‘ ما هذا الشعور؟‘
راود مييل ذلك الإحساس الغريب مجددًا، والذي بات يزورها كثيرًا مؤخرًا، وخاصة كلما نظرت إلى معلمها.
في كل مرة ينتابها ذلك الإحساس، يخفق قلبها بشدة، وتصبح فجأة شديدة الانتباه لنظرات جايد، وتنفسه، وحتى صوته.
‘ لماذا أشعر بهذا الشكل… ؟‘
وقبل أن تصل إلى جواب لهذا الارتباك العاطفي، قاطعها كوسيليكو بصوته المرِح:
“ أجل يامييل. لا حاجة لأن ترهقي نفسكِ. اتركي كل شيء لسيد البرج فحسب.”
بفضل تعليق كوسيليكو الخفيف، بدأت مشاعر مييل المضطربة تخفّ.
ورغم أن أثرًا طفيفًا منها ظلّ عالقًا، إلا أنه كان ضئيلًا بالكاد لاحظته هي نفسها.
“ تشش، هذا الطائر المزعج لا يسكت أبدًا.”
تمتم جايد بضيق وهو يرفع حاجبًا نحو كوسيليكو، لكن كوسيليكو لم يتوقف عن مداعبته المستفزة.
“ همف، إن كنت قادرًا على إسكاتي، فلِم لا تحاول؟“
بدأ يحوم حوله بخفة واستفزاز، مما زاد من انزعاجه وقطّب جبينه.
لاحظت مييل تغير ملامحه، فسارعت إلى الإمساك بكوسيليكو وضمته إلى صدرها.
“ كوكو، توقف عن استفزاز المعلم.”
“ أنا أستفز؟! هو من بدأ أولاً!”
“ لا، هذه المرة، أنت المخطئ.”
قالت مييل بنبرة ناعمة كأنها تؤدب طفلًا صغيرًا.
عندها لمعت عينا جايد برضا، بينما نفش كوسيليكو ريشه بضيق.
“ إذًا أنا المخطئ الآن؟“
“ نعم، في هذه المرة أنت كذلك.”
“…حسنًا .”
ولما اعترفت أخيرًا، رفع جديد ذقنه بفخر كأنّه انتصر.
‘ حقًا… كلاهما كالأطفال. أحيانًا يبدوان أصغر سنًا من لولو ولالا.’
ابتسمت مييل من هذه الفكرة، ولم يمر وقت طويل حتى توقفت العربة.
“ لقد وصلنا.”
فتح جايد الباب بسرعة ونزل أولًا، ثم مدّ يده لمييل.
‘ أظنني بدأت أعتاد على هذا الآن.’
دون تفكير، أمسكت بذراعه ونزلت بهدوء.
خلال رحلتهما، أصبح الاثنان أكثر راحة في التعامل مع بعضهما.
وكانت مييل تشعر بهذا التغيّر أكثر من غيرها.
“ آه، يبدو أنهم كانوا بانتظارنا.”
أفلت جايد يدها وابتسم ابتسامة خفيفة.
أمامهما، كان هناك العشرات من الجنود المدججين بالسلاح مصطفين في صفوف منتظمة.
وفي وسطهم، وقف توروي.
كان يرتدي درعًا فضيًّا بدلًا من بزّته الرسمية المعتادة، ويبدو عليه الإرهاق الشديد.
“ وصلتَ، يا سيد البرج. وآنسة مييل.”
حين وقعت عيناه على مييل للحظة، بدا وكأن الإرهاق قد زال عن وجهه لثانية.
لكن حين التفت إلى جايد مجددًا، عادت ملامحه إلى الجدية.
“ كما أخبرتك من قبل، فإن الحدود الشمالية تمرّ الآن بأصعب حالاتها.”
عند نبرته الجادة، تحوّل وجه جايد إلى الحزم، وهز رأسه مقتربًا منه.
“ مفهوم يا سموّ الأمير لا تقلق. أنا هنا بنفسي.”
كانت نبرة جايد واثقة، فارتسمت على شفتي توروي ابتسامة صغيرة.
فهو يثق بجايد تمامًا، وقد رأى قوته بنفسه من قبل.
“ دعيني أُرشدكِ من هنا، آنسة مييل.”
قال توروي بابتسامة موجّهة إليها.
عندها اهتزّ حاجب جايد قليلًا.
‘ هذا الأمير…’
فمن حيث المنطق، كان الأجدر بتوروي أن يُظهر الاحترام الأكبر للساحر العظيم في مثل هذا الموقف.
ومع ذلك، كان تركيزه واضحًا على مييل أكثر من جايد.
ومشاعره بدأت تظهر بوضوح.
‘ لكن لا بأس… مييل لا ترى سواي على أية حال.’
هدّأ جايد نفسه، فلم يكن يرغب بالدخول في منافسة تافهة مع توروي الآن.
ثم تبع كل من جايد ومييل الأمير إلى داخل الحصن الحدودي، بينما كوسيليكو كان مستقر بأمان على كتف مييل.
‘ إذًا هذه هي الحدود…’
ما إن ترجلت مييل من العربة، حتى وقع نظرها على الجدار الطويل الشاهق الذي يمتد بلا نهاية.
‘ سيُغطي الحاجز الذي سينشئه المعلم كل هذا…’
كانت تسير خلف توروي وهي تفكر، بينما يتبعهم عدد من الجنود.
‘ كثرة الناس حولي تجعلني غير مرتاحة… لكن بالنظر إلى الوضع، لا خيار آخر.’
اقترب توروي من بوابة خشبية ضخمة في الجدار، لم تكن مفتوحة إلا بقدر يسمح بمرور شخص أو اثنين.
“ نبقي الفتحة صغيرة دائمًا تحسّبًا لأي طارئ.”
شرح توروي ذلك حين رأى علامات الاستفهام على وجه مييل.
“ آه، فهمت…”
“ تفضّلي من هنا.”
وبمجرد أن اجتازوا البوابة، ظهرت أمامهم درجات طويلة من السلالم.
تبعا مييل وجايد خطوات توروي صعودًا.
‘ عالٍ جدًا… لا عجب، فالجدار نفسه ضخم.’
وبعد صعود طويل، وصلوا أخيرًا إلى قمة الجدار.
كان السور مرتفعًا لدرجة أن مييل بالكاد استطاعت أن تطلّ على الخارج.
“ يمكنكِ التفرّج الآن. ليس وقت ظهور الوحوش بعد.”
وقف توروي إلى جانبها. وبسرعة، احتلّ جايد الجانب الآخر ملاصقًا لها.
نظرت مييل إلى الأفق؛ مروجٌ شاسعة تمتد إلى ما لا نهاية، يليها غابة كثيفة متشابكة الأشجار.
للوهلة الأولى، بدا المنظر هادئًا وجميلًا. لكن بقايا المعارك كانت ماثلة في كل مكان.
عضّت مييل على شفتيها دون وعي.
فقد كان العشب هنا وهناك ملوّثًا بدماء الوحوش، وهناك بقع حمراء ما زالت ندية.
لحسن الحظ، كانت الجثث قد أُزيلت، لكن آثار المعركة الحديثة لا تزال واضحة.
“ ظهرت الوحوش قبل ساعتين تقريبًا. ما زال أمامنا أكثر من ساعة قبل الموعد التالي.”
لم تكن هجمات الوحوش عشوائية تمامًا، بل كانت تتبع نمطًا معينًا.
لذلك، وُضعت جداول زمنية دقيقة للدفاع على جميع الحدود، بما في ذلك الحدود الشمالية.
لكن وتيرة ظهورها مؤخرًا كانت تزداد، مما زاد من القلق.
“ إذن يا سيد البرج، أُسلّمك الأمر.”
قام توروي بحركة نادرة منه ووضع يده على كتف جايد.
رفع جايد حاجبًا لكنه لم يبعدها.
“ لا تقلق يا سموّ الأمير.”
تراجع توروي خطوتين وكذلك مييل.
أما الجنود العشرة الذين رافقوهم، فقد ابتعدوا أيضًا بوجوه مشدودة.
إذ بلغ الساحر العظيم الحدود الشمالية، حيث يُقيم وليّ العهد الذي لا يُخفي نفوره من برج السحر.
لكنهم بالطبع لم يكونوا يعرفون كل ما يدور بين جايد وتوروي ومييل.
وفي تلك اللحظة، بدأت طاقة ذهبية تتجمع حول يد جايد.
“…واو .”
همس أحد الجنود بدهشة، وقد شُلّ من روعة المنظر.
ردّ فعل طبيعي لمن لا يعتاد رؤية السحر عن قرب.
انطلقت نيران ذهبية من يد الساحر العظيم وارتفعت في السماء…
فوووش!
ثم تمددت لتشكّل قبة عملاقة غطّت كامل السور.
ولم تقتصر القبة على الحصن فقط، بل امتدت لعشرة أمتار خارجه أيضًا.
‘هذا …’
اتسعت عينا مييل من الدهشة.
لقد فاق ذلك كل ما تصوّرته وهي في العربة.
والأدهى، أن جايد فعلها بكل سلاسة دون أن يبدو عليه أي أثر للإجهاد، رغم أن استهلاك المانا لا بد أنه كان مهولًا.
بهدوء تام ووجه خالٍ من التعبير، ظل يُشكّل الحاجز ويضبط تعويذته ويعززها بدقة.
لكن في داخله، كانت أفكاره تعمل بسرعة البرق.
“…مذهل .”
همس كوسيليكو من فوق كتف مييل.
“ بهذه الوتيرة، قد يصل يومًا لمستوى الحكيم العظيم. رغم أن لا يزال أمامه طريق طويل.”
وحين أضاف ذلك، لم تستطع مييل إلا أن تبتسم.
ولأول مرة منذ زمن، بدأت تنظر إلى معلمها بنظرة مختلفة قليلًا.
_________
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 55"