، وجسده كان قوي البنية.
نظرت إليه لثوانٍ، ثم استدارت عائدة إلى رفيقيها.
وكان جايد أوّل من تحدّث.
“ مييل، لماذا ساعدتِه؟”
همس لها.
كان الشاب يتبعها عن قرب.
“ أمم… لا نعرف شيئًا عن القارة الشرقية. ظننت أنه قد يفيدنا حين نصل هناك.”
قدّمت عذرًا معقولًا، لكن الدافع الحقيقي كان مختلفًا.
“ يقال إن سكان القارة الشرقية يعظّمون الأدب، فلا أظنه سيتجاهل من قدّم له معروفًا.”
والحقيقة، أن مييل كانت ببساطة فضولية تجاه قصته.
لكنها لم ترَ داعيًا لقول ذلك علنًا.
‘ رغم ذلك… التطفّل الزائد في شؤون الآخرين يُعد قلة ذوق.’
ومع هذا، كبح فضولها لم يكن سهلًا.
“ مييل.”
همس توروي، الواقف بجانبها.
“ كان بإمكاني أنا دفع ثمن تذكرته.”
“ لا بأس. أستطيع تحمّل ذلك… وإن لم يكن بمستوى أميرٍ مثلك.”
مازحته بخفة، فاحمرّت أطراف أذنيه تحت قلنسوته.
لحسن حظه، لم يكن ذلك ظاهرًا.
وهكذا، صعد الثلاثة إلى السفينة المتجهة نحو القارة الشرقية.
وبعد أن أظهروا تذاكرهم، بدت لهم ضخامتها واضحة أكثر من أي وقت مضى.
‘ لا أعلم الكثير عن السفن… لكن هذه ضخمة فعلًا.’
كانت أضخم سفينة تركبها مييل، وتحتوي على مقصورات للضيوف أيضًا.
وأثناء انشغالهم بمراقبة المكان، اقترب منها الشاب بخجل.
“ أعذريني…”
ربّت بخفة على كتفها، دون أن يفزعها.
“ نـ.. نعم؟“
التفتت إليه، فحنى الشاب خصره في انحناءةٍ صادقة.
“ شكرًا جزيلًا لك. أنا هانليم من القارة الشرقية.”
“ أنا مييل ميمر.”
ابتسمت له مييل بلطف.
كان اسمه شرقيًا بامتياز.
“ آنسة مييل، سأرد لكِ هذا المعروف فور وصولنا إلى القارة الشرقية.”
قالها بعينين يملؤهما التصميم.
بدت مييل متفاجئة قليلًا.
“ فقط نادِني بمييل رجاءً. مناداتي بـ الآنسة مييل تشعرني بالتوتّر.”
“ آه… حسنًا، مييل.”
“ ولا داعي لأن تردّ لي شيئًا. لم أساعدك طمعًا في مقابل.”
بدت عليه الصدمة من رفضها اللطيف.
وفي تلك اللحظة، همس كوسيليكو من داخل القلنسوة:
“ مييل، يقولون إن الحذر واجب في أمور الديون…”
لكن مييل لم تُعره اهتمامًا.
“ ومع ذلك، أريد ردّ المعروف فعلًا.”
أعاد هانليم بجدية.
فاكتفت مييل برفع كتفيها.
“ حسنًا… بما أننا سنسافر معًا، أخبرني بقصتك. كنت فضولية بشأن سبب يأسك الشديد.”
فرصةٌ مثالية لإشباع فضولها.
“ أوه، وأريد أيضًا بعض الإرشاد حين نصل. فنحن لا نعرف شيئًا عن القارة الشرقية.”
“ هذا أقل ما يمكنني تقديمه! بالطبع سأساعد. لكن… هل هذا كافٍ فعلًا مقابل ما فعلتِه؟“
أضاء وجهه للحظة، ثم ما لبث أن عاد إلى الجدية.
إذ لم يرَ أن الإرشاد يُعادل ثمن التذكرة أبدًا.
“ بل أكثر من كافٍ. هيا بنا، الطقس بدأ يبرد.”
تقدّمت مييل، واحترم جايد وتوروي قرارها.
فتقدّما بدورهما، يفسحان لها الطريق في الممر الضيق.
“ لكن للعلم فقط يا مييل… قصتي ليست مثيرة للاهتمام.”
“ لا بأس.”
كل ما أرادته مييل هو إرضاء فضولها.
وصلوا إلى المقصورة.
فقد اشترى توروي عند شراء التذاكر مقصورتين لضمان راحة أكبر أثناء الرحلة.
واحدة لجايد وتوروي، والأخرى لمييل وحدها.
رغم أن مييل أكدت أنها لا تمانع المشاركة، أصرّ الاثنان على أن تحصل على غرفة منفصلة.
وهكذا، ستتمكن من الاسترخاء التام.
كان جايد وتوروي يأملان في النوم بشكل منفصل، لكن الغرف المتبقية كانت محدودة، فاضطُرّا للموافقة على المشاركة.
لحسن الحظ، احتوت الغرفة على ثلاث أسرّة، بالإضافة إلى طاولة وحمام صغير.
وأثناء سيرهم في الممر، التفتت مييل وسألت بهدوء:
“ معلمي، سموّك… هل يمكن أن نتحدّث مع هانليم في مقصورتكما؟“
“ بالطبع يا مييل.”
“ لا مشكلة أبدًا يا مييل.”
في الحقيقة، كان كلاهما سعيدًا بقضاء المزيد من الوقت معها.
دخل الثلاثة، جايد وتوروي ومييل إلى المقصورة الواسعة، برفقة هانليم.
“ واو… لم أظن أنهم سيسمحون لي بالدخول.”
قال هانليم وهو يتأمل المكان بانبهار.
كانت المقصورة فاخرة.
تصميمها أنيق، ومناسب تمامًا لرحلة مريحة، بل وتطل على البحر.
“ آه، المنظر جميل حقًا.”
حتى مييل أبدت إعجابها.
على الطاولة الكبيرة في منتصف الغرفة وُضعت فاكهة وخبز وحساء دافئ من الخدمات الأساسية في الدرجة الأولى.
“ إن كنت جائعًا، فتفضّل. نحن أكلنا بالفعل.”
قال جايد ببساطة وهو يخلع عباءته ويجلس على الأريكة.
“ تصرف على راحتك.”
قال توروي وهو يزيل قبعته ويجلس مقابله.
وحين رأى هانليم وجهيهما بوضوح للمرة الأولى، اتّسعت عيناه قليلًا.
كان يظنهما مجرد رجلين ضخمين.
والآن أدرك أنهما وسيمان بدرجة غير عادية.
‘ نبلاء؟ أو ربما حتى من العائلة المالكة؟‘
‘ لم أرَ رجالًا بهذه الوسامة حتى في القارة الشمالية…’
وبينما كان مذهولًا في صمت، أزاحت مييل قلنسوتها.
“ تفضّل، اجلس يا هانليم.”
أشارت إلى المقعد عند الطاولة.
وحين رأى وجهها أخيرًا، اتّسعت عيناه أكثر.
‘ إنها… فاتنة.’
كان في هالتها شيءٌ ساحر، جعل هانليم يشعر بالتوتر فجأة.
“ شـ.. شكرًا.”
نظر إلى الثلاثة وتساءل إن كان وجوده بينهم في غير محلّه.
لكن ذلك الشعور تلاشى حين قدّمت له مييل وعاء الحساء.
‘ لم أتناول وجبة حقيقية منذ أيّام…’
وبلا تردّد، بدأ يتناول الحساء والخبز بشهية.
جلست مييل أمامه تراقبه.
أما كوسيليكو، فقد اختفى مجددًا في وضع التسلّل.
“ لا تتعجل، كل بهدوء.”
قالت مييل بلطف.
“ شـ.. شكرًا يا مييل.”
وأثناء تناوله الطعام، التقطت مييل تفاحة من الطاولة، مسحتها، وأخذت قضمة.
قضمة.
‘ ليست سيئة… لكنها لا تضاهي تفّاح هورو.’
بدأ جايد وتوروي بتناول العنب أيضًا، بانتظار أن ينهي هانليم طعامه.
عيون مييل كانت تلمع بفضول متصاعد.
“ آآه… كانت وجبة رائعة.”
قال هانليم أخيرًا وهو يضع الملعقة جانبًا.
“ إذًا… هل يمكننا سماع قصتك الآن؟“
سألت مييل بنبرة مشرقة.
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 64"