كتاب العصور القديمة.

 

طريقة استخدامه كانت بسيطة.

 

ورغم أن صفحاته كانت فارغة، إلا أن صاحبه، ما إن يتأمل في سؤال ما ويفتحه، تظهر الإجابة المناسبة مكتوبة داخله.

 

لكن لا يمكن استخدامه سوى مرة واحدة في اليوم.

 

وفوق ذلك، كان يتيح لصاحبه فهم كل لغات العالم ما عدا لغة الكائنات غير العاقلة.

 

ابتسمت مييل بخفة، ثم فتحت الصفحة الأولى من الكتاب، دون أن يكون في ذهنها أي سؤال.

 

وهناك، بين طيّات الصفحة الأولى، وُجدت قطعة من لوحة مرسومة.

 

كانت تحمل نفس الإحساس الذي شعرت به عندما حصلت على سولو سابقًا.

 

حتى هذه القطعة أيضًا بدت وكأنها اقتُطعت من لوحة أكبر، وكانت بالية ومهترئة إلى حدٍّ كبير.

 

‘ما زالت لوحة السماء…’

 

والأغرب، أن حواف القطعة الممزقة بدت كأنها الجهة المقابلة تمامًا للقطعة السابقة التي حصلت عليها مع سولو.

 

‘القطعة السابقة كانت ممزقة من الزاوية العليا اليمنى، وهذه من الزاوية العليا اليسرى… أيمكن أن تكون هذه القطع أجزاء من أحجية؟‘

 

هكذا فكرت مييل، ثم أعادت قطعة اللوحة إلى الكتاب، واحتضنته بحرص لتحتفظ به بأمان.

 

قالت لورا بابتسامة راضية:

 

“أخيرًا، هدية كاريلادين عادت إلى ابنته.”

 

ثم تقدّمت خطوة نحو مييل وسألتها:

 

“مييل، هل ستعودين الآن؟“

 

“نعم، يجب أن أعود. شكرًا لرعايتكم لي طوال هذا الوقت.”

 

انحنت مييل احترامًا للورا.

 

“كنت أود البقاء معك لفترة أطول.”

 

“هاها، ونحن أيضًا ولكن لدينا مسؤوليات بانتظارنا.”

 

“صحيح، صحيح… أنتم مشغولون، وأتفهم ذلك.”

 

ثم احتضنتها لورا وقالت:

 

“سُعدت بلقائك يا مييل. منذ مجيئك، عادت شجرة العالم إلى الحياة… ربما كنتِ معجزتنا.”

 

“لا أظن أن الأمر بهذه الروعة.”

 

في الحقيقة، كان شعب الإلف يشعرون بذلك الغموض الخفي حولها. 

 

فقد كانت شجرة العالم تحتفظ بجزء من قوى كاريلادين، إلى جانب طاقتها الحيوية.

 

لكنهم لاحظوا أن مييل لا تريد الحديث عن الأمر، لذا امتنعوا عن الخوض فيه.

 

“على أية حال، دعينا نوصلَكم. لن تأتي أي سفينة اليوم من ميناء غرين فوريون لتوصلكم إلى قارّتكم.”

 

“حقًا؟“

 

سألتها مييل بدهشة بعد أن أنهت لورا عناقها.

 

“لكن لا تقلقي، سنضمن وصولكم بسلام.”

 

ابتسمت لورا وأشارت برأسها نحو سامويل وبيهين، الذي كان يقترب وهو يرتدي قميصه مجددًا.

 

“بالطبع. سنعيد صديقتنا العزيزة مييل سالمة إلى ديارها.”

 

بدأ الإلف الثلاثة السير، وتبعتهم مييل وجايد وتوروي.

 

وفيما هم في طريقهم، همس كوسِيليكو من على كتف مييل الأيسر:

 

“مييل، أعتقد أن استرجاعك للكتاب ساعدني على استعادة بعض ذاكرتي.”

 

“حقًا؟“

 

“نعم. سأخبرك حين نعود.”

 

ابتسمت مييل لسماع ذلك.

 

 ولم يمضِ وقت طويل حتى غادروا الغابة برفقة الإلف الثلاثة.

 

 قالت لورا بابتسامة خافتة:

 

“مر وقت طويل منذ غادرت الغابة.”

 

أضاف بيهين:

 

“لستُ من محبي الخروج منها، لكن إن كان الأمر لأجل مييل، فلا بأس.”

 

قال سامويل وهو يبتسم:

 

“فلنرِهم بعضًا من قدراتنا هذه المرة.”

 

ثم سرعان ما اتجه الثلاثة إلى الشاطئ، ومدّوا أيديهم باتجاه البحر.

 

بزوغٌ من النور—

 

انبثقت من الإلف الثلاثة طاقة خضراء مشبعة بالحياة، بدأت تُشكّل أوراقًا ضخمة متلألئة.

 

“واو…” 

 

تنهدت مييل بإعجاب.

 

اجتمعت الأوراق سريعًا وشكلت قاربًا متكاملًا بأناقة سحرية.

 

“كما هو متوقَّع من سحر الإلف…” 

 

تمتم جايد بدهشة.

 

“منظر مدهش حقًا.” 

 

قال توروي وهو يتأمل المشهد.

 

وبعد قليل، اكتمل تكوين القارب وكان حجمه مناسبًا تمامًا لنقل ثلاثة أشخاص.

 

“عندما تصعدون جميعًا، سينطلق القارب من تلقاء نفسه. وسيوصلكم سالمين إلى قارتكم في الشمال.”

 

قالت لورا مبتسمة.

 

“عودي بسلام يا مييل.”

 

قالت مييل بانحناءة:

 

“شكرًا لكم جميعًا.” 

 

حتى بيهين وسامويل ودّعاهم بلطف.

 

“إلى لقاءٍ آخر يا أصدقائي.”

 

اتجهت مييل نحو القارب، وتبعها جايد وتوروي بعد أن أومآ برأسيهما للإلف.

 

أمسك كل منهما بذراعها ليساعداها في الصعود.

 

“عُودي لزيارتنا يا مييل.”

 

“أبوابنا مفتوحة لكِ دائمًا.”

 

“رحلة موفَّقة.”

 

ومع وداع الإلف الثلاثة، بدأ القارب بالسير من تلقاء نفسه.

 

 ولوّحت مييل لهم بيدها.

 

ولوّحوا هم لها بلا توقف.

 

وظلت تلوّح حتى تلاشى منظرهم خلف الأمواج، ثم جلست بهدوء في ركن من القارب.

 

‘هذه الرحلة… كانت ممتعة فعلًا.’

 

هكذا فكّرت مييل.

 

“إن كنتِ متعبة، يمكنك أخذ قسط من الراحة.”

 

قال جايد وهو يقترب منها.

 

“نعم، سأغفو قليلًا فقط.”

 

“سأوقظكِ عند الوصول.”

 

قال توروي بابتسامة هادئة.

 

✦✦✦

 

وصل قارب أوراق الإلف إلى ميناء القارة الشمالية، وما إن لامس اليابسة، حتى تلاشى بهدوء.

 

وهكذا عاد الثلاثة سالمين كما وعد الإلف.

 

بعد ذلك، استقلوا عربة برج السحر وعبَروا بها الصحراء. 

 

وكانت مييل تغفو بين الحين والآخر داخل العربة، بينما نام كوسيليكو في حضنها.

 

“أشعر أنني لم أكن نافعًا جدًا في هذه الرحلة.”

 

تمتم توروي وهو يحدّق من النافذة.

 

فتح جايد إحدى عينيه وقال:

 

“لا تبالغ. لقد ساهمت بما يكفي، دفعت أجر السفينة، وشاركت في القتال أيضًا.”

 

“لكن…”

 

“ثم إن مييل اختارت أن تكون برفقة جلالتك، فلا داعي لتشعر بالنقص.”

 

أعاد جايد إغلاق عينه، وأثار كلامه دهشة توروي، إذ لم يتوقع هذا اللطف ممن كان خصمه سابقًا.

 

“… فهمت.”

 

وبعد فترة، وصلت العربة إلى البوابة الخلفية لبرج السحر، فنزل الثلاثة منها.

 

“هاااام…”

 

تثاءبت مييل بخفوت، واقترب توروي منها وهو يحمل أمتعته.

 

“يبدو أنكِ مرهقة جدًا يا آنسة مييل.”

 

بدت له في غاية اللطافة فابتسم وقال:

 

“سأعود الآن. آنسة مييل، عليكِ أن تدخلي وتحصلي على قسط وافر من الراحة أيضًا.”

 

“نعم، شكرًا لك يا جلالتك. عد بسلام.”

 

“سأتواصل معكِ لاحقًا، إلى اللقاء.”

 

ركب توريو حصانه الذي كان قد أودعه عند البرج، وغادر عبر الصحراء.

 

وما إن اختفى عن الأنظار، حتى اقترب جايد وقال:

 

“مييل، تبدين متعبة. اذهبي لترتاحي فورًا.”

 

“حسنًا، أراك لاحقًا يا معلمي.”

 

دخلت مييل مع كوسيليكو إلى برج السحر، وهي بالكاد قادرة على إبقاء عينيها مفتوحتين.

 

“هااام… يبدو أنني لم أتعافَ تمامًا بعد.”

 

“طبعًا، لقد استنزفتِ الكثير من طاقتك.”

 

وصلت إلى غرفتها، وهناك بدأ كوسيليكو في التأنيب:

 

“لا تكرري هذه التصرفات المتهورة مجددًا! ماذا سأقول لـ لياد إن أصابك مكروه؟!”

 

“أنت لست وصيّي يا كوكو.”

 

“بلى، أنا وصيّك! فأنا الروح المرتبطة بلياد!”

 

“هممم، فهمت…”

 

ابتسمت مييل ابتسامة خفيفة لكوسيليكو، ثم شرعت في فتح حقيبتها.

 

“سأتولى ترتيب الأشياء غدًا…”

 

توجهت بعدها مباشرة إلى الحمام لتغتسل، ثم ارتدت ملابس نومها بسرعة وخرجت.

 

في تلك الأثناء، كان كوسيليكو قد أخرج كتاب كنز كاريلادين من فوق المكتب، كتاب يفوق حجمه حجم جسده مرات عديدة.

 

“ما الذي تفعله يا كوكو؟“

 

“قلت لك إن ذاكرتي بدأت تعود.”

 

فتح كوسيليكو الكتاب فورًا، وراح يقلّب صفحاته بمنقاره بجدية. 

 

وما إن بلغ صفحة الخرائط…

 

نقطة.

 

أشار بمنقاره إلى موضع محدد على الخريطة.

 

“هنا. هذا هو مكان كنز كاريلادين.”

 

اقتربت مييل بسرعة لتتأكد مما أشار إليه.

 

“هذا المكان… في القارة الشرقية؟“

 

كانت تلك القارة الأبعد بين القارات، وتتمتع بثقافة مميزة خاصة بها.

 

إنها تشبه إلى حد ما العالم الذي كنت أعيش فيه قبل أن أولد من جديد في هذا العالم… أعتقد أنها القارة التي تتبع نمطًا ثقافيًّا شرقِيًّا.

 

ولأنها لم تزر هذا المكان قط، شعرت بحماسة شديدة.

 

‘رغم أنها بالتأكيد تختلف عن عالمي السابق… لكن لا بأس…’

 

وما إن ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها، حتى تابع كوسيليكو حديثه:

 

“هناك بالضبط، يوجد الكنز المعروف بـ خَتْم ساريم.”

 

___________

 

ترجمة : سنو

 

فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️. 

 

بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee

او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee

واتباد : punnychanehe

واتباد احتياطي : punnychanehep