حين دخلت مييل إلى غُرفة الضيوف التي كان ولي العهد ينتظر فيها، شعرت بشيء من الدهشة.
ليس لأن ولي عهد إمبراطورية هاغوران كان جالسًا أمامها، بل لأن وسامته فاقت توقعاتها.
توروي دي هاغوران، ولي عهد إمبراطورية هاغوران العظيمة، لم يكن سوى شخصية ثانوية في رواية زهرة الفارس.
ومع ذلك، كان له دور لا يُستهان به، إذ كان الصديق المقرب لبطل الرواية ريهارت.
تربطهما صداقة قديمة تعود إلى أيام الطفولة، قبل أن يصبح ريهارت قائد فرسان القصر الإمبراطوري، ولهذا كان اسم ولي العهد يظهر بين الحين والآخر في السرد.
لكن، وبما أنه لم يكن البطل، لم تحظَ ملامحه بوصف مفصّل في الرواية؛ كل ما ورد في وصفه أنه يملك جمالًا يليق بدماء العائلة الإمبراطورية، بشعر أشقر وعينين زرقاوين.
غير أن الحقيقة كانت أبهى بكثير من الكلمات.
‘لا شك أن الكاتبة كانت مهملة حين وصفته…’
كان توروي دي هاغوران بكل بساطة، تجسيدًا للأمير الذي يُرى في القصص الخيالية.
شعره القصير الذهبي، وعيناه الزرقاوان، انسجما بتناغم مذهل مع بشرته البيضاء الصافية.
أما أنفه، فكان مستقيمًا ومثاليًا، وشفته المفتوحة قليلًا تلوّنت بحمرة خفيفة جذابة.
أن تجتمع تلك الملامح الدقيقة في وجه صغير بذلك الشكل؟ كان أمرًا مدهشًا حقًا.
ظلت مييل تراقبه بصمت لوهلة، قبل أن تدرك أن مواصلة النظر سيكون تصرفًا غير لائق، فبادرت إلى نزع غطاء رأسها وقدّمت نفسها بأدب:
“تشرفت بلقائك يا صاحب السمو. أنا مييل من برج السحر.”
وما إن أنهت كلماتها، حتى التقت نظراتها بعينيه الزرقاوين، اللتين بدتا كسماء صافية.
لكن ما استوقفها لم يكن جمال عينيه، بل نظرة الدهشة التي علت وجهه، وفمه الذي فُتح قليلًا وكأنه فاجأه شيء ما.
‘هل يبدو عليّ صغر السن إلى هذا الحد؟ حسنًا، لست كبيرة فعلاً…’
تمتمت في خاطرها، ثم نادت بلطف:
“يا صاحب السمو؟“
لكن ولي العهد لم يتحرك. ظل يحدّق بها لثوانٍ قبل أن يشيح بوجهه فجأة، وكأنما فزع من شيء، ثم قال وهو يحاول تنظيم نبرته:
“آنسة مييل… اجلسي من فضلك.”
جلست مييل بهدوء على المقعد المقابل له، فيما أمر ولي العهد الخادم بأن يُحضِر الشاي.
وهكذا، لم يبقَ في الغرفة سواهما.
سكن الصمت بينهما للحظة، قبل أن يتكلم توروي مترددًا:
“أنا توروي دي هاغوران، ولي عهد إمبراطورية هاغوران.”
“نعم يا سمو الأمير. وأنا مييل من برج السحر.”
“فهمت… آنسة مييل.”
رسم على شفتيه ابتسامة هادئة، بدت كمشهدٍ من قصة أميرية.
‘لا، لا… هذه ليست ابتسامة أمير، بل ابتسامة ولي عهد!’
صحّحت لنفسها، ثم أدركت أنه استقبلها بلطف لم تكن تتوقعه.
ففي الرواية الأصلية، كان توروي لا يُكنّ ودًا لبرج السحر، الذي يملك من النفوذ ما يفوق حتى ما يملكه الإمبراطور نفسه.
وكانت كراهيته تتناغم تمامًا مع كره ريهارت لسيد البرج.
لكن الواقع خالف ظنونها:
“يبدو أن رحلتك كانت شاقة، شكرًا لجهودك.”
لم يكن باردًا كما ظنت، بل كان لطيفًا حقًا.
‘لقد أسأت الحكم عليه. من الخطأ أن نحكم على الناس قبل أن نعرفهم.’
لامت نفسها داخليًا، وعدّلت انطباعها عنه:
‘إنه شخص طيب.’
“لا شكر على واجب، لقد كانت مجرد مهمة رسمية.”
ردّت مييل ببساطة، ثم أخرجت كيسًا جلديًا وضعته فوق الطاولة.
“هذه هي المواد التي طلبتموها.”
فتح توروي الكيس ليتأكد من محتواه، ثم أمر بإحضار عالم النباتات ‘كلوفر‘.
دخل كلوفر على عجل، وهو الذي أقام في القصر منذ مرض الأميرة روبينا، وراح يفحص المكونات بعناية واحدة تلو الأخرى.
“كلها مطابقة تمامًا، يا سمو الأمير.”
“جيد. اذهب حالًا وابدأ بتحضير الدواء.”
“أمرك، يا سمو الأمير.”
وما إن غادر كلوفر، حتى أمر توروي بإحضار المكافأة المُعدّة مسبقًا، وإضافة مجموعة من الجواهر الثمينة إليها.
وفي أثناء ذلك، قُدّمت الحلوى لمييل لكن هذه المرة لم تكن الحلوى المعتادة فقط، بل وُضِعت أمامها تفاحة!
“يا إلهي!”
“ما الأمر يا آنسة مييل؟“
“أوه… إنها تفاحة! لم أستطع إخفاء فرحتي… هل… هل يمكنني أكلها؟“
لو كان هذا توروي المعتاد، لأجابها بحدة:
وهل تحتاجين إلى إذن لذلك؟
لكن هذا لم يكن يومًا عاديًا. بل لحظة استثنائية. ابتسم لها وكشف عن أسنانه قائلًا:
“بالطبع.”
“شكرًا جزيلاً!”
أشرقت ملامح مييل على الفور. وجود ولي العهد أمامها لم يعد يهم، أمام تفاحةٍ نادرةٍ كهذه. مسحتها بطرف كمّها، ثم قضمَت منها قضمةً كبيرة.
لم تصدق كمّ العصارة التي ملأت فمها، وتفجّرت حلاوة الطعم في حواسها.
حين التقت مييل أخيرًا بالنكهة التي كانت تتوق إليها، غمرها شعور عارم بالرضا، وانعكس ذلك في ابتسامة سعيدة ارتسمت على وجهها.
وشعر تروي مجددًا بخفقان في صدره. عيناها الذهبيتان المتلألئتان انحنتا بنعومة، وخداها ازدادا تورّدًا على وجهها الصغير.
كان من السهل معرفة كم كانت مييل سعيدة لمجرد النظر إلى ملامحها، وتلك السعادة بدت لتوروي ساحرة على نحو خاص.
خفق قلبه بإيقاع متسارع وثابت. ورغم أنه لم يسبق له أن شعر بمثل هذا من قبل، إلا أنه أدرك جيدًا ما يعنيه هذا الإحساس.
“آنسة مييل.”
“نعم؟“
كانت مييل قد التهمت تفاحتها الأولى، ومدّت يدها لتأخذ أخرى.
وما إن أخذت قضمة منها، حتى التقت عيناها بعيني توروي، الذي بدا وكأن عينيه تلمعان.
“هل لي أن أسألكِ… هل لديكِ حبيب؟“
لكن في تلك اللحظة، فُتح باب غرفة الضيوف مجددًا.
ودخل الخادم الذي سبق أن أُرسل، وهو يحمل صندوقًا بين يديه.
من دون أن يلاحظ تصلب ملامح توروي، اقترب ووضع الصندوق الصغير أمام مييل.
كان الصندوق مزينًا بنقوش ذهبية وحمراء، أشبه بصندوق مجوهرات فاخر.
“هذا أجر المهمة، ويشمل مكافأة خاصة من سمو الأمير.”
وضعت مييل التفاحة جانبًا وفتحت الصندوق.
وقد اتسعت عيناها بدهشة عندما رأت ما بداخله، فقد كان مليئًا بالجواهر الثمينة، بكمية تفوق بكثير أجر المهمة المتوقّع.
وما دامت هدية من ولي العهد، فلا شك أن كل جوهرة فيه ذات قيمة عالية. إنها مكافأة تفوق الأجر بعِدّة أضعاف.
‘يا للعجب… هذه نعمة كبيرة. لا عجب أن العائلة المالكة مختلفة عن سواها.’
“لم أكن أتوقع كل هذه المكافأة… حقًا، أشكرك جزيل الشكر يا سمو الأمير.”
انحنت مييل بأدب وهي تبتسم ابتسامة مشرقة.
وعند رؤية ابتسامتها المضيئة، خفتَ التوتر من على وجه توروي، الذي كان قد تصلب بسبب مقاطعة الخادم، وردّ عليها بنبرة دافئة:
“هذا هو المقابل الذي أراه مناسبًا، بما أنكِ أنجزتِ المهمة قبل الموعد المحدد.”
“شكرًا لك! أرجو أن تتفضلوا بالتعاون معنا مرة أخرى مستقبلًا. إن لم يكن لديك ما تحتاجه الآن، فسأنصرف.”
ثم انحنت مجددًا بابتسامتها المعتادة، ورفعت الصندوق ونهضت من مقعدها، ولم تنسَ أن تأخذ معها التفاحة أيضًا.
حين همّت بالمغادرة، نهض توروي على عجل وقال:
“انتظري يا آنسة مييل! كنت أرغب في تقديم طلب بشأن أداة ترجمة سحرية…”
أوقفها وهو يهرع خلفها قبل أن تغادر الغرفة تمامًا. وبدا كأنه تمسك بأي حجة ليمنعها من المغادرة.
لكن مييل، من دون أن ترتبك، أجابته بهدوء:
“إذا أردت تقديم طلب، فعليك زيارة البرج بنفسك. ألا تتذكر هذا يا سمو الأمير؟“
ثم خرجت من الغرفة محافظة على ابتسامتها الرسمية.
أما توروي، فانهار جالسًا على مقعده بعدما غادرت.
لم يكن يستطيع أن يقف من شدة التوتر. لقد مرت فترة طويلة منذ أن شعر بهذه الرجفة.
بل، في الحقيقة، لم يشعر بهذا قط منذ أصبح وليًا للعهد…
كان لقاؤه بها بالغ الأثر. فرغم قِصر تلك اللحظات، وجد نفسه غارقًا في حضورها.
راح يتأمل ملامحها في ذهنه، وتمتم بخفوت:
‘لا بد أن أزور البرج مجددًا قريبًا.’
* * *
خرجت مييل من غرفة الضيوف وعادت إلى صالة الاستقبال. كانت تتلهف لإخبار الآخرين بأنها حصلت على مكافأة سخية.
لكنها فوجئت بشيء غريب يطير في الغرفة.
“كيااه! إنه يلامسني! يشعل الدغدغة!”
“هاهاها، كم هو ظريف! أريد أن أربيه!”
“نربيه؟ ماذا سنسميه؟“
كانا لولو ولالا يقفزان في المكان بسعادة غامرة.
وكان طائر أبيض مصنوع من الورق يرفرف حولهما، ينبض بطاقة سحرية مألوفة.
“لولو لالا. هذا ليس طائرًا حقيقيًا.”
“آه، حقًا؟“
“ليس طائرًا؟“
ربّتت مييل على رأسي الطفلان، ثم أمسكت بالطائر الورقي، الذي استسلم بسهولة.
“هذا رسول من سيد البرج.”
وعندما أدركتا أنه ليس طائرًا حقيقيًا، بدت عليهما خيبة الأمل.
لكن سرعان ما عاد الفرح لوجهيهما بعد أن صنع لهما جيك طائرًا سحريًا آخر.
“جيك، هذه مكافأة من ولي العهد. وأضَاف عليها مكافأة خاصة، فالمبلغ كبير جدًا.”
سلمت مييل صندوق المجوهرات إلى جيك، وسرعان ما علت صيحات الفرح من الجميع وهم يتفحصون محتواه.
أما مييل، فاكتفت بابتسامة راضية وهي تفرد الطائر الورقي، الذي كُتب عليه بخط صغير:
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"