معلمي قد جُنّ [ الفصل 57 ]
في تلك اللحظة، كان توروي يستوعب تمامًا مدى قوة الحاجز الذي نصبه جايد قبل مغادرته.
وكما وصفه جايد تمامًا، كان الحاجز فعالًا للغاية في صدّ هجوم الوحوش.
وما إن استعاد السحرة رباطة جأشهم، حتى بدأ الجنود داخل الحاجز في مهاجمة الوحوش.
حتى حين ظهرت الوحوش بأعداد كبيرة أو اندفعت فجأة، كانت التعاويذ المدمجة في الحاجز تحرقها على الفور.
وبفضل ذلك، لم تتكبد القوات خسائر تُذكر.
فطالما استُخدمت الأسلحة بعيدة المدى كما ينبغي، كان القضاء على أغلب الوحوش سهلًا جدًا.
في الواقع، بدا التغلب على الوحوش أمرًا بسيطًا للغاية.
“ مذهل… سيد البرج حقًا خارق.”
تمتم توروي مبتسمًا وهو يتأمل ساحة المعركة.
في الحقيقة، كان الحاجز الذي صنعه جايد قد قضى وحده على أكثر من نصف الوحوش المهاجمة.
ولذا، لم يتبقّ أمام الجنود سوى ملاحقة من نجا منهم، وكأنهم في حملة صيد عادية.
وبينما كان توروي يتابع الوضع—
فوووش—!
ومضة من نور نقي أبيض ظهرت أمام عينيه.
كانت بوضوح سحرية.
ومع ميلان رأسه في حيرة، هبطت ورقة واحدة تتهادى في الهواء.
أمسك بها بشكل تلقائي.
كانت رسالة.
ومن السطر الأول فقط، عرف من المرسِل.
‘ آنسة مييل.’
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.
فقد قرأ رسائلها مرارًا من قبل، وأصبح يعرف خطها من أول نظرة.
قرأ الرسالة مرارًا، رغم أنه حفظ محتواها عن ظهر قلب.
كان من الصعب أن يُبعد عينيه عن رسالة كُتبت خصيصًا له.
إذًا، ستخرج للبحث عن الكنز التالي بعد يومين.
طوى توروي الرسالة بعناية ووضعها داخل معطفه.
‘ إن بقي الوضع مستقرًا غدًا، فسأذهب معهم.’
كانت الرسالة قد طمأنته بأنه لا داعي للقلق، وأنه ليس مضطرًا للمجيء.
ولكن، كيف له ألا يقلق؟
خاصة وأن من ستذهب ليست أي أحد، بل المرأة التي يحبها.
‘ ليس الأمر أنني أغار من قضائها الوقت بمفردها مع سيد البرج…’
نعم، هناك بعض الغِيرة، لكن أكثر من ذلك، كان الخوف.
الخوف من أن تواجه خطرًا، ولا يكون هناك لحمايتها.
‘ حتى لو جاء يوم واختارت فيه شخصًا غيري…’
‘ فهذا هو حبي لها.’
‘ نعم، هذا هو الحب.’
أعاد توروي تأكيد تلك الحقيقة في قلبه.
***
في اليوم التالي، كانت مييل التي اعتادت الآن على الاستعداد للسفر، قد انتهت من حزم أغراضها في الصباح بسهولة.
وبما أن موعد الانطلاق لم يكن إلا في اليوم التالي، قررت أن تستمتع بوقتها اليوم.
يوجد اليوم سوق ليلي في حي هاميرون من بالعاصمة الإمبراطورية.
‘ عليّ أن أمرّ عليه قليلًا.’
كان هذا ما خططت له.
وكوسيليكو الذي لاحظ إشراقة غير معتادة على وجهها، طار نحوها.
“ مييل! تبدين سعيدة، ما الأمر؟ أخبريني أيضًا!”
رفرف بجناحيه الصغيرين وهبط على كتفها.
“ هيهي، هناك سوق ليلي سيُفتح الليلة في العاصمة. أُفكر في زيارته قليلًا.”
“ سوق ليلي؟ لا تطيلي السهر. سنغادر فجرًا غدًا.”
“ لا تقلق. لن أتأخر. ساعة أو ساعتين بالكاد.”
وحين حاولت مييل أن تشرح له الأمر ببساطة، نقرها كوسيليكو بمنقاره على كتفها اعتراضًا.
“ سيكون هناك الكثير من الطعام الشهي، أليس كذلك؟“
“ ممم، لست متأكدة إن كان يناسب ذوقك، لكن… أليس المفترض أن الأرواح المرافقة لا تحتاج إلى الطعام؟“
رفعت مييل يديها مستسلمة، بينما كان كلاهما ينتظران غروب الشمس بلهفة.
“ من الناحية النظرية، صحيح… مصدر حياتي هو سحر لياد، لكن لدي حاسة تذوق!”
اعترض كوسيليكو، مما جعل مييل تضحك على طرافته.
“ إذًا، تريد المجيء معي؟“
“ بالطبع! خذيني معك، مفهوم؟“
“ حسنًا، حسنًا. فهمت.”
***
ومع غروب الشمس، خرجت مييل من غرفتها بهدوء.
“ تخفَّ جيدًا، اتفقنا؟“
وما إن همست بذلك، حتى فعّل كوسيليكو تعويذة التخفي فورًا.
ابتسمت مييل برقة، وبدأت تمشي عبر ممرات البرج.
في تلك اللحظة، كان شخص مألوف يقترب منها، كان جايد الذي يقرأ بعض الوثائق.
“ إلى أين تذهبين في مثل هذا الوقت؟“
سأل دون أن يرفع عينيه عن الأوراق.
“ آه، سأخرج قليلًا.”
“ لكننا سنغادر غدًا.”
رفع جايد حاجبًا.
ابتسمت مييل بخفة.
“ لن أتأخر. سأعود بسرعة.”
“ إلى أين تذهبين؟“
“ هناك سوق ليلي في هاميرون اليوم.”
“ همم… سوق ليلي؟“
تذكر جايد على الفور رحلتهما السابقة إلى الريف، حين شاركت مييل بحماس في مسابقة أكل التفاح.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.
“ إذن، سأذهب معك.”
جعلها رده المفاجئ تتسع عيناها.
‘ ألم يكن منشغلًا في قراءة الوثائق الآن؟‘
“ لا داعي، يا سيدي.”
“ لماذا كل هذا الاندهاش؟“
“ ظننت أنك مشغول. كنت تقرأ وأنت تمشي حتى.”
“ يمكنني تسليم هذه الأوراق لشولاين. هيا بنا.”
وضع جايد يده على كتفها، واختفت الأوراق من بين يديه فورًا.
كما قال، فقد أُرسلت مباشرة إلى مكتب شولاين.
وبالرغم من شعورها بالحرج، غادرت مييل برج السحر برفقة جايد، وصعدا إلى العربة التي أعدّتها مسبقًا.
في تلك اللحظة، كشف كوسيليكو عن نفسه.
“ يا لك من سيد برج عديم الذوق! هل كنت متشوقًا لهذا الحد لتتطفل على سهرتي أنا ومييل؟“
“ أأنت قادم أيضًا؟“
قال جايد ضاحكًا وهو يربّت بخفة على رأسه.
“ هاي! راقب أين تلمس!”
تخبط كوسيليكو بجناحيه، لكن مييل التقطته برفق واحتضنته.
“ اهدأ يا كوكو.”
“ همف. أنا ذاهب فقط لأنني لا أستطيع ترك آنستي الصغيرة الثمينة وحدها في الخارج.”
تمتم جايد بنبرة جافة.
ورغم أن كلامه كان صحيحًا، إلا أن هناك سببًا آخر أيضًا.
‘ كنت آمل أن نذهب وحدنا فقط…’
فهو لم يكن يهتم بالسوق الليلي بحد ذاته، بل كان فضوليًا حول كيف ستكون تعابير مييل في مكانٍ نابضٍ بالحياة هكذا؟
وانطلقت العربة.
“ هيهي، سوق ليلي! كم أنا متحمّس!”
كان كوسيليكو في مزاجٍ رائع، يزقزق بفرح بين ذراعي مييل.
“ هل أنت سعيد إلى هذا الحد يا كوكو؟“
داعبته مييل على رأسه برفق.
“ بالطبع! هذه الأماكن مليئة بالأشياء الشهية. التذوق حاسة رائعة كما تعلمين! حتى وإن لم أحتج للطعام كمصدر للطاقة لا يعني أنني لا أستمتع بطعمه!”
“ ترى، ما الذي يستطيع هذا الكائن الصغير أن يأكله أصلًا…”
علّق جايد ببرود.
وفي العادة، كان كوسيليكو ليرد عليه بحدة، لكنه كان مبتهجًا أكثر من أن يكترث.
“ هيهي، آكل أكثر مما يبدو عليّ. مييل، هل أحضرتِ ما يكفي من المال؟“
نظر إليها بجديّة، فردّت عليه بالمثل.
“ طبعًا يا كوكو. أنا أيضًا آخذ الطعام على محمل الجد. وبما أنك لا تأكل كثيرًا، فسأتشارك معك فيما أشتريه.”
“ هيهي، كما هو متوقّع من إبنة الحكيم العظيم.”
وبينما كان جايد يُصغي إلى حوارهما العجيب، ضحك بهدوء.
لسببٍ ما… بدا هذا الجو مريحًا.
كان شعورًا لم يعرفه قط قبل عودته بالزمن.
ففي الماضي، كان وكأنه يركض بلا توقف.
ضباب كثيف يعتم ذهنه… كما لو أن قراراته كانت تُتخذ بيدٍ غير يده.
لكن منذ لحظة عودته، لم يشعر بذلك أبدًا.
كل اختيارٍ بات نابعًا من إرادته.
وكل شعور، كان ملكًا له وحده.
وقد بدأت أمور تحدث لم تقع سابقًا.
العالم الذي يعرفه تغيّر بالفعل.
لم يكن يعرف ما المستقبل الذي ينتظره لكنّه لم يخف.
لا يعرف السبب، لكن جايد فكّر:
‘ ربما هذا هو الطريق الصحيح.’
نظر إلى مييل التي كانت تبتسم بينما تدردش مع كوسيليكو، وارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة.
‘ أتمنى أن يستمر هذا الوقت الهادئ…’
‘ ولو لبرهةٍ إضافية فقط، فلتظل تبتسم هكذا.’
____
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 57"